عباس الثانى
هذه صفحة لأحد أسماء الشخصية المذكورة أعلاه أو ألقابها أو لكنية من كُناها، وهي تحوَّل آلياً من يبحث عنها إلى صفحة عباس الثانى.
اليوم السابع
Very Negative2025-06-03
كان الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده يجلس فى داره فى ضاحية عين شمس، حين تلقى فرمان الخديو عباس الثانى بتعيينه مفتيا للديار المصرية، يوم 3 يونيو، مثل هذا اليوم، 1899، حسبما يؤكد تلميذه الشيخ محمد رشيد رضا فى الجزء الأول من كتابه «تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده». يذكر «رضا»: «كنت أول من قابل الأستاذ بعد العلم بهذه المسألة، ذهبت إلى داره فى عين شمس فألقيته واجما كئيبا، فلم أهنئه فظن أننى لم أعلم، فسألنى ألم تعلم بما جرى فى الإسكندرية؟ قلت: بلى ومالى أراك واجما؟ قال هذه وظيفة ليس فيها عمل، وذكر لى تفصيل ما حصل من أوله إلى آخره، وأن الخديو قال لمستشار الحقانية: الآن وجدت لك مفتيا تستطيع أن تفهم منه ويفهم منك بلا واسطة ولا ترجمة». كان الشيخ محمد عبده يبلغ من العمر وقتئذ 50 عاما، «مواليد 1849»، وكان اختياره مفتيا دون مشيخة الأزهر لافتا، حيث جرت العادة من قبل على الجمع بين المنصبين، لكن وحسب رشيد رضا فإن الخديو كلف صديقيه مصطفى باشا فهمى رئيس النظار، وحسن باشا عاصم رئيس التشريفات، بأن يحسنا له القبول، وقال للثانى: «أخبر صديقك بأنه إذا لم يقبل الإفتاء الآن فإننى أعد ذلك منه إيقاعا لى فى صعوبة شخصية مع الاحتلال، وأنا أعترف أنه قليل عليه، ولكن الأمور مرهونة بأوقاتها»، ويذكر الكاتب والمفكر عباس محمود العقاد فى كتابه «الأستاذ»: «الخديو عباس الثانى كان يستبقى محمد عبده للانتفاع بقدرته وشجاعته، بل للاحتماء بمكانته الدينية أحيانا فى وجه السلطة الأجنبية، لكنه يحاذر أن يسلمه زمام التصريف والتدبير فى مركز من مراكز الأزهر المستقلة، فتخطاه فى التعيين لمشيخة الأزهر مرتين، وكان ترشيحه لمنصب الإفتاء فى الواقع حيلة مستورة لإبعاده عن المشيخة، وهو أجدر بها وأقدر على الإصلاح فيها من كل من تولاها على عهد الخديو عباس الثانى، وهو أعرف برجحانه عليهم من سواه». أحدث فرمان الخديو صدى طيبا، وفقا لتأكيد رشيد رضا، قائلا: «توقع العارفون بفضل الأستاذ الإمام من الخير والإصلاح بتقليده لمنصب الإفتاء العام فوق ما توقعه هو بتواضعه وهضمه لنفسه»، ويستشهد «رضا» بالتهانى الشعرية التى قيلت فرحا، أشهرها تهنئة شاعر النيل حافظ إبراهيم، ويقول فيها: «بلغتك لم أنسب ولم أتغزل/ ولما أقف بين الهوى والتذلل/ ولما أصف كأسا ولم أبك منزلا/ ولم أنتحل فخرا ولم أتنبل/ فلم يبق فى قلبى مديحك موضعا/ تجول به ذكرى حبيب ومنزل/ رأيتك والأبصار حولك خشع/ فقلت أبوحفص ببرديك أم على». يؤكد الدكتور عثمان أمين أستاذ الفلسفة فى كتابه «رائد الفكر المصرى الإمام محمد عبده»، أن الشيخ الإمام أضفى على منصب الإفتاء مهابة لا عهد للناس بها من قبل، ولم يجعل المنصب مقصورا على الإفتاء فيما يحال إليه من مسائل، على غرار من سبقوه، بل وسع اختصاصه وزاد من نفوذه، وكانت مهمة المفتى قبل محمد عبده المصادقة على أحكام الإعدام التى تصدرها محاكم الجنايات، ولكن الإمام وسع من مجال هذا المنصب حتى شمل إصلاح المحاكم الشرعية وإصلاح الأزهر. يضيف «عثمان»: «مما يسترعى النظر فى هذا الصدد أن المفتى الأكبر نفسه كان يلقى حينئذ دروسا فى تفسير القرآن، وهى دروس انبعثت فى كل كلمة منها روح عصرية ودعوة إلى التحرير والتجديد الرشيد، وأشهر فتاوى الأستاذ الإمام ثلاث، الأولى، تبيح للمسلمين ادخار أموالهم وأخذ الفوائد والأرباح عليها، والثانية، تبيح لهم أن يأكلوا من ذبائح غير المسلمين، والثالثة تبيح لهم أن يتزيوا بزى غير زيهم التقليدى، وللإمام فتوى أخرى غير مشهورة فى موضوع النزاع بين العمال وأصحاب رؤوس الأموال، ومن العسير على الإنسان أن يتخيل اليوم كيف أن تلك البدع- كما كانوا يدعونها إذ ذاك- قد سببت كثيرا من المجادلات الحادة وأثارت سخط الشيوخ المتزمتين، وجلبت على المفتى ضروبا من القدح والتشهير، ولم تكن الدوافع إليها دينية خالصة فى أكثر من الأحيان». وفقا لسيرة الإمام محمد عبده، يذكر محققها «طاهر الطناحى» فى مقدمته لها: «كان يقف من العدالة وحق الوطن ما أشتهر عنه فى عدة مواقف حتى أصبح العدو الأكبر للخديو عباس»، ويضيف: بعض المنافقين للخديو، والموالين للعائلة الخديوية سنة 1902 دعوا الخديو إلى الاستعداد لإقامة ذكرى جده محمد على بمناسبة مرور مائة عام على حكمه فى مايو 1905، فوجد الأستاذ الإمام فى الاحتفال لهذه الذكرى تقديسا للاستبداد، وكتب مقالا بمجلة المنار عام 1902، هاجم فيه محمد على بشراسة، قائلا: «أخذ يرفع الأسافل ويعليهم فى البلاد والقرى حتى انحط الكرام وساد اللئام، ولم يبق فى البلاد إلا آلات له يستعملها فى جباية الأموال وجمع العساكر بأية طريقة». ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2025-01-31
توجه «رياض باشا» رئيس مجلس النظار «الوزراء» إلى الخديو عباس الثانى ليناقشه فى مسألة قراره بنفى البابا كيرلس الخامس بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية، فاحتدت المناقشة بينهما، وفقا للكاتب الصحفى صلاح عيسى فى كتابه «حكايات من دفتر الوطن». قال رياض باشا للخديو: «أنت يا أفندينا لا تملك حق نفى فرد بسيط من الأفراد إلا بحكم من المحكمة، فكيف تأمر بنفى رئيس دينى جليل المقام يماثل بابا روما، وكيف يكون موقف سموكم لو أنه التجأ للمحاكم، فألقى الخديو بالتبعية كلها على مستشاريه من الأقباط وخاصة «بطرس باشا غالى»، وطلب من رياض باشا حل الأزمة. عاش كيرلس الخامس «مائة وثلاثة أعوام، فهو من مواليد عام 1824، وتوفى عام 1927 وهو صاحب أطول فترة رئاسة للكنيسة الأرثوذكسية، وبدأت من عام 1874 واستمرت حتى 1927 بتأكيد الدكتور غالى شكرى فى كتابه «الأقباط فى وطن متغير»، وشهدت رئاسته للكنيسة تفاعلا كبيرا منه مع القضايا الوطنية، يذكرها صلاح عيسى قائلا: «كان فى الذاكرة الشعبية هو الرجل الذى أسهم بفعالية خلال الثورتين الكبيرتين 1882 و1919، فى صياغة موقف الأقباط، ففى الثورة العرابية، قام بالتوقيع على القرار الذى صدر عن الاجتماع الوطنى فى حضور عرابى وبدعوة منه بالاستمرار فى المقاومة المسلحة للاحتلال البريطانى، ورفض أوامر الخديو ومجلس وزرائه بالانضمام إلى الاحتلال، كما كانت له مواقفه الوطنية المشهودة أثناء ثورة 1919. وبالرغم من هذا التاريخ الوطنى فإن الخديو عباس الثانى قرر عزله من رئاسة الكنيسة ونفيه إلى دير البير موسى، ونفى مطران الإسكندرية الأنبا يؤانس إلى دير الأنبا بولا يوم 27 أغسطس 1892، ويؤكد «عيسى» أن هذا القرار أثار اهتمام المصريين، كما أحدث أزمة كبيرة بين المسيحيين. يوضح غالى شكرى طبيعة هذه الأزمة، مشيرا إلى أن الخديو إسماعيل أمر بتشكيل أول مجلس ملى للأقباط فى فبراير 1874، وبعد ثمانى سنوات من تشكيله لم ينجز هذا المجلس شيئا، فصدر قانون مايو 1882 فى ظل احتدام الثورة العرابية بتحديد العلاقة بين المجلس الملى والكنيسة. وتكون المجلس من أعضاء علمانيين لرعاية الشؤون المدنية للكنيسة كالأوقاف والمدارس والمطابع وسجلات الزواج والتعميد والوفيات والانفصال الجسدى والطلاق والوصايا والميراث، وفى منتصف 1891 طلب بعض أعيان الأقباط من البابا كيرلس تجديد تشكيل المجلس وإحيائه فرفض، مؤكدا أن «لائحة المجلس تجافى قوانين الكنيسة، وصدر بيان من كبار رجالها بأن المجلس يسلب حقوق الكنيسة، وقام كيرلس بتسليم البيان إلى الخديوى توفيق شخصيا. يؤكد «غالى» أن بطرس باشا غالى كان هو المحرك لحركة «المجلس الملى، وكان وكيلا للوزارة ثم وزيرا فرئيسا للوزراء، وفى صيف 1892 توجه إلى الإسكندرية للقاء الخديو عباس الذى بدأ حكمه فى يناير فى نفس العام، وناشده بإعادة تشكيل المجلس فصدرت الأوامر، وفى حراسة الشرطة جرت الانتخابات ونجح فيها «غالى»، لكن «البابا» رفضها، واعتبرها «خروجا على تعاليم المسيحية»، واتهم أطرافها بأنهم «يهدفون إلى سلب أموال الكنائس والأديرة وتفريق أبناء الملة»، ومضى البابا فى معركته حتى قرار عزله ونفيه. يذكر صلاح عيسى دراما ترحيل البابا إلى المنفى، مشيرا إلى تجمع الناس حزانى وهم يرون حبرين جليلين «البابا والأنبا يؤانس» فى حراسة الشرطة، وفى محطة دمنهور نزل البابا ليستقل قطارا إلى كفر الدوار فقابلته جماهير المسلمين والأقباط بالهتاف والتحية، وتقدم منه حمزة بك شيخ مشايخ عربان البحيرة، ووضع نفسه فى خدمته وقام الجميع بتقبيل يده وهم يبكون. غضب المسيحيون مما حدث لرمزهم الدينى الأول، فهجروا كنائسهم، وحسب عيسى: «عند الاحتفال بعيد الصليب لم يحضر فى كنيسة الملاك البحرى سوى ستة أشخاص، مع أن العادة جرت بأن هذا العيد مهرجان ضخم تمتلئ فيه هذه الكنيسة بالآلاف، وفى هذا العيد لم يذهب الناس كعادتهم إلى دير العريان بالمعصرة لذبح الذبائح، وأقفلت الكنائس تماما ككنيسة الزقازيق، ونضبت إيرادات البطريركية». تغيرت وزارة مصطفى فهمى باشا، التى وقعت الأزمة فى عهدها، وجاء رياض باشا رئيسا للحكومة الجديدة، وحسب عيسى: «كان أول ما فعله أن استدعى رؤساء الطائفة القبطية وناقشهم فى الأمر، ثم توجه إلى الخديو عباس الثانى وناقشه، وفى المناقشة ألقى الخديو باللائمة على مستشاريه الأقباط وخاصة بطرس غالى باشا، وطلب من رياض حل الأزمة، وبعد مناقشات مرهقة توصل «رياض إلى حل قدمه له قلينى فهمى باشا، بأن يتقدم المجلس الملى بالتماس إلى رئيس الوزراء يرجو فيه الحكومة إعادة البابا لمنصبه، وأن يعد استقبال طيب للبطريرك ويمنح الخديو «الوشاح المجيدى» أكبر وسام، وبالرغم من معارضة البابا لهذا الحل إلا أن الخديو أصدر قراره بالعفو عن البابا والأنبا يوأنس يوم 31 يناير، مثل هذا اليوم، 1893 بناء على التماس المجلس الملى. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2024-04-07
وقف سعد زغلول باشا وزير الحقانية أمام الجمعية العمومية «البرلمان»، مدافعا عن مشروع الحكومة بمد امتياز قناة السويس لبريطانيا 40 عاما، وفقا للدكتور مصطفى الحفناوى فى الجزء الرابع من كتابه «قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة». كان دفاع سعد باشا، يوم 4 إبريل 1910، وكان المشروع مرفوعا من الحكومة إلى «الجمعية العمومية» التى تحدث الخديو عباس حلمى الثانى أمامها أثناء افتتاحها يوم 9 فبراير 1910، طالبا من النواب إعطاء الرأى فيه، ويذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «محمد فريد رمز العطاء والإخلاص»: «شمل المشروع مد أجل الامتياز إلى أربعين سنة أخرى،على شرط اقتسام الأرباح فى هذه المدة بين الحكومة وشركة القناة مناصفة، وفى مقابل إعطاء الشركة نصف الأرباح عن المدة الجديدة». كانت قناة السويس بهذا المشروع ستبقى تحت سيطرة بريطانيا حتى عام 2008، ففترة الامتياز الأولى كانت ستنتهى عام 1968، وبإضافة الأربعين عاما فترة الامتياز الثانية المقترحة تمتد السيطرة حتى 2008، وكانت حكومة بطرس باشا غالى رئيس مجلس النظار«الوزراء» صاحبة المشروع، الذى دفع إبراهيم الوردانى إلى اغتيال «غالى» يوم 20 فبراير 1910، وحسب «الرافعى»: «كانت هذه الحادثة أولى حوادث القتل السياسى، التى وقعت فى مختلف عهود الحركة الوطنية الحديثة». ويذكر أحمد شفيق باشا، رئيس ديوان الخديو عباس الثانى، فى مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن»، أنه قبل أن يفتح مع «الوردانى» محضر التحقيق الرسمى سأله وكيل الحقانية: «لماذا فعلت فعلتك بالباشا؟ فأجاب غاضبا: لأنه خائن للوطن». قاد الزعيم محمد فريد، رئيس الحزب الوطنى، الحملة ضد مشروع مد امتياز القناة، ووفقا لـ«الرافعى»: «كان المشروع فى طى الكتمان لمدة عام، وكان فى عزم الوزارة إنفاذه بسرعة حتى لا يزعجها احتجاج الصحف الوطنية، وحتى تمكن فريد من الحصول على نسخة منه، وبادر إلى نشرها فى جريدة اللواء، وتابع ذلك بسلسلة مقالات «دلت على سعة إلمامه بدقائق المسألة المصرية وملابساتها من الوجهتين السياسية والمالية». أمام الغضب الشعبى، قرر الخديو عباس الثانى إحالة المشروع إلى الجمعية العمومية، على أن يقوم سعد زغلول بالدفاع عن رأى الحكومة باعتباره وزيرا للحقانية، وبعد إحالته قررت الجمعية تشكيل لجنة لدراسته دراسة مستفيضة، وأعدت اللجنة تقريرها، واجتمعت الجمعية العمومية بجلسة 21 مارس لمناقشته. يذكر «الرافعى» أنه فى الجلسة الثانية يوم 4 إبريل، دافع سعد زغلول عن المشروع من مذكرة أعدتها الحكومة، وقال «سعد»: «إن المشروع متعلق بالاستقبال، وقدرة الإنسان فى الأمور الغيبية قدرة بعيدة الاحتمال، ولذلك اختلفت الظنون والأفكار فى هذا المشروع اختلافا كثيرا، ونحن يجب علينا أن نفهم هذا الاختلاف، ولكن الذى لا ينبغى هو أن يفهم المخالف للآخر، أن هذا سيئ القصد والنية». يضيف «الرافعى» أنه فى جلسة 7 إبريل، مثل هذا اليوم، 1910، أراد سعد باشا أن يستأنف دفاعه عن المشروع، فرأى الأعضاء الاكتفاء بما قاله فى الجلسة السابقة، فاعترض على ذلك بأن هذه مقاطعة غير جائزة، وقال: «يقوم أحد رجال الحكومة ليتكلم فبأى حق يقطع عليه الكلام؟ قمت لأقول ملاحظاتى على أقوال اللجنة، فكيف أمنع من ذلك؟ يجب على الجمعية العمومية أن تسمع كلام الحكومة أولا»، إلى أن قال: «إنكم استعملتم هذا السلاح ضدى اليوم، وسيستعمل غدا ضدكم، فاحذروه والرأى لكم»، ورد عليه إسماعيل باشا أباظة، بأن المسألة استوفت بحثا من جانب الحكومة، ومن جانب الجمعية، وبعد مناقشة وجيزة، أخد الرأى على قفل باب المناقشة، فتقرر ذلك بالأغلبية، ثم أخذ الرأى على المشروع بالنداء بالاسم، ورفضته الجمعية بالإجماع، ماعدا مرقص سميكة باشا والوزراء. يؤكد «الحفناوى» أن رفض المشروع كان عملا جليلا رائعا، كما كان رائعا من أعمال الحزب الوطنى بزعامة محمد فريد، ويضيف: «كان وقع الرفض على الإنجليز كالصاعقة»، وعن حماس الشعب المصرى قال: «كانت قاعة الجمعية العمومية غاصة بالنظارة «الحكومة»، ولما صدر القرار التاريخى شوهد الزائرون والموظفون والصحفيون يعانق بعضهم بعضا، ويتبادلون التهانى الحارة، وتألفت مظاهرة من 15 ألف مصرى، ولأول مرة فى شوارع القاهرة منذ احتلال إنجلترا لمصر دوى هتاف: «ليسقط جيش الاحتلال، فلتسقط إنجلترا». يستخلص «الحفناوى» من هذا الهتاف معنى «أن الأمة عرفت الحقيقة، وفهمت أن جيش الاحتلال هو شركة قناة السويس، وأن هذه الشركة هى إنجلترا المحتلة». ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2024-02-09
افتتح الخديو عباس حلمى الثانى دور الانعقاد السنوى للجمعية العمومية «البرلمان» برئاسة الأمير حسين كامل، فى 9 فبراير، مثل هذا اليوم، 1910، وكان مشروع «مد امتياز قناة السويس» أربعين عاما هو المشروع الذى ستناقشه «الجمعية»، وكانت القناة بمقتضى هذا المشروع ستبقى خارج سيطرة مصر حتى عام 2008 بدلا من سنة 1968، وهو تاريخ نهاية الامتياز الأول، حسبما يذكر الدكتور مصطفى الحفناوى فى الجزء الرابع من كتابه «قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة مؤكدا: «كانت يقظة محمد فريد بك هى التى أنقذت مصر من تلك المؤامرة الدنيئة». كان «أحمد شفيق باشا» رئيس ديوان الخديو عباس الثانى شاهدا على الحدث وطرفا فيه، وفى الجزء الثالث من مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن»، يكشف: «لما شعرت شركة قنال السويس بحاجة إلى المال، انتهزت الفرصة وعرضت على الحكومة أن تصرح لها بمد امتياز القناة أربعين سنة جديدة مقابل أربعة ملايين من الجنيهات، وكان المستشار المالى يميل للأخذ بهذه الفكرة، وكذلك السير جورست «المندوب السامى البريطانى» وبطرس باشا غالى «رئيس الوزراء» إلا أن الرأى العام كان ضدها وكذلك بعض النظار كسعد باشا زغلول ورشدى باشا ومحمد سعيد باشا». يضيف شفيق باشا: «كتبت الصحف بهذه المناسبة كتابات شديدة، وتماطرت البرقيات والاحتجاجات على السراى من الأعيان والأحزاب والهيئات المختلفة، ووردت لنا برقيات من محمود سليمان باشا وعلى شعراوى باشا وأحمد يحى باشا يطلبون فيها طرح المشروع على الجمعية العمومية وكذلك جاءنا مثل هذا الطلب من حزب الإصلاح، وأرسلت الاحتجاجات إلى رئيس النظار بطرس باشا ولناظر الخارجية الإنجليزية». يضيف «شفيق باشا» أنه سلم هذه البرقيات إلى بطرس باشا بتكليف من الخديو الذى أفهمه أن يبلغ بطرس بأن سموه يخشى أن تكون هذه الحركة ضده شخصيا فيلزمه أن يحترس منها، وأن سموه لا ير مانعا بعد هذه الحركة القوية أن يعرض المشروع على الجمعية العمومية حتى تخف مسئولية النظارة، ويؤكد «شفيق» أنه لما قابل بطرس أبلغه رأى الخديو، وفى يوم 31 أكتوبر 1909 عرض على الخديو نتائج مهمته، وفى اليوم التالى جاء المندوب السامى البريطانى «جورست» إلى سراى رأس التين، وتم الاتفاق على عرض المشروع أمام الجمعية العمومية، شرط أن يدافع سعد زغلول عنه «باعتباره وزيرا فى الحكومة» ويكون رأى الجمعية قاطعا. قاد الزعيم الوطنى محمد فريد الحالة الوطنية حول هذه القضية، ويذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «محمد فريد رمز الإخلاص والتضحية»: «ظل المشروع فى طى الخفاء زهاء سنة، وكان فى عزم الوزارة إنفاذه بسرعة، حتى لا يزعجها احتجاج الصحف الوطنية ،ولكن محمد فريد «تمكن من الحصول على نسخة المشروع فى أكتوبر سنة 1909، فبادر إلى نشرها فى جريدة اللواء، ثم قفى على أثرها ببيان أسرار المشروع وأسبابه، والغبن الذى يصيب مصر من ورائه، وشرح ذلك فى سلسلة مقالات مستفيضة، وحركت القضية روح الشاعر حافظ إبراهيم، فكتب مناشدا الجمعية العمومية بأن لا تثق فى وعود الاحتلال، قائلا: «فياويل القناة إذا احتواها/ بنو التايمز وانحسر اللثام / لقد بقيت من الدنيا حطاما / بأيدينا وقد عز الحطام». فى ظل هذه الأجواء ذهب الخديو عباس الثانى إلى الجمعية العمومية، وحسب «شفيق باشا»، كان معه رئيس النظار «بطرس باشا» ومحمود شكرى باشا وحسين محرم باشا»، وألقى الخديو كلمة عرض فيها المشروع بإيجاز، قائلا: «بعد المخابرة الطويلة أمكن الوصول إلى المشروع المطروح أمامكم، وقد علمتم أن حكوماتنا مجمعة على قبوله إذا رضيت الشركة بالتعديلات التى اقترحتها الحكومة عليها، فالغرض إذا من اجتماعكم إنما هو البحث فيما إذا كان من مصلحتنا مد أجل الامتياز إلى أربعين سنة مع اقتسام الأرباح فى هذه المدة بين الحكومة والشركة مناصفة، وفى مقابل إعطاء الشركة نصف الأرباح عن المدة الجديدة تدفع للخزينة مبالغ موزعة على الستين سنة الباقية من مدة الاميتاز الحالى، وقدر هذه القيمة بعد البحث الدقيق أشخاص من ذوى الخبرة فى الشؤون المالية، وهم يرون أنه إذا حصلت الموافقة على التعديلات تكون الفائدة التى تنالها مصر موجبة لتمام الرضاء». فى أثناء نظر القانون، أغتيل بطرس باشا غالى رئيس الوزراء يوم 20 فبراير 1910، وفى التحقيقات اعترف قالته إبراهيم الوردانى أن سعى بطرس باشا إلى مد امتياز شركة القناة كان من أسباب جريمته وفقا لما يذكره الرافعى، مضيفا، أنه فى 7 أبريل 1910 قررت الجمعية رفض المشروع بإجماع الأعضاء ما عدا مرقص سميكة باشا ووزراء الحكومة. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2024-02-06
قضت المحكمة بحبس عبدالحميد كامل أفندى، صاحب جريدة «حمارة منيتى» بالحبس ستة أشهر، وحبس حسين توفيق أفندى صاحب جريدتى «البابا جللو المصرى » و«الأرنب» بالحبس أربعة أشهر يوم 6 فبراير، مثل هذا اليوم، 1904، لانتهاكهما حرمة الآداب فى حق فضيلة مفتى الديار المصرية الشيخ الإمام محمد عبده، حسبما يذكر أحمد شفيق باشا رئيس ديوان الخديو عباس الثانى فى مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن». قامت الجريدتان بإشهار رسم وتصوير الإمام محمد عبده واقفا مع امرأة بلباس الرقص بحالة شائنة، ويذكر شفيق باشا الذى عاصر الحدث: «تم القذف فى حق الشيخ الإمام بأنهما أسندا إليه الكفر وتحليل المحرمات، وغير ذلك من الأمور الموجبة احتقاره عند أهل وطنه». دارت وقائع القضية فى المحاكم، لكنها كانت انعكاسا لصراع حاد خارج أروقتها، فالخديو عباس الثانى كان غاضبا من الإمام، وبلغ فى غضبه مرحلة حادة، وكان يخطط لفصله من منصب المفتى لولا رفض اللورد كرومر المعتمد البريطانى لهذه المخططات، وحسب شفيق باشا: «حرض العلماء عليه، فرموه بأنه وهابى كما رموه بالزندقة لعدم أخذه بآراء شيوخ المذاهب، فرد عليهم الشيخ بما يدحض فريتهم». لجأ الخديو عباس الثانى إلى تأليب الصحف ضد الإمام، فأقدمت بعض الجرائد على تنظيم حملة هجوم كاسحة ضده، ومنها جريدتا «اللواء» و«الظاهر»، وانضمت لهما جرائد «حمارة منيتى» و «البابا جللو» و«الأرنب»، وشنت هذه الصحف حملتها بسبب فتوى صدرت من الشيخ محمد عبده، وكانت ردا على سؤالين هما: يوجد أفراد فى هذه البلاد «الترنسفال» يلبسون البرانيط لقضاء مصالحهم وعوائد الفوائد إليهم.. فهل يجوز ذلك؟ أما السؤال الثانى: إن ذبحهم «أى نصارى الترنسفال» مخالف، وذلك لأنهم يضربون البقر بالبلط، وبعد ذلك يذبحون بغير تسمية، والغنم يذبحونها بغير تسمية أيضا.. هل يجوز أكل ذبحهم؟ أفتى «المفتى» بالإباحة فى الحالتين، وحسب المجلد الأول من «تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده»، تأليف محمد رشيد رضا: «من هداية السنة السنية ما تبين به أن الإسلام لم يقيد أهله بزى مخصوص، لأن الزى من العادات التى تختلف باختلاف حاجات الشعوب وأذواقهم وطبائع بلادهم، فهو مباح لهم، فلم يكن من حكمة هذا الدين العام لجميع البشر أن يقيد شعوب الأرض كلها بعادة طائفة منهم كأهل الحجاز أو غيرهم، ولهذا لبس النبى صلى الله عليه وسلم من لبوس النصارى والمجوس والمشركين، كما ثبت فى الأحاديث الصحيحة، ولذلك ترى للمسلمين فى كل قطر زيا يشاركهم فيه غالبا من ليس من دينهم بل أكثر لبوسهم مأخوذ عن النصارى برمته، ومنه زى العثمانيين الرسمى». اشتهرت فتوى الإمام فى السؤالين باسم «الفتوى الترنسفالية»، ووجد الخديو عباس فيها فرصة فأعد خطة محكمة للهجوم عليها وعلى صاحبهما، ويذكر محمد رشيد رضا، أن الشيخ محمد توفيق البكرى، نقيب الأشراف، جاءه بنفسه وأخبره بأنه أعد الآن حملة قوية من أشهر كتاب مصر وعلمائها للطعن فى الفتوى الترنسفالية، وأن صاحب جريدة حديثة العهد غير مسلم أخذ منه سبعمائة جنيه دفعة واحدة، وقال «البكرى» لـ«رضا»: إن الخديو لا يكلفك أن تطعن على الشيخ مع الطاعنين، لأنه يعلم كما نعلم أن هذا مما لا سبيل إليه معك، وإنما يكلفك السكوت عن عنه فقط، فإذا كنت ترضى بهذا فأفندينا مستعد لمقابلتك». استخدم خصوم الإمام محمد عبده كل أسلحة التشهير، ولجأوا إلى وسائل غير شرعية متنوعة، كالحالة التى أدت إلى سجن مرتكبيها يوم 6 فبراير 1904، وبالطبع كان فى المعركة «التقليديون» الذين يحاربون الشيخ محمد عبده، غير أن المعركة لم تخل من «الانتهازيين»، ويدلل رشيد رضا على ذلك بذكره قصة الشيخ محمد الشربتلى، الذى كان يحرر معظم جريدة «الظاهر» لصاحبها محمد بك أبوشادى المحامى، وكان «الشربتلى» طالب علم ثم دخل جماعة «الدعاة إلى عقيدة وحدة الوجود»، وأنشأ جريدة «النهج القويم»، كانت هى التى كتبت أن الشيخ محمد عبده صرح فى درس التوحيد، الذى كان يلقيه فى الأزهر، بنفى توحيد الله تعالى، فحاكمته النيابة العامة على هذا وحبسته، ولما دعاه أبوشادى بك إلى الكتابة فى التشنيع على «الفتوى الترنسفالية» فى جريدة «الظاهر»، وافق هوى فى نفسه، وهو لم يكن صاحب مبدأ ثابت، بل كان يكتب بالأجرة لجريدتين أو أكثر من الجرائد الأسبوعية التى تعرف بالساقطة، فيرد فى بعضها على ما كتبه هو نفسه فى الأخرى. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2024-01-05
استوقف أحد المشايخ فى «أم درمان» بالسودان، اللورد كرومر مندوب الاحتلال البريطانى فى مصر أثناء إلقائه خطابا، وسأله، عما إذا كانت الشريعة الإسلامية ستكون محترمة ونافذة المفعول فى السودان؟ فدارت المناقشات، وظهر منها «أن النية متجهة لفتح السودان للرسالات التبشيرية على نطاق واسع، خصوصا فى «السودان الجنوبى»، حسبما يذكر الدكتور محمد فؤاد شكرى فى كتابه «مصر والسودان». كان سؤال «الشيخ» والإجابة عليه ينفذان إلى المستقبل الذى ينتظر السودان فى مسألة، هل هو بالفعل مع مصر بلد واحد تحكمهما سلطة واحدة؟ أم أن مصيره هو بيد الاحتلال البريطانى؟ وكانت خطبة «كرومر» كلها تدور حول ذلك، وتؤسس للإجابة على سؤال ما زال مطروحا: هل كان السودان محكوما حقا بإدارة مصرية من وقتئذ وحتى رفع علم السودان كدولة مستقلة فى 1 يناير 1956؟ يذكر أحمد شفيق باشا «رئيس ديوان الخديو عباس الثانى» فى الجزء الثانى من مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن»، أن كرومر ألقى خطابه أثناء زيارته إلى السودان التى بدأت بوصوله لأم درمان يوم 3 يناير 1899، وفى اليوم التالى «4 يناير» خرج من الوابور وسلم عليه كبار الضباط من مصر وإنجلترا وقام بعدة جولات، وفى 5 يناير «مثل هذا اليوم» وضع حجر الأساس لكلية غوردن باسم ملكة إنجلترا وإمبراطورة الهند وسمو خديو مصر عباس حلمى الثانى. يذكر الخديو عباس فى مذكراته «عهدى» أن اللورد الحذق كرومر وجد أن يقترح على حكومته وضعا جديدا للسودان، فى أثناء خطبة ألقيت فى اجتماع المشايخ فى أم درمان، فى الأيام الأولى من عام 1899، فقال: «فى المستقبل سوف تحكمون بواسطة ملكة إنجلترا وخديو مصر». يكشف «شفيق باشا» رد الفعل الذى أحدثه كلام كرومر على الخديو عباس حين تلقى رسالة به، والذى لم يخف فيه هدفه ولم يدار نواياه، يقول شفيق: «كان للرسالة وقع شديد فى نفوسنا إذ كانت إعلانا صريحا من الجانب الإنجليزى بأنه لا يبغى الاشتراك فقط فى حكومة السودان، بل ويعتزم غل اليد المصرية نهائيا عن التدخل فى شأنه، ما دام السردار الإنجليزى هو الشخص الوحيد الذى سيقوم بالأمر»، يضيف «شفيق»: «بهذه الخطبة اتضحت خطتهم المقبلة فى السودان، وكانت الخطبة موضع دهشة حتى أن الخديو عندما بلغته قال: لا أصدق أن يكون هذا نص خطبة اللورد كرومر، ولكن تبين فيما بعد أنه هو النص الصحيح». يذكر الدكتور محمد فؤاد شكرى نص هذه الخطبة فى كتاب «مصر والسودان» وتقول: «أهنئكم على الخلاص من استبداد حكومة الدراويش «المهديين» بفضل ما أظهره السردار وضباط من الحذق فى تدبير القتال، وبما برهنت عليه الجنود البريطانية والمصرية من الشهامة والثبات، وأنتم ترون العلمين البريطانى والمصرى يخفقان فى هذا المكان، وفى هذا إشارة إلى أنكم ستحكمون فى المستقبل بملكة إنجلترا وخديو مصر، والنائب الممثل الوحيد فى السودان عن الحكومتين البريطانية والمصرية سيكون سعادة السردار الذى أودعت فيه جلالة الملكة وسمو الخديو تمام ثقتهما. واعلموا أن البلاد السودانية لا تستمد أحكامها من القاهرة ولا من لندن، بل إن السردار هو الذى سيقوم بالعدل فيما بينكم، فلا يجب التعويل على أحد غيره، ولست أشك فى أنه يحقق أمانيكم، ويحقق لكم كل ما ترجون. إنى أعرف أن مساوئ كثيرة كانت موجودة أيام الحكم المصرى فى السودان، فلم يكن هناك محاكم تستحق هذه التسمية، وكانت الضرائب ثقيلة، والإتاوات التى كانت تحصل زيادة على الضرائب، كان كثيرا حدوثها، ولكن فى وسعكم أن تطمئنوا الآن لعدم عودة هذه المساوئ مرة ثانية، فأنتم ولا شك سمعتم أن الحكومة المصرية الآن تحدوها روح تختلف اختلافا تاما عن تلك التى كانت سائدة فى الأزمنة السابقة، وإنى واثق من أن السردار سوف يكون فى وسعه قبل مضى وقت طويل أن يؤسس نوعا بسيطا من المحاكم التى تقوم على توزيع العدالة بالتساوى على جميع الناس غنيهم وفقيرهم على السواء، سوف يطلب منكم بطبيعة الحال دفع الضرائب، ولكن هذه سوف تكون بمقادير معتدلة وفى مواعيد محددة، حسب ما جرى به العرف القديم، ولكم أن تعرفوا أنه لن يطلب منكم إتاوات استثنائية، وسوف تقوم جماعة قليلة من الضباط الإنجليز فى كل جهة حتى يروا تنفيذ هذه القواعد بدقة». عاد اللورد كرومر إلى القاهرة يوم 13 يناير 1899 حسب تأكيد «شفيق باشا»، وفى 17 يناير زار الخديو ودار الحديث بينهما حول هذه الخطبة، ويقول «شفيق» أنه فى 19 يناير انعقد مجلس النظار للنظر فى الاتفاق المشئوم الذى أبلغه كرومر لبطرس باشا غالى ناظر الخارجية، وبمقتضاه أصبحت إدارة السودان ثنائية بين مصر وبريطانيا. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2023-05-25
لاحظ المحيطون بالخديو عباس حلمى الثانى، الذى حكم مصر من 8 يناير 1892 إلى 19 ديسمبر 1914، أن حالته ليست طبيعية، حيث أصبح كثير الصخب، يتكدر ويسخط لأقل شىء، مشتت الأفكار، يصمت كثيرا، فسادت حالة من الفزع بسبب ذلك، حسب أحمد شفيق باشا رئيس ديوان الخديو فى الجزء الثانى من مذكراته، مضيفا: «راعتنا هذه الحالة التى لا نعلم لها سببا »، ويشير إلى أنهم تعجبوا منها لأن الأمور كانت تسير فى هدوء فى ظل العهد الجديد، الذى بدأ بقرار الحكومة الإنجليزية بإعفاء اللورد كرومر من مهام منصبه كمندوب لها فى مصر بسبب دوره فى حادثة قرية دنشواى «13 يونيو 1906 »، وتعيين اللورد جورست بدلا منه، غير أنه تبين فيما بعد أن كرومر هو أحد أسباب حالة «عباس الثانى» السيئة، فكيف حدث ذلك؟ كانت العلاقة بين عباس الثانى وهو يجلس على العرش، وبين كرومر الذى كان صاحب الكلمة الفصل فى مصر، تشهد حالة يغلب عليها التوتر فى معظم الأوقات، ويكشف «عباس» جانبا من أسرارها فى مذكراته «عهدى»، قائلا: «كان يحاول دائما أن يهيننى ويقلل من شأنى، وكان كل مرة يأتى لرؤيتى، ويكون فيها غير منشرح السريرة يحاول أن يجرحنى، مدعيا أن الشعب المصرى كان يرغب فى أن يثور ضد الأسرة الحاكمة، وأن الإنجليز كانوا قد حضروا من أجل حمايتها، وإعادة النظام». يضيف عباس: «كان كرومر يقول لى لا تنس أن الحركة العرابية «ثورة عرابى» موجودة دائما، وأننى إذا ما رفعت إصبعى الصغير، فإنه يمكنها أن تظهر من جديد، وأن تطيح بالأسرة «أسرة محمد على» خارج البلاد »، وحينما كان يحدثنى بهذه الطريقة، لم أكن أرد عليه أبدا، إذ إننى كنت لا أرغب فى نشوء أزمة يمكنه أن يستغلها ضدى». هكذا يتحدث عباس الثانى صراحة عن حالة الاستعلاء والاحتقار من «كرومر » إليه، مما دفعه إلى تدبير الأمر الذى انتهى إلى الحالة البائسة التى عاشها، وظلت مجهولة السبب لا يعرف حقيقتها رجال الحاشية حتى عرف «شفيق باشا» كل شىء عنها فى 25 مايو، مثل هذا اليوم، 1907. يقول «شفيق باشا »: إنه قابل بطرس باشا غالى وعرض عليه حالة الخديو ليعرف حقيقة الأمر، فأفضى بطرس باشا بالسر، قائلا: «توجد شائعة بأن الخديو كان يكلف أحد الإنجليز بالكتابة فى صحف إنجلترا ضد كرومر، وأن هذا الرجل، نظرا لوجود مكاتبات لديه من الخديو، يطلب مبلغا عظيما هو مائة ألف جنيه، وإلا فإنه يفضح الأمر، وهذا ما يخشى الخديو حدوثه من وقت لآخر». كما ذكر بطرس باشا سببا آخر لسوء حالة الخديو عباس، وهو أنه متكدر من السلطان العثمانى لأنه رغب فى أن يشترى أرضا واسعة فى «الضمان» بتركيا، فيها غابات يمتلكها رجل اسمه شريف أفندى من أزمير بمبلغ 12 ألف جنيه، وقد أراد سموه أن يكون البيع باسم «أحمد أغا الكريدلى»، فلما علم السلطان بذلك، حال دون إتمام الصفقة، فتأثر الخديو جد التأثر، ولكن انتهى الأمر بشراء عباس هذه الأرض. يكشف «شفيق باشا» فى مذكراته بالتفصيل قصة استئجار «عباس الثانى» للشخص الذى يهاجم كرومر فى الصحافة الإنجليزية، وفيها سنعرف أن الموضوع لم يكن يقتصر على تأجير شخص واحد فقط لهذه المهمة، وإنما كان هناك قاض إنجليزى يعمل فى المحاكم الأهلية وأرغم على الاستقالة، وكان يقوم بهذا الدور ويتقاضى 120 جنيها كل ثلاثة أشهر، وكان شفيق هو الذى يعطيه هذا الراتب. أما الشخص الذى تم استئجاره ثم هدد، فكان اسمه «اسطفان بك»، وهو أرمنى يعمل فى بيع وشراء الأراضى، وحضر إلى مصر وطلب من الحكومة أراضى بجهة النوبارية، لكن لم يحصل عليها، ولما ذهب الشيخ على يوسف «صاحب جريدة المؤيد» وصديق الخديو إلى لندن قابله، واتفق معه على مساعدة مالية نظير قيامه بالكتابة فى الجرائد الإنجليزية ضد كرومر، واستمر الرجل فى مهمته حتى كشف كرومر حقيقته قبل إعفائه كمندوب لبريطانيا فى مصر، وعلم أن بيده خطابات من الخديو والشيخ على يوسف حول مهمته، وأنه تم إرسال ألفين جنيه له نظير ذلك. طلب كرومر من «اسطفان بك » هذه الخطابات مقابل أن يعطيه الأرض، التى طلبها من قبل لكنه رفض، ثم تدخل الوسطاء بينه وبين الخديو، فاشترط الرجل الحصول على مائة ألف جنيه، وجرت محاولات لتخفيض المبلغ إلى خمسين ألف جنيه، رفضها فى البداية، ثم انتهت القصة بحصوله على مبلغ من «الخاصة». ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2020-03-03
وصل الزعيم مصطفى كامل إلى الإسكندرية، يوم28 فبراير1896 لإلقاء خطبة وطنية كبرى، فنزل فى فندق «آيات» بحى المنشية، لكن صديقه إسماعيل بك شيمى القاضى بمحكمة الإسكندرية المختلطة، أصر على أن يستضيفه فى منزله على شاطئ البحر بجهة الأنفوشى حسب عبد الرحمن الرافعى، فى كتابه »مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية» الصادرة عن «دار المعارف – القاهرة»، مضيفا «ما إن علم أعيان الإسكندرية وأهلها بمقدمه حتى أخذوا يتوافدون على دار»شيمى بك«ليظهروا إعجابهم به، والالتفاف حوله، فكانت الدار مدة إقامته بها مهوى أفئدة الوطنيين. كان »مصطفى كامل«عمره وقتئذ22 عاما فقط «مواليد 14 أغسطس 1874»، وبالرغم من صغر سنه إلا أنه أصبح زعيما للحركة الوطنية المصرية، واقترب لسنوات من الخديو عباس حلمى الثانى «خديو مصر 1892–1914» ويصفه فى مذكراته »عهدى» دار الشروق–القاهرة :«شاءت العناية التى تسهر على الشعوب كما تسهر على الرجال أن ترسل لمصر باذر البذور المنتظر، مصطفى كامل، فهو الذى بدأ فى نشر الفكرة الوطنية فى شباب الدارسين المصريين فى أوروبا، وهو الذى عند عودته من فرنسا أحدث تغييرا أو تحديثا ملموسين، كان شابا يحمل كل رشاقة الشباب، بما فى ذلك الخيالات المقدسة، وفى المفاضلة بين الحياة المادية والحياة الروحية، كان قد اختار الثانية، كان وافدا جديدا على حلبة السياسة، ولم يكن يعرف شيئا عن أساليبها المعقدة الوضيعة، وفى بلاد عريقة كبلادنا مصر فإنك لن تجد المؤهلين إلا على لوحات المقابر، وكان بسيطا وصريحا، وتحت شكله اللطيف كانت تختبئ نفس متفتحة لكل الأحاسيس، وقلب يـتأثر بكل الحنان. بهذه الصفات التى يذكرها »عباس الثانى«، اتجهت أنظار المصريين إلى مصطفى كامل بعد عودته من جولته الأوروبية التى انتهت يوم 9 يناير 1896 وحسب الرافعى«، تعلقت به آمالهم، وتردد صدى خطبه ومقالاته فى أرجاء البلاد، فأخذت القلوب تلتف حوله كزعيم للحركة الوطنية ومحرر البلاد، واختار مدينة الإسكندرية مكانا لإلقاء خطبته لأنه كان »يأنس فى أهلها الحماسة والوطنية». فى هذا السياق جاءت خطبته يوم 3 مارس، مثل هذا اليوم، عام 1896 فى »المسرح العباسى»، ويصف »الرافعى« حال المسرح والخطاب والجمهور» كان الاجتماع حافلا بالمستمعين من صفوة القوم، وحضره بعض النزلاء الأجانب، وكان الزحام شديدا إذا لم يبق مكان فى التياترو خاليا، وارتد المئات من الناس عن بابه من كثرة الزحام، وقوبلت الخطبة بالتصفيق والحماسة والاستحسان، وكان موضوعها حث المصريين على التمسك بحقوقهم فى الاستقلال والمطالبة بالجلاء واستثارة روح الكرامة والأمل فى قلوبهم، وطلب الخطيب من الحاضرين فى نهاية خطبته أن يقروا نداءه بالجلاء برفع أيديهم، فأقروا بالإجماع نداءه، فكانت مظاهرة قومية رائعة. ينقل »الرافعى«ردود فعل الصحف على هذه الخطبة، ففى جريدة المؤيد جاء: «وبالجملة فإن جميع الذين سمعوا هذه الخطبة الشائقة، أجمعوا على أن حضرة الخطيب الفاضل قد استهوى المسامع بحسن إلقائه وبلاغة منطقه وغزارة مادته، ولطيف اعتداله، إنها الخطبة الأولى التى أقدم على إلقائها شاب مصرى غيور، عرف واجب الوطن وضرورة التفانى فى حبه المقدس بعد أن مر على الاحتلال الأجنبى أربعة عشر عاما»، وأطنبت جريدة «الفاو الكسندرى» التى تصدر بالإسكندرية فى مدح الخطيب، ونوهت بفضله فى تأليف قلوب الوطنيين والنزلاء، وقالت »وهو الأمر الذى كان له أحسن وقع فى النفوس الحرة لاسيما من شاب لا يتجاوز عمره اثنتين وعشرين سنة قام نائبا عن أبناء وطنه فى الدفاع عن حقوقهم». ويؤكد الرافعى، أن الخطبة كان لها دوى عظيم فى الإسكندرية، تردد صداه فى أرجاء مصر، وظهر تأثيرها فى نفوس الإسكندرية يوم عودته إلى العاصمة، القاهرة، فكان توديعه بمحطة الإسكندرية مظاهرة وطنية، إذ اجتمع على رصيف المحطة جمع كبير من الإسكندريين وفى مقدمتهم أعيان المدينة وفضلاؤها لتوديع الضيف الكريم، وقدموا له وساما من الفضة رسم على أحد وجهيه صورة السعف المصرى ومسلة الإسكندرية، وكتب على الوجه الآخر جملة: «برهان الإخلاص من أهالى الإسكندرية للوطنى الغيور مصطفى كامل«، فتقبل الهدية شاكرا، وأمطرت عليه باقات الأزهار والرياحين، وما كاد القطار يتحرك حتى هتف له الجمع الحاشد هتاف الإخلاص والحب وهو يرد التحية شاكرا». ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2023-01-07
دعا الزعيم الوطنى مصطفى كامل، المصريين إلى تقديم عرائض إلى الخديو عباس الثانى، للمطالبة بالعفو عن مسجونى حادثة دنشواى، لكى يمحى أثرا من آثار الظلم الذى وقع على الأبرياء من شهداء هذه الحادثة، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية». وقعت هذه الحادثة فى قرية «دنشواى» بمحافظة المنوفية يوم 13 يونيو 1906»، وضحاياها كانوا فلاحين فقراء، وجلادوها كانوا ضباطا وجنودا من الإنجليز، ووفقا للرافعى: «بدأت بوصول كتيبة من نحو 150 ضابطا وجنديا من قوات الاحتلال الإنجليزى إلى منوف، فى طريقهم من القاهرة إلى الإسكندرية، وأبلغ خمسة ضباط منهم مأمور مركز منوف برغبتهم فى صيد الحمام فى دنشواى، التابعة لمركز الشهداء، وطلب المأمور من عبدالمجيد بك سلطان أحد أعيان قرية «الواط» تجهيز مركبات للضباط لتوصيلهم من «كمشيش» إلى «دنشواى» . يذكر «الرافعى»، أن الضباط الخمسة انقسموا إلى فريقين، واحد يصطاد الحمام من على الأشجار، وفريق يصطاد من أجران القمح، حيث كانت هذه الأيام هى أيام حصاد المحصول، وفى جرن «محمد عبدالنبى»، صوب ضابط بندقيته نحو حمامتين، فصاح شقيقه «شحاتة» محذرا والشيخ حسن على محفوظ، لكن الضابط لم يستجب، فأصاب «أم محمد» زوجة محمد عبدالنبى، واشتعل النار فى الجرن، فأقبل الرجال والنساء والأطفال صائحين: «الخواجة قتل المرأة، وحرق الجرن»، وأحاطوا بالضابط، فجاء باقى زملائه لإنقاذه، وتصاعدت الأمور بوصول شيخ الخفر والخفراء لتفريق الجموع الغاضبة، لكن الضباط ظنوا بهم شرا فأطلقوا النار عليهم، وأصيب شيخ الخفر فى فخذه واثنان آخران منهم خفير، فصاح الأهالى: شيخ الخفر اتقتل، شيخ الخفر اتقتل، وهجموا على الضباط بالطوب والعصى فأصيب الماجور «بين كوفين» قومندان الكتيبة، وجرح الملازمان سميث ويك، وبورثر بجروح خفيفة، وأحاط الخفراء بهم، وأخذوا منهم أسلحتهم وحجزوهم إلى أن جاء البوليس وحملوهم إلى المعسكر». وعلى باب سوق «سرسنا» سقط الكابتن بول، بعد أن قطع مسافة ثمانية كيلومترات عدوا من «دنشواى» حيث فر هاربا، ومات متأثرا من ضربة شمس، وحين وصل النبأ إلى معسكر الكتيبة الانجليزية فى «كمشيش» سارع الجنود إلى مكان الواقعة، ولما بلغوا «سرسنا» وظنوا أنها «كمشيش» ووجدوا ضابطهم ملقى على الأرض، يناوله سيد أحمد سعيد الفلاح بالقرية قدحا من الماء، فظنوا أنه ممن اعتدوا عليه، فضربوه ببنادقهم، وطعنوه حتى هشموا رأسه، ومات بين أيديهم، وعرف هذا القتيل بـ«شهيد سرسنا». تم القبض على عدد كبير من أهالى دنشواى، واستمر التحقيق أياما، وتشكلت محكمة خصوصا لنظر القضية برئاسة بطرس باشا غالى، وزير الحقانية، وآخرين من الإنجليز، وأحمد فتحى بك زغلول باشا رئيس محكمة مصر الابتدائية، وشقيق سعد زغلول، وقام المحامى إبراهيم الهلباوى بدور النائب العمومى، وفى 27 يونيو 1906 قضت المحكمة بإعدام أربعة، واثنين بالأشغال الشاقة المؤبدة، وبالسجن 15 سنة على واحد، وسبع سنوات على ستة آخرين، وثلاثة بالحبس سنة، وجلد كل واحد منهم بخمسين جلدة، وبالجلد على خمسة. فى 28 يونيو 1906 نفذت الأحكام بطريقة وحشية، وبانتقام وإذلال، ووفقا للرافعى: «كان التنفيذ فى المكان الذى مات فيه الكابتن بول، وفى مثل الساعة التى وقعت فيها الحادثة، ونصبت المشنقة وآلة الجلد، وفى الساعة الثانية بعد الظهر نفذ الحكم فى المشنوق الأول علنا على مرأى ومسمع من أهله وذويه، وبين صياح النساء ونواحهن، وبقى معلقا بينما نفذ حكم الجلد فى اثنين، ثم شنق الثانى، يليه جلد اثنين آخرين وهكذا تمت المجزرة». يذكر الرافعى، أن مصطفى كامل كان فى أوروبا أثناء وقوع هذه المأساة، وكتب مقالا فى جريدة «الفيجارو» الفرنسية الشهيرة بعنوان «إلى الأمة الإنجليزية والعالم المتمدن» يفضح فيه هذا الظلم، فأقيل اللورد كرومر المندوب السامى للاحتلال البريطانى فى إبريل 1907، ثم دعا مصطفى كامل المصريين إلى تقديم العرائض إلى الخديو للإفراج عن المسجونين، ويؤكد الرافعى أن عددها بلغ 148 عريضة، وعليها توقيع 12670 من المصريين، وتردد صدى هذه الحركة فى أوروبا وإنجلترا، إذ طالب بعض النواب الأحرار فى البرلمان البريطانى بالإفراج عن مسجونى هذه الحادثة، وتقرر ذلك على أن ينفذ العفو يوم عيد جلوس الخديو «8 يناير 1908» لكن تم الإفراج عنهم فى 7 يناير، مثل هذا اليوم، 1908 خشية أن تحدث مظاهرات فى يوم عيد الجلوس. كان المفرج عنهم تسعة، منهم ثلاثة كانوا فى سجن الدلتا وهم، محمد عبدالنبى، وأحمد عبدالعال محفوظ، ومحمد مصطفى محفوظ، وواحد فى سجن أبوزعبل، وهو العيسوى محمد محفوظ، وخمسة كانوا بليمان طرة، وهم، أحمد محمد السيسى، وعبده البقلى، ورسلان السيد، وعلى سمك، وعلى على شعلان. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2023-07-09
كان الوقت قبل ظهر 9 يوليو، مثل هذا اليوم، 1915 حين كان السلطان حسين كامل يسير بموكبه من قصر رأس التين بالإسكندرية إلى مسجد سيدى عبدالرحمن بن هرمز، لأداء صلاة الجمعة، وفجأة ألقيت عليه قنبلة من نافذة منزل مطل على شارع رأس التين، لكنها لم تصبه، حيث سقطت على ظهر أحد جوادى المركبة السلطانية، ثم تدحرجت على الأرض ولم تنفجر، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «ثورة 1919.. تاريخ مصر القومى من سنة 1914 إلى سنة 1921». كانت هذه المحاولة هى الثانية لاغتيال حسين كامل، فى ثلاثة شهور، كانت الأولى يوم 8 إبريل 1915 ونفذها محمد خليل «تاجر خردوات بالمنصورة» بإطلاق رصاصة أخطأت الهدف، وتم القبض عليه، وبناء على طلب السلطة البريطانية قدم لمحاكمة عسكرية، وفقا للدكتور مصطفى الغريب محمد، فى كتابه «السلطان حسين كامل من الإمارة إلى السلطنة»، مضيفا: «مثل محمد خليل أمام المحكمة العسكرية، وأعلن أنه آسف على عدم إصابة الرصاصة للسلطان، وحينما سئل عن سبب رغبته فى قتله، أرجع ذلك إلى خيانته لمصر بقبوله العرش من الإنجليز، وموافقته على الحماية، وأشار إلى أنه لو حدث وأطلق سراحه لعاد إلى ارتكاب الجريمة نفسها»، وصدر الحكم بإعدام محمد خليل شنقا، ويؤكد «الغريب»: «ظل رابط الجأش لآخر لحظة، فحينما سأله مأمور السجن يوم تنفيذ الحكم عن طلباته، أجاب بأنه يطلب رأس السلطان، وعندما وقف على منصة الإعدام، هتف قائلا: «يسقط السلطان وتحيا مصر». بعد ثلاثة شهور وقعت محاولة الاغتيال الثانية، وجرت المحاولتان فى سياق الغضب العام من قبول حسين كامل تبليغ الحكومة البريطانية بتوليه السلطة يوم 19 ديسمبر 1914 بعد إعلان حمايتها على مصر وخلعها الخديو عباس الثانى، ويؤكد «الغريب»: ساء المصريين ما حدث من تنصيب سلطان البلاد بخطاب وجهه إليه القائم بعمل المعتمد البريطانى فى مصر، وتوالت مظاهر الرفض لحسين كامل، ففى يوم الاحتفال بتتويجه ظهر طلاب مدرسة الحقوق وهم يرتدون رابطات عنق سوداء، وذهبت معظم طالبات مدرسة البنات الثانوية متشحات بالسواد، وفى مساجد القاهرة كان دعاء الإمام لخليفة المسلمين يتكرر ثلاث مرات على التوالى، وفى كل مرة كان المصلون يرددون الدعاء بصوت عال يشترك فيه الجميع، وعندما دعى لسلطان مصر الجديد، جاء رد المصلين ضعيفا وغير مسموع، وكثير منهم كانوا لا يؤمنون على الدعاء، كما اتفق بعض طلاب مدرسة الحقوق على عدم الحضور للمدرسة يوم زيارته لها فى 18 فبراير 1915 احتجاجا على الأوضاع القائمة». كانت محاولتا الاغتيال ذروة التعبير عن حالة الغضب الشعبى، يقابلها دهشة من حسين كامل، كما يشير سعد زغلول، وكان وقتها يشغل منصب «وكيل الجمعية التشريعية»، حيث يذكر فى الجزء الخامس من مذكراته، أنه سافر إلى الإسكندرية لتقديم التهنئة للسلطان على سلامته، يضيف: «رأيته متأثرا جدا، وكان يختنق أحيانا بالبكاء، وكنت ألاطفه وأسهل وقع الحادث عليه، ويؤلمه تصور أن الشعب لا يحبه ويستخف به، رغم ما يسديه من المعروف، وما يبذله من الجهد فى سبيل إسعاد الوطن وتقدمه، ثم أوصانى أن نُفهّم الناس حقيقة ما انطوى عليه من مكارم الأخلاق ومن علو الشعور، وانصرفت متأسفا على حالته». انتشر رجال البوليس للبحث عن الجانى الذى ألقى بالقنبلة، ووفقا لجريدة المقطم، 12 يوليو 1915، فإن الحكومة وضعت مكافأة كبيرة قدرها 500 جنيه لمن يقبض على الجانى أو يرشد عليه، وجرت اعتقالات واسعة يعلق عليها سعد زغلول، قائلا: «يظهر لى أن كل واحد ظن أنه إن لم يقبض عليه فعلا، فلا يبعد أن يقبض عليه بعد ذلك، وهكذا اضطربت القلوب، وانكسرت النفوس أيما اضطراب! وأيما انكسار!»، وتذكر الدكتورة لطيفة سالم فى كتابها «مصر فى الحرب العالمية الأولى»: «بلغ الحال بالسلطان حينئذ أن أصبح يشتبه فى كل المصريين بعد أن شعر بأنه محاط بالخطر من كل جانب، وأن قوات الحماية البريطانية صارت غير قادرة على حمايته». يذكر «الرافعى» أن التحقيق أسفر عن اتهام تسعة شبان بتدبير الحادث وهم، محمد نجيب الهلباوى، محمد شمس الدين، محمد فريد، محمود عنايت، شفيق منصور، أحمد سابق، عبدالفتاح يوسف، عبدالله حسن، على صادق، ثم استقر رأى النيابة على إدانة اثنين وهما، محمد نجيب الهلباوى، ومحمد شمس الدين، وحوكما أمام مجلس عسكرى بريطانى، فحكم عليهما بالإعدام شنقا، وصدق القائد العام للقوات البريطانية على الحكم، لكن السلطان حسين طلب تخفيفه فأبدله القائد العام بالأشغال الشاقة». ظل محمد نجيب الهلباوى 9 سنوات فى السجن حتى خرج بعفو، لكنه تحول إلى خائن بعد أن عرض نفسه للعمل مع المخابرات الإنجليزية وساعدها فى تسهيل مهمة القبض على الفدائيين الذين اغتالوا «السيرلى ستاك» سردار الجيش المصرى وحاكم عام السودان فى 20 نوفمبر 1924. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2018-12-04
وقف المتهمون الثلاثة أمام محكمة جنح السيدة زينب وهم: صاحب المطبعة الشيخ محمد الخيامى، وأحمد فؤاد، صاحب المجلة الأدبية الأسبوعية «الصاعقة»، والأديب مصطفى لطفى المنفلوطى.. كانوا يواجهون اتهام «العيب فى الذات الخديوية» فى القضية التى أسمتها بعض الصحف «قضية السفهاء» حسب أحمد شفيق باشا رئيس ديوان الخديو عباس الثانى فى مذكراته، مؤكدا: «هذه القضية شغلت الأفكار مدى حين».. ووصفها «سعد رضوان» بأنها «هزت مصر»، وذلك فى دراسته «عهد جويدان»، ضمن مذكرات «الأميرة جويدان زوجة الخديو عباس الثانى» عن «دار الهلال-القاهرة». عاد الخديو عباس الثانى من الإسكندرية إلى القاهرة يوم 3 نوفمبر 1897، وفقا لشفيق باشا، مؤكدا أنه فى هذا اليوم تم طبع قصيدة تهاجم الخديو وتوزيعها على الجمهور، ويوضح «سعد رضوان»: «كانت هناك مجلة أدبية اسمها «الصاعقة» يصدرها أسبوعيا صحفى وأديب اسمه «أحمد فؤاد»، وظهر عدد المجلة فى نفس يوم عودة الخديو، وفى صفحته الأولى قصيدة عنوانها: «تهنئة مرفوعة إلى عباس حلمى لمناسبة عودته إلى القاهرة».. وكان مطلع القصيدة: «قدوم ولكن لا أقول سعيد/وملك وإن طال الملك سيبيد/ تذكرنا رؤياك أيام أنزلت/ علينا خطوب من جدودك سود/ رمتنا بكم مقدونيا فأصابنا/مصوب سهم بالبلاء سديد/ فلما توليتم طغيتم وهكذا/ إذا أصبح عباس وهو عميد/ كأنى بقصر الملك أصبح بائدا/ من الظلم والظلم المبنى مبيد/أعباس ترجو أن تكون خليفة/ كما ود آباء ورام جدود/ فياليت دنيانا تزول وليتنا/ نكون ببطن الأرض حين تسود». يؤكد رضوان: «اهتزت مصر للقصيدة، وقامت قيامة القصر، وأصدر ناظر الحقانية أمرا إلى النيابة باعتقال صاحب الجريدة والتحقيق معه، واعتقل أحمد فؤاد، فقرر أول الأمر أنه ناظم القصيدة، وسيطبعها مرة ومرات لتنتشر بين الناس، وإن كان يأسف على شىء، فهو أسفه على أن عدد المجلة تأخر فى الطبع». عاد أحمد فؤاد وغير أقواله فى التحقيقات، وحسب رضوان: «قرر أن على يوسف صاحب جريدة المؤيد أعطاه نسخة القصيدة، وطلب منه نشرها، ودفع له مالا مقابل ذلك على أن يقول إذا سئل عنها، إن صاحب جريدة المقطم والشيخ محمد توفيق البكرى هما اللذان أعطياها له، وأمر وكيل النيابة يوسف سليمان إزاء هذا التضارب فى أقوال الرجل، باستدعاء صاحب المطبعة الشيخ محمد الخيامى التى طبع فيها العدد، وقال الخيامى إن أحمد فؤاد أحضر القصيدة، وكان يرافقه مصطفى لطفى المنفلوطى، فقبض على المنفلوطى الذى اعترف بأنه ناظم القصيدة، ولكنه لم يكن ينوى نشرها».. يؤكد رضوان، أن القصيدة ذاعت فى مصر، وتم تداولها لدرجة أن طلبة المدارس كانوا ينسخونها باليد ويبيعونها لبعضهم وغيرهم، ففكر رجال القصر فى مواجهة هذا الانتشار، فاهتدوا إلى حيلة غريبة وهى، أن يقلب شاعر أبيات القصيدة، أى تحويلها من ذم إلى مدح، للقضاء كلية على أى أثر سلبى لها، حسب تأكيد رضوان، مضيفا: «كان هناك صحفى اسمه سليم سركيس يصدر مجلة «المشير»، كلفته سلطات القصر بأن يعثر على شاعر يقوم بهذه المهمة، فجاء بالشيخ عثمان الموصلى، وقام بقلب القصيدة، بأن يأخذ كل شطر من أبياتها، ويؤلف من عنده شطرا ثانيا له على نفس الوزن فى مديح الخديو، ونشرت «المشير» القصيدة «المقلوبة» ومن أبياتها: «قدوم ولا أقول سعيد/ على فاجر هجو الملوك يريد/ رمتنا بكم مقدونيا فأصابنا/ رخاء عن الجدب المبيد بعيد». قرر «أحمد فؤاد» مواجهة القصيدة المقلوبة «بفضح العائلة العلوية بطريقة أخرى، فيوم نظرها من المحكمة للقضية بعد أن أحالتها النيابة إليها، وقف المتهمون الثلاثة، ووفقا لسعد رضوان: «يظهر أن أحمد فؤاد كان يعلم أنه سيحكم عليه مهما دافع عن نفسه فانتهزها فرصة للنيل من الأسرة المالكة فقال: «إن الرعية لم تسر حقا بقدوم الخديو، وإن محبة الرعية الملكية أمر اختيارى، وما من ملك إلا وله من لا يسر بقدومه، والملك لا يستطيع إرغام رعيته على محبته، لأن الملك يملك أجسام الناس ولا يملك قلوبهم.. وأنه ليس أول من جاهر وأعلن للناس مظالم الخديو، فإن أحدا لا ينسى قصة مدفع الوالى سعيد التى نشرتها صحف مصر فى وقتها، فقد استورد الجيش مدفعا جديدا من فرنسا، وطلب سعيد تجربته فى أحد الميادين العامة، ونقل المدفع إلى ميدان عام، وأمر بإطلاقه فاقترب منه أحد رجال الحاشية، وقال: «هل يأمر أفندينا بأن نتمهل قليلا حتى يمر الناس»، فرد سعيد: «ليس عندى وقت، أطلق النار فنحن لم نستلم الناس بالعدد»، وأضاف «فؤاد» وقائع أخرى، منها أن الخديو إسماعيل أراد جمع مبلغ من المال، فصنع شارات جوخ وزعها على أهالى طنطا مقابل خمسمائة جنيه للشارة.. ومنها أن رجال إسماعيل حاصروا مرة بلدة بالوجه القبلى، هرب إليها أحد خصوم إسماعيل فأمر بضربها بالمدافع». فضح «فؤاد» العائلة العلوية، وقضت المحكمة فى جلستها يوم 4 ديسمبر «مثل هذا اليوم 1897» بسجنه عشرين شهرا وغرامة ثلاثين جنيها مصريا، وحبس مصطفى لطفى المنفلوطى شهرا وغرامة عشرين جنيها، وبراءة الشيخ محمد الخيامى صاحب المطبعة. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2020-03-27
بعث الشيخ على يوسف، صاحب جريدة «المؤيد» خطابا إلى الخديو عباس الثانى، يبشره بهزيمة الإمام الشيخ محمد عبده فى الأزهر.. كان «الإمام» عضوا بمجلس إدارة الأزهر منذ عام 1894، بفرمان من «عباس» بعد أن تقدم إليه بخطة لإصلاحه وتطويره، حسبما يذكر عباس العقاد فى كتابه «الأستاذ»، ثم عينه مفتيا للديار المصرية يوم 3 يونيو 1899. لكنهما اصطدما بسبب استقلالية «الإمام» ومقاومته لأطماع «عباس» بالإضافة، وكان الخديو يقلب عليه رجاله فى الصحافة والأزهر لرفض خطواته الإصلاحية وفتاويه المستنيرة، وبلغ كرهه له حد استنكاره لمشاركة رئيس ديوانه أحمد شفيق باشا فى جنازته يوم 11 يوليو 1905.. يذكر شفيق فى مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن» أنه تلقى برقية من الخديو يقول له: «الجنازة حارة والكلب ميت.. وهو على ماتعهدون عدو الله، وعدو النبى، وعدو الدين، وعدو الأمير، وعدو العلماء، وعدو المسلمين، وعدو أهله، بل وعدو نفسه»، ويسأله: «لم هذه المجاملة». فى نفس الوقت كان على يوسف صديقا للخديو، واشتهر بأنه «جليسه وناصحه»، حسبما يذكر أحمد بهاء الدين فى كتابه «أيام لها تاريخ»..ويكشف خطابه إلى الخديو يوم 27 مارس، فى مثل هذا اليوم، 1905 عن عمق علاقتهما، ووقوفه فى صف الخديو ضد «الإمام، وسعادته لهزيمته فى الأزهر، وهى الهزيمة التى خلفت جمودا نعانى منه حتى الآن. ينشر «عباس» نص الرسالة فى مذكراته «عهدى» عن «دار الشروق- القاهرة»، ويعتبرها من نماذج «تدخل اللورد كرومر المعتمد البريطانى فى الحياة الدينية بمصر»، وتنقل الرسالة حوارا دار بين «كرومر» ومحمد عبده فى لقاء، عرف يوسف أسراره، وينسب فيه للإمام ما يفهم أنه مديح للاحتلال الإنجليزى. يكتب «يوسف» فى مطلع رسالته: «يعرض أخلص العبيد على أعتاب ولى النعم».. ثم يدخل فى موضوعه: «تقابلت مع محمد بك سليمان أمس، وعلمت منه أن اللورد «كرومر» استدعى لديه المفتى «محمد عبده» صباح يوم الجمعة، وتكلم معه فى الخروج من إدارة الأزهر وترك أعماله ودروسه فيه بالكلية، فقال له المفتى أنه لاموجب لذلك، وخروجى الآن عقب الخطبة الخديوية مُضربى وانهزاما تاما لى وللمحتلين الذين وضعونى فى الأزهر لإصلاحه «لاحظ هذا الاتهام للإمام». يضيف يوسف، أن كرومر، رد: «قال اللورد يجب أن ننهزم لأن تظاهر الجناب العالى إلى هذا الحد لا يستهان به، والذى يظهر أن العلماء والطلبة ضدك والرأى العام كذلك بدليل أن المؤيد «جريدة على يوسف» سائر فى هذا التيار، وكنت تقول لى قبل الآن إن المؤيد يساعدنى ويعضدنى، فقال هو «محمد عبده» أن المؤيد حاقد على لظنه أننى كنت ضده فى قضيته، وأن العقلاء من العلماء والطلبة هم معى وإننى مستعد أن أجىء لك بمحضر يوقع عليه أكثر الأزهريين المعول عليهم، وأن الحركة القائمة الآن كلها مصطنعة ومدبرة ولاحياة لها إلا بضعة أيام ككل الحركات التى تقدمتها، فقال اللورد: مثل هذا سمعت كثيرا ولم يبق عندى ريب فى أن الجميع ضدك وما بقى ألا ننهزم». يذكر يوسف أن المفتى حاول كثيرا إقناع «كرومر» بأن لايخرج من الأزهر، لكن اللورد رد: «إننا عولنا على أن نترك الأزهر وشأنه يديره الجناب العالى بمن يشاء، ونحن نقف متفرجين فقط، فقال المفتى لكن: خروجى الآن بعد المظاهرة فورا يكون ضررا بليغا لى ولمن معى.. فقال كرومر: أحب أن لا أسمع منك إلا جوابا إيجابيا فنترك فى الحال الأزهر وما فيه لأهله ولا تقرأ دروسك فيه بعد الآن، فأنت لا تأمن من أن تحصل حركة ضدك لا تعرف عاقبتها». يضيف يوسف، أن الراوى الذى نقل إليه هذه القصة قال له واصفا حال الإمام: «خرج الشيخ كالمغشى عليه من الموت يتمايل دوخانا لاكبرا، والحمد لله العلى الأعلى على هذا النجاح الباهر الذى توجت به أعمال وأقوال ولى النعم الأعظم حامى حمى الدين والمسلمين فى هذه الديار ومنهل العلم والعلماء من البوار». يعلق يوسف على فى نهاية خطابه: «مولاى الأعظم، يظهر من أقوال اللورد كرومر أنهم تركوا الأزهر وشأنه إلى ماشاء الله».. ويقترح:» «الذى يهمنا الآن أن يظهر الأزهر بمظهر السائد فى طريق التقدم والنجاح، وأن يكون الذين يخلفون الخارجين من مجلس إدارته موضع ثقة الناس تدينا وعلما ودراية، وحيث إن فى فكر ولى النعم أسماء الشيخ بكرى الصدفى والشيخ عبدالرحمن فودة والشيخ مصطفى حميدة من المحكمة العليا ومحكمة مصر، فمن أحاديث أكثر الناس فى الأندية رأيت أن أعرض على الأعتاب السنية اسمين آخرين هما الشيخ حمزة فتح الله، والشيخ محمود الجزيرى، وكلاهما من أصدقاء الشيخ الشربينى من أعداء المفتى «محمد عبده». ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2023-05-12
كان الخديوى عباس حلمى الثانى مع والدته «أم المحسنين» فى قصرها المطل على خليج البوسفور باستانبول فى تركيا، يوم 27 سبتمبر 1914، وجاءه السفير البريطانى «السير مالت» ليبلغه بأن حكومته ترجوه أن يترك البوسفور إلى إيطاليا، حيث أعدت له بريطانيا فيلا بمدينة نابولى، حسبما يذكر فتحى رضوان فى كتابه «نصف قرن بين الأدب والسياسة». يؤكد «رضوان» أن الخديو تشاءم من هذا الطلب، والسبب أن «نابولى» كانت موضع إقامة جده الخديو إسماعيل باشا عند عزله عن عرش مصر فى يونيو 1879، ويضيف: «لم يكن السفير البريطانى مجاملا فقد أضاف إلى طلبه الجاف، طلبا زاده جفافا، مؤداه أن يسافر الخديو إلى إيطاليا بأقصى سرعة ممكنة، ورد الخديو على هذا الطلب بقوله: إنه لا يريد من أية حكومة أن تبحث له عن مسكن، وأنه فى وسعه أن يدبر لنفسه محل الإقامة الذى يرضيه، وأنه لا يريد الإقامة فى نابولى ويستعجل العودة إلى مصر». رد السفير بمفاجأته المدوية، قائلا: «لن تعود إلى مصر بعد اليوم»، بما يعنى خلعه من الحكم، ويرى رضوان أنه «يمكن اعتبار عزل الخديو عباس الثانى عن عرشه قد تم بالنطق الذى صدر عن السفير البريطانى فى ذلك اليوم، 27 من سبتمبر 1914 بمدينة الآستانة أواستنابول أوالقسطنطينية»، «كيفما شئت». بعد أقل من 3 أشهر، صدر قرار الخلع رسميا، ويذكر أحمد شفيق باشا رئيس ديوان الخديو عباس الثانى فى موسوعته «حوليات مصر السياسية- التمهيد»، أنه فى صبحية 19 ديسمبر 1914 صدر إعلان رسمى بالجريدة الرسمية، ونشر فى الجرائد السيارة، وعلق على الجدران فى القاهرة والإسكندرية وجميع أنحاء القطر فى الأماكن الظاهرة للعيان، نصه: «يعلن ناظر الخارجية لدى حكومة ملك بريطانيا العظمى، أنه بالنظر لإقدام سمو عباس حلمى باشا خديو مصر السابق على الانضمام لأعداء الملك، قد رأت حكومة جلالته خلعه من منصب الخديوية، وقد عرض هذا المنصب السامى لقب سلطان مصر على سمو الأمير حسين كامل باشا، أكبر الأمراء الموجودين فى سلالة محمد على فقبله». يصف عباس الثانى هذا القرار فى مذكراته «عهدى»، قائلا: «ألغيت الخديوية بطريقة تعسفية، وبعد شطبى بجرة قلم إنجليزية من حياة مصر، دخلت وأنا حى فى التاريخ، ورفضت أن أخرج منه لمصلحة ولاستقرار بلادى، ووقع وطنى المحبوب من جديد فى عبودية أقسى، وأشد ألما على قلبى». أصبح حسين كامل «أحد أبناء إسماعيل باشا» عم عباس الثانى «المخلوع» سلطانا بعد أن تحولت مصر إلى «السلطنة»، وتوفى حسين عام 1919 ورفض ابنه الأمير كمال الدين أن يخلفه، فذهب العرش إلى أحمد فؤاد الأول وهو أيضا أحد أبناء إسماعيل باشا. عاش عباس الثانى منذ خلعه بين تركيا وأوروبا، ويذكر فتحى رضوان: «بقى فؤاد فى خوف من عودة ابن أخيه عباس، ويتصور فى كثير من حركات بعض الأعيان أنها مؤامرة لخلعه، لذلك كان لا بد من أن يعمل وتعمل بريطانيا كل ما فى وسعهما لحمل عباس على الإقرار بالنظام الملكى القائم، ويتنازل عن كل حق له فى ميراث العرش، وحدثت مفاوضات طويلة بين ممثلى بريطانيا وبين الملك فؤاد وابن أخيه المعزول، لينتزعوا من هذا الأخير وثيقة التنازل عن حقوقه فى الملك والعرش، وعن كل ما كان يملكه من أطيان شاسعة وعمارات وعقارات فى مصر، ولم تحقق المفاوضات شيئا، حتى جاء إسماعيل صدقى باشا ورأس الوزارة، وكان عباس تقدم فى عمره، واستقر الملك فؤاد على عرشه، فأصبح ممكنا الحصول على الوثيقة المطلوبة، وحدث ذلك فى 12 مايو، مثل هذا اليوم، 1932، أثناء رئاسة إسماعيل صدقى للحكومة. يذكر رضوان، أن عباس قال فى بداية الوثيقة، إنه مغتبط بما رآه من خطى مصر الثابتة فى سبيل توثيق استقلالها والتوفيق بين نظامها السياسى وبين حاجتها وأمانيها، وأنه توصل إلى ذلك من خلال متابعته لما تحرزه البلاد من تقدم فى جميع المجالات، وشملت الوثيقة تأكيد عباس على التزامه للأمر الملكى بوضع نظام توريث العرش فى المملكة المصرية، وللقانون الخاص بإقرار تصفية أملاكه باعتبارهما جزءا لا يتجزأ من الدستور المصرى، وختم «الخديو» الوثيقة بإقراره بأن الملك فؤاد الأول بن إسماعيل ملك مصر الشرعى، وأنه لذلك يعلن تنازله عن كل مطالبة ناشئة عن أنه كان خديو مصر أيا كان وجهها، سواء عن الماضى أم عن المستقبل، وانتهى إلى الدعاء للملك بصالح الدعوات، وأن يحيط ولى عهد المملكة الأمير فاروق بعين عنايته، وليزيد فى إسعاد مصر فى حاضرها ومستقبلها. وكانت هذه الوثيقة بمثابة إسدال الستار عن قضية ظلت معلقة من فترة عزل «عباس حلمى الثانى» عام 1914 حتى 12 مايو 1932. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2017-01-31
توجه «رياض باشا» رئيس مجلس النظار«الوزراء»إلى الخديوى عباس حلمى الثانى، ليناقشه فى مسألة قراره بنفى البابا كيرلس الخامس، بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية، وحسب صلاح عيسى فى كتابه «حكايات من دفتر الوطن» «مكتبة الأسرة–القاهرة»، فإن المناقشة بينهما وصلت إلى درجة من الحدة، حتى قال رياض باشا: «أنت يا أفندينا لا تملك حق نفى فرد بسيط من الأفراد إلا بحكم يصدر من المحكمة، فكيف تأمر بنفى رئيس دينى جليل المقام يماثل بابا روما، وكيف يكون موقف سموكم لو التجأ للمحاكم، فألقى الخديوى بالتبعية كلها على مستشاريه من الأقباط، وخاصة «بطرس باشا غالى»، وطلب من رياض باشا حل الأزمة. عاش «كيرلس الخامس» مائة وثلاثة أعوام«1824_1927»، وهو صاحب أطول فترة رئاسة للكنيسة الأرثوذكسية من عام 1874 إلى 1927«بتأكيد الدكتور غالى شكرى فى كتابه»الأقباط فى وطن متغير «كتاب الأهالى–القاهرة»،وحسب صلاح عيسى:«كان فى الذاكرة الشعبية هو الرجل الذى أسهم بفعالية خلال الثورتين الكبيرتين 1882 و1919، فى صياغة موقف الأقباط»، ففى الثورة العرابية، وقع على القرار الذى صدر عن الاجتماع الوطنى فى حضور عرابى وبدعوة منه بالاستمرار فى المقاومة المسلحة للاحتلال البريطانى،ورفض أوامر الخديوى ومجلس وزرائه بالانضمام إلى الاحتلال»، كما كانت له مواقفه الوطنية المشهودة أثناء ثورة 1919. أثار قرار الخديوى عباس الثانى، بعزله ونفيه إلى دير البير موسى، ونفى مطران الإسكندرية الأنبا يؤانس إلى دير الأنبا بولا يوم 27 أغسطس 1892، اهتمام المصريين وأزمة كبيرة بين المسيحيين، ويوضحها غالى شكرى، مشيرًا إلى أن الخديوى إسماعيل، أمر بتشكيل أول مجلس ملى للأقباط فى فبراير عام 1874، وفى مايو 1882 صدر قانون بتحديد العلاقة بين المجلس والكنيسة، والمجلس يتكون من أعضاء علمانيين لرعاية الشؤون المدنية للكنيسة، كالأوقاف والمدارس والمطابع وسجلات الزواج والتعميد والوفيات والانفصال الجسدى والطلاق والوصايا والميراث، وفى منتصف 1891 طلب بعض أعيان الأقباط من البابا كيرلس تجديد تشكيل المجلس وإحيائه، فرفض مؤكدًا أن «لائحة المجلس تجافى قوانين الكنيسة، وفى صيف 1892 توجه بطرس غالى باشا إلى الإسكندرية للقاء الخديوى عباس الذى بدأ حكمه لمصر فى يناير فى نفس العام، وناشده بإعادة تشكيل المجلس وصدرت الأوامر، وجرت الانتخابات فى حراسة الشرطة ونجح فيها«غالى»، لكن«البابا»رفض هذه الانتخابات،واعتبرها«خروجًا على تعاليم المسيحية»،واتهم أطرافها بأنهم«يهدفون إلى سلب أموال الكنائس والأديرة وتفريق أبناء الملة»،ومضى البابا فى معركته حتى قرار عزله ونفيه،ويذكر«عيسى»دراما ترحيله إلى المنفى، مشيرًا إلى تجمع الناس حزانى، وهم يرون حبرين جليلين«البابا والأنبا يؤانس»إلى المنفى فى حراسة الشرطة،وفى محطة دمنهور نزل البابا ليستقل قطارًا إلى كفر الدوار، فقابلته جماهير المسلمين والأقباط بالهتاف والتحية، وتقدم منه«حمزة بك_شيخ مشايخ عربان البحيرة، ووضع نفسه فى خدمته وقبل الجميع يده وهم يبكون». غضب المسيحيون مما حدث لرمزهم الدينى الأول،وتجلت مظاهر الغضب فى هجرة الأقباط لكنائسهم،وحسب عيسى:«عند الاحتفال بعيد الصليب لم يحضر فى كنيسة الملاك البحرى سوى ستة أشخاص،مع أن العادة كانت قد جرت بأن هذا العيد مهرجان ضخم تمتلئ فيه هذه الكنيسة بالآلاف،وفى هذا العيد لم يذهب الناس كعادتهم إلى دير العريان بالمعصرة لذبح الذبائح،وأقفلت الكنائس تمامًا ككنيسة الزقازيق،ونضبت إيرادات البطريركية». تغيرت وزارة مصطفى فهمى باشا، التى وقعت الأزمة فى عهدها،وجاء رياض باشا رئيسًا للحكومة الجديدة،وحسب عيسى:«كان أول ما فعله أن استدعى رؤساء الطائفة القبطية وناقشهم فى الأمر،ثم توجه إلى الخديوى وناقشه،وفى المناقشة ألقى بالتبعة على مستشاريه من الأقباط وخاصة بطرس غالى باشا،وطلب من رياض حل الأزمة،وبعد مناقشات مرهقة توصل «رياض إلى حل قدمه له قلينى فهمى باشا،ويقضى بأن يتقدم المجلس الملى بالتماس إلى رئيس الوزراء يرجو فيه الحكومة إعادة البابا لمنصبه،فهذه طريقة تحفظ للمجلس كرامته وترضى غبطة البابا،وأن يعد استقبال طيب للبطريرك ويمنح الخديوى«الوشاح المجيدى»أكبر وسام،وبالرغم من معارضة البابا لهذا الحل إلا أن الخديوى أصدر قراره بالعفو عن البابا والأنبا يوأنس يوم 31 يناير،«مثل هذا اليوم» 1893، بناءً على اقتراح المجلس الملى. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2023-01-19
أمر الخديو إسماعيل بأن تزين شوارع القاهرة المهمة بالتحف والفوانيس المختلفة الألوان، وفى نهايتها أقواس نصر مختلفة الأنوار وفى أعاليها طرقات رصعت بالشموع، وذلك احتفالا بزواج أبنائه الأمراء الثلاثة، توفيق، وحسين، وحسن، من الأميرات، أمينة خاتم بنت إلهامى باشا بن عباس الأول، والأميرة عين الحياة بنت الأمير أحمد باشا إبراهيم، والأميرة خديجة بنت الأمير محمد على الصغير بن محمد على باشا الكبير، وزواج أختهم الأميرة فاطمة من الأمير طوسون بن محمد سعيد، حسبما يذكر «إلياس الأيوبى» فى كتابه «تاريخ مصر فى عهد الخديو إسماعيل». أقيمت الاحتفالات ابتداء من 15 يناير 1873، ودامت أربعين يوما متتالية موزعة على عشرة أيام لكل واحد من الأربعة، ويقدم «الأيوبى» وصفا تفصيليا عن حالة البذخ التى سادت خلال هذه الأيام، واشتهرت تاريخيا باسم «أفراح الأنجال»، كما يذكر أحمد شفيق باشا فى الجزء الأول من مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن»، جانبا مما رآه فيها حيث كان تلميذا وقتها، وأصبح فيما بعد فى معية الخديو توفيق، ثم تولى رئاسة ديوان الخديو عباس الثانى. يصف «الأيوبى» حالة الشوارع قائلا: «تلألأت الشوارع المؤدية إلى القصر العالى مقر والدة إسماعيل وإلى سراى الجزيرة مقر حفلات إسماعيل المفضل، وسراى القبة مقر ولى العهد، وأقيمت فى أهم الميادين جوقات موسيقية أهمها تخت عبده الحامولى، ونصبت فى كل جانب المسارح المرتجلة ليمثل عليها غواة الفن، فيحضر من شاء تمثيلها مجانا، ويعود إلى منزله مرتاحا مبتهجا، ومُدت الحبال فى الساحات العمومية ليلعب عليها البهلوانيون أيضا ألعابهم المدهشة، ورتبت الصواريخ بتفنن غريب فى تلك الجهة وأخذوا يشعلون كل ليلة جانبا منها، فتدوى طلقاتها فى آفاق العاصمة كلها لساعات متوالية، ناشرة فيها الأفراح القائمة، وداعية الأهالى إلى الاشتراك فيها». وحسب «شفيق» فإن هذه الأفراح ابتدأت بحفلة العقد «كتب الكتاب» التى دعى إليها العلماء والنظار وكبار الأعيان فى سلاملك القصر العالى، وكان يرأس الحفلة خليل أغا، الذى كان محل إجلال الجميع، حتى كانوا يقبلون يده عند المقابلة لنفوذه الكبير عند إسماعيل ووالدته، وكلمته فى الدوائر الحكومية، وبذلك أصبح من ذوى الثروات الضخمة. يضيف «شفيق»: «ابتدأت الحفلة بقراءة القرآن الكريم، ولما تم اجتماع المدعوين دخل الشهود إلى داخل الحريم يتقدمهم الأغوات، حتى إذا وصلوا إلى باب العروس المسدول عليه الستار، سألوا العروس التى كانت بالداخل محاطة بقريباتها وصاحباتها: هل تقبلين أن يكون فلان زوجك؟، على أن يعقبه سكون تام، فيعاد السؤال ثانيا وثالثا إلى أن تجيب العروس بالقبول، فينصرف الشهود إلى السلاملك، ويمضى العقد، وتقدم الشربات فى أقداح من الذهب وتوزع الشيلان على المدعوين». يذكر «شفيق» أنه فى يوم الأحد، 19 يناير، مثل هذا اليوم، 1873 توجهت عروس توفيق باشا التى كانت تقيم فى سراى الحلمية مع والدتها منذ عقد العقد إلى القصر العالى لتقضى فيه حتى الخميس ولتشاهد الحفلات التى تقام فيه بهذه المناسبة، ولتزف بعدها إلى سراى زوجها، ويذكر الأيوبى الحالة فى هذا اليوم، قائلا: «فى التاسع عشر من يناير بدأت أعياد القصر العالى، فنصبت حول الساحة الممتدة أمامه السرادقات، وعليها أسماء أصحابها، وبيان الغرض المعد كل منها لأجله، وفرشت بالطنافس العجمية الفاخرة، وأقبل أرباب اليازرجة يقيمون ألعابهم اللطيفة وسط تلك الساحة الواسعة، ومن ضمنهم بهلوان كان يصعد حبله بخروف ويجزه فوقه، ثم تفرق لحومه على الفقراء، ورُتب مقصفان للعموم، أحدهما على النمط الغربى، وما فتئ مزدحما بقاصديه، الراغبين على الأخص فى أنبذته العتيقة الجيدة». يضيف الأيوبى، أن المقصف الثانى كان على النمط الشرقى، وما فتئ هادئا بالمقبلين عليه، وأقيمت صوواين خاصة للقناصل وغيرها للتجار، وأخرى للعلماء، وسرداق لمحافظ العاصمة، علاوة على الصواوين التى أقامها الأعيان على نفقتهم لأنفسهم، ليتمتعوا بمشاهدة الأعياد، وكنت تراهم جالسين فيها يدخلون شبكاتهم والصواوين العمومية المتخذة قهوات للرقص والغناء. يتحدث الأيوبى عن حالة الرقص والغناء، ونعرف منه أشهر راقصتين وقتئذ وهما «صفية» و«عائشة الطويلة»، يقول: «الرقص والغناء لم يكونا قاصرين على الخارج، بل ما كان منهما فى داخل القصر وفى سر دور الحريم كان أهم وأشهى منظر، هناك كنت ترى أشهر الراقصات مزاحمات صفية وعائشة الطويلة، وغيرهما من ربات الفن السابقات على الإبداع فيه، هناك كنت تسمع «ألمظ» التى كانت إذا غنت أخذت بمجامع القلوب، واستولت على الأسماع برنين صوتها الرخيم، وتوقيع أناشيدها الفتانة، هناك كنت تنظر مشاهير البهلوانية من الإنجليز يأتون من صنوف الألعاب ما يخلب العقول ويدهش الألباب، وأساتذة الكار يأتون من الملاعيب ما يحير الأبالسة أنفسهم وذلك لبهجة ساكنات تلك الدور» ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2022-01-14
«مهما كانت الأحوال، لا أوافق على فصل الشيخ المفتى من الإفتاء ما دام موجودا»، هكذا حسم المعتمد البريطانى فى مصر اللورد كرومر مسألة بقاء الإمام محمد عبده فى منصب مفتى الديار المصرية، وذلك أثناء مقابلته للخديو عباس الثانى فى 14 يناير، مثل هذا اليوم، 1904، حسبما يذكر أحمد شفيق باشا، رئيس ديوان الخديو، فى الجزء الثانى من مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن». كان الرفض رسالة قاطعة من ممثل الاحتلال الإنجليزى لمصر، إلى حاكمها، وإلى كل الأطراف النشيطة فى دس الفتن التى كان الخديو يدبرها بنفسها ضد الشيخ، ليتخلص منه، بالرغم من أنه هو الذى قرر تعيينه فى منصب المفتى يوم 3 يونيو 1899، وعهد إليه بالعمل لإصلاح الأزهر بتعيينه فى مجلس إدارته، يذكر «شفيق»: «فوض الخديو للشيخ أمر السير بحركة الاصلاح، معتقدا أن الشيخ فى مقابل ذلك لا يعارضه فى تصرفاته ورغباته، ولكن الخديو خاب ظنه فى تقدير صلاته بالشيخ واستقلاله». يكشف «شفيق» فى مذكراته نوعية الدسائس ضد الشيخ الإمام ووجدت هوى لدى الخديو، يذكر أن محمد توفيق البكرى، نقيب الأشراف، والطرق الصوفية كان نشيطا فيها، يضيف: «زاد فى غضب الخديو على الشيخ محمد عبده، ما كان من توثق العلاقة بين الشيخ واللورد كرومر، فقد كان اللورد يجله ويقدره قدره، ويستشيره فى بعض المسائل الحكومية المهمة، ولما ذاع أمر حادث الخلاف بين الخديو والإمام حول توجيه كسوة من كساوى التشريف العلمية بموت أحد كبار علماء الأزهر، قام المشاغبون الناقمون على الإصلاح بالأزهر بتعضيد من الخديو ضد الشيخ، وأكثر «البكرى» من التردد على سموه فى هذه الأيام، وكان يعمل على إيذاء المفتى لأنه عدوه وعدو الخديو كما يعتقدان». فى قصة هذه الدسائس يطفو على السطح سر العلاقة بين الإمام، وكرومر، ويطرح حولها الشاعر كامل الشناوى سؤالا فى جريدة «الأخبار» 4 مارس 1956، قائلا: «ما سر هذا الود المتبادل بين محمد عبده وممثل الاحتلال البريطانى؟ هل مجرد تقدير من كرومر لعبقرية إنسانية عظيمة؟ هل هو انتهاج الإمام سياسة أخرى غير السياسة الثائرة التى بثها فى نفسه أستاذه جمال الدين الأفغانى؟ ولماذا عدل عن الثورة إلى المهادنة؟ هل سئم الكفاح والنضال؟ هل يئس من السياسة لأنها - كما يقول - ما دخلت شيئا إلا أفسدته؟». يرد الدكتور عثمان أمين، فى كتابه «رائد الفكر المصرى - الإمام محمد عبده»: «بعد استتاب الاحتلال فى مصر، عاد محمد عبده من المنفى، فوجد أن السبيل الصحيح إلى الإصلاح ليس عن طريق السياسة، كما كان يرى أستاذه جمال الدين، بل عن طريق التربية والتعليم، فوجه همته إلى هذا المجال، وبدأ مشروعاته بإصلاح التعليم فى الأزهر، والمحاكم الشرعية، ونشر التعليم المدنى فى المدارس الإسلامية، ورسم خطة شاملة لذلك كله، وهى أن يوطد صلاته باللورد كرومر، ليستعين على تنفيذ مشروعاته الإصلاحية التى لا تتعرض للأمور السياسية، والتى كان يناوئها الخديو عباس باسم الدين، فلم يكن فى هذا الموقف ممالأة للإنجليز، ولم يكن الإمام راضيا عن احتلالهم للبلاد برغم إرادة أهلها، كما صرح فى كل مناسبة». لم يهدأ الخديو رغم رفض «كرومر» كل محاولات فصل «الإمام» من منصب المفتى، بل استمر فى بث الدسائس ضده، حسب تأكيد شفيق باشا، قائلا: «أثار على الشيخ جريدتى اللواء والظاهر، وعلى الأخص فى فتوى صدرت منه ردا عن سؤالين من بعض مسلمى الترنسفال، وهما: بقر ضرب على رأسه بالبلطة حتى تضعف مقاومته، ثم يذبح قبل أن يموت بدون تسمية، هل يجوز أكل لحمه؟ السؤال الثانى: يوجد أفراد فى هذه البلاد «الترنسفال» يلبسون البرانيط لقضاء مصالحهم وعود الفوائد إليهم، فهل يجوز ذلك أم لا؟. يؤكد «شفيق»: «أفتى المفتى بالإباحة فى الحالتين، فقام العلماء وقعدوا بخصوص الفتوى الأولى على الأخص، يُحرمون فيها أكل لحوم هذه الأبقار باعتبار أنها موقوذة، ويطعنون على الشيخ، فرد عليهم بأن الموقوذة هو ما ضرب بغير محدد، كالخشب والحجارة حتى انحلت قواه، يضيف «شفيق»: «لم يكتف الخديو بذلك، بل حرض العلماء عليه، فرموه بأنه وهابى، كما رموه بالزندقة لعدم أخذه بآراء شيوخ المذاهب، فرد عليهم الشيخ بما يدحض فريتهم»، يقول «شفيق»: «زاد خصوم الشيخ على ذلك بأن لفقوا له صورة شمسية له مع بعض نساء الأفرنج وحملوها إلى كرومر، وأفهموه أن هذا فى عرف المسلمين ازدراء بالشيخ ومنصبه، وأنه ينبغى إقالته مراعاة لشعورهم، فتبسم اللورد ساخرا من هذه السخافة، وأبدى ريبة فى صحة هذه الصورة، وقال لهم إن الأستاذ يزورنا هنا وتحضر مجلسه ليدى كرومر وغيرها من عقائلنا، فهل يصح أن نعد هذه إهانة له أو لنا؟. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2017-07-16
فى باب «حوادث محلية» نشرت جريدة «المؤيد» فى عددها الصادر يوم 16 يوليو «مثل هذا اليوم» عام 1904 خبرا صغيرا نصه: «جرى بعد ظهر يوم الخميس الماضى، عقد قران صاحب هذه الجريدة بإحدى كريمات حضرة صاحب الفضيلة الحسيب النسيب السيد عبدالخالق السادات، فى حفلة قاصرة على بعض العلماء والأخصاء، وقصدت العروس الكريمة بعدئذ المنزل المعد لها فى جهة الظاهر حيث تمت رسوم القران». كان الشيخ على يوسف هو «العريس» الذى يعتبره أحمد بهاء الدين «الرائد الأول للصحافة المصرية الكبيرة»، مضيفا فى كتابه «أيام لها تاريخ» «دار الهلال- القاهرة»: «ترك قريته النائية فى الصعيد بلصفورة فقيرا غاية الفقر، وجاء إلى القاهرة على ظهر مركب فى النيل ليتلقى العلم فى القاهرة، لعله - إن أفلح - يصبح فقيها أو معلما وإن فشل يتكسب الرزق بقراءة القرآن على المقابر»، لكن الصحافة أغرته فدخل ميدانها ليكون وفقا لبهاء: «أول مصرى صميم يملك جريدة يومية كبرى، يكتب فيها كتاب الطليعة فى ذلك الوقت، قاسم أمين، سعد زغلول، مصطفى لطفى المنفلوطى، مصطفى كامل الطالب بكلية الحقوق قبل أن يتخرج ويصدر جريدة «اللواء»، كذلك كان أول صحفى يصل بقلمه إلى مركز أدبى رفيع فى الدولة، فقد توثقت صلاته بأكبر الشخصيات المصرية المعاصرة، واتصلت أسبابه بعد ذلك بالخديو عباس الثانى، ثم بالخليفة التركى فى القسطنطينية». ويذكر «سليمان صالح» فى الجزء الأول من كتابه «على يوسف وجريدة المؤيد» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة»، أن على يوسف أخذ يوطد علاقته بالخديو حتى أصبح جليسا له، وأحد نصحائه ووسطائه فى قضاء مصالحه كما هو الحال فى تجارة الخديو بالرتب والألقاب «ومن هؤلاء الوسطاء أيضا إبراهيم المويلحى وأمير الشعراء أحمد شوقى»، وكان هؤلاء يتنافسون فيما بينهم على القيام بهذه المهمة، وكانت تجارة الرتب والألقاب هى احدى الوسائل التى استخدمها «عباس» لكى يحصل منها على المال اللازم للإنفاق منه على الحركة الوطنية، وكان على يوسف أحد الذين استخدمهم فى هذه التجارة». يؤكد بهاء: «تزوج يوسف فى شبابه زيجة متواضعة، لكنه مع تغير الأحوال وصعوده الاجتماعى الكبير فكر فى الزواج مرة ثانية من جميلة ثرية تناسب وضعه الجديد، فهداه البحث إلى «صفية» صغرى بنات عبدالخالق السادات شيخ الطريقة الوفائية، وكانت من بيت ثراء وعراقة، وبيضاء اللون، جميلة الوجه، بدينة جدا، على طراز الجمال الذى كان مفضلا عند الشرقيين فى ذلك الزمان ولها»، ويذكر فتحى رضوان فى كتابه «نصف قرن بين السياسة والأدب» «دار الهلال- القاهرة»: «كانت فتاة جميلة وذكية، وكان أبوها يصحبها إلى كل مكان يقصده فرآها الشيخ على يوسف فوقعت من نفسه موقعا ملك عليه زمام قلبه، وكان والدها صديقا لـ«يوسف» ولم يكن لديه مانع من تزويجها له، وإن كان يكبرها كثيرا فى السن إلا أنها كانت مأخوذة بشهرته وعلو مقامه وتردد اسمه على الألسنة». تمت الخطبة وحسب «بهاء الدين»: «قدم الشيخ على يوسف الهدايا–المهر والشبكة–وكانوا يسمونها «النيشان»، ومرت سنة وسنتان وأربع سنوات والشيخ على يوسف لا يكف عن سؤال الأب: «متى يزف إلى عروسه؟، والسيد السادات يماطل ويسوف ويخلق العراقيل، وضاق الشيخ يوسف بالأمر ورأى أن الوضع أصبح مهينا لكرامته، كما ضاقت العروس بالأمر مثله» ويؤكد سليمان صالح: «نتيجة لهذا التسويف لجأ الشيخ على يوسف إلى صديقه محمد توفيق البكرى نقيب الأشراف وزوج ابنة الشيخ السادات «شقيقة صفية»، فقام البكرى بوضع خطة لإتمام الزواج فى بيته، وبحضور عدد كبير من العلماء، حيث تولى الوكالة عنها أحد شيوخ الأزهر المعروفين وهو الشيخ حسن السقا، أى أن العقد كان قد تم بشكل شرعي، وكان الهدف من هذه الخطة هو وضع الشيخ السادات أمام الأمر الواقع». يذكر بهاء الدين: «احتفل الحاضرون احتفالا سريعا بالزفاف، وخرجت العروس مع عريسها تشيعها الزغاريد إلى بيت الزوجية فى حى الظاهر، واستيقظ السادات فى اليوم التالى «الجمعة 15 يوليو 1904» ليقرأ فى جريدة «المقطم» نبأ زفاف ابنته إلى الشيخ على يوسف، ويذكر حلمى النمنم فى كتابه» رسائل الشيخ على يوسف وصفية السادات» «دار مريت- القاهرة»: «يوم الجمعة لم تكن جريدة المؤيد تصدر، وفى اليوم التالى مباشرة–السبت 16 يوليو–نشرت الخبر فى باب الحوادث المحلية». غضب الشيخ «السادات»، وبدأ من اليوم التالى معركته التى خلدت قصة هذا الزواج فى صفحات التاريخ. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2022-08-27
اشتد الخلاف بين الخديو عباس الثانى، والزعيم الشاب مصطفى كامل، وزادت حدته مع أزمة زواج الشيخ على يوسف، صاحب جريدة «المؤيد» من صفية السادات، وقيام والدها الشيخ عبدالخالق السادات برفع قضية تفريق بينهما لزواجها دون علمه، وكان الخديو يؤيد «يوسف» من وراء الستار، فزاد نفور مصطفى كامل، وفقا لما يذكره أحمد شفيق باشا، فى مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن». وقع الزواج فى يوليو 1904، وفى 11 أغسطس 1904 قضت المحكمة بطلاقهما، لكن موقف الخديو المؤيد ليوسف ترك أثرا سلبيا عند كامل، ويذكر «شفيق»، أن الخديو لما سافر إلى ديفون الفرنسية، زاره مصطفى كامل يوم 27 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1904، وصارحه برأيه فى مضار هذا التأييد، وبين له أن الرأى العام لا يعطف على الشيخ، ثم حدثه فى أمور أخرى من هذا القبيل، وكان حديثه للخديو بلهجة شديدة، فغضب الخديو، وغضب مصطفى أيضا، فلما عاد الثانى إلى مصر، اعتزم قطع العلاقات بينه وبين الخديو، فأرسل إليه خطابا يوم 24 أكتوبر 1904 قال فيه: «مولاى تشرفت فى ديفون بالمثول بين يدى سموكم يوم 27 أغسطس الماضى، ورفعت إلى مقامكم السامى أن الحالة السياسية الحاضرة تقضى على بأن أكون بعيدا عن فخامتكم، وأن أتحمل وحدى مسؤولية الخطة التى اتبعتها نحو الاحتلال والمحتلين منعا لتكدير خاطركم الشريف». أقدم مصطفى كامل، على هذه الخطوة بعد سنوات من علاقته بالخديو الذى حكم مصر منذ يناير 1892 وهو فى الثامنة عشرة من عمره، وحسب عبدالرحمن الرافعى، فى كتابه «مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية»: «ساء أن رأى الإنجليز قد وضعوا أيديهم على وزارات الحكومة ومصالحها، فاعتزم وضع حد لهذا التدخل، ووجد فى مصطفى كامل الزعيم الوطنى الشاب الذى استطاع على حداثة سنه أن يحمل علم الجهاد، فأعجب بهذه الشخصية الفذة، إذ وافقت ميوله وآماله فى بداية حكمه، فأمدها بالمال والتأييد وقتا ما، ومن هنا توثقت روابط الود والتعاون بينهما فى السنوات الأولى من حكم عباس»، غير أن |الرافعى» يذكر أن الاتفاق الودى بين إنجلترا وفرنسا فى إبريل 1904، أظهر انحياز الخديو الواضح إلى الاحتلال الإنجليزى لمصر، فرأى أن يقطع علاقته به، وأعلن ذلك فى جريدة اللواء، 25 أكتوبر 1904 مؤكدا، أنه «اعتزم الابتعاد عنه حتى لا يظن أحد أن عليه شيئا من المسؤولية فى جهاده السياسى». تفتح هذه المسألة باب الأسئلة حول أننا أمام شخصيتين لامعتين فى تاريخنا المعاصر، هما مصطفى كامل والشيخ على يوسف، فكيف كان يراهما الخديو عباس الذى اجتمع عنده غضب الاثنين من بعضهما؟ يذكر عباس فى مذكراته «عهدى»، أنه رغب فى أن تكون هناك جريدة «المؤيد» قادرة على تنوير الأمة، وقيادتها والسير بها شيئا فشيئا إلى فكرة أكثر وضوحا عن الوطن والمواطن، واستدعى كاتبا عربيا، كان البعض أشاروا عليه بحسن استعداده ومميزاته وهو الشيخ على يوسف،، يضيف عباس الثانى: «نجح على يوسف فى شد الرأى العام وتجميعه وتعليمه كيف يفكر، وكانت مقالات المؤيد تقرأ، ويعلق عليها فى أقاصى القرى، وكان المتعلمون يحبون هذه الجريدة وينشرونها، والحق أن الاتجاه الوطنى لعلى يوسف سحر الشباب بالفعل، وربما لم يكن للرجل ميزات جسدية تجعله يحرك الجماهير، ولكن النخبة من البلاد كانت تهتم بهذه الحملة التى كان يقوم بها». وفيما كان على يوسف فى رأى الخديو لا يملك الميزات الجسدية التى تجعله يحرك الجماهير، جاءت اللحظة التى حبا الله بها مصر بمن يحركها، ويعبر الخديو عن ذلك قائلا: «شاءت العناية التى تسهر على الشعوب كما تسهر على الرجال أن ترسل لمصر باذر البذور المنتظر مصطفى كامل، كان بسيطا وصريحا، وتحت شكله اللطيف كانت تختبئ نفس متفتحة لكل الأحاسيس وقلب يتأثر بكل الحنان، وكانت هبة الله قد أظهرت تفكيره، وكانت فصاحته واضحة، وساخنة، وأسلوبه رشيقا، ويتحرك من البساطة الملائكية، إلى الفصاحة العارمة لشيوخ روما فى الماضى، وكان موهوبا بالقدرة على الإقناع، كما كان له ذلك الإشعاع الذى كان للرسل والأنبياء». يتحسر عباس الثانى على فشله فى الجمع بين مصطفى كامل والشيخ على يوسف، قائلا: «حلمت بقيام تقارب بين الشيخ على يوسف ومصطفى كامل، ولكن لم أتمكن من الوصول إلى هذه النتيجة أبدا، وكان هناك نوع من الاعتزاز وحب الذات الزائد عن الحد يفصل بين هذين الرجلين، اللذين كانا من الممكن أن يتفاهما دون أن يحب الواحد منهما الآخر، لقد كانت لهما الكثير من الميزات والخصائص التى تدفع إلى تقدير متبادل، كان مصطفى كامل معه الشباب والطلبة والمستقبل، والشيخ على يوسف كان يمارس نفوذه بنوع خاص على الشخصيات التى كانت تحل مراكز اجتماعية مهمة». ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2023-07-16
نشرت جريدة «المؤيد» خبر زواج صاحبها الشيخ على يوسف، فهبت العواصف، وأصبح الموضوع مهما عاما يفرض نفسه على كل الأطراف النافذة فى مصر، الخديو عباس الثانى، المندوب السامى البريطانى، الصحافة ، وآخرين. نشرت جريدة «المؤيد» فى عددها 16 يوليو، مثل هذا اليوم، عام 1904 خبرًا نصه: «جرى بعد ظهر يوم الخميس الماضى، عقد قران صاحب هذه الجريدة على إحدى كريمات حضرة صاحب الفضيلة الحسيب النسيب السيد عبدالخالق السادات، فى حفلة قاصرة على بعض العلماء والأخصاء، وقصدت العروس الكريمة بعدئذ المنزل المعد لها فى جهة الظاهر حيث تمت رسوم القران». كان الشيخ على يوسف وقتئذ، «الرائد الأول للصحافة المصرية الكبيرة»، حسبما يذكر الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين فى كتابه «أيام لها تاريخ» مضيفا: «ترك قريته النائية فى الصعيد بلصفورة فقيرًا غاية الفقر، وجاء إلى القاهرة على ظهر مركب فى النيل ليتلقى العلم، لعله، إن أفلح، يصبح فقيها أو معلما وإن فشل يتكسب الرزق بقراءة القرآن على المقابر»، لكن الصحافة أغرته فدخل ميدانها ليكون أول مصرى صميم يملك جريدة يومية كبرى، يكتب فيها كتاب الطليعة فى ذلك الوقت، قاسم أمين، سعد زغلول، مصطفى لطفى المنفلوطى، مصطفى كامل الطالب بكلية الحقوق قبل أن يتخرج ويصدر جريدة «اللواء»، كذلك كان أول صحفى يصل بقلمه إلى مركز أدبى رفيع فى الدولة، فقد توثقت صلاته بأكبر الشخصيات المصرية المعاصرة، واتصلت أسبابه بعد ذلك بالخديو عباس الثانى، ثم بالخليفة التركى فى القسطنطينية». يذكر الدكتور «سليمان صالح» فى الجزء الأول من كتابه «على يوسف وجريدة المؤيد»، أن على يوسف أخذ يوطد علاقته بالخديو حتى أصبح جليسًا له، وأحد نصحائه ووسطائه فى قضاء مصالحه كما هو الحال فى تجارة الخديو بالرتب والألقاب «ومن هؤلاء الوسطاء أيضًا إبراهيم المويلحى وأمير الشعراء أحمد شوقى»، وكان هؤلاء يتنافسون فيما بينهم على القيام بهذه المهمة، وكانت تجارة الرتب والألقاب هى إحدى الوسائل التى استخدمها الخديو لكى يحصل منها على المال اللازم للإنفاق منه على الحركة الوطنية، وكان على يوسف أحد الذين استخدمهم فى هذه التجارة». تزوج «يوسف» فى شبابه زيجة متواضعة، لكنه مع تغير الأحوال وصعوده الاجتماعى الكبير فكر فى الزواج مرة ثانية من جميلة ثرية تناسب وضعه الجديد فهداه البحث إلى «صفية» صغرى بنات عبدالخالق السادات شيخ الطريقة الوفائية، ويصفها «بهاء الدين»، قائلًا: «كانت من بيت ثراء وعراقة، وبيضاء اللون، جميلة الوجه، بدينة جدًا، على طراز الجمال الذى كان مفضلًا عند الشرقيين فى ذلك الزمان ولها». يذكر فتحى رضوان فى كتابه «نصف قرن بين السياسة والأدب»: «كانت فتاة جميلة وذكية، وكان أبوها يصحبها إلى كل مكان يقصده فرآها الشيخ على يوسف فوقعت من نفسه موقعًا ملك عليه زمام قلبه، وكان والدها صديقًا ليوسف، ولم يكن لديه مانع من تزويجها له، وإن كان يكبرها كثيرًا فى السن إلا أنها كانت مأخوذة بشهرته وعلو مقامه وتردد اسمه على الألسنة». تمت الخطبة وحسب «بهاء الدين»: «قدم الشيخ على يوسف الهدايا، المهر والشبكة، وكانوا يسمونها «النيشان»، ومرت سنة وسنتان وأربع سنوات والشيخ على يوسف لا يكف عن سؤال الأب: «متى يزف إلى عروسه؟، والسادات يماطل ويخلق العراقيل، وضاق الشيخ يوسف بالأمر ورأى أن الوضع أصبح مهينًا لكرامته، كما ضاقت العروس بالأمر مثله». يؤكد سليمان صالح: «نتيجة لهذا التسويف لجأ الشيخ على يوسف إلى صديقه محمد توفيق البكرى نقيب الأشراف وزوج ابنة الشيخ السادات «شقيقة صفية»، وكان على يوسف ساعده فى القضية المعروفة بـ«قضية السفهاء» إذ تدخل لدى الخديو لمنع اتهام البكرى بالاشتراك فى وضع قصيدة الهجاء فى شخص الخديو ونشرتها جريدة الصاعقة، وكان مؤلفها مصطفى لطفى المنفلوطى». يؤكد صالح: «قام الشيخ البكرى بوضع خطة لإتمام الزواج فى بيته، وبحضور عدد كبير من العلماء، حيث تولى الوكالة عن صفية أحد شيوخ الأزهر المعروفين وهو الشيخ حسن السقا، أى أن العقد كان قد تم بشكل شرعى، وكان الهدف من هذه الخطة هو وضع الشيخ السادات أمام الأمر الواقع». يذكر بهاء الدين: «احتفل الحاضرون احتفالًا سريعًا بالزفاف، وخرجت العروس مع عريسها تشيعها الزغاريد إلى بيت الزوجية فى حى الظاهر، ويذكر حلمى النمنم فى كتابه «رسائل الشيخ على يوسف وصفية السادات»: «فى يوم السبت 16 يوليو 1904 نشرت «المؤيد» الخبر فى باب الحوادث المحلية»، فعرف الشيخ السادات ليبدأ عاصفة غضبه باللجوء إلى القضاء الشرعى لإبطال هذا الزواج. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2023-08-01
عقدت المحكمة الشرعية، برئاسة الشيخ أحمد أبوخطوة، جلستها فى 1 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1904، لمواصلة نظر دعوى الشيخ عبدالخالق السادات ببطلان زواج ابنته صفية من الشيخ على يوسف صاحب ورئيس تحرير جريدة المؤيد، وصديق الخديو عباس الثانى، حسبما يذكر أحمد شفيق باشا رئيس ديوان الخديو فى مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن». يؤكد أحمد بهاء الدين فى كتابه «أيام لها تاريخ»، أن هذه القضية أقامت مصر وأقعدتها، وقسمت الرأى العام والساسة، وأهل الرأى وعامة الناس، ذلك لأنها كانت صدمة عنيفة للناس فى الكثير من معتقداتهم القديمة عن الشرف والحسب والنسب. يذكر «شفيق» أن «يوسف» و«صفية» عقدا قرانهما بمنزل محمد توفيق البكرى فى الخرنفش، ودون علم والد الزوجة الشيخ عبدالخالق السادات، وتولى الوكالة عن الزوجة الشيخ حسن السقا، ولما علم الشيخ السادات، رفع دعوى بالتفرقة بين الزوجين لعدم أهلية على يوسف لزوجته، وعقدت المحكمة جلستها فى 25 يوليو 1904 برئاسة الشيخ «أحمد أبوخطوة»، وقضت بالحيلولة بين الزوجين، وتوجهت صفية إلى منزل الشيخ عبدالقادر الرافعى رافضة تنفيذ الحكم، واقتراح الرافعى بوساطته عند والدها لإعادتها وضمان راحتها. لم تكتف «صفية» برفض تنفيذ الحكم، وقامت برفع عريضة إلى قاضى قضاة مصر، ويذكر شفيق: «أرسلت صورة من العريضة إلى ناظر الحقانية تقول فيها: إنها لا يمكن أن تقبل تنفيذ حكم الحيلولة لبلوغها سن الرشد، ولأنها تزوجت من الشيخ على باختيارها وكفاءتها»، وفى 27 يوليو قرر «أبوخطوة» وقف سير الدعوى حتى تنفذ الحيلولة، وتعود صفية إلى بيت والدها، لكنها صممت على الرفض، وفى 28 يوليو تمت تسوية الأمر بحل وسط بتعديل قرار الحيلولة بضرورة إرسالها إلى والدها بإبقائها مع الحيلولة عند رجل مؤتمن هو الشيخ الرافعى. بقيت ساحة المحكمة مجالا لمحاولات إثبات كل طرف فى القضية أنه على حق فى موقفه، وكان الطعن فى النسب والأصل والتحقير سلاحا متبادلا، منذ أول جلسة فى 1أغسطس 1904، ويذكر «شفيق» أن النزاع فيها قام على كفاءة المتداعين حتى يكون الزواج صحيحا، أو عدم كفاءة الشيخ على يوسف حتى يكون فاسدا، وقررت المحكمة تكليف الطرفين بأن يثبتا بالطريق الشرعى ما يدعيانه، وقال محامى الشيخ السادات: إن اسم موكله مقيد بدفاتر الاستحقاق فى أوقاف نقابة الأشراف سنة 1897، وتأجلت الجلسة إلى 6 أغسطس لسؤال على الببلاوى عن قيد الشيخ على يوسف بدفاتر الأشراف. يعلق الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين فى كتابه «أيام لها تاريخ» على ما جرى فى المحكمة من مرافعات فى القضية بدءا من هذا اليوم، قائلا: «كانت مناظرة هائلة بين نوعين من الناس، رجل «الشيخ عبدالخالق السادات» ورث عن آبائه مجدا ومالا، ورجل فقير «الشيخ على يوسف» ارتفع من غمار الناس، وصنع لنفسه مجدا وشرفا، وكان على «السادات» لكى يكسب القضية أن يثبت شيئين، الأول أن نسب على يوسف لا يوازى نسبه، والثانى أن الحرفة التى يعيش منها غير شريفة». لجأ الطرفان إلى الشهود لإثبات صحة حجتهما، يذكر «بهاء»: «بدأت القضية باستجواب الشهود، وجاء محامى السادات بعشرات من عامة الناس شهودا، يسأل الواحد منهم أمام المحكمة: ما هو نسب السادات؟ فيرد الشاهد: هو فلان بن فلان، حتى يصل إلى محمد بن إدريس، الذى كان خليفة على بلاد المغرب منذ قرون، ثم إلى فاطمة الزهراء، ابنة النبى، ويسأله القاضى: ولماذا تحفظ هذا النسب الطويل، فيجيب: للتبرك به، ويسأله أخيرا: ما هو نسب على يوسف؟ يجيب: لا أعرف». يضيف «بهاء»: «جاء محامى السادات أيضا بشهود آخرين من الموظفين الذين عملوا فى قرية «بلصفورة» مسقط رأس على يوسف فى سوهاج، يشهدون بأن أسرته هناك فقيرة، وأن أباه لم يكن يملك شيئا، ووصل الأمر بأن أحد الشهود قال: إنه أدرك أن على يوسف من أصل وضيع حين رآه يوما يقف فى إحدى المطابع، ويصحح ديوانا من الشعر من تأليفه، إذ لا يفعل ذلك إلا عديمو الأصل». ذكر «بهاء»: «ترافع محامى السادات قائلا: إن نسب موكله يرجع إلى أكثر من ألف سنة، فى حين أن الشيخ على يوسف أعجمى، ليس له نسب معروف فى الإسلام إلا يوسف فقط، أى أبوه، ونشأ فى قرية حقيرة جدا تدعى «بلصفورة» كل أهلها أعاجم، ثم انتقل المحامى إلى حرفة على يوسف، فقارن بين موكله الذى يعيش على أملاك واسعة تركها له آباؤه الأماجد «وهذه ألفاظ المحامى»، وبين الشيخ على يوسف الذى يضطر إلى العمل لكسب رزقه، ويحترف مهنة حقيرة هى الصحافة، وأفتى المحامى بأن حرفة الصحافة فى ذاتها دنيئة ويحرمها الدين الإسلامى، لأنها تقوم على الجاسوسية والإشاعة وكشف الأسرار، وهذا منهى عليه شرعا.. وواصلت المحكمة جلساتها». ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال: