إلياس الأيوبى
ركب السلطان العثمانى عبدالعزيز اليخت الفخم «فيض جهاد» من تركيا...عرض المزيد
اليوم السابع
2025-04-07
ركب السلطان العثمانى عبدالعزيز اليخت الفخم «فيض جهاد» من تركيا فى طريقه لزيارة مصر يوم 3 أبريل عام 1863، وكان يصاحب السلطان وفد كبير يتكون من ابنه الأمير يوسف عز الدين ووزيراه فؤاد باشا وزير الحربية، ومحمد باشا وزير البحرية، وغيرهما من كبار موظفى الدولة والخاصة السلطانية، وركب كل من الأمراء مراد أفندى وحميد أفندى ورشاد أفندى أولاد أخيه المرحوم عبدالمجيد الفرقاطة «مجيدية»، وركب وراءهم جمهور عديد من الياوران والضباط والموظفين والجنود سفنا عثمانية أخرى، وأقلع الجميع من الآستانة «عاصمة الدولة العثمانية» إلى مصر، حسبما يذكر إلياس الأيوبى فى كتابه «تاريخ مصر فى عهد الخديو إسماعيل باشا». وصل السلطان عبدالعزيز إلى الإسكندرية فى 7 أبريل، مثل هذا اليوم، 1863، ويذكر «الأيوبى» تفاصيل الزيارة لكنه يقتصر فى متابعتها على وصفه لمظاهر الحفاوة والأبهة والفخامة التى أعدها «إسماعيل» فى استقبال السلطان، دون توضيحه لأهدافها وما دار فيها من مباحثات، وكانت مصر وقتئذ تابعة للدولة العثمانية، غير أن عبدالرحمن الرافعى يكشف فى كتابه «عصر إسماعيل» أهداف هذه الزيارة، والسياق السياسى التى تمت فيه. يذكر «الرافعى»: «بذل إسماعيل تضحيات مالية جسيمة فى سبيل الحصول على الامتيازات التى نالها، إذ لم تكن حكومة الآستانة تصدر فرمانا إلا فى مقابل الأموال الطائلة من الرشا والهدايا، يقدمها إسماعيل لرجال الآستانة على اختلاف مراتبهم، ولا يستثنى منهم السلطان ذاته، فبلغت هذه الأموال طوال حكمه نحو اثنى عشر مليونا من الجنيهات»، ويضيف «الرافعى»: «بدأ إسماعيل حكمه بالتودد إلى السلطان عبدالعزيز، ورجال حكومته، وذهب إلى الآستانة ليقدم فروض الولاء، وانتهز هذه الزيارة لإحكام روابط الود بينه وبين تركيا، وتودد إلى السلطان عبدالعزيز ودعاه إلى زيارة مصر، فوعده بقبول الدعوة». يصف «الأيوبى» مشهد استقبال السلطان عبدالعزيز فى الإسكندرية، مشيرا إلى أن السفن حين دخلت الميناء والأعلام العثمانية ترفرف عليها، دوت المدافع من الطوابى المحيطة بالمدينة، وصدحت الموسيقى العسكرية، وارتفعت أصوات الجمع الغفير المحتشد، ومزجت التحية السلطانية بالتحية الأميرية صائحة بالتركية: «باد شاهمز جوق يشا» و«أفندمز جوق يشا»، ونزل إسماعيل وعمه حليم باشا وغيره من أكابر رجاله فى زورقه الفخم، لتقديم فروض الاحترام والإجلال للسلطان، وقبل يد السلطان، وانحنى لأمراء البيت العثمانى. يضيف «الأيوبى»، أن سراى رأس التين أعدت إعدادا فخما لنزول الركاب السلطانية فيها، ووجد عبدالعزيز من زخرفها والبذخ المنتشر فى جميع أثاثها من أسباب الراحة ما أوجب إعجابه بإسماعيل وضاعف من تقديره للثروة المصرية، ويذكر «الأيوبى» أنه فى اليوم التالى للزيارة «8 أبريل 1863» وفى حوالى الساعة العاشرة صباحا، استقبل السلطان وبجانبه إسماعيل باشا وفؤاد باشا قناصل الدول، وألقى عليهم خطبة، أعرب لهم فيها عن سروره بما رآه من أسباب العمران المصرى الذى هو إحدى ممالكه، وترجم فؤاد باشا الخطبة، وفى يوم 9 أبريل 1863 اجتاز بمركبته المفتوحة مدينة الإسكندرية، وتوجه إلى المحطة حيث كان فى انتظاره القطار المعد لركوبه إلى القاهرة، ليقله إلى مصر، ويؤكد «الأيوبى» أن السلطان لم يكن رأى قبل ذلك قطارا، فاستوقفت أنظاره وآلاته وعدته، وأخذ يستفسر ويستفهم عن كل ما يرى، وتقدم إليه ناظر المحطة ومهندس القاطرة بكل إيضاح. يؤكد الرافعى، أن السلطان قضى فى ضيافة إسماعيل عشرة أيام لقى فيها من مظاهر الإكرام والحفاوة البالغة ما جعل لإسماعيل منزلة كبيرة، واغتنم «إسماعيل» هذه الفرصة، فاستغل المنزلة التى نالها ليكسب من تركيا حقوقا ومزايا جديدة، واستخدم إلى جانب ذلك المال يبذله بسخاء، فغمر السلطان وحاشيته بالهدايا والتحف الفاخرة، حتى ملأ بها سفينة بأكملها، ومنح الصدر الأعظم «فؤاد باشا» وحده بستين ألفا من الجنيهات رشوة ليتخذ منه عونا فى مساعيه لدى الحكومة التركية، وعاد «عبدالعزيز» من زيارته مغتبطا مما لقيه من الإكرام، ومهدت هذه الزيارة الطريق أمام إسماعيل لينال رغائبه. يضيف «الرافعى» أن أول ما وجه إليه إسماعيل جهده هو العمل على تغيير نظام توارث العرش، حيث كان النظام القديم الذى فرضه فرمان سنة 1841 يقضى بأن يؤول عرش مصر إلى أكبر أفراد الأسرة العلوية سنا كالنظام المتبع فى تركيا، فسعى إسماعيل جهده أن يؤول العرش إلى أكبر أنجاله، ونجح فى مسعاه بفضل المثابرة والدأب على الطلب، وبفضل الأموال الطائلة التى بذلها فى الآستانة، وبلغت ثلاثة ملايين من الجنيهات، وكان هذا السعى من الأسباب الأولى لديون إسماعيل. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2021-01-18
تمر اليوم الذكرى الـ158، على رحيل الوالى محمد سعيد باشا، والى مصر من سلالة الأسرة العلوية، وقد تولى الحكم من 1854 إلى 1863 ميلادية، وكان الابن الرابع لمحمد على، ورحل في 18 يناير عام 1863م، ليخلفه إسماعيل باشا، المعروف تاريخيا بالخديوى إسماعيل. ولعل تاريخ أسرة محمد على باشا، تعرض للظلم، وتمت ادعاءات كثيرة على تاريخ هذه الأسرة من قبل بعض المؤرخين، فقد اعتبروا أن حكامها جميعا فاسدون لم يحبهم المصريون أبدا، لكن بالنظر إلى الوقائع التاريخية وأحوال البلاد حينها، فنجد صورة مغايرة عما يعرفها البعض. وبحسب كتاب " تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا" تأليف إلياس الأيوبى، فإن الشعب المصري، رأى من الوالي المولى حبًّا خاصًّا له، واعتناء كبيرًا بمصالحه، ورغبة حقيقية في تحسين أحواله؛ وتخفيف أثقاله؛ ورأى منه إقبالًا على إحياء اللغة العربية وإحلالها في دوائر الحكومة محلا رسميا؛ والجيش المصرى الذي كان محط انتباهه ومعزته. وجاء بالكتاب: أما الرجال المحافظون المتمسكون بالتقاليد العباسية، الراغبون عن كل عين تتفجر في مصر للمدنية الغربية، وعن كل طريق يمهد لها؛ الناقمون على محمد سعيد باشا تركه سياسة سلفه، للسير في خطوات (محمد علي) أبيه العظيم، فإنهم كانوا ينظرون إلى احتضار ذلك الأمير، نظرة القليل الصبر، ويرقبون عن كثب، ساعة لفظه نفسه الأخير، معللين الأنفس بعود العهد القديم إلى البزوغ من وراء سرير موته؛ لاعتقادهم أن مذهب الخلف مذهبهم، وأن (إسماعيل) يكره ما يكرهون ويحب ما يحبون. وأما (إسماعيل) نفسه، فإنه منذ تأكد أن رقدة عمه لرقدة لا يعقبها قيام؛ وأن الموت بات محتمًا، بالرغم من أن شجرة العمر لم تثقلها السنون، ساورته الانفعالات الطبيعية التي تساور كل إنسان في مركزه، وأخذ ينتظر وهو في القاهرة، أن ترد عليه الأنباء المبشرة بارتقائه سدة جده الباشا العظيم! ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2022-01-18
إسماعيل باشا بن إبراهيم بن محمد على باشا والى مصر، ومؤسس مصر الحديثة، هو أحد أهم حكام الأسرة العلوية، كان رائدا فى كثير من حركات التنوير والتعليم والإصلاح المجتمعى، وكان المؤسس الثانى لمصر، كما أطلق عليه البعض، وفى مثل هذا اليوم 18 يناير من عام 1863، تولى إسماعيل باشا الحكم بعد وفاة عمه الوالى محمد سعيد باشا، ماذا فعل عندما علم بخبر رحيل عمه محمد سعيد؟. يقول فى ذلك الكاتب الكبير سعيد الشحات فى "ذات يوم": شعر إسماعيل باشا أن عمه الوالى سعيد يرقد رقدته الأخيرة فى الإسكندرية، وأن موته بات قريبا، فانتظر خبر الموت وهو فى القاهرة كى يأخذ مكان العم والجد محمد على باشا فى حكم مصر، وحسب كتاب "تاريخ مصر فى عهد الخديو إسماعيل باشا" تأليف "إلياس الأيوبى"، الصادر عن "دار المعارف - القاهرة"، فإن العادة جرت على أن ينعم الوالى الجديد بلقب "بك" إلى من يأتى إليه بخبر اعتلائه العرش، وإذا كان حامل هذا الخبر من "البكوات" فينعم عليه الوالى بلقب "باشا"، وعلى هذا الأساس شهدت قصة موت سعيد، وصعود إسماعيل إلى الحكم تدبيرا ومؤامرة وكان طرفها "بسى بك" مدير المخابرات التلغرافية. وتابع الكاتب الكبير سعيد الشحات: وفقاً لما يذكره "الأيوبى"، فإن "بسى بك" لم يغادر عمله ثمانى وأربعين ساعة ليحمل خبر وفاة سعيد باشا الذى سيكون بشرى لـ"إسماعيل باشا" كى يصعد إلى سدة حكم مصر، غير أن النوم غلبه بعد يقظته الكاملة طوال الـ48 ساعة، فاستدعى أحد صغار موظفى مصلحته، وأمره بالجلوس إلى جانب عدة التلغراف حتى ينام قليلاً، وشدد عليه أن يقوم بإيقاظه فور تلقيه إشارة من الإسكندرية تفيد بانتقال سعيد باشا إلى "دار البقاء"، ووعده بجائزة قدرها خمسمائة فرنك مقابل ذلك، فأظهر الموظف الصغير انصياعه إلى أوامر رئيسه، وذهب "بسى بك" إلى النوم بملابس العمل وهو مطمئن إلى مخططه. وجاء فى ذات يوم للكاتب الكبير سعيد الشحات: كان الموظف يعلم تماماً مقدار الجائزة التى ستعود على من يحمل الخبر الذى ينتظره إسماعيل باشا، ولهذا دبر أمره وعقد عزمه على أن يفوز هو بها، وطبقا لـ الأيوبى، فإنه فى منتصف الليل بين اليوم السابع عشر والثامن عشر مثل هذا اليوم من شهر يناير عام 1863 وردت من الإسكندرية الإشارة البرقية المنتظرة حاملة خبر وفاة سعيد باشا فحملها الموظف الصغير مسرعا إلى سراى الأمير إسماعيل وطلب المثول بين يديه، وكان إسماعيل جالساً فى قاعة استقباله، يحيط به رجاله وتسامره هواجسه، فلما رفع إليه طلب ذلك الموظف أمر بإدخاله حالا، فدخل وأحدقت به أنظار الجميع. يصف الأيوبى المشهد فى السراى فور دخول الموظف: "جثا الرجل أمام إسماعيل باشا، وسلمه الإشارة البرقية الواردة، فقرأها إسماعيل، وما إن اطلع على ما فيها، إلا ونهض والفرح منتشر على محياه، فوقعت الإشارة من يده، وشكر الله بصوت عالٍ على ما أنعم به عليه من رفعة إلى سدة مصر السنية، ثم ترحم على عمه سعيد باشا ترحما طويلاً، فشاركه رجاله المحيطون به فى فرحه، وتصاعدت دعواتهم له بطول البقاء ودوام العز وأخذوا يهنئونه، ويهنئ بعضهم بعضا". انتظر الموظف الصغير النعمة التى سيحصل عليها، وحسب الأيوبى: "نظر إسماعيل إلى الموظف الجاثى أمامه والذى كان قد التقط الإشارة البرقية حالما وقعت من يد مولاه، ووضعها فى جيبه وتبسم وقال: انهض يا بك، وبعد أن حباه نفحة من المال أذن له بالانصراف". ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2022-01-18
تمر، اليوم، ذكرى تولى الخديوى إسماعيل حكم مصر فى 18 يناير 1863 بعد وفاة عمه الوالى سعيد، ويومها وقعت قصة شهيرة تعد أشهر خدعة فى ذلك الزمن، وقد رصدته كتب كثيرة منها "القاهرة وما فيها" لـ الراحل مكاوى سعيد، كما نشر عنها من قبل الأستاذ سعيد الشحات. كتب سعيد الشحات فى عموده اليومى "ذات يوم" قصة طريفة كان إسماعيل "ولى العهد" طرفا فى هذه القضية وفيها "شعر إسماعيل باشا أن عمه الوالى سعيد يرقد رقدته الأخيرة فى الإسكندرية، وأن موته بات قريبا، فانتظر خبر الموت وهو فى القاهرة كى يأخذ مكان العم والجد محمد على باشا فى حكم مصر، وحسب كتاب "تاريخ مصر فى عهد الخديوى إسماعيل باشا" تأليف "إلياس الأيوبى"، الصادر عن "دار المعارف - القاهرة"، فإن العادة جرت على أن ينعم الوالى الجديد بلقب "بك" إلى من يأتى إليه بخبر اعتلائه العرش، وإذا كان حامل هذا الخبر من "البكوات" فينعم عليه الوالى بلقب "باشا"، وعلى هذا الأساس شهدت قصة موت سعيد، وصعود إسماعيل إلى الحكم تدبيرا ومؤامرة وكان طرفها "بسى بك" مدير المخابرات التلغرافية. ووفقاً لما يذكره "الأيوبى" فإن "بسى بك" لم يغادر عمله ثمانى وأربعين ساعة ليحمل خبر وفاة "سعيد باشا" الذى سيكون بشرى لـ"إسماعيل باشا" كى يصعد إلى سدة حكم مصر، غير أن النوم غلبه بعد يقظته الكاملة طوال الـ48 ساعة، فاستدعى أحد صغار موظفى مصلحته، وأمره بالجلوس إلى جانب عدة التلغراف حتى ينام قليلاً، وشدد عليه أن يقوم بإيقاظه فور تلقيه إشارة من الإسكندرية تفيد بانتقال سعيد باشا إلى "دار البقاء"، ووعده بجائزة قدرها خمسمائة فرنك مقابل ذلك، فأظهر الموظف الصغير انصياعه إلى أوامر رئيسه، وذهب "بسى بك" إلى النوم بملابس العمل وهو مطمئن إلى مخططه. كان الموظف يعلم تماماً مقدار الجائزة التى ستعود على من يحمل الخبر الذى ينتظره "إسماعيل باشا"، ولهذا دبر أمره وعقد عزمه على أن يفوز هو بها، وطبقا لـ"الأيوبى"، فإنه فى منتصف الليل بين اليوم السابع عشر والثامن عشر "مثل هذا اليوم" من شهر يناير عام 1863 "وردت من الإسكندرية الإشارة البرقية المنتظرة حاملة خبر وفاة "سعيد باشا" فحملها الموظف الصغير مسرعا إلى سراى الأمير "إسماعيل" وطلب المثول بين يديه، وكان إسماعيل جالساً فى قاعة استقباله، يحيط به رجاله وتسامره هواجسه، فلما رفع إليه طلب ذلك الموظف أمر بإدخاله حالا، فدخل وأحدقت به أنظار الجميع". ويصف "الأيوبى" المشهد فى السراى فور دخول الموظف: "جثا الرجل أمام إسماعيل باشا، وسلمه الإشارة البرقية الواردة، فقرأها إسماعيل، وما إن اطلع على ما فيها، إلا ونهض والفرح منتشر على محياه، فوقعت الإشارة من يده، وشكر الله بصوت عالٍ على ما أنعم به عليه من رفعة إلى سدة مصر السنية، ثم ترحم على عمه سعيد باشا ترحما طويلاً، فشاركه رجاله المحيطون به فى فرحه، وتصاعدت دعواتهم له بطول البقاء ودوام العز وأخذوا يهنئونه، ويهنئ بعضهم بعضا". انتظر "الموظف الصغير" النعمة التى سيحصل عليها، وحسب "الأيوبى": "نظر إسماعيل إلى الموظف الجاثى أمامه والذى كان قد التقط الإشارة البرقية حالما وقعت من يد مولاه، ووضعها فى جيبه وتبسم وقال: انهض يا بك، وبعد أن حباه نفحة من المال أذن له بالانصراف". يضيف كتاب "القاهرة وما فيها" لـ مكاوى سعيد، أن الموظف عاد مسرعا وأيقظ "بسى بك" وأخبره بأن البرقية وصلت، فقام "بسى بك" بمنح الرجل الموظف الـ500 فرانك، وهو لا يعلم ما حدث، وأسرع إلى إسماعيل، ليجد أمامه المفاجأة، ويعرف أنه تعرض لخدعة كبرى. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2022-11-07
بعث فرديناند ديلسيبس من باريس برسالة إلى صديقه سعيد باشا، يوم 15 سبتمبر سنة 1854، يهنئه فيها على توليه عرش مصر خلفا لابن شقيقه عباس باشا الذى اغتيل فى قصرة بمدينة بنها يوم 13 يوليو 1854، وكانت تلك الرسالة الخطوة الأولى فى طريق حفر قناة السويس، وفقًا لما يذكره الدكتور مصطفى الحفناوى فى الجزء الأول من كتابه «قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة». يؤكد «الحفناوى»، أن سعيد باشا لم يضع وقتا وحدد لفرديناند أول نوفمبر، ليجتمع به فى الإسكندرية، ويكشف أن الصداقة بينهما كانت قديمة وتعود إلى زمن محمد على باشا، ففى أوائل 1832 عينت الحكومة الفرنسية «فرديناند» نائب قنصل بمدينة الإسكندرية، وظفر بعطف محمد على الذى كان صديقا لفرنسا، ويستقدم منها الخبراء والعلماء والمتخصصين فى مختلف العلوم والفنون والآداب. يضيف الحفناوى: «طابت لفرديناند الإقامة فى مصر فأغرم بركوب الجياد العربية، وبرز فى ذلك حتى صار يدربها على العدو والسباق، ولاذ به مواطنوه من رعايا فرنسا المقيمين بالقاهرة والإسكندرية، وكانوا فى حياتهم الخاصة مؤتلفين بحيث كانوا أشبه بأعضاء أسرة واحدة، فتجمعهم الموائد والسهرات، وكان فرديناند بمثابة الروح فى تلك المجتمعات الفرنسية لأنه كان جذابا ومحدثا فذا وراقصا لا يمل المراقصة وذا مظهر أنيق». كان سعيد باشا عمره عشر سنوات «مواليد 17 مارس 1822» حين جاء «فرديناند» نائبا للقنصل فى الإسكندرية، وكان عمره 27 عاما «مواليد 19 نوفمبر 1805».. ويذكر إلياس الأيوبى فى الجزء الأول من كتابه «تاريخ مصر فى عهد إسماعيل»: «لما شب سعيد، عهد محمد على إلى فرديناند» بأمر الاعتناء بصباه»، مضيفا: «علم الأمير اليافع ركوب الجياد، وحبب إليه إجهاد النفس فى التمارين الرياضية، وكان «سعيد» فى أشد الاحتياج إليها لأنه كان عظيم الجثة، بدينا إلى حد أن أباه حتم عليه حضور أربعة عشر درسا فى اليوم، والإكثار من الرياضة الجسيمة لتذهب عنه بدانته، وأنه كان يزنه كل أسبوع، فإذا وجده زائدًا على ما كان فى الأسبوع السابق، عاقبه عقابا صارما، فإذا وجده ناقصا كافأه».. يؤكد «الأيوبى» أنه نتج عن هذا الاعتناء، أن الأمير الشاب صادقه مصادقة أكيدة، وكان الباشا العظيم أبوه من أكبر مشجعيه عليها. استدعى «فرديناند» كل هذا الماضى حين قرأ وهو فى باريس خبر وفاة «عباس باشا»، ويصف الحفناوى حالته: «رأى ليلة القدر فى وضح النهار»، وكتب رسالته إلى صديقه القديم، فرد عليه بأن يحضر، ويؤكد الحفناوى: «فى 7 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1854، وصل فرديناند إلى الإسكندرية، وفى جيبه مذكرة أعدها ليرفعها إلى سعيد باشا، واحتفظ بها فى جيبه حتى تأتى الفرصة التى تسمح بتقديمها فى ساعة يكون فيها الوالى منشرح الصدر، مطمئن البال». كانت المذكرة عن مشروع حفر قناة السويس، ويؤكد «الحفناوى» أن حرص «فرديناند» على البحث عن اللحظة المناسبة لتقديمها، يعود إلى أنه كان يعرف أن «سعيد» متأثر بآراء والده محمد على بتجنب هذا المشروع ليدرأ عن مصر متاعب كثيرة، وأنه يسير على سنة أبيه»، غير أن طريقة استقباله فى الإسكندرية هزته، يصفها «الحفناوى»، قائلا: «نقلته من الميناء عربة خديوية ذات خيول مطهمة، يجرى أمامها السايس والقواس إلى دار الضيافة التى أعدها له الوالى.. وبدأ الثعلب الفرنسى الماكر منذ اللحظة الأولى يتجسس ويسأل الخدم ورجال الحاشية، ومن صادفهم من الخلان، عن مزاج سعيد وعاداته وما صارت إليه طباعه، وكيف يمكن التأثير عليه، ومن هم أصحاب الحظوة عنده، وهكذا من المقدمات الضرورية لتنفيذ خطة أراد إحكامها». بعد وصوله بساعات استقبله سعيد باشا فى قصره بالقبارى.. يؤكد الحفناوى: «لبس فرديناند الحلة الرسمية، ووضع نياشينه فوق صدره، وحرص على أن يعطى هذه المقابلة المظهر الرسمى، وأراد بذلك أن يداعب كبرياء الوالى ويصل إلى قلبه.. كان «سعيد» وقتئذ فى عنفوان شبابه، فى الثانية والثلاثين من عمره وله ثقافة أوروبية ولسان ينطق الفرنسية بفصاحة تلفت الأنظار، ومع ذلك كان يفرض رأيه ويبغض الجدل والمناقشة». يؤكد الحفناوى: «بدأ فرديناند يعمل فى حذر كمن يمشى على خيط العنكبوت فيستهوى إليه قبل مفاتحة الرجال الذين عرف أنهم لهم حظوة لدى سعيد باشا، ويصل إلى قلب كل واحد من أفراد الحاشية بطريقة خاصة، وأسلوب يجعلهم يتعلقون بشخصه، وهو مخادع لا يبارى ولا يمارى.. وكتم مشروعه عن أقرب المقربين إليه حتى عن قنصل فرنسا وقتئذ واسمه «ساباتيه»، ولم يصارح غير اثنين من خلصائه وهما القنصل الهولاندى «رويزنير»، وصديقه «جيريت»، واجتمع الثلاثة ذات مساء يتذاكرون فى الموضوع، فاستقر رأيهم على أن الفرصة غير مواتية»، غير أن الحال تبدل يوم 15 نوفمبر سنة 1854. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2017-01-18
شعر إسماعيل باشا أن عمه الوالى سعيد يرقد رقدته الأخيرة فى الإسكندرية، وأن موته بات قريبا، فانتظر خبر الموت وهو فى القاهرة كى يأخذ مكان العم والجد محمد على باشا فى حكم مصر، وحسب كتاب «تاريخ مصر فى عهد الخديو إسماعيل باشا» تأليف «إلياس الأيوبى»، الصادر عن «دار المعارف - القاهرة»، فإن العادة جرت على أن ينعم الوالى الجديد بلقب «بك» إلى من يأتى إليه بخبر اعتلائه العرش، وإذا كان حامل هذا الخبر من «البكوات» فينعم عليه الوالى بلقب «باشا»، وعلى هذا الأساس شهدت قصة موت سعيد، وصعود إسماعيل إلى الحكم تدبيرا ومؤامرة وكان طرفها «بسى بك» مدير المخابرات التلغرافية. وفقاً لما يذكره «الأيوبى»، فإن «بسى بك»لم يغادر عمله ثمانى وأربعين ساعة ليحمل خبر وفاة «سعيد باشا» الذى سيكون بشرى لـ«إسماعيل باشا» كى يصعد إلى سدة حكم مصر، غير أن النوم غلبه بعد يقظته الكاملة طوال الـ48 ساعة، فاستدعى أحد صغار موظفى مصلحته، وأمره بالجلوس إلى جانب عدة التلغراف حتى ينام قليلاً، وشدد عليه أن يقوم بإيقاظه فور تلقيه إشارة من الإسكندرية تفيد بانتقال سعيد باشا إلى «دار البقاء»، ووعده بجائزة قدرها خمسمائة فرنك مقابل ذلك، فأظهر الموظف الصغير انصياعه إلى أوامر رئيسه، وذهب «بسى بك» إلى النوم بملابس العمل وهو مطمئن إلى مخططه. كان الموظف يعلم تماماً مقدار الجائزة التى ستعود على من يحمل الخبر الذى ينتظره «إسماعيل باشا»، ولهذا دبر أمره وعقد عزمه على أن يفوز هو بها، وطبقا لـ«الأيوبى»، فإنه فى منتصف الليل بين اليوم السابع عشر والثامن عشر «مثل هذا اليوم» من شهر يناير عام 1863 «وردت من الإسكندرية الإشارة البرقية المنتظرة حاملة خبر وفاة «سعيد باشا» فحملها الموظف الصغير مسرعا إلى سراى الأمير «إسماعيل» وطلب المثول بين يديه، وكان إسماعيل جالساً فى قاعة استقباله، يحيط به رجاله وتسامره هواجسه، فلما رفع إليه طلب ذلك الموظف أمر بإدخاله حالا، فدخل وأحدقت به أنظار الجميع». يصف «الأيوبى» المشهد فى السراى فور دخول الموظف: «جثا الرجل أمام إسماعيل باشا، وسلمه الإشارة البرقية الواردة، فقرأها «إسماعيل»، وما إن اطلع على ما فيها، إلا ونهض والفرح منتشر على محياه، فوقعت الإشارة من يده، وشكر الله بصوت عالٍ على ما أنعم به عليه من رفعة إلى سدة مصر السنية، ثم ترحم على عمه «سعيد باشا» ترحما طويلاً، فشاركه رجاله المحيطون به فى فرحه، وتصاعدت دعواتهم له بطول البقاء ودوام العز وأخذوا يهنئونه، ويهنئ بعضهم بعضا». انتظر «الموظف الصغير» النعمة التى سيحصل عليها، وحسب «الأيوبى»: «نظر إسماعيل إلى الموظف الجاثى أمامه والذى كان قد التقط الإشارة البرقية حالما وقعت من يد مولاه، ووضعها فى جيبه» وتبسم وقال: «انهض يا بك»، وبعد أن حباه نفحة من المال أذن له بالانصراف». لم يكتف الموظف الصغير بما حصل عليه من لقب «بك» بالإضافة إلى المال، فعاد مسرعاً إلى مصلحة التلغرافات ليحصل أيضا على جائزة الخمسمائة فرنك الموعود بها من «بسى بك»، ودخل عليه وأيقظه وسلمه البرقية، فتناولها «بسى بك» وقرأها، ثم فتح كيسه بسرعة وأعطى الموظف مبلغ الخمسمائة فرنك الذى وعده به، وأسرع بالبرقية إلى سراى «إسماعيل باشا» متأكداً من أنه سيصبح باشا، ويستكمل «الأيوبى» روايته قائلاً: «لما دخل على الأمير، وعرض عليه الإشارة قابله إسماعيل بفتور» وقال: «لقد أصبح لدينا خبرا قديما»، فأدرك الرجل أن الموظف خانه وسبقه إلى استجلاء أنوار الشمس المشرقة ونعمها ثم ضحك عليه واستخلص منه خمسمائة فرنك، فاستشاط غضبا ونقمة، وعاد إلى مصلحته، واستدعى ذلك المكير الخائن، واندلث عليه، فأوقفه الموظف عند حده قائلا: «صه، فإنى أصبحت بيكا مثلك». يعلق «الأيوبى»: «هكذا أضاع «بسى بك» ثمرة سهره ثمانى وأربعين ساعة، بعدم تجلده على الاستمرار ساهرا بضع سويعات أخرى»، ويضيف: «ما بزغ نهار الثامن عشر من شهر يناير «مثل هذا اليوم» إلا وورد إلى العاصمة «القاهرة» آخر من كان قد بقى حول سرير الوالى المحتضر فى الإسكندرية، وفارقه حالما فارقته الروح، وأسرع هو أيضا إلى سراى الوالى الجديد ليقدم له فروض عبوديته ويتلمس من محظوظيته نعمته، ولم يبق بجانب جثة من كانت كلمته بالأمس حياة وموتا إلا فرنساوى يقال له: المسيو برافيه، كان صديق المتوفى الحميم». ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2022-06-26
كانت الساعة الرابعة والنصف نهار 26 يونيو، مثل هذا اليوم، 1879 حين فض الأمير توفيق ابن الخديو إسماعيل رسالة الباب العالى «السلطان العثمانى» إليه، وفقا لسليم النقاش فى الجزء الرابع من كتابه «مصر للمصريين». يذكر «إلياس الأيوبى» فى كتابه «تاريخ مصر فى عهد إسماعيل» نص الرسالة وكان: «إن جلالة مولانا السلطان قد أصدر إرادته الهمايونية بتعيينك خديو مصر، وسوف يرسل لك الفرمان الشاهانى بالكيفية الرسمية المعتادة، وقد كلف إسماعيل باشا بتلغراف آخر بالانسحاب من شؤون الحكومة، فيلزمك بناء على ذلك حالما تصل هذه البرقية إليك، أن تستدعى جميع العلماء والموظفين ووجهاء البلاد وأعيانها ومستخدمى الحكومة، وتبلغهم مضمون الإرادة الشاهانية الخاصة بتعيينك، وتباشر شئون الحكم حالا، فإن هذا التعيين السامى العادل مكافأة لكفاءتك، وسيكون ارتقاؤك السدة الخديوية بدء عهد نظام ورقى يسود على القطر الملقاة زمام شؤونه إلى حكمتك». فى نفس الوقت تلقى الخديو إسماعيل رسالة تحتوى على فرمان خلعه، نزولا على قرار الدول الكبرى فى مقدمتهم فرنسا وإنجلترا، ويشرح «الأيوبى» قصة اللحظات الأخيرة فى هذا المشهد، مشيرا إلى أن شريف باشا كبير النظار ذهب إلى «توفيق» فى قصره لإبلاغه بخبر خلع والده وتوليه هو، لكنه وجد أن رسالة «الباب العالى» وصلت، وكان توفيق يهم بركوب عربة متجها إلى قصر عابدين فركب معه، وفى الطريق سلمه توفيق البرقية التى وصلته من الباب العالى، فقرأها شريف ثم قال لتوفيق: «المناداة بك خديويا على مصر المنصوص عنها فى تلك الإشارة التلغرافية يجب أن يتم بعد ظهر اليوم فى القلعة».. يضيف الأيوبى: «صعد توفيق إلى حيث كان أبوه فى انتظاره، وحالما دخل الغرفة التى كان إسماعيل جالسا فيها بصحبة أفكاره وشجونه، ووقعت عين والده عليه، فنهض إسماعيل وتقدم للقياه، وأخذ يده ولثمها قائلا: «إنى أسلم على أفندينا»، ثم قبله على وجنتيه، وتمنى له أن يكون أوفر حظا وأكبر سعادة من أبيه، وبعد ذلك انحنى أمامه ودخل دائرة حريمه، تاركا لابنه المتأثر تأثرا عميقا منصبه وقاعة عرشه». وفيما كان «إسماعيل» يعيش مع أحزانه، صدرت الأوامر بإعداد مايلزم للاحتفال بالخديوى الجديد، ويصفه «النقاش» تفصيليا قائلا: «لما كانت الساعة العاشرة أخذ الناس يتواردون أفواجا مخترقين بعرباتهم صفوف العساكر المصطفة على الجانبين ثم ارتفعت أصوات البشائر بظهور الخديو الجديد، فأطلقت المدافع مائة مرة ومرة، وصدحت الموسيقى ونادى الجند ومن حف بهم من الناس «أفنديمز جوق بشا»، وسارت به العربة يتقدمها رؤساء الجند والمحافظين بالألبسة الرسمية، وكان على يساره شقيقه حسين باشا وأمامه شقيقه حسن باشا ثم شريف باشا، ثم دخل قاعة التسليم وجلس يستقبل المهنئين والأعيان، دخل العلماء يتقدمهم السيد البكرى نقيب الأشراف، ثم القاضى ثم شيخ الجامع الأزهر، وبعد ذلك دخل قناصل الدول بالألبسة الرسمية وانبرى أكبرهم سنا فخاطبه بقوله: «سيدى أرانى سعيدا بتقديمى لسموكم تهانى الهيئة السياسة والقنصلية بارتقائكم إلى عرش خديوية مصر، فإن عواطف سموكم التى عرفت أيام ولاية العهد، واكتسبتم حضرتكم بها ميل الناس جميعا، تضمن لنا أنكم ستوفقون إلى تحقيق سعادة الأمة المتعلقة بكم، فإن سعيتم إلى هذه الغاية الشريفة فأنتم على يقين من ميل حكوماتنا ومساعدتها لسموكم، وأجاب الخديو:» ياحضرات القناصل: إن جلالة السلطان المعظم تعطف بدعوتى إلى تبوئى مكان والدى المعظم الذى تكرم بالتنازل عن الملك لى فقبلت ذلك مجرأ عليه بما رأيت من ميل الأمة، وانعطاف حضراتكم عازما عن صرف الهمة، وبذل الجهد فى القيام بواجباتى ومأمولى أنى بمؤازرة الأمة ومساعدة حضراتكم أدرك غاية القصد والله اسأل أن يوفقنى إلى مافيه سعادة الأمة وعمائر الوطن». بعد دخول القناصل، بدأ دخول الذوات وأمراء العسكر والملكية، ثم أعضاء المجالس الحقانية فالنواب ووجهاء البلاد، ثم أرباب الجرائد فالموظفين وغيرهم، أما الوضع عند الخديو إسماعيل، فيذكر «الأيوبى»، أنه اختار من نساء حريمه أقربهن إلى قلبه، وجمع من الكل حيلهن ومصاغهن، وكان ثمنها شيئا كثيرا، واستدعى عدة من صائغى الأقباط وأقامهم فى قصر عابدين يشتغلون ليلا ونهارا فى نزع الحجارة والفصوص الكريمة ليسهل نقلها والتصرف فيها، وجرد السراى من كل رياشها الثمينة التى كانت ملكه الشخصى، ومن آنيتها الذهب الخالص والمرصعة، وقدر ثمنها بثمانمائة ألف جنيه، ومن كل طنافسها القديمة وأثاثها الفاخرة ولوحاتها ونجفاتها الفضية، ولم يبق لخلفه من 24 طاقم سفرة الفخمة سوى طاقمين وكانا أقلها قيمة، وأرسل جميع ذلك ما عدا نسائه الى الإسكندرية فى صناديق مقفلة، ذهب بها حالا إلى يخته «المحروسة». ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2022-11-22
ارتقى إسماعيل باشا حكم مصر يوم 18 يناير 1863 بعد وفاة عمه سعيد باشا ابن محمد على، فكان همه الأول هو، كيف يتصرف مع شقيقه مصطفى فاضل؟ كان الاثنان «إسماعيل ومصطفى فاضل» هما الباقيان على قيد الحياة من أبناء إبراهيم باشا ابن محمد على وقائد جيوشه، وحاكم مصر نيابة عن أبيه من 2 مارس حتى 10 نوفمبر 1848، وتولى إسماعيل منصبه طبقا لنظام الوراثة، الذى قضت به الدولة العثمانية فى أول يونيو 1841، وكانت مصر تقع تحت ولايتها. يقضى هذا النظام بأن تكون الوراثة بالأرشدية، أى تكون ولاية العهد لأكبر أولاد محمد على وأكبر أولاد أولاده، ويذكر إلياس الأيوبى فى كتابه «تاريخ مصر فى عهد إسماعيل باشا»، أن أول ما وجه إليه إسماعيل جهوده بعد أن تولى العرش، هو تغيير نظام الوراثة إلى الولد البكر، فالولد البكر من ذريته. ويرى «الأيوبى» سبب إقدام إسماعيل على هذه الخطوة أنه «كان مشغولا بنوعين من أنواع الوقود هما، الحقد والحب، أما الحقد فعلى الأمير مصطفى فاضل أخيه من غير أمه، وعلى الأمير حليم عمه»، ويذكر «الأيوبى» أن أسباب حقد إسماعيل على شقيقه يعود إلى الكره المتبادل بين والدتيهما، الذى كثيرا ما أزعج والدهما إبراهيم.. يقول «الأيوبى»: «والدتهما كانتا مختلفى الجنس والميول، بالرغم من تمكنهما الواحد من قلب بعلهما السامى، ووحدة تأثيرهما عليه، فلم تكتفيا بتبادل الكره بينهما، بل أشربتاه قلبا ولديهما، واجتهدتا فى جعلهما عدوين لدودين، لا سيما أنهما ولدتا إسماعيل ومصطفى فاضل فى شهر واحد، وكل منهما تتمنى أن تكون أسبق الاثنين إلى الوضع ليكون ابنها أقرب إلى العرش». يضيف «الأيوبى»: مال الحظ إلى جانب أم إسماعيل لأن ولدها أصبح وليا للعهد، فلم يعد مصطفى فاضل وأمه يحتملان النظر إلى المستقبل، وباتا يتمنيان طول عمر الوالى محمد سعيد باشا، أو تقصر حياة إسماعيل، فلم يحقق الدهر لهما هذه الأمنية، ولا الأخرى، فمات سعيد وهو فى ظهر حياته، وارتقى إسماعيل عرش جده وهو فى مقتبل العمر، 18 يناير 1863، ويؤكد «الأيوبى» أن مصطفى فاضل وأهله لم يحتملوا الحياة تحت حكم إسماعيل، فسافروا جميعا فى منتصف 1963 إلى أوروبا، بعد شهور قليلة من تبوء إسماعيل حكم مصر. أقام مصطفى فاضل فى باريس، ويذكر «الأيوبى»: «ربما أدى ذلك البعاد إلى تراخى حبل الضغينة بين الأخوين، ولكن الوشاة الذين لم تكن مصلحتهم فى أن يسود الوفاق بينهما، أخذوا يختلقون من الأكاذيب على الأمير الغائب ما لم يكن معه بد من الاستزادة فى كره أخيه، والإغراق فى حقده، بل إنهم لم يحجموا عن تصوير ذلك الأخ النازح فى صورة الرجل المؤامر، المخامر، الساعى إلى إهلاك أخيه إسماعيل لكى يأخذ منه عرشه، وبلغ بهم حبهم للخداع والدسائس إلى حد أن ألقوا قنبلة سرا ذات صباح فى حديقة قصر الجيزة، وأسرعوا إلى التقاطها جهرا، وتقديمها إلى إسماعيل حجة دامغة وبرهانا قاطعا على صحة مؤامرات ومغامرات ومساعى أخيه الشريرة». ويؤكد «الأيوبى» على أن إسماعيل، «لم يفطن إلى أن القنبلة كانت فارغة، لا تحمل فى جوفها سوءا مطلقا، واعتقد اعتقادا ثابتا أن أخاه أراد قتله ليخلفه على عرشه»، أدى ذلك إلى عزمه القيام بتغيير نظام الوراثة جذريا كى يقضى على أى فرصة قد تلوح لشقيقه مصطفى فاضل، فسعى لدى السلطان العثمانى «عبدالعزيز» كى يحصرها فى ذريته، ويذكر عبدالرحمن الرافعى فى الجزء الأول من كتابه «عصر إسماعيل» أن إسماعيل نجح فى مسعاه وصدر له فرمان عثمانى يوم 27 مايو 1866، بحيث يؤول العرش إلى أكبر أنجاله، ويؤكد: «تحقق له ذلك بفضل الأموال الطائلة التى دفعها فى الآستانة، وبلغت ثلاثة ملايين من الجنيهات، وكلفت مصر تضحية مالية أخرى، ذلك أن تركيا اشترطت مقابل هذا التغيير زيادة الجزية السنوية من 400 ألف جنيه إلى 750 ألفا». وفيما كان إسماعيل يبذل هذه المساعى، كان أخاه مصطفى فاضل وعمه حليم يبذلان كل ما فى وسعهما ويدفعان أيضا إلى الآستانة لإفشال مخططه، وخابت جهودهما، ورأى إسماعيل أن يقوم بتأمين فرمان الآستانة داخليا، ووفقا للأيوبى، فإنه سعى إلى تجريد شقيقه وعمه من ثروتهما العقارية فى مصر، ليقضى على مطامعهما نهائيا فى العرش، فأوفد فى نهاية 1864 إلى مصطفى فى باريس بمن يفاتحه ببيع أطيانه، لكنه رفض، ثم كرر محاولته مرة ثانية ونجحت، وتم الاتفاق على البيع باثنين مليون جنيه وثمانين ألف جنيه إنجليزى، وتم التوقيع على عقد البيع بباريس يوم 22 نوفمبر، مثل هذا اليوم، عام 1866، وسجل فى اليوم السادس والعشرين منه. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2022-11-10
طلب الخديو إسماعيل من أبنائه «توفيق، حسن، حسين» أن يأمروا محافظ العاصمة بتجهيز مركب بخارية غدا فى النيل عند مرسى سراى الجزيرة، ويخطروا أعضاء المجلس الخاص بالاجتماع الساعة الحادية عشر صباحا، حسبما يذكر إلياس الأيوبى فى الجزء الثانى من مجلده «تاريخ مصر فى عهد إسماعيل». يؤكد «الأيوبى» أن إسماعيل قال لأبنائه، إنه سيقوم بالأمر بنفسه، وكان قصده أنه هو الذى سينفذ طريقة التخلص من «إسماعيل صديق» الشهير بلقب «إسماعيل المفتش»، الذى تختلف الآراء حول مكانته التاريخية، فهناك من يهاجمه بشدة، وهناك من يراه وطنيا، ومن هؤلاء الدكتور جمال عبدالرحيم، ففى كتابه «إسماعيل صديق المفتش.. رجل الأزمات ضحية الوشاية» يراه «من الشخصيات الوطنية البارزة، التى لعبت دورا مؤثرا فى تاريخ مصر فى تلك الفترة، حتى أطلق عليه اصطلاحا لقب الخديو الصغير». أما عبدالرحمن الرافعى، فيراه فى كتابه «عصر إسماعيل»، «أثرى ثراء فاحشا، وقلد مولاه فى عيشة البذخ والإسراف والاستكثار من القصور والأملاك والجوارى والحظايا، وإليه يرجع السبب فى استدانة الحكومة نحو ثمانين مليون جنيه»، ويصفه نوبار باشا فى مذكراته: «كان ذكيا، رفيع المستوى خصوصا، لكن اختلط عليه الجيد والردىء، وكل شىء كان بالنسبة له مثل الطفل الذى يندهش عندما يرى العصفور الذى يعذبه يرتجف بين يديه، واكتشفت كذلك أنه سيندهش إذا اشتكى شخص، لأنه قتل العصفور وقام بانتزاع ريشه». يذكر «عبدالرحيم»، أن إسماعيل صديق ولد فى أسيوط عام 1830، أى فى نفس عام مولد الخديو إسماعيل، ويؤكد أنه كان شقيق الخديو فى الرضاعة، وأصبح فى عهده مفتش عموم مصر ثم ناظر المالية».. انتهت حياته فى10 نوفمبر، مثل هذا اليوم 1876، بدراما هائلة، فحين بلغت الأزمة المالية ذروتها بسبب الديون، قررت إنجلترا وفرنسا فرض رقابة ثنائية على مصر، ويذكر عبدالرحيم أن رأى «المفتش» كان يختلف عن رأى «الخديو» المستسلم لهذا المطلب، وزاد كراهية أبناء الخديو له، فاجتمعوا مع والدهم للتخلص منه. تتعدد الروايات حول طريقة التخلص منه، ويذكرها نوبار، حسبما سمع، حيث كان فى الخارج وقتئذ، تقول الرواية الأولى: إن المفتش تقدم باستقالته كناظر للمالية حسب طلب الخديو، وكتبت الاستقالة فى القصر وفيها جمل تهاجم الخديو، وجرى استغلال نوبات السكر التى اعتاد المفتش الانغماس فيها لتوقيعه عليها، وحمل الخديو الاستقالة وذهب بها فى صباح اليوم التالى بعربته إلى منزل المفتش، ودعاه لأن يصطحبه فى نزهة إلى الجزيرة. أما الرواية الثانية فسمعها نوبار من شاهد على الحدث وهى، أن كل الباشوات اجتمعوا فى قاعة الانتظار بسراى عابدين بحضور المفتش، والجميع يعرفون أمر الاستقالة، ودعاهم الخديو للصعود ماعدا المفتش، الذى بقى فى صالون الانتظار، ونزل الخديو وتبعه الجميع ثم نادى للمفتش: «تعالى إن والدة حسن مريضة. إننى ذاهب لرؤيتها»، وعند وصولهما ترك المفتش فى الصالون أثناء دخوله إلى الحريم، ودعا ابنه حسن وقال له: «لقد عينتك وزيرا للجهادية، وشقيقك حسين وزيرا للمالية. إن المفتش موجود فى بهو الانتظار ومجموعة من الجنود مستعدون فى الخارج، اصطحبه إلى الزورق التابع للسفينة البخارية الراسية عند المراسى». نزل حسن لينفذ الأوامر، وأعطى أوامره للمفتش أن يتبعه، ففهم المفتش ما يدور فى خلد الوالى، فبكى ونادى عليه طالبا العفو، وهو يحاول التخلص من بين أيدى الجنود الذين اصطحبوه إلى المركب، وعاد الخديو إلى سراى عابدين، ودعا المجلس الخاص للانعقاد، برئاسة ابنه توفيق الذى أعلن الاستقالة المسببة للمفتش، وطالب بالقبض عليه ونفيه إلى السودان، وقدم الخديو مستندات مرسلة إلى بعض مشايخ الأقاليم تحمل توقيع وختم المفتش، يحرضهم فيها ضد الوالى والمسيحيين، واقترح تصويت المجلس على نفيه إلى السودان، ويؤكد نوبار، أن الخديو استعجل أحد ضباطه ويدعى إسحاق بك للذهاب إلى المفتش، واستلام الختم الخاص به منه، فعاد دون الختم ولكن بجرح غائر فى إصبعه. وينقل إلياس الأيوبى رواية إسحاق: «بعد إلقاء القبض على المفتش بساعة، استدعيت إلى الحجرة المحبوس فيها، فوجدت الأمير حسن واقفا عند الباب، والمفتش مجردا من ملابسه فى أحد أركانها، فأومأ الأمير إلى بيده، فدنوت منه، وسلمت السلام العسكرى، فهمس فى أذنى أمرا قاضيا باستعدادى لنقل المفتش فى الليل إلى الباخرة التى أعدت للسفر إلى دنقلا، إلا إذا مات قبل ذلك، فأدركت أن موته مرغوب فيه، وسرت حينئذ إلى المفتش وألقيته على ظهره، وكممت فمه بيدى اليسرى، وأقبلت أسحق خصيته بيدى اليمنى، فقاومنى مقاومة عنيفة، بالرغم من أنه كان نحيف البنية». يضيف: «اشتد عليه الألم، وأخذت روحه تتقعقع فى صدره، بلغت مقاومته أشدها، وخيل إلى أنه أوتى قوة تضارع قوتى، فتمكن من القبض على إبهام يدى اليسرى بين أسنانه والعض عليه عضة قطعته، ولكن كانت تلك حركته الأخيرة، وبالرغم من شدة الوجع فى يدى شددت عليه شدة أخمدت معها أنفاسه، فسقط تحتى جامدا، ودقت رأسه بالأرض، ولما جن الليل لففت جثته فى قماش ونقلتها إلى ظهر الباخرة، فسارت بها نحو الجنوب حتى إذا جاوزت الروضة طرحت الجثة فى النيل». ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2022-11-15
الخديوي توفيق ولد في 15 نوفمبر عام 1852، وهو نجل الخديوي إسماعيل، سادس حكام مصر من الأسرة العلوية. وهو خديوي مصر والسودان خلال الأعوام 1879-1892م. ومن بين الحكايات فى تاريخ مصر، نذكر الخديوي توفيق الابن الأكبر للخديوي إسماعيل بن إبراهيم باشا بن محمد على، من شفق هانم وهي جارية كان يمتلكها إسماعيل ولم يعترف بها زوجة شرعية إلاعند الاحتفال بقناة السويس، ولعل كان ذلك من أسباب توتر العلاقة بين الأب وابنه منذ البداية. توفيق كذلك لم يتلق تعليمه في أوروبا كسائرأشقائه، وتعلم في مصر، وهو ما يفسر علاقته السيئة بوالده وأشقائه بعد ذلك، استخدمه أبوه مبكرا في العمل بمؤسسات الدولة، وكلفه برئاسة مجلس النظار قبل عزله بعامين. العلاقة المتوترة بين إسماعيل وتوفيق، ذهب البعض بها إلى أنها كانت السبب في تورط الابن في اجبار والده إسماعيل على ترك العرش، وهو زاد من الجفاء الذى كان بينهما وأدى للغضاضة، ونسب للخديوي إسماعيل أنه قال: "أمير يحمل نفسية العبد ويفتقر إلى العقل والقلب والشجاعة، وكان يتآمر مع القناصل ضدي، رغم أننى امتهنت نفسى وركعت تحت أقدام السلطان العثماني وملأت جيوبه بالذهب لكى أغير قانون الوراثة حتى يصبح خديوى من بعدى"، وذلك حسبما ذكر لمؤرخ محمد عودة فى كتابه "ليبراليون وشموليون وقصة الديمقراطية والحزبية فى مصر". ووفقا للمؤرخ إلياس الأيوبى، في كتابه " تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا" وكان الخديوى إسماعيل، هواه كان أن يخلفه على العرش إبراهيم حلمي ابنه من الأميرة جنانيار هانم، أعز زوجاته عليه، والتي سعت سعيًا محمودًا في سبيل نجاح مقاصده، ومع ذلك فإنه سعى لأكبر أولاده (محمد توفيق)، بالرغم من أنه لم يكن يحبه محبته لباقي أخوته. (فإسماعيل) إذًا، لأنه كان يكره أخاه وعمه من جهة، ولأنه كان، من جهة أخرى، وعلى الأخص، يحب بلاده، أقبل يسعى في الأستانة ليحمل أولي الشأن فيها على تغيير نظام الوراثة بمصر، وحصرها في ذريته دون باقي الأسرة المحمدية العلوية. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2023-01-19
أمر الخديو إسماعيل بأن تزين شوارع القاهرة المهمة بالتحف والفوانيس المختلفة الألوان، وفى نهايتها أقواس نصر مختلفة الأنوار وفى أعاليها طرقات رصعت بالشموع، وذلك احتفالا بزواج أبنائه الأمراء الثلاثة، توفيق، وحسين، وحسن، من الأميرات، أمينة خاتم بنت إلهامى باشا بن عباس الأول، والأميرة عين الحياة بنت الأمير أحمد باشا إبراهيم، والأميرة خديجة بنت الأمير محمد على الصغير بن محمد على باشا الكبير، وزواج أختهم الأميرة فاطمة من الأمير طوسون بن محمد سعيد، حسبما يذكر «إلياس الأيوبى» فى كتابه «تاريخ مصر فى عهد الخديو إسماعيل». أقيمت الاحتفالات ابتداء من 15 يناير 1873، ودامت أربعين يوما متتالية موزعة على عشرة أيام لكل واحد من الأربعة، ويقدم «الأيوبى» وصفا تفصيليا عن حالة البذخ التى سادت خلال هذه الأيام، واشتهرت تاريخيا باسم «أفراح الأنجال»، كما يذكر أحمد شفيق باشا فى الجزء الأول من مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن»، جانبا مما رآه فيها حيث كان تلميذا وقتها، وأصبح فيما بعد فى معية الخديو توفيق، ثم تولى رئاسة ديوان الخديو عباس الثانى. يصف «الأيوبى» حالة الشوارع قائلا: «تلألأت الشوارع المؤدية إلى القصر العالى مقر والدة إسماعيل وإلى سراى الجزيرة مقر حفلات إسماعيل المفضل، وسراى القبة مقر ولى العهد، وأقيمت فى أهم الميادين جوقات موسيقية أهمها تخت عبده الحامولى، ونصبت فى كل جانب المسارح المرتجلة ليمثل عليها غواة الفن، فيحضر من شاء تمثيلها مجانا، ويعود إلى منزله مرتاحا مبتهجا، ومُدت الحبال فى الساحات العمومية ليلعب عليها البهلوانيون أيضا ألعابهم المدهشة، ورتبت الصواريخ بتفنن غريب فى تلك الجهة وأخذوا يشعلون كل ليلة جانبا منها، فتدوى طلقاتها فى آفاق العاصمة كلها لساعات متوالية، ناشرة فيها الأفراح القائمة، وداعية الأهالى إلى الاشتراك فيها». وحسب «شفيق» فإن هذه الأفراح ابتدأت بحفلة العقد «كتب الكتاب» التى دعى إليها العلماء والنظار وكبار الأعيان فى سلاملك القصر العالى، وكان يرأس الحفلة خليل أغا، الذى كان محل إجلال الجميع، حتى كانوا يقبلون يده عند المقابلة لنفوذه الكبير عند إسماعيل ووالدته، وكلمته فى الدوائر الحكومية، وبذلك أصبح من ذوى الثروات الضخمة. يضيف «شفيق»: «ابتدأت الحفلة بقراءة القرآن الكريم، ولما تم اجتماع المدعوين دخل الشهود إلى داخل الحريم يتقدمهم الأغوات، حتى إذا وصلوا إلى باب العروس المسدول عليه الستار، سألوا العروس التى كانت بالداخل محاطة بقريباتها وصاحباتها: هل تقبلين أن يكون فلان زوجك؟، على أن يعقبه سكون تام، فيعاد السؤال ثانيا وثالثا إلى أن تجيب العروس بالقبول، فينصرف الشهود إلى السلاملك، ويمضى العقد، وتقدم الشربات فى أقداح من الذهب وتوزع الشيلان على المدعوين». يذكر «شفيق» أنه فى يوم الأحد، 19 يناير، مثل هذا اليوم، 1873 توجهت عروس توفيق باشا التى كانت تقيم فى سراى الحلمية مع والدتها منذ عقد العقد إلى القصر العالى لتقضى فيه حتى الخميس ولتشاهد الحفلات التى تقام فيه بهذه المناسبة، ولتزف بعدها إلى سراى زوجها، ويذكر الأيوبى الحالة فى هذا اليوم، قائلا: «فى التاسع عشر من يناير بدأت أعياد القصر العالى، فنصبت حول الساحة الممتدة أمامه السرادقات، وعليها أسماء أصحابها، وبيان الغرض المعد كل منها لأجله، وفرشت بالطنافس العجمية الفاخرة، وأقبل أرباب اليازرجة يقيمون ألعابهم اللطيفة وسط تلك الساحة الواسعة، ومن ضمنهم بهلوان كان يصعد حبله بخروف ويجزه فوقه، ثم تفرق لحومه على الفقراء، ورُتب مقصفان للعموم، أحدهما على النمط الغربى، وما فتئ مزدحما بقاصديه، الراغبين على الأخص فى أنبذته العتيقة الجيدة». يضيف الأيوبى، أن المقصف الثانى كان على النمط الشرقى، وما فتئ هادئا بالمقبلين عليه، وأقيمت صوواين خاصة للقناصل وغيرها للتجار، وأخرى للعلماء، وسرداق لمحافظ العاصمة، علاوة على الصواوين التى أقامها الأعيان على نفقتهم لأنفسهم، ليتمتعوا بمشاهدة الأعياد، وكنت تراهم جالسين فيها يدخلون شبكاتهم والصواوين العمومية المتخذة قهوات للرقص والغناء. يتحدث الأيوبى عن حالة الرقص والغناء، ونعرف منه أشهر راقصتين وقتئذ وهما «صفية» و«عائشة الطويلة»، يقول: «الرقص والغناء لم يكونا قاصرين على الخارج، بل ما كان منهما فى داخل القصر وفى سر دور الحريم كان أهم وأشهى منظر، هناك كنت ترى أشهر الراقصات مزاحمات صفية وعائشة الطويلة، وغيرهما من ربات الفن السابقات على الإبداع فيه، هناك كنت تسمع «ألمظ» التى كانت إذا غنت أخذت بمجامع القلوب، واستولت على الأسماع برنين صوتها الرخيم، وتوقيع أناشيدها الفتانة، هناك كنت تنظر مشاهير البهلوانية من الإنجليز يأتون من صنوف الألعاب ما يخلب العقول ويدهش الألباب، وأساتذة الكار يأتون من الملاعيب ما يحير الأبالسة أنفسهم وذلك لبهجة ساكنات تلك الدور» ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2020-04-27
"لن أترافع إلا فى قضايا المظلومين لأنتصف لهم من الظالمين، وسأخصص حياتى لخدمة المهنة التى شغفت بها منذ كنت طفلة، ومنذ رأيت عمى محاميا يفخر برداء المحاماة على أى شىء آخر فى الحياة" مقولة مشهورة لنعيمة الأيوبى رددتها بساحة المحكمة لتعبر عن قيم رسالة المحاماة، ولدت نعيمة بمحافظة الإسكندرية، ووالدها المؤرخ إلياس الأيوبى، تلقت الدراسة بالمرحلة الابتدائية فى مدرسة محرم بك الابتدائية بالإسكندرية، ثم انتقلت إلى القاهرة للدراسة بمدرسة البنات الثانوية فى الحلمية الجديدة. تعد نعيمة الأيوبى، ضمن أول خمس فتيات التحقن بجامعة فؤاد الأول - القاهرة حالياً - وذلك عام 1929 بحسب ما هو موثق، كذلك يرجح البعض أنها أول محامية مصرية، بعدما كانت أول طالبة مصرية نجحت فى امتحان ليسانس كلية الحقوق منذ إنشاء مدرسة الحقوق، وقد تحدثت نعيمة الأيوبى عن تعليمها والتحاقها بالجامعة، فى أحاديث صحفية قائلة "رأينا أن نلجأ إلى أستاذنا الدكتور طه حسين، ووعدنا بالمساعدة وعلى تحقيق حلمنا فى الالتحاق بالجامعة شريطة أن نلتزم الصمت حتى لا تنتبه الصحف إلى رغبتنا فيتدخل الرأى العام ويفسد مساعيه، وبالفعل لم تعرف الصحافة بالأمر إلا بعد صدور قرار الموافقة على التحاقنا بالجامعة لكن ظلت نصيحة طه حسين قائمة". وكان عام 1933عام فارقا بالنسبة إليها فتصدرت صورتها الصفحة الأولى لجريدة الأهرام، وذلك كونها أول محامية مصرية، وأول طالبة مصرية نجحت فى امتحان ليسانس كلية الحقوق منذ إنشائها، وكان ترتيبها الـ13 على دفعتها على الرغم من تعرضها لتعب شديد، كما خاضت سلسلة من المعارك كى تتمكن من تحقيق حلمها، وتقدمت بطلب لمحكمة الاستئناف لقبول قيد اسمها فى جدول عموم المحامين، تمثل دخولها الأول لأروقة المحكمة فى الدفاع عن ثلاثة رجال من رموز الحركة الوطنية ضد الاحتلال الإنجليزى، وهم: فتحى رضوان، وأحمد حسين رئيس حركة مصر الفتاة، وحافظ محمود نقيب الصحفيين آنذاك. ولا زال البعض يصف ما يتردد عن أن مفيدة عبد الرحمن هى أول محامية مصرية وعربية مجرد "شائعات" وأن الصحيح هو أن "نعيمة الأيوبى" هى أول امرأة محامية فى مصر والعالم العربى، حيث كانت أول من ارتدت روب المحاماة من النساء، وأول امرأة قيدت بنقابة المحامين، لكن لا يوجد أى دليل قاطع فى هذا الشأن خاصة أن هناك من يوثق أن مفيدة عبد الرحمن أول محامية ويوثق فى الوقت ذاته أن نعيمة الأيوبى أول محامية فى مصر. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال: