عبدالرحمن الرافعى

هذه تحويلة لاسم يحوي خطأ إملائي. الاسم الصحيح هو معطى بواسطة هدف التحويلة. هذه صفحة لأحد أسماء الشخصية المذكورة أعلاه أو ألقابها أو لكنية...

Mentions Frequency Over time
This chart displays the number of articles mentioning عبدالرحمن الرافعى over the past 30 days.
Sentiment Analysis
This chart shows the distribution of sentiment in articles mentioning عبدالرحمن الرافعى. Sentiment analysis helps understand whether the coverage is mostly positive, negative, or neutral.
Top Related Events
Events are most frequently mentioned in connection with عبدالرحمن الرافعى
Top Related Persons
Persons are most frequently mentioned in connection with عبدالرحمن الرافعى
Top Related Locations
Locations are most frequently mentioned in connection with عبدالرحمن الرافعى
Top Related Organizations
Organizations are most frequently mentioned in connection with عبدالرحمن الرافعى
Related Articles

الشروق

Neutral

2025-06-05

من خلال «بونابرت» شاهين و«نابوليون» ريدلى سكوت، من جديد نرانا فى مستهل هذا الموضوع الذى نتناول فيه قضية نجدنا دائما ما نعود إليها متعلقة بالعلاقة بين السينما والتاريخ، نعود إلى ما يرويه الكاتب المصرى صلاح عيسى فى مقدمة كتابه المتميز عن «الثورة العرابية»، كيف أن الرئيس جمال عبدالناصر جمع، أول سنوات حركة الضباط الأحرار وعند بداية اهتمام هؤلاء الضباط بالفكر والتاريخ، عددا كبيرا من المؤرخين والباحثين المصريين، لكى يقوموا بإعادة كتابة تاريخ مصر من جديد. يومها، وبعد اجتماع أو اجتماعين ارتُئى دعوة المؤرخ الكبير عبدالرحمن الرافعى لحضور الاجتماعات على اعتبار أنه كان من أوائل الذين كتبوا «تاريخ» مصر خلال القرنين السابقين، جامعا أحداثا ووثائق فى منتهى الأهمية. وحينما دخل عبدالرحمن الرافعى قاعة الاجتماع، وعرف فحوى الموضوع وفحوى المهمة التى كلف بها المؤرخون والباحثون، نظر إليهم باستغراب، وحتى بشىء من المرارة، وقال غاضبا: «تريدون كتابة تاريخ مصر؟ أفلا تعلمون أننى كتبته منذ زمن بعيد؟» . فى احتجاجه هذا كان من الواضح أن عبدالرحمن الرافعى إنما يعبر عن نظرة إلى التاريخ تراه كتلة جامدة وربما نهائية من أحداث مرت متتالية فى شكل واضح لا يحتمل تأويلا أو إعادة تفسير. وهى نظرة لم يكن الرافعى، بالطبع، يعرف أنها امحت منذ زمن طويل، وأن التاريخ - حتى وبخاصة ما مضى منه - إنما هو كيان حى، ينظر إليه ويعاد النظر فيه دائما وأبدا، ويعاش حتى من جديد فى كل مرة، ليس فقط على ضوء اكتشافات جديدة تتعلق به، بل حتى على ضوء تقاطعاته هو نفسه واستحواذ أحداثه على تفسيرات جديدة - من دون أن تخطئ القديمة - فى كل مرة يوجد فيها تقاطع من تلك التقاطعات. ولم يدرك عبدالرحمن الرافعى يومها أن ثمة فارقا كبيرا، بين الماضى والتاريخ. وأن مهمة الثانى طرح الأول على بساط البحث، طالما أن الماضى لا يمكن له أبدا أن يموت. مناسبة هذا الكلام، بالنسبة إلينا، هى استشراء ظاهرة السينما التاريخية خلال السنوات الأخيرة. صحيح أن هذه السينما لم تغب أبدا عن مسار الفن السابع، لكن الحقبة الأخيرة شهدت تكاثر الأفلام التاريخية، بما فيها أفلام «السير الذاتية» والملاحم الأسطورية وما شابه. وطبعا للبحث فى هذه الظاهرة يستحسن اللجوء إلى علم الاجتماع وعلم النفس الجماعى… أما ما يهمنا هنا، فهو الرابط الذى قد يمكن لنا أن نقيمه بين الجديد الذى تقدمه السينما التاريخية، والحكاية التى نقلناها عن صلاح عيسى. ولعل فيلم «نابوليون» الذى حققه الإنجليزى - الذى بات هوليووديا منذ زمن وبات يشتهر بأفلام تاريخية منه واحد مميز عن الحروب الصليبية («مملكة السماء») – ردلى سكوت والذى شاهدناه قبل فترة يشكل خلفية طيبة لهذا الحديث. ذلك أن السمة الأساسية التى يمكننا أن نتوقف عندها إنما هى إصرار الفيلم على أن يستعيد الجنرال الفرنسى من الأسطورة ليضعه فى قلب التاريخ الممكن - وعن عمد لا نقول هنا: التاريخ الحقيقى، طالما أن نظرة الفيلم لا يمكن اعتبارها نهائية إلى رجل جرت أسطرته إلى حد لا يطاق - ويقينا أن محبى نابوليون لن يروقهم أبدا ذلك «الاعتداء على الأسطورة»، حتى ولو كان لحساب نظرة واقعية إلى التاريخ. غير أن المسألة هنا تتجاوز هذا الأمر، لتضعنا فى قلب دور للسينما يذكرنا هذا الفيلم بين إنجازات أخرى فى مجال السينما التاريخية به: دور المكان الذى يحظى فيه التاريخ بإمكان أن يعاد النظر فيه، بل حتى أن يعاد الاعتبار إليه... وليس طبعا بسبب ما يقال عادة من أن الصورة لا تكذب. فنحن نعرف أن الصورة تكذب وقد يكون كذبها أكثر خطورة من كذب النص المكتوب، بل لأن السينما يمكنها بفضل جماهيريتها، وقوة تعبيرها كفن، إن صنعها فنانون حقيقيون، أن تقنع المتفرجين بمحاججاتها، بخاصة إذا كانت هذه المحاججات منطقية. وفى فيلم كفيلم «نابوليون» كما فى «طروادة» كما قبلهما فى «المصارع» وربما كما رأينا فى «الإسكندر» كما صوره أوليفرستون، يمكن للمنطق أن يبدو واضحا حين يزيل الأسطرة أو وهم الحقيقة... ولكن ليس فقط عبر الحديث المحايد عما يمكن أن يكون قد حدث، بل أيضا عبر تدخل لصانع الفيلم، يفاجئ ويدهش ويضع المتفرج على تماس تام مع فكرة جديدة قد تنسف له كل الأفكار التى كان صاغها لنفسه من قبل، أو صيغت له. ولعل المثل الساطع على هذا يطالعنا فى ذلك المشهد الشهير الذى صوره يوسف شاهين عند بداية فيلمه «وداعا بونابرت»، حينما يقف نابليون عند الأهرامات مخاطبا قواته بالعبارة التى تتحدث عن تلك السنوات الأربعة آلاف «التى تنظر إليكم من أعلى هذه الأهرامات». هذه العبارة حقيقية وكان يمكن لتصويرها وإيرادها فى الفيلم أن يكونا محايدين أيضا. فماذا فعل شاهين الذى أراد هنا أن يدلى بدلوه فى تفسير التاريخ؟ انتقل من فوره إلى كافاريللى - وهو واحد من العلماء الذين اصطحبهم نابليون فى حملته مضفيا عليها طابعا علميا فكريا يكمل طابعها العسكرى ويحسّنه - وجعله يتمتم: «ها هو الأحمق عاد إلى أسطوانته القديمة…». واضح أن هذا التدخل «الذاتى» من يوسف شاهين، فى واقعة تاريخية «موضوعية» معروفة، إنما أتى هنا ليعيد تفسير تلك الواقعة، ما أعطى فيلمه كله طابعا مختلفا عما هو متوقع وفى يقيننا أن الذين كتبوا عن الفيلم من النقاد وغير النقاد العرب، معتبرينه مؤيدا لـ«احتلال» بونابرت مصر، لم يفهموا فحوى تلك العبارة، ولم يدركوا أبدا سر تدخل شاهين فى المشهد على ذلك الشكل. اعتبروا الأمر بالأحرى مجرد نكتة تريد أن تسخر من نابوليون فاستهوتهم فضحكوا!. لقد برهن شاهين فى الحقيقة أن لغة السينما، موضوعيا وتقنيا، تبدو لغة صالحة جدا لقول ما لم يكن فى الإمكان قوله بأية لغة أخرى. وبرهن أن سحر السينما يكمن فى هذا المجال أيضا. ولكن يبدو واضحا أن الدرس «السينمائى التاريخى» الذى يمتد من «بونابرت» شاهين إلى «نابوليون» ردلى سكوت، ليس درسا من السهل استيعابه، لا فى السينما العربية - أين التاريخى منها يا ترى؟ - ولا فى التلفزات العربية التى تمتلئ إلى حد التخمة بكل تلك المسلسلات التى تزعم الحديث عن التاريخ بينما هى لا تتحدث فى الحقيقة إلا عن الماضى - كقطب ميت جامد يتعارض تماما مع حيوية التاريخ -. بل إنها، لجمود حديثها الماضوى هذا، لا تستنكف عن تشويه التاريخ واختزاله لكى يظل بطوليا يتحدث عن «أمجاد الأمة» و«نقاء أبطالها الميامين» أو لكى يتحول إلى «فاعلية» أيديولوجية تخدم حراكا معينا أو سياسة مرحلية. ولعل مثلا واحدا نأخذه من مسلسل - لن نسميه - حقق خلال الحقبة الأخيرة عن واحد من «أبطال» التاريخ الأموى فى الأندلس يكفى للتعبير عن هذا كله: ففى الواقع التاريخى الذى قرأناه لدى عنان وليفى بروفنسال ولدى معظم الذين أرخوا للأندلس... كان فى خلفية تحرك ذلك «البطل» وصولا إلى انقلابه العسكرى وسيطرته على مقدرات الدولة، جارية أجنبية هى أورور (صبح فى الصيغة العربية)، أرملة الخليفة الراحل وأم ولديه، و- تقريبا - عشيقة القائد البطل الذى طلع من صفوف الشعب ليصبح سيد الأمة. فما الذى فعله المسلسل؟ بكل بساطة ألغى تلك الجارية/ الملكة... محا وجودها تماما. إذ، هل يعقل، فى رأى أصحاب المسلسل، كما فى رأى جمهورهم الضليع فى قوميته وتمسكه بماضيه، أن تقف امرأة... وبيضاء... وأجنبية وعلى غير دين البطل، وراءه لكى تملى عليه تحركاته؟ صحيح أن وراء كل عظيم امرأة... ولكن طبعا ليس حين يكون هذا العربى أصيلا نقيا، وتكون المرأة أجنبية وجارية...! فما العمل؟ العمل الوحيد الممكن هو انتظار أزمان نضج مقبلة، تدرك فيها فنوننا العربية أن التاريخ غير الماضى، وأن فنون الصورة يمكنها أن تساهم فى تصحيح الصورة... وكذلك فى تشويهها والخيار لنا. وفى انتظار ذلك سنظل نعجب بـ«نابوليون» ونلعن يوسف شاهين إلى أبد الآبدين!You sent ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

اليوم السابع

2025-05-12

اعتدى جنود الوالى العثمانى، خورشيد باشا، على أهالى مصر القديمة وأخرجوهم من بيوتهم، ونهبوا مساكنهم وأمتعتهم وقتلوا بعض الأهالى يوم الأربعاء أول مايو 1805، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى الجزء الثانى من كتابه «تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم فى مصر». يضيف «الرافعى»: إن الهياج عم مصر القديمة، وحضر جميع سكانها رجالا ونساء إلى جهة الجامع الأزهر، وانتشر خبر الاعتداء والهياج بسرعة البرق فى أنحاء المدينة، واجتمع العلماء وذهبوا إلى الوالى خورشيد وخاطبوه فى وضع حد لفظائع جنوده، فأصدر أمرا لجنوده بالخروج من بيوت الناس، لكن هذا الأمر كان صوريا، فخاطب العلماء الوالى مرة ثانية، وطلب مهلة ثلاثة أيام ليرحل الجنود من المدينة قاطبة. كانت هذه التطورات تقرب كرسى حكم مصر من محمد على، وكان يراقب الموقف انتظارا للحظة الحاسمة، ويذكر «الرافعى» أن الناس علموا بجواب الوالى فعمت الثورة أنحاء العاصمة، واجتمع العلماء بالأزهر، وأضربوا عن إلقاء الدروس، وأقفلت دكاكين المدينة وأسواقها، فأدرك الوالى خطر الحالة وأرسل وكيله صحبة رئيس الانكشارية «المحافظ» إلى الأزهر لمقابلة العلماء، فلم يجدهم بالأزهر، وذهب إلى بيت الشيخ الشرقاوى، وهناك حضر عمر مكرم وزملاؤه، فأغلظوا له بالقول، وانصرف إلى القلعة «مقر الوالى»، وما كادت الجماهير تراه حتى انهالوا عليه بالحجارة، ورفض العلماء التدخل لإيقاف هذا الهياج، وصمموا على إبعاد الجنود عن القاهرة، وظلت الأوضاع على هذا الحال أكثر من أسبوع. حدد العلماء مهلة لجلاء جنود «خورشيد باشا» تنتهى يوم 11 مايو 1805، وتحت هذا الضغط الشعبى اضطر الوالى إبعاد جزء، لكن بقى منهم بالقاهرة نحو ألف وخمسمائة، وعلم زعماء الشعب أنهم ممتنعون عن الجلاء حتى تدفع رواتبهم، ولم يكن الوالى يستطيع دفعها لأن خزينة الحكومة خالية ولا سبيل إلى توفير المال إلا بفرض ضرائب جديدة، يؤكد «الرافعى» أن هذه الأنباء أحدثت هياجا عظيما، وفى صباح يوم 12 مايو، مثل هذا اليوم، 1805، اجتمع زعماء الشعب واتفقوا على الذهاب إلى المحكمة الكبرى «بيت القاضى» لاختصام الوالى وإصدار قراراتهم فى مجلس الشرع. يؤكد «الرافعى» أنه بمجرد أن علمت الجماهير بما استقر عليه رأى زعمائهم حتى احتشدت جموعهم واتجهت إلى دار المحكمة، وأقبلت الجموع من كل صوب، واحتشدت بفناء المحكمة وحولها، وبلغ عددهم أربعين ألف نسمة، ويعلق «الرافعى»: «كان اجتماع هذا البحر الزاخر هو الثورة بعينها، وظهرت روح الشعب قوية ناقمة على الوالى وعلى الحكم التركى، ويكفى لنتعرف على نفسية الشعب فى ذلك اليوم العصيب أن نتأمل فيما ذكره الجبرتى عن صيحاتهم التى كانوا ينادون بها، كانوا يصيحون: «يا رب يا متجلى، اهلك العثمانلى»، فهذا النداء يدل على ما كان يجيش بنفوس المصريين من روح السخط على الحكم التركى واعتزام التخلص منه». ينقل «الرافعى» وقائع ما حدث فى اجتماع المحكمة، قائلا: «طلبوا من القاضى أن يرسل باستدعاء وكلاء الوالى ليحضروا مجلس الشرع، فأرسل يستدعيهم على عجل، فحضروا، وعندما انعقد المجلس عرض الزعماء ظلامة الشعب وحرروا مطالبهم وهى «ألا تفرض ضريبة على المدينة إلا إذا أقرها العلماء وكبار الأعيان، وأن تجلو الجنود عن القاهرة وتنتقل حامية المدينة إلى الجيزة، وألا يسمح بدخول أى جندى إلى المدينة حاملا سلاحه، وأن تعاد المواصلات فى الحال بين القاهرة والوجه القبلى». كتب وكلاء الشعب هذه المطالب فى اجتماعهم بالمحكمة يوم 12 مايو 1805، وسلموا صورتها إلى القاضى، وقام وكلاء الوالى ليبلغوها إلى خورشيد باشا فى القلعة، ويذكر «الرافعى» أن الوالى رأى الحركة خطيرة، وأن الثورة تؤذن بأن تقتلعه من مقره، وكان عمر مكرم نقيب الأشراف فى مقدمة زعماء الحركة وأكبرهم نفوذا، وأراد الوالى أن يلقى القبض عليه ويعتقله بالقلعة ليشل الحركة القائمة فى المدينة، فلما وصلته رسالة القاضى أرسل إليه يستدعيه، ويستدعى عمر مكرم والعلماء إلى القلعة ليتشاور معهم فى الأمر، لكن «مكرم» فطن إلى مقاصد الوالى وخشى الغدر، فأشار برفض الذهاب إلى القلعة، وكان محقا فى حذره لأنهم علموا بعد ذلك أن الوالى أعد أشخاصا لاغتيالهم فى الطريق.      لم يجب أحد من زعماء الشعب دعوة الوالى ولم يذهبوا إلى القلعة، فحنق عليهم، وعد امتناعهم عن الذهاب إليه تمردا وعصيانا، وتلقاء ذلك رفض إجابة المطالب التى قرروها، وعجل هذا الرفض بالحوادث حتى شهدت فى اليوم التالى تنصيب العلماء نيابة عن الشعب لمحمد على حاكما لمصر. ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

اليوم السابع

2025-04-09

كان محمد على باشا يعطى زراعة القطن عناية كبيرة، لكن كانت هناك مشكلة جوهرية تقابله وهى أن القطن زراعة صيفية، وأن نظام الرى المتبع فى الوجهين القبلى والبحرى وفى مصر الوسطى يكاد يكون واحدا تقريبا، وهو رى الحياض الذى يعتمد على مياه الفيضان، وهذا نظام لا يصلح إلا للزراعات الشتوية، كما أنه لا يمكن زرع الأرض بمقتضاه إلا مرة واحدة فى السنة، فضلا عن أنه لا يصلح للزراعات الصيفية كالقطن وقصب السكر والأرز، مما ألجأ المزارعين إلى استخدام السواقى، وهو عمل شاق يحتاج إلى جهد مائة ألف رجل على الأقل يستخدمون حوالى خمسين ومائة ألف ثور، هذا إلى جانب أن الأفدنة التى يمكن ريها بهذه الوسيلة لم تزد على ربع مليون فدان، أى ما يقرب من 1 على 12 من الأراضى الصالحة للزراعة، حسب ما يذكره المؤرخ الدكتور محمد فؤاد شكرى، وعبدالمقصود العنانى، وسيد محمد خليل، فى الجزء الأول من كتاب «بناء دولة مصر.. محمد على». يذكر «شكرى» أن الباشا حاول إصلاح نظام الرى فى أقاليم الدلتا فأكثر من حفر القنوات وإقامة الآلات الرافعة، لكنها لم تكن كافية، فقرر إحداث تغيير جوهرى بالانتقال من «رى الحياض» إلى «الرى الدائم» طوال السنة، وذلك بإنشاء القناطر ذات العيون والأهوسة، كما أراد أن ينشئ قناطر كبرى تضبط مياه النهر فى رى أراضى الدلتا وقت انخفاض النيل، ومن هنا بدأ الطريق إلى إنشاء مشروع القناطر الخيرية، «يعد أكبر مشروعات الرى فى العالم وقتئذ»، وفقا لعبدالرحمن الرافعى فى كتابه «عصر محمد على». اقترح الفرنسى «لينان»، كبير مهندسى محمد على، إنشاء تلك القناطر على فرعى النيل ودمياط ورشيد قريبا من رأس الدلتا، لتنظيم توزيع المياه بين الفرعين فى الصيف وتنظيم سيرها وقت الفيضان، ويؤكد «شكرى»: «وافق الباشا، وطلب إلى «لينان» تقدير النفقات وحاجات العمل، وكان من المنتظر أن يستصلح حوالى مائتى ألف أو ثلاثمائة ألف فدان خلف القناطر، وفى 22 مايو 1834 بدأ العمل رسميا فى إقامة القناطر، غير أنه سرعان ما تعرض المشروع للنقد، فقرر محمد على عرض المسألة على لجنة من المهندسين وموظفى «الأعمال العمومية» تتألف من 17 عضوا، وعقدت اجتماعها فى يوم 10 يونيو 1838 وأقرت المشروع، لكن محمد على رفض المضى فيه، ونقل المواد التى جمعت عند القناطر للانتفاع بها فى أعمال أخرى». ظل أمر القناطر مهملا حتى قدم إلى مصر المهندس الفرنسى «موجيل» لإنشاء حوض بميناء الإسكندرية لترميم السفن، ووفقا لـ«شكرى»: لما علم «موجيل» بمشروع «لينان» اقترح على الباشا مشروعا جديدا للقناطر يشمل استحكامات، كان محمد على يرغب وقتئذ فى إقامتها عند التقاء فرعى النيل حتى يجعل من هذا الوضع مركزا حربيا صالحا للدفاع عن مصر، فوافق الباشا على مشروع «موجيل»، وطلب إلى «لينان» أن يقدم إليه كل معلومات ووثائق ورسوم تساعده فى إعداد مشروعه الجديد، وفرغ «موجيل» من مشروعه فى يناير 1843، وبدأت الأعمال بكل همة فى بناء القناطر، ولكن العمل توقف، ثم استؤنف، وأخذ يتوقف خاصة فى أوقات الفيضان ثم يستأنف، وأخيرا احتفل محمد على بوضع حجر الأساس فى 9 أبريل، مثل هذا اليوم، 1847، وكان يشترك مع «موجيل» فى كل أعمال القناطر المهندسان المصريان، مصطفى بهجت، ومحمد مظهر، وفى منتصف يونيو 1847 أمر الباشا ابنه «إبراهيم» بالقيام إلى القناطر الخيرية والتروى مع «موجيك بك» فى الوسائط المؤثرة لتشهيل وإنهاء الأشغال. يؤكد «شكرى»: «فى 19 مارس 1847 قررت الجمعية العمومية فتح ثلاث ترع رياحات من ثلاث جهات، جوانب القناطر الخيرية فى البحيرة والمنوفية والشرقية، ليصل ما تحجزه القناطر من مياه إلى كل ناحية، وفى 31 مايو 1847، بدأت أعمال الحفر فى الترع الثلاث». ويذكر «الرافعى»: «استمر العمل فى المشروع ثم اعتراه البطء والتراخى، لما أصاب الحكومة من الفتور فى أخريات أيام محمد على، ثم توقف العمل بعد وفاته أثناء ولاية «عباس الأول» بحجة أن حالة الخزانة لا تسمح، وارتأى عباس توفيرا للنفقات أن تؤخذ الأحجار اللازمة للبناء من الهرم الكبير، ولكن «لينان» أقنعه بفكرة إن اقتلاع الأحجار من الهرم يقتضى من النفقات ما يزيد عن نفقات اقتلاعها من المحاجر». يذكر «شكرى» فى عام 1853 أوحى إلى «موجيل» بالاستقالة فخلفه «مظهر بك»، ثم تعطل العمل إلى أن جاء سعيد باشا، فاستؤنف من جديد حتى تم إنشاء القناطر نهائيا عام 1861، ويضيف «شكرى»: «كان لإقامة القناطر الخيرية والعناية بغيرها من وسائل الرى وشؤون الزراعة، آثار ظهرت فى زيادة مساحة الأراضى المزروعة من مليونى فدان فى 1821 إلى 3 ملايين و865 ألف فدان فى 1840، كما ظهرت فى زيادة المحصولات الزراعية وتنوعها». ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

اليوم السابع

2025-04-07

ركب السلطان العثمانى عبدالعزيز اليخت الفخم «فيض جهاد» من تركيا فى طريقه لزيارة مصر يوم 3 أبريل عام 1863، وكان يصاحب السلطان وفد كبير يتكون من ابنه الأمير يوسف عز الدين ووزيراه فؤاد باشا وزير الحربية، ومحمد باشا وزير البحرية، وغيرهما من كبار موظفى الدولة والخاصة السلطانية، وركب كل من الأمراء مراد أفندى وحميد أفندى ورشاد أفندى أولاد أخيه المرحوم عبدالمجيد الفرقاطة «مجيدية»، وركب وراءهم جمهور عديد من الياوران والضباط والموظفين والجنود سفنا عثمانية أخرى، وأقلع الجميع من الآستانة «عاصمة الدولة العثمانية» إلى مصر، حسبما يذكر إلياس الأيوبى فى كتابه «تاريخ مصر فى عهد الخديو إسماعيل باشا». وصل السلطان عبدالعزيز إلى الإسكندرية فى 7 أبريل، مثل هذا اليوم، 1863، ويذكر «الأيوبى» تفاصيل الزيارة لكنه يقتصر فى متابعتها على وصفه لمظاهر الحفاوة والأبهة والفخامة التى أعدها «إسماعيل» فى استقبال السلطان، دون توضيحه لأهدافها وما دار فيها من مباحثات، وكانت مصر وقتئذ تابعة للدولة العثمانية، غير أن عبدالرحمن الرافعى يكشف فى كتابه «عصر إسماعيل» أهداف هذه الزيارة، والسياق السياسى التى تمت فيه. يذكر «الرافعى»: «بذل إسماعيل تضحيات مالية جسيمة فى سبيل الحصول على الامتيازات التى نالها، إذ لم تكن حكومة الآستانة تصدر فرمانا إلا فى مقابل الأموال الطائلة من الرشا والهدايا، يقدمها إسماعيل لرجال الآستانة على اختلاف مراتبهم، ولا يستثنى منهم السلطان ذاته، فبلغت هذه الأموال طوال حكمه نحو اثنى عشر مليونا من الجنيهات»، ويضيف «الرافعى»: «بدأ إسماعيل حكمه بالتودد إلى السلطان عبدالعزيز، ورجال حكومته، وذهب إلى الآستانة ليقدم فروض الولاء، وانتهز هذه الزيارة لإحكام روابط الود بينه وبين تركيا، وتودد إلى السلطان عبدالعزيز ودعاه إلى زيارة مصر، فوعده بقبول الدعوة». يصف «الأيوبى» مشهد استقبال السلطان عبدالعزيز فى الإسكندرية، مشيرا إلى أن السفن حين دخلت الميناء والأعلام العثمانية ترفرف عليها، دوت المدافع من الطوابى المحيطة بالمدينة، وصدحت الموسيقى العسكرية، وارتفعت أصوات الجمع الغفير المحتشد، ومزجت التحية السلطانية بالتحية الأميرية صائحة بالتركية: «باد شاهمز جوق يشا» و«أفندمز جوق يشا»، ونزل إسماعيل وعمه حليم باشا وغيره من أكابر رجاله فى زورقه الفخم، لتقديم فروض الاحترام والإجلال للسلطان، وقبل يد السلطان، وانحنى لأمراء البيت العثمانى. يضيف «الأيوبى»، أن سراى رأس التين أعدت إعدادا فخما لنزول الركاب السلطانية فيها، ووجد عبدالعزيز من زخرفها والبذخ المنتشر فى جميع أثاثها من أسباب الراحة ما أوجب إعجابه بإسماعيل وضاعف من تقديره للثروة المصرية، ويذكر «الأيوبى» أنه فى اليوم التالى للزيارة «8 أبريل 1863» وفى حوالى الساعة العاشرة صباحا، استقبل السلطان وبجانبه إسماعيل باشا وفؤاد باشا قناصل الدول، وألقى عليهم خطبة، أعرب لهم فيها عن سروره بما رآه من أسباب العمران المصرى الذى هو إحدى ممالكه، وترجم فؤاد باشا الخطبة، وفى يوم 9 أبريل 1863 اجتاز بمركبته المفتوحة مدينة الإسكندرية، وتوجه إلى المحطة حيث كان فى انتظاره القطار المعد لركوبه إلى القاهرة، ليقله إلى مصر، ويؤكد «الأيوبى» أن السلطان لم يكن رأى قبل ذلك قطارا، فاستوقفت أنظاره وآلاته وعدته، وأخذ يستفسر ويستفهم عن كل ما يرى، وتقدم إليه ناظر المحطة ومهندس القاطرة بكل إيضاح. يؤكد الرافعى، أن السلطان قضى فى ضيافة إسماعيل عشرة أيام لقى فيها من مظاهر الإكرام والحفاوة البالغة ما جعل لإسماعيل منزلة كبيرة، واغتنم «إسماعيل» هذه الفرصة، فاستغل المنزلة التى نالها ليكسب من تركيا حقوقا ومزايا جديدة، واستخدم إلى جانب ذلك المال يبذله بسخاء، فغمر السلطان وحاشيته بالهدايا والتحف الفاخرة، حتى ملأ بها سفينة بأكملها، ومنح الصدر الأعظم «فؤاد باشا» وحده بستين ألفا من الجنيهات رشوة ليتخذ منه عونا فى مساعيه لدى الحكومة التركية، وعاد «عبدالعزيز» من زيارته مغتبطا مما لقيه من الإكرام، ومهدت هذه الزيارة الطريق أمام إسماعيل لينال رغائبه. يضيف «الرافعى» أن أول ما وجه إليه إسماعيل جهده هو العمل على تغيير نظام توارث العرش، حيث كان النظام القديم الذى فرضه فرمان سنة 1841 يقضى بأن يؤول عرش مصر إلى أكبر أفراد الأسرة العلوية سنا كالنظام المتبع فى تركيا، فسعى إسماعيل جهده أن يؤول العرش إلى أكبر أنجاله، ونجح فى مسعاه بفضل المثابرة والدأب على الطلب، وبفضل الأموال الطائلة التى بذلها فى الآستانة، وبلغت ثلاثة ملايين من الجنيهات، وكان هذا السعى من الأسباب الأولى لديون إسماعيل. ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

اليوم السابع

2025-04-05

ذهب أحد ضباط محمد على باشا والى مصر إلى الشيخ عمر مكرم بمنزله فى «أثر النبى» بمصر القديمة يوم 5 أبريل، مثل هذا اليوم، 1822، فأيقظه من نومه، ولما رآه الضابط وقف متأدبا وقبل يديه، وجرت محادثة قصيرة بينهما ليس أعظم منها دلالة ومغزى، حسبما يذكر محمد فريد أبوحديد فى كتابه «السيد عمر مكرم». يذكر «أبوحديد» نص المحادثة، قائلا: «قال السيد للضابط: خير إن شاء الله، فقال الضابط: سيدى الباشا محمد على يأمرك بسفرك إلى طنطا، فلم يسأله عمر مكرم ولم يراجعه، بل قال هادئا: متى أراد فأنا مستعد، وسأعد سفينة للسفر، رد الضابط: كل شىء معد يا سيدى على ساحل النيل فى مصر القديمة، فهز الشيخ الوقور رأسه، وقال: إذن هلم». سافر عمر مكرم إلى طنطا منفيا بأمر محمد على، وكانت المحنة هذه المرة هى الختامية فى سلسلة المحن التى فرضها الباشا عليه، رغم أنه كان زعيم الانتفاضة الشعبية التى نصبته حاكما لمصر فى مايو 1805، غير أن «الباشا» اعتزم على الاقتصاص منه لمعارضته فى بعض سياساته، فعزله من منصبه نقيبا للأشراف ونفاه إلى دمياط، وفقا للدكتور عبدالعزيز محمد الشناوى فى الجزء الثانى من كتابه «الأزهر جامع وجامعة»، مضيفا: «حدد محمد على 12 أغسطس 1809 موعدا لترحيل عمر مكرم، وندب أحد الضباط ليصحبه فى رحلته إلى دمياط»، وينقل عن «الجبرتى» وصفه لمشهد وداعه، قائلا: «شيعه الكثير من المتعممين وغيرهم، وهم يتباكون حوله حزنا على فراقه، وكذلك اغتم الناس على سفره وخروجه من مصر، القاهرة، لأنه كان ركنا وملجأ ومقصدا للناس». يؤكد «الشناوى» أن هذا النفى الأول لعمر مكرم كان المرحلة الأولى والمهمة لمأساته وأفول نجمه السياسى، ويذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «عصر محمد على»: «عاش فى دمياط تحت المراقبة والحراس ملازمون له إلى أن تشفَع له قاضى القضاة، صديق أفندى، لدى محمد على، فأذن له بالانتقال إلى طنطا بعد أربع سنوات قضاها فى دمياط، وفى طنطا امتدت إقامته سبع سنوات حتى طلب الإذن له أن يؤدى فريضة الحج، وكان محمد على فى قمة المجد والسلطة، فتلطف بقبول طلبه، وأذن له بالذهاب إلى القاهرة ويقيم بداره إلى آوان الحج»، وقال لجلسائه: «أنا لم أتركه فى الغربة هذه المدة إلا خوفا من الفتنة، والآن لم يتبق شىء من ذلك، فإنه أبى، وبينى وبينه ما لا أنساه من المحبة والمعروف». ينقل «الشناوى» عن «الجبرتى» حالة الناس حين عرفت بخبر عودة عمر مكرم إلى القاهرة، قائلا: «انتشر النبأ بين أهل القاهرة، وكان الناس بين مصدق ومكذب، حتى وصل فى 9 يناير 1819 إلى بولاق، وقصد إلى مسجد الإمام الشافعى وزار ضريحه، ثم صعد إلى القلعة، وقابل الكتخدا «المحافظ» وسلم عليه، ونظم الشعراء القصائد مرحبين بمقدمه، وقدم لهم العطايا فى حدود إمكاناته المالية، ولم ينس الشعب زعامة عمر مكرم، واستمر ازدحام الناس على داره، الأمر الذى أثار مخاوف محمد على من جديد، فآثر عمر مكرم الابتعاد عن الجماهير، واعتكف فى داره لا يغادرها، ويؤكد «الجبرتى»: «استمر ازدحام الناس أياما، ثم امتنع عن الجلوس فى المجلس العام نهارا، واعتكف بحجرته الخاصة، فلا يجتمع به إلا بعض من يريده من الأفراد». بالرغم من هذه العزلة التى فرضها عمر مكرم على نفسه، فإنه لم يكن بمنجاة من ظنون وبطش محمد على، وفقا لـ«الشناوى»، مضيفا: «فى 29 مارس 1822 أقام أهل القاهرة انتفاضة، فاعتقد محمد على أن لعمر مكرم يدا فيها، فأمر بنفيه من جديد إلى طنطا يوم 5 أبريل 1822، وإخراجه من القاهرة فى ذات اليوم»، ويذكر «الشناوى» أن «الجبرتي» لم يدون هذه المحنة الجديدة لعمر مكرم، لكن كتب عنها الدبلوماسى والمؤرخ الفرنسى «مانجا» من واقع معاصرته لها، قائلا: «أراد الوالى إقصاء هذا الشيخ الطاعن فى السن، اعتقد أنه هو الذى حرك الانتفاضة الشعبية التى اندلعت فى 29 مارس 1822. إن هذا الرجل وهو على حافة القبر اختار له مسكنا فى الضاحية ليعيش فى هدوء بعيدا عن الجماهير وصخب المسائل العامة، ولم يكن يغادر منزله»، يؤكد «الشناوى» أن مدة نفى عمر مكرم لم تطل هذه المرة إذ توفى فى نفس السنة «1822»، وطويت صفحة زعيم أزهرى كان كبير الزعماء، ويذكر «الرافعى»: «كانت حياة ذلك المجاهد الكبير سلسلة من النفى والهجرة، ومكافحة الخطوب والمحن ولم يُعرف فضله، ولا كوفئ على جهاده بالشكر وحسن التقدير». ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

اليوم السابع

2025-03-02

سمع محمد على باشا «والى مصر» أول طلقة، فوقف وامتقع لونه، وعلا الاصفرار وجهه، وتنازعته الانفعالات المختلفة، وأخذ يسمع دوى الرصاص وصيحات الذعر والاستغاثة وهو صامت، إلى أن حصد الموت معظم المماليك، وأخذ صوت الرصاص يتضاءل إعلانا بانتهاء مذبحتهم فى «القلعة» يوم 1مارس 1811، حسب عبدالرحمن الرافعى، فى كتابه «عصر محمد على»، فى حين يذكر «الجبرتى» أنها هذه وقعت فى 2 مارس، مثل هذا اليوم، 1811، ويضيف «الرافعى»، أن طبيب محمد على، مسيو «ماندريش» الإيطالى دخل عليه وقال له: «لقد قضى الأمر، واليوم يوم سعيد لسموكم»، فلم يجب الباشا بشىء، وطلب قدحا من الماء فشرب منه جرعة طويلة». كان الألمانى «بوكلر موسكو» من أصدقاء محمد على، وينقل عنه «جيلبرت سينويه» فى كتابه «الفرعون الأخير»، ترجمة، عبدالسلام المودنى، حال الباشا وقت وقوع المذبحة، قائلا: «حبس نفسه فى الديوان فى وقت التنفيذ، وأخلى المكان تماما إلا من الباشا الذى بقى وحيدا، كان ممتقع الوجه، مضطربا وصامتا بعينين مثبتتين، ونزع عمامته، وفى خضم لعلعة الرصاص، كان انفعاله بلغ به مبلغا عظيما، وكأنه شعر قلبه يهوى، لحد أنه طلب قليلا من الماء».  خطط «الباشا» للمذبحة بسرية تامة، ووفقا للرافعى فإنه دعا أعيان المماليك لاحتفال كبير بمناسبة تنصيب ابنه «طوسون» قائدا لحملة تتوجه إلى الحجاز، ولبوا الدعوة وتوجهوا فى أبهى زينة وأفخم هيئة، وبلغ العدد نحو 10 آلاف شخص منهم 470  من المماليك وأتباعهم وكبار القوم، ومختلف الطوائف، وتناولوا الغذاء، وأطلقوا الغناء، حتى نادى المنادى برحيل الموكب، فعزفت الموسيقى وانتظم قرع الطبول، وبدأ الموكب فى السير منحدرا من القلعة إلى «باب العزب». يضيف «الرافعى»: «لم يكد الجنود يصلون إلى هذا الباب حتى ارتج الباب الكبير بإغلاقه من الخارج فى وجه المماليك، وتحول الجنود بسرعة عن الطريق ليتسلقوا الصخور على الجانبين وأمطروا المماليك بالرصاص، الذين حاولوا الفرار لكن البنادق كانت تحصدهم من كل مكان بلا رحمة، حتى بلغ ارتفاع الجثث فى بعض الأمكنة إلى أمتار، وتمكن بعضهم من الوصول إلى «طوسون باشا» راكبا جواده منتظرا أن تنتهى تلك المأساة، فتراموا على أقدامه طالبين الأمان، ولكنه وقف جامدا لا يبدى حركة، وعاجلهم الجنود بالقتل». كان «الجبرتى» معاصرا للحدث، ويروى وقائعه الدرامية فى موسوعته «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار»، تحقيق، الدكتور عبدالرحيم عبدالرحمن عبدالرحيم، قائلا، إن الباشا أعلن أنه سيقلد ابنه «طوسون» قيادة الركب الموجه إلى الحجاز، ونوه إلى أنه سيقوم بتسفير عساكر إلى الشام بقيادة «شاهين بك الألفى»، وطلب من المنجمين اختيار وقت صالح لإلباس ابنه خلعة السفر، فاختاروا له الساعة الرابعة من الجمعة (2 مارس 1811)، وفى يوم الخميس نودى فى الأسواق بأن يحضر فى باكر الجمعة كبار العسكر والأمراء المصرية الألفية وغيرهم إلى القلعة ليركب الجميع بتجملاتهم وزينتهم أمام الموكب، وفى يوم الجمعة ركب الجميع وطلعوا إلى القلعة وتم تنفيذ المذبحة». يذكر الجبرتى: «لما رأى المماليك ما حل بهم ارتبكوا فى أنفسهم وتحيروا فى أمرهم، ووقع منهم أشخاص كثيرة، فنزلوا عن الخيول، واقتحم شاهين بك وسليمان بك البواب وآخرون فى عدة من مماليكهم راجعين إلى فوق، والرصاص نازل عليهم من كل ناحية، ونزعوا ما كان عليهم من الفراوى والثياب الثقيلة، ولم يزالوا سائرين وشاهرين سيوفهم حتى وصلوا إلى الرحبة الوسطى المواجهة لقاعة الأعمدة وسقط أكثرهم، وأصيب شاهين بك، وسقط إلى الأرض فقطعوا رأسه، وأسرعوا إلى الباشا محمد على ليأخذوا عليها البقشيش». انتقل الباشا من القلعة إلى البيت الذى به الحريم وهو بيت إسماعيل أفندى الضربخانة، ويذكر الجبرتى «هرب سليمان بك البواب من حلاوة الروح، وصعد إلى حائط البرج الكبير، فتابعوه بالضرب حتى سقط، وقطعوا رأسه أيضا»، ويؤكد: «أسرف العسكر فى قتل المصريين، وسلب ما عليهم من الثياب، ولم يرحموا أحدا، وأظهروا كامن حقدهم، وضبعوا فيهم وفى من رافقهم متجملا معهم من أولاد الناس، وأهالى البلد الذين تزيوا بزيهم لزينة الموكب، وهم يصرخون ويستغيثون ومنهم من يقول: أنا لست جنديا ولا مملوكا. وآخر يقول: «أنا لست من قبيلتهم»، فلم يرقوا لصارخ ولا شاك ولا مستغيث، وتتبعوا المتشتتين والهربانين فى نواحى القلعة وزاوياها، والذين فروا دخلوا فى البيوت والأماكن، وقبضوا على من أمسك حيا ولم يمت من الرصاص أو متخلفا عن الموكب، وسلبوا ثيابهم وجمعوهم إلى السجن تحت، ثم أحضروا المشاعلى لرمى أعناقهم فى حوش الديوان واحدا بعد واحد من ضحوة النهار إلى حصة من الليل، حتى امتلأ الحوش من القتلى، ومن مات من المشاهير المعروفين، وانصرع فى طريق القلعة قطعوا رأسه، وسحبوا جثته إلى باقى الجثث حتى أنهم ربطوا فى رجلى شاهين بك ويديه حبالا، وسحبوه على الأرض مثل الحمار الميت إلى حوش الديوان بالقلعة». ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

الشروق

2025-01-27

صَغار فى الذهاب وفى الإياب ..أهذا كل شأنك يا عرابى؟! هكذا وصف أمير الشعراء أحمد شوقى الزعيم أحمد عرابى لدى عودته من المنفى بعد عشرين عاما، وكان ذلك طعنا صارخا فى الرجل وفى ثورته التى وصفت بـ«الهوجة»، والتى اتهمت لعقود طوال بأنها السبب المباشر فى وقوع مصر فريسة للاحتلال البريطانى. تمر السنوات ويشقى بذكر الثورة العرابية كل من شارك فيها وأيدها، ويشقى معها ذكر الخديوى توفيق الذى تردد أن أسرته العلوية ذاتها لم تكن فخورة بصنيعه المشين فى التعامل مع حركة الضباط حينها، ثم مع الاعتداء البريطانى على الإسكندرية، واستقباله الأميرال «بوشامب سيمور» قائد الأسطول البريطانى فى قصر الرمل، جاعلا نفسه وسلطته الحكومية رهن تصرف الإنجليز، حتى قبل أن يحتلوا الإسكندرية. فأثناء القتال أرسل الإنجليز ثلة من جنودهم ذوى الحلل الزرقاء لحماية الخديوى أثناء انتقاله من قصر الرمل إلى قصر رأس التين عبر شوارع الإسكندرية المشتعلة. ثم أرسل الخديوى إلى أحمد عرابى فى كفر الدوار يأمره بالكف عن الاستعدادات الحربية، ويحمّله تبعة ضرب الإسكندرية، ويأمره بالمثول لديه فى قصر رأس التين؛ ليتلقى منه تعليماته. ويبدو أن الثورة العرابية هُزمت فى الضمير الشعبى بسبب الخلافات الداخلية التى نشبت بين قادتها. ففى البداية، اتهم العرابيون رئيس مجلس النواب محمد باشا سلطان بالخيانة وممالأة الإنجليز، بزعم أنه حث المصريين على الانفضاض عن عرابى. كما سجلت نور الهدى محمد سلطان (الشهيرة باسم هدى شعراوى)، ردود فعل من معاصرين لها فى مذكراتها، واتهمت العرابيين بالسعى إلى السلطة والزعامة، مما أدى إلى هزيمتهم. ويُعتقد أن المؤرخ عبد الرحمن الرافعى قد قسم «حراك الثورة» إلى مرحلتين: مرحلة ما قبل النجاح، والمرحلة الثانية منذ إقالة شريف باشا، مشيرًا إلى أن قادة الثورة كانوا يطالبون بالمناصب. وعلى الرغم من اختلاف الشهادات حول عرابى وجيله، يُعتقد أن القادة اختلفوا وانقسموا، مما سمح للخديوى بالانقضاض عليهم وعلى حراكهم، وفتح الباب للاحتلال البريطاني. على أن إنصاف الثورة العرابية فى كتب التاريخ فى العهد الجمهورى جاء كرد فعل عنيف لدهر من التشكيك والتخوين، ولم يسلم ذلك الإنصاف من المبالغة فى التمجيد والحط من شأن كل المختلفين مع تلك الثورة والمشككين فى ملائكية أهدافها. الانقسام والتخوين إذن كانا أهم أسباب انهزام الثورة العرابية، ولا أقول فشلها، ذلك أن نجاح الثورات وفشلها ليس قرينا بما تحققه من نتائج مباشرة فى نظام الحكم وعلى أرض الواقع. • • • تظل ثورة يناير 2011 من الثورات النادرة التى تحرك بها الشعب بشكل عفوى، وعلى غير انحياز متأخر لحركة منظمة وطنية مسلحة.. فقد اندلعت بوازع من غضب مكبوت، وانطلقت من مقدمات حتمية الهدم دون اكتراث بأدوات إعادة البناء وتكاليفها.. وافتقرت إلى القيادة وإلى الأهداف المنضبطة التى يمكن أن يتم التفاوض بشأنها، بل إن ما اصطنعته من قيادات وهمية غزت الشاشات التلفزيونية آنذاك، أغلقت الباب أمام كل صور التفاوض مع القلة الإصلاحية الباقية من النظام المنقضى، وضيّقت مساحات الاتفاق التى كان بمقدورها وحدها أن تؤسس لدولة مدنية جامعة، وذلك بصناعة قاموس مكتمل لاتهامات معلّبة بالفساد والخيانة والإلحاد! إلى غير ذلك من أوصاف كان أشهرها على الإطلاق وصف «فلول النظام»، ذلك الذى وصم به غالبية رجال الدولة الذين عليهم تؤسس الأنظمة. ولا أنسى يوما دعيت فيه إلى لقاء بوزير الشباب فى حكومة الدكتور عصام شرف، وكان الوزير رجلا مثقفا منفتحا مخلصا، غير أنه استقبل على طاولته عددا من الشباب الذين وصفوا بـ«شباب الثورة»! وانتهى الحوار معهم إلى ضرورة فتح الباب ــ على مصراعيه ــ لأصحاب رسالة الدولة الأصولية باعتبارهم شركاء الوطن والعمل الثورى! وعدم الاهتمام بملفات الاقتصاد، تلك التى رآها هذا النفر من الشباب فزاّعة نظام مبارك، وعصا موسى التى استغلها لإلهاء الشعب عن حقوقه السياسية! أما أنا فغادرت الاجتماع مبكرا، معترضا ومسجّلا توجّسى بأن هذا الاقتصاد الذى تهملونه على مائدة الحوار، سيكون أهم أسباب فشل الثورة وانقضاض الفقراء عليها، وأن فتح الباب للمتطرفين دينيا بزعم أنهم أحرار فى طرح رسالتهم (الإقصائية بطبيعتها) لن يقيم دولة مدنية أبدا، ولن يحقق أدنى تكافؤ للفرص مع القوى الليبرالية المتشرذمة وغير المنظمة وغير المموّلة.. لا أبرئ نفسى بسوق هذه  التفاصيل، إن النفس لأمّارة بالسوء إلا ما رحم ربى.. ولا أنتحل هيئة العالم ببواطن الأمور، الناظر إلى المستقبل بنور اليقين.. فقد خضت هذه التجربة شابا حالما مندفعا، لا أزن الأمور كما أفعل الآن.. لكننى أتذكر مع القرّاء كيف كانت بعض البدايات، وكيف لاحت أسباب الهزيمة مبكرا، وخلقت الثورة رموزها المضادة لأهدافها الهادمة لقواعدها. وكأى من ثورة غيرت مجرى التاريخ، فلا أمل أن تحقق ثورة يناير نجاحا فوريا، بل إن معايير نجاح الثورات ترتكز على مقدار ما تصنعه من تغيير حقيقى فى ثقافة وتفكير وسلوكيات المجتمع، وذلك النوع من التغيير لا يحدث إلا متدرجا وبعد جدلية «هيجلية» عميقة بين فكرة وفكرة مضادة، وثالثة تختمر على أثر ذلك التضاد.. • • • الحكم على الثورات إذن لا يكون بإصدار شهادة نجاح أو فشل، فاختزال الحراك الثورى فى أثر واحد مباشر هو عمل سطحى، والحكم على الثورات بما صنعته من نتائج على الأرض يضيع فى لعبة السببية، التى تختلف بمرور الزمن وبزاوية الرؤية.. هل وقع الاحتلال بسبب الثورة العرابية؟ وهل كان بناء قاعدة ليبرالية واعية نتيجة مباشرة لمقاومة الاحتلال؟ فأى أثر إذن صنعته تلك الثورة؟! الحكم على الثورات بميزان الخير والشر لن يؤدى بنا إلا إلى هوة من الخلاف الذى لن يحسمه مخلوق على الأرض. لكن التعامل مع الثورات باعتبارها تجربة بشرية شديدة الثراء، هو ما يجب أن نعيه ونؤسس له. كانت ثورة يناير شديدة الثراء، بتغييراتها ودروسها وآمالها وآلامها، وإلقائها الضوء على إمكانات وحدود الشعب المصرى، وعلى أهمية الوعى والتعليم، وعلى ضرورة تكوين كتلة حرجة من قيادات الفكر قبل الإقدام على أى نوع من التغيير، وعلى أهمية التغيير التدريجى الإصلاحى كبديل أقل تكلفة ودموية من كل التغييرات الثورية.. الثورات رهن بسياقها الزمنى والمكانى، ومن الصعب أن تحكم عليها مفرغا إيّاها من السياقين، تقدير الثورات مرهون بحجم التأثير الذى تصنعه فى اتجاه تحقيق أهدافها، وإن طال الأمد وكثرت العثرات.. ومن هذا المنطلق، فلابد من التواضع أمام تقييم تلك التجارب البشرية الكبرى، وعدم انتزاع صفة الرشد من الشعوب بكلمة واحدة تحكم بالفشل على تلك الثورات، وعدم الإفراط أيضا فى إنكار المساوئ والهنّات، إلى الحد الذى يصبح معه الشعب مستعصيا على التعلم من الأخطاء، لاهيا فى أناشيد المراهقة الثورية.   كاتب ومحلل اقتصادى   ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

الدستور

2024-12-18

ينظم قطاع الفنون التشكيلية، ندوة لإحياء ذكرى المؤرخ والسياسي ""، بعنوان "التأريخ بين الماضي والحاضر"، وذلك يوم السبت الموافق 21 ديسمبر الساعة 11 صباحًا. وتستضيف الندوة المحاضر الدولي، بسام الشماع، مؤرخ علم المصريات، في متحف مصطفى كامل، وتأتي الندوة تحت إشراف الإدارة العامة للتنشيط الثقافي. ويشار إلى أن متحف مصطفى كامل ي شارع صلاح الدين بجوار حديقة صلاح الدين، بالقلعة، بحي الخليفة. وعبد الرحمن الرافعي، هو مؤرخ مصري، عني بدراسة أدوار الحركة القومية في تاريخ مصر الحديث، ومن أشهر أعماله هو 15 مجلد يؤرخ فيها منذ أواخر القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر حتى خمسينياته. وتخرج الرافعي من مدرسة الحقوق الخديوية سنة 1908م، واهتم الرافعي بدراسة علاقة التاريخ القومي بالوعي القومي، وبنشوء وتطور الدولة القومية الحديثة من ناحية أخرى، والكتابة عنه. وينسب للرافعي، أنه أول من دعا في مصر والعالم العربي إلى “حركة تعاونية” لتطوير الزراعة وتنمية الريف ورفع مستوي الحياة الريفية كشرط للنهوض الاقتصادي والتقدم الاجتماعي وتدعيم أسس الاستقلال السياسي. وكتب الرافعي، في الكثير من الصحف المصرية، مثل جريدة العلم، وجريدة الاعتدال، وشغل منصب نائب رئيس تحرير جريدة العلم، أثناء سفر رئيس تحريرها شقيقه "أمين الرافعي". كما انشغل الرافعي بالكتابة عن الريف وربطه بحركة التصنيع ونظام التعليم العام في منظومة متكاملة تستهدف تنمية شاملة لا غني عنها، وأغني الرافعي المكتبة العربية، بعدد كبير من الكتب، منها سلسلة كتبه التاريخية، أشهرها: «تاريخ الحركة الوطنية وتطور نظام الحكم في مصر»، و«مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية»، و«في أعقاب الثورة المصرية»، و«أربعة عشر عامًا في البرلمان»، و«مقدمات ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م»، و«مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال»، وغيرها من المقالات المهمة. وتعرضت كتب الرافعى التاريخية، للكثير من النقد والاتهام بعدم الالتزام بالمنهج التاريخي الصارم، وانحيازه للحزب الوطني الذي ينتمي له، وتأريخه للأحداث من خلال هذه النظرية الحزبية، وتعاطفه الشديد مع مصطفى كامل، وهو عرضه للكثير من الانتقادات. ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

اليوم السابع

2024-04-16

كان الوقت بين المغرب والعشاء، حين جاء رجل بدوى يعيش بالصحراء الغربية بين مصر وليبيا لزيارة صديقه محمد باشا الشريعى فى «سمالوط» بمحافظة المنيا، وكان ابنه على يحبه كثيرا ويناديه «عمى عمار المصرى»، وتناول الضيف الغذاء مع محمد باشا وابنه على، وامتدت الزيارة حتى استقبل على مولوده الجديد يوم 16 أبريل، مثل هذا اليوم، 1948، فاسماه عمار، ليكون «عمار على محمد باشا الشريعى»، حسبما يذكر عمار فى حواره مع مجلة المصور يوم 11 أغسطس 1995. كان مولد عمار هو الإضافة الجديدة لعائلة الشريعى العريقة بمحافظة المنيا وصعيد مصر، وكان حدث مولده «أهم ما جرى فى الكون كله»، حسبما قالت «أم عمار» ابنة مراد بك الشريعى أحد أقطاب ثورة 1919، والوفدى الثائر القريب من سعد زغلول، والنائب البرلمانى الذى استضاف اجتماع مجلس النواب بداره فى بشارع محمد على يوم 28 يوليو 1928 حينما قررت الحكومة منع انعقاده بمقر المجلس، وفقا لما يذكره عبدالرحمن الرافعى فى الجزء الثانى من كتابه «فى أعقاب الثورة المصرية، ثورة 1919».                                                         كانت صدمة الأب والأم فى اكتشافهما أن عمار ولد كفيفا، يقول عنها فى حواراتى معه: «كان زلزالا عند أمى، وبطبيعة الحال لم يكن أبويا يتمنى ذلك، لكنه وجد نفسه أمام حقيقة لا فرار منها، فجهز نفسه لرحلة خاصة معى، تختلف عن باقى إخواتى، يزيد منها أننى كنت طفلا شقيا، سريع الحركة، طفل متعب لكل من حوله». يضيف: «كان أمام أبى تجربة ملهمة للدكتور طه حسين بلدياتى، تصور أنه من الممكن أن يكررها معى فأحضر لى وأنا صغير شيخا يقوم بتحفيظى القرآن الكريم، كخطوة نحو التحاقى بالأزهر الشريف، كما فعل طه حسين، وبالفعل تمكنت من حفظ ثلاثة أجزاء من القرآن، وأنا فى الرابعة من عمرى». وفيما كان الأب يعد طفله عمار أملا منه أن يكون طه حسين آخر، كانت «أم عمار» ودون أن تدرى تضع البذرة الأولى لعبقريته الموسيقية التى ستجعله غواصا نادرا فى بحر النغم، يذكر عمار للمؤرخ والناقد الموسيقى الدكتور زين نصار بمجلة «الكواكب، 1 يناير، 2013»: «أمى كانت أول من غرس فى وجدانى حب الاستماع إلى الغناء، كانت تغنى لى أغانى متنوعة، فكانت تغنى لى أغانى تحنين، ولما كانت تغنى لى أغانى الأفراح كان ده يشجينى وأضحك وأنبسط، لأنها كانت تحفظ كما كبيرا من التراث الفلكلورى». ويؤكد أخوه «على» فى برنامج «عمار الشريعى، نغم فى وجدان وطن» بقناة «الجزيرة الوثائقية»: «الوالدة كانت تحفظ من الفلكلور الشعبى أغنية «يالا تنام، يالا تنام، وأدبح لك جوزين حمام»، كان عمار ينصت للأغانى دى ويتفاعل معها بشكل غريب جدا».  ويكشف عمار لمجلة الهلال «أغسطس 1999» عن فترة تكوينه: «عرق أمى بشكل عام كان ذواقا وعنده إحساس رفيع بالغناء، ولكن لا يحدث فيه غناء جماعى، كانت أمى تغنى على استحياء، وكانت مخزنا عبقريا للفلكلور المصرى، تحفظ التحنين والعديد وأغانى الفرح، وزارة ثقافة فلكلور متنقلة، وتمتلك سرعة استدعاء مذهلة، قبل أسبوع من وفاتها دخلت عليها المستشفى فاستقبلتنى بأغنية «ردى يا بنت أخت البيه»، والتى لحنتها فى مسلسل «هو وهى»، وهذه الأغنية جعلتها تستدعى أغنية «البيه أبوها قال لها ما تخطى»، عشت عمرى كله معها ولم أسمع منها هذه الأغنية التى جاءت «كده» قبل رحيلها بأسبوع». يضيف: «أمى هى التى علمت منذ وقت مبكر أن هذا «الولد» المدعو عمار الشريعى يحب «المزيكا»، وكانت تحكى لى عن بكائى عندما كانت تغنى «عدودة» وعن سعادتى كلما غنت أغنية أفراح، لم أتذكر البكاء ولا الفرح، ولكنى أذكر جلساتى فى حجرها، والإيقاع على ظهرى. أما خالى «حسن الشريعى» فكان عذب الصوت وله أذن موسيقية، ويحفظ أغنيات كثيرة، وعندما كان «يدندن» مع نفسه، يغنى «يا سلام» لحن عبدالعظيم عبدالحق، وكانت اختياراته خاصة جدا، يحب اثنين حبا شديدا هما عبدالعظيم عبدالحق ورؤوف ذهنى، وكان الثانى صديقه، وكثيرا ما كان يذهب إليه وهو فى حالة تلحين أو عندما كان يقوم بتسجيل لحن من ألحانه، وأظن أنه «انضرب علقة» بسبب رؤوف ذهنى فى يوم من الأيام، أذكر أنه بعد موت والده «شم نفسه»، وبدأ يتحدث ويقول بصوت عال: كنت مع رؤوف وحضرنا تسجيل «سنتين وأنا أحايل فيك» لليلى مراد، ويحكى عن صولو الناى والرق، ولا أنسى يوم جاء يحكى عن حضوره تسجيل لحن كمال الطويل «سمراء يا حلم الطفولة»، كان عمرى سبع سنوات، وكيف كنت أستعيد وألح على معرفة التفاصيل، كانت هذه الموضوعات مثيرة جدا لى، «أموت وأعرف ماذا يفعلون». ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

اليوم السابع

2024-04-13

ولد الملك فاروق فى يوم 11 فبراير سنة 1920، فاجتمع مجلس الوزراء وقرر إبلاغ النبأ إلى المديرين والمحافظات ثم إلى المندوب السامى البريطانى اللورد اللنبى، وإلى وزارة الخارجية البريطانية فى لندن، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «مقدمات ثورة 23 يوليو 1952». يضيف «الرافعى»، أن الحكومة البريطانية انتهزت فرصة مولد فاروق، وأرادت أن تعلن عن مظهر من مظاهر الحماية على مصر بتدخلها فى تقرير وراثة العرش، إذ لم يكن قد بت بعد فى هذا الأمر فى ظل هذه الحماية التى أعلنتها منذ بداية الحرب العالمية الأولى، وإذ رأت أن السلطان فؤاد لم يعلن بعد تلقيب ابنه وليا للعهد، فقد وضعت هى نظام توارث العرش، وأعلنت فاروق وليا للعهد فى خطاب بعث به اللورد اللنبى إلى السلطان فؤاد فى يوم 16 إبريل 1920، الذى صار ملكا فيما بعد. قال «اللنبى» فى خطابه: «يا صاحب العظمة، إن الحادث السعيد الجديد، وهو ميلاد نجل لعظمتكم، قد دعا حكومة جلالة الملك جورج الخامس إلى النظر فى نظام وراثة السلطنة المصرية، وعليه فقد أمرت من لدن جلالة الملك بأن أبلغ عظمتكم الاعتراف بنجل عظمتكم الأمير فاروق ونسله من الذكور على قاعدة الأكبر فالأكبر من أولاده وهكذا، وإن لم يوجد فيمن يولد لعظمتكم من الذكور ومن يتناسل منهم من الذكور على نفس تلك القاعدة كأولياء عهد لعظمتكم فى حق تقلد السلطنة المصرية». يذكر فقد أمرت من لدن جلالة الملك بأن أبلغ عظمتكم الاعتراف «الرافعى » أنه فى نفس اليوم، 16 إبريل، رد السلطان فؤاد ببرقية شكر إلى الملك جورج الخامس على أمره بالاعتراف بفاروق وليا للعهد على قاعدة الأكبر فالأكبر من أولاده نسل الذكور، ويعلق:  «لا يخفى أن صدور نظام وراثة العرش عن دولة أجنبية، هو من أخص مظاهر الحماية بل هو التبعية بعينها، فكأن الحكومة البريطانية أرادت أن تسجل هذا فى وثيقة رسمية». بعد عامين مما فعلته الحكومة البريطانية، وبالتحديد فى يوم 13 إبريل، مثل هذا اليوم، 1922، أصدر السلطان فؤاد مجموعة أوامر نشرتها الوقائع المصرية بشأن «نظام الوراثة فى بيت محمد على»، وجعل من نفسه ملكا، ويذكر الدكتور يونان لبيب رزق فى كتابه «فؤاد الأول.. المعلوم والمجهول »، أن نظام الوراثة شمل ثلاث عشرة مادة. تنظم المادة الأولى طريقة انتقال ولاية الملك «من صاحب العرش إلى أكبر أبنائه، ثم إلى أكبر أبناء ذلك إلى الابن الأكبر، وهكذا طبقة بعد طبقة، وإذا توفى أكبر الأبناء قبل أن ينتقل إليه الملك، كانت الولاية إلى أكبر أبنائه، ولو كان للمتوفى إخوة، ويشترط فى كل الأحوال أن يولد الأبناء من زوجته الشرعية، فولاية الملك من بعدنا لولدنا المحبوب الأمير فاروق، أما فى حالة عدم وجود الابن، فنصت المادة الثالثة أن يؤول العرش إلى أكبر أبناء الإخوة الآخرين، فإن لم يكن فللأكبر من إخوته الآخرين حسب ترتيب سنة الإخوة، غير أن هذه المادة استثنت الخديو السابق عباس حلمى الثانى، فلا تثبت له ولاية الملك، على أن هذا الاستثناء لا يتعداه إلى أبنائه وذريته ». يذكر «رزق »، أن المادتين الخامسة والسابعة تضمنتا بعض المحظورات، فتنص المادة الأولى على أنه «لا حق للنساء أيا كانت طبقتهن فى ولاية الملك»، فى حين تذكر الثانية أنه «إذا تزوج أمير بغير إذن الملك أو إذن من كان له الحق فى تولى سلطته، يحرم هو وذريته من حقوقهم فى العرش، وتنتقل ولاية الملك إلى من يليهم فى الترتيب، كذلك يحرم من العرش من صدر فى حقه حكم بإخراجه من الأسرة المالكة ». يضيف «رزق »:  «لأن فؤاد الأول أنجب ابنه فاروق بعد أن جاوز الخمسين عاما «مواليد 1869 »، ولما كانت حالته الصحية على غير ما يرام، فكان من الطبيعى أن يعنى نظام الوراثة بترتيب الأوضاع فى حالة وفاته قبل أن يبلغ ولى العهد سن الرشد، التى قررها هذا النظام بثمانى عشرة سنة هلالية، الأمر الذى خصص معه ثلاث مواد لاحتمال أن يرحل قبل أن يبلغ فاروق هذه السن ». نصت إحدى هذه المواد الثلاث على «أن يكون للملك القاصر هيئة وصاية للعرش، تتولى سلطة الملك حتى يبلغ سن الرشد »، فى حين قررت أخرى ضرورة تأليف هذه الهيئة من ثلاثة «يختارهم الملك لولى العهد القاصر بوثيقة تحرر من أصلين، يودع أحدهما بديوان الملك والآخر برياسة مجلس الوزراء، وتحفظ الوثيقة فى ظرف مختوم، ولا يفتح الظرف وتعلن الوثيقة إلا بعد وفاته وأمام البرلمان »، ووضع النظام فى حسبانه احتمال عدم وجود هذه الوثيقة، فنص على أن  «يعين البرلمان وصاية العرش » فى هذه الحالة. ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

اليوم السابع

2024-04-07

وقف سعد زغلول باشا وزير الحقانية أمام الجمعية العمومية «البرلمان»، مدافعا عن مشروع الحكومة بمد امتياز قناة السويس لبريطانيا 40 عاما، وفقا للدكتور مصطفى الحفناوى فى الجزء الرابع من كتابه «قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة». كان دفاع سعد باشا، يوم 4 إبريل 1910، وكان المشروع مرفوعا من الحكومة إلى «الجمعية العمومية» التى تحدث الخديو عباس حلمى الثانى أمامها أثناء افتتاحها يوم 9 فبراير 1910، طالبا من النواب إعطاء الرأى فيه، ويذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «محمد فريد رمز العطاء والإخلاص»: «شمل المشروع مد أجل الامتياز إلى أربعين سنة أخرى،على شرط اقتسام الأرباح فى هذه المدة بين الحكومة وشركة القناة مناصفة، وفى مقابل إعطاء الشركة نصف الأرباح عن المدة الجديدة». كانت قناة السويس بهذا المشروع ستبقى تحت سيطرة بريطانيا حتى عام 2008، ففترة الامتياز الأولى كانت ستنتهى عام 1968، وبإضافة الأربعين عاما فترة الامتياز الثانية المقترحة تمتد السيطرة حتى 2008، وكانت حكومة بطرس باشا غالى رئيس مجلس النظار«الوزراء» صاحبة المشروع، الذى دفع إبراهيم الوردانى إلى اغتيال «غالى» يوم 20 فبراير 1910، وحسب «الرافعى»: «كانت هذه الحادثة أولى حوادث القتل السياسى، التى وقعت فى مختلف عهود الحركة الوطنية الحديثة». ويذكر أحمد شفيق باشا، رئيس ديوان الخديو عباس الثانى، فى مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن»، أنه قبل أن يفتح مع «الوردانى» محضر التحقيق الرسمى سأله وكيل الحقانية: «لماذا فعلت فعلتك بالباشا؟ فأجاب غاضبا:  لأنه خائن للوطن». قاد الزعيم محمد فريد، رئيس الحزب الوطنى، الحملة ضد مشروع مد امتياز القناة، ووفقا لـ«الرافعى»: «كان المشروع فى طى الكتمان لمدة عام، وكان فى عزم الوزارة إنفاذه بسرعة حتى لا يزعجها احتجاج الصحف الوطنية، وحتى تمكن فريد من الحصول على نسخة منه، وبادر إلى نشرها فى جريدة اللواء، وتابع ذلك بسلسلة مقالات «دلت على سعة إلمامه بدقائق المسألة المصرية وملابساتها من الوجهتين السياسية والمالية». أمام الغضب الشعبى، قرر الخديو عباس الثانى إحالة المشروع إلى الجمعية العمومية، على أن يقوم سعد زغلول بالدفاع عن رأى الحكومة باعتباره وزيرا للحقانية، وبعد إحالته قررت الجمعية تشكيل لجنة لدراسته دراسة مستفيضة، وأعدت اللجنة تقريرها، واجتمعت الجمعية العمومية بجلسة 21 مارس لمناقشته. يذكر «الرافعى» أنه فى الجلسة الثانية يوم 4 إبريل، دافع سعد زغلول عن المشروع من مذكرة أعدتها الحكومة، وقال «سعد»: «إن المشروع متعلق بالاستقبال، وقدرة الإنسان فى الأمور الغيبية قدرة بعيدة الاحتمال، ولذلك اختلفت الظنون والأفكار فى هذا المشروع اختلافا كثيرا، ونحن يجب علينا أن نفهم هذا الاختلاف، ولكن الذى لا ينبغى هو أن يفهم المخالف للآخر، أن هذا سيئ القصد والنية». يضيف «الرافعى» أنه فى جلسة 7 إبريل، مثل هذا اليوم، 1910، أراد سعد باشا أن يستأنف دفاعه عن المشروع، فرأى الأعضاء الاكتفاء بما قاله فى الجلسة السابقة، فاعترض على ذلك بأن هذه مقاطعة غير جائزة، وقال: «يقوم أحد رجال الحكومة ليتكلم فبأى حق يقطع عليه الكلام؟ قمت لأقول ملاحظاتى على أقوال اللجنة، فكيف أمنع من ذلك؟ يجب على الجمعية العمومية أن تسمع كلام الحكومة أولا»، إلى أن قال:  «إنكم استعملتم هذا السلاح ضدى اليوم، وسيستعمل غدا ضدكم، فاحذروه والرأى لكم»، ورد عليه إسماعيل باشا أباظة، بأن المسألة استوفت بحثا من جانب الحكومة، ومن جانب الجمعية، وبعد مناقشة وجيزة، أخد الرأى على قفل باب المناقشة، فتقرر ذلك بالأغلبية، ثم أخذ الرأى على المشروع بالنداء بالاسم، ورفضته الجمعية بالإجماع، ماعدا مرقص سميكة باشا والوزراء. يؤكد «الحفناوى» أن رفض المشروع كان عملا جليلا رائعا، كما كان رائعا من أعمال الحزب الوطنى بزعامة محمد فريد، ويضيف: «كان وقع الرفض على الإنجليز كالصاعقة»، وعن حماس الشعب المصرى قال: «كانت قاعة الجمعية العمومية غاصة بالنظارة «الحكومة»، ولما صدر القرار التاريخى شوهد الزائرون والموظفون والصحفيون يعانق بعضهم بعضا، ويتبادلون التهانى الحارة، وتألفت مظاهرة من 15 ألف مصرى، ولأول مرة فى شوارع القاهرة منذ احتلال إنجلترا لمصر دوى هتاف: «ليسقط جيش الاحتلال، فلتسقط إنجلترا». يستخلص «الحفناوى» من هذا الهتاف معنى «أن الأمة عرفت الحقيقة، وفهمت أن جيش الاحتلال هو شركة قناة السويس، وأن هذه الشركة هى إنجلترا المحتلة». ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

اليوم السابع

2024-03-16

أقبلت سفينة إنجليزية إلى ميناء الإسكندرية فى أوائل مارس سنة 1807 دون أن تخبر أحدا بأسباب حضورها، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «عصر محمد على»، مضيفا:  «لعلها كانت سفينة استطلاع لتعرف الحالة فى الثغر، فلما كان يوم 14 مارس جاءت سفينة حربية أخرى واستدعت القنصل الإنجليزى، فلبى الدعوة مسرعا لمقابلة من فيها، ولم يكد يعود إلى الثغر حتى بادر بإنفاذ عدة من السعاة يحملون رسائل إلى جهات بعيدة، وظن الأهالى أنها مرسلة إلى الرعايا الإنجليز لاستدعائهم إلى الثغر، ولكن تبين أنها مرسلة إلى البكوات المماليك فى الصعيد لإخبارهم بقرب وصول الحملة البريطانية واستدعائهم إلى الوجه البحرى، فدلت هذه الرسائل على أن الحملة جاءت باتفاق سابق مع محمد بك الألفى على أن يمدها المماليك بما لديهم من الرجال والعتاد».   جاءت هذه الحملة بقيادة الجنرال فريزر بغرض احتلال مصر، واتفقت مع القائد المملوكى محمد بك الألفى على أن يشد أزرها وتكفل له حكم البلاد بدلا من محمد على باشا، غير أن الحملة وصلت بعد موت الألفى بأربعين يوما، وينقل «الرافعى» عن «الجبرتى» قوله: «حضر الإنجليز إلى الإسكندرية فوجدوه «الألفى» قد مات، فلم يسعهم الرجوع فأرسلوا إلى الأمراء القبليين يستدعونهم ليكونوا مساعدين لهم على عدوهم، ويقولون لهم إنما جئنا إلى بلادكم باستدعاء الألفى لمساعدته ومساعدتكم، فوجدنا الألفى قد مات وهو شخص واحد منكم وأنتم جميع، فلا يكون عندكم تأخير فى الحضور، فإنكم لا تجدون فرصة بعد هذه وتندمون إن تلكأتم».   يذكر «الرافعى» أن الحملة زادت عن 6 آلاف مقاتل، ويطرح سؤالا: كيف جازف الإنجليز بهذا العدد الضئيل، فى حين أن نابليون أقدم على غزو مصر بجيش قوامه 36 ألف مقاتل وأسطول من أعظم الأساطيل البحرية، لكن الإنجليز كانوا يظنون أنهم لن يجدوا فى مصر مقاومة ذات شأن بسبب الاضطرابات التى مزقت شملها، وكانوا من جهة أخرى يعتمدون على المماليك فى مصر.   يضيف «الرافعى» أنه فى 16 مارس، مثل هذا اليوم، 1807، عادت السفن الإنجليزية تتبعها بارجة كبرى وسفن أخرى، وألقت مراسيها بالميناء الغربية، ونزل منها ضابطان طلبا مقابلة محافظ الثغر، واسمه أمين أغا، وهو من ضباط الآستانة، وكان متواطئا مع الإنجليز فى أن يسلم لهم المدينة برشوة مالية دون مقاومة، ولم يكد يطلع يوم 17 مارس حتى أقبلت السفن الإنجليزية مؤلفة من خمس وعشرين سفينة، وسدت مدخل الميناء الغربية، وفى مساء ذلك اليوم نزل جنود الحملة إلى البر بشاطئ العجمى، ثم زحف الإنجليز على الإسكندرية وعسكروا تحت أسوارها، وأرسلوا فصيلة منهم لاحتلال قلعة أبوقير، وانقضى يومان فى مفاوضات صورية بينهم وبين أمين أغا، انتهت بتسليم نفسه كأسير حرب ومعه ثلاثمائة مقاتل، ودخل الإنجليز الإسكندرية ليلة 21 مارس 1807 دون رصاصة واحدة.   كان محمد على باشا فى الصعيد يقاتل المماليك حين تلقى خبر قدوم الحملة، وفقا لـ«الرافعى»، مضيفا، أنه استخدم دهاءه فأبرم الصلح مع المماليك، وقبل شروطهم بأن يترك لهم حكم الوجه القبلى وعاد بجنوده إلى القاهرة، يضيف «الرافعى»، أن الجنرال فريزر تلقى وهو فى الإسكندرية تقريرا من قنصل إنجلترا فى رشيد عن حالة مصر وما بها من قوات، فزحف على رشيد لاحتلالها، واتخاذها قاعدة حربية ومنها يزحف داخل البلاد.   يذكر «الرافعى» أن الجيش الإنجليزى تحرك من الإسكندرية فى قوة من ألفين جندى يوم 29 مارس قاصدا رشيد، فكان تحت أسوارها فى اليوم التالى، وتأهب لدخولها صبيحة 31 مارس، وكان محافظ رشيد يدعى «على بك السلانكل»، وهو رجل شجاع ثاقب النظر، وتحت أمره نحو سبعمائة جندى، فعزم على المقاومة معتمدا على قوة الحامية ومشاركة الأهالى فى الدفاع عن المدينة.   يذكر «الجبرتى» عن واقعة رشيد:  «فى يوم الجمعة 24 محرم سنة 1222 وردت أخبار من ثغر رشيد يذكرون بأن طائفة من الإنجليز وصلت إلى رشيد يوم الثلاثاء حادى عشرينه «أى 31 مارس سنة 1807» ودخلوا إلى البلد، وكان أهل البلدة ومن معهم من العساكر منتبهين ومستعدين بالأزقة والعطف وطبقان البيوت، فلما حصلوا بداخل البلدة ضربوا عليهم من كل ناحية، فألقوا بأيديهم من الأسلحة وطلبوا الأمان فلم يلتفتوا لذلك، وقبضوا عليهم وذبحوا منهم جملة كثيرة وأسروا الباقين، وفرت طائفة إلى ناحية دمنهور، وكان كاشفها عندما بلغه ما حصل برشيد اطمأن خاطره، ورجع إلى ناحية ديه ومحلة الأمير وطلع بمن معه إلى البر، فصادف تلك الشرذمة فقتل بعضهم وأخذ منهم أسرى، وأرسلوا السعاة إلى مصر بالبشارة فضربوا مدافع وعملوا شنكا». ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

اليوم السابع

2024-03-14

نشرت «الوقائع المصرية» أمرا سلطانيا كريما من السلطان «فؤاد الأول» إلى رئيس الوزراء عبدالخالق ثروت باشا فى 14 مارس - مثل هذا اليوم - عام 1922، يعلن أن مصر منذ اليوم دولة متمتعة بالسيادة والاستقلال، وأنه اتخذ لنفسه لقب «صاحب الجلالة ملك مصر»، حسبما يذكر الدكتور يونان لبيب رزق فى كتابه «فؤاد الأول المعلوم والمجهول».   كان هذا الأمر هو آخر الأوامر السلطانية فى تاريخ مصر التى تنشرها «الوقائع المصرية»، قبل أن يعلنها «فؤاد» فى اليوم التالى، حسبما يؤكد «رزق»، ويحمل قضيتين هما، استقلال مصر، والانتقال فى نظام حكم مصر من «السلطنة» إلى «المملكة»، واستندت قضية الاستقلال إلى تصريح 28 فبراير عام 1922 الذى أصدرته بريطانيا باعتبارها قوة احتلال لمصر منذ عام 1882، ويذكر عبدالرحمن الرافعى فى الجزء الأول من كتابه «فى أعقاب الثورة المصرية - ثورة 1919»: «قررت الحكومة البريطانية أن تنهى الحماية التى أعلنت على مصر فى 18 ديسمبر 1914، وأن تعترف بها دولة مستقلة ذات سيادة، غير أن حكومة جلالة الملك «بريطانيا» قررت فى نفس الوقت أن تحتفظ بصورة مطلقة بتولى أمور هى: تأمين مواصلات الامبراطورية البريطانية فى مصر، والدفاع عن مصر ضد كل اعتداء أو تدخل أجنبى بالذات أو بالواسطة، وحماية المصالح الأجنبية فى مصر وحماية الأقليات، وقضية السودان.   أما قضية الانتقال من «السلطنة» إلى «المملكة» حسبما جاء فى «الأمر الكريم» فكانت «نهاية لقصة طويلة وبداية قصة قصيرة»، بوصف يونان لبيب رزق، مشيرا إلى أن «القصة الطويلة» بدأت قبل 117 سنة، وعلى وجه التحديد فى عام 1805، بعد أن تولى محمد على باشا حكم مصر، ونجح من خلال صراعات دموية مع السلطان العثمانى فى أن يجعل الحكم وراثيا فى أسرته، والثانية «القصة القصيرة» انتهت بعد 31 عاما حين ألغى النظام الملكى عام 1953 بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 بأقل من سنة واحدة. يذكر «رزق»، أن ألقاب الحاكم من أبناء الأسرة العلوية تعددت خلال المرحلة الأولى: باشا، خديوى، سلطان، وكان لكل من هذه الألقاب قصة، فاللقب الأول «باشا» تمتع به كل من محمد على، وإبراهيم «ابن محمد على»، ثم عباس الأول «حفيد محمد على»، وسعيد «ابن محمد على» وإسماعيل «حفيد محمد على».   يضيف رزق: كان هذا اللقب «باشا» هو ذات اللقب الذى يتمتع به سائر ولاة الامبراطورية العثمانية، ونجح إسماعيل الذى تولى الحكم عام 1863، فى أن يحصل بعد أربع سنوات من اعتلائه كرسى الحكم فى أن يحصل من الباب العالى على حق التلقيب بالخديوى ضمن مزايا عديدة نالها من السلطان العثمانى، ويؤكد «رزق» أن إسماعيل دفع «دم قلبه» أو بالأحرى «دم قلب مصر» للحصول على تلك المزايا غير أن ما فعله وإن زاد من حجم الديون وقاد إلى زيادة التدخل الأجنبى وخلعه عن مسند الخديوية، إلا أنه جعله يتصرف فى كثير من الأمور كحاكم مستقل، ومن تلك الأمور أنه أول من طبق فكرة «البلاط» التى عرفتها أوروبا مع قيام الممالك القومية فى القرن التاسع عشر وبلغت أوجها فى عصر الملك لويس الرابع عشر فى فرنسا، وهو ما بدأ إسماعيل فى القيام به ببناء عدد من القصور وانتقاله من القلعة حيث كان يحكم الباشوات إلى سراى عابدين كمقر للحكم.   أما التسمية الثالثة لحكام مصر من أبناء محمد على فكانت «السلطان»، وبدأت فى أواخر عام 1914، نتيجة إعلان الحماية البريطانية على مصر، وجاءت بعد قرار حكومة لندن بخلع الخديوى عباس حلمى الثانى وتولية الأمير حسين كامل ابن إسماعيل وعم الخديوى المخلوع، ويؤكد «رزق» أن التسمية جاءت بعد مشاورات عديدة بين وزارة الخارجية البريطانية والأمير حسين كامل والمستر شيتام ممثل الحكومة البريطانية فى القاهرة، وبعد الحصول على اللقب جرت مشاورات حول «التفخيم» الذى يلحق به، واستبعد البريطانيون لفظ «صاحب الجلالة» لعدم اللياقة لأنه نفس تفخيم ملك بريطانيا وهى الدولة الحامية لمصر، كما رفض حسين كامل لفظ «صاحب السمو»، لأن العديد من أمراء الأسرة الحاكمة يحملونه، وأخيرا تم الاستقرار على «صاحب العظمة» باقتراح من حسين كامل نفسه.   يؤكد «رزق» أن لقب «عظمة السلطان» هو أقصر الألقاب عمرا فى تاريخ أسرة محمد على، واستمر لأقل من ثمانى سنوات، ثلاث منها للسلطان حسين كامل، والخمس الأخرى هى السنوات الأولى من عهد فؤاد الذى تمتع باللقبين: السلطان ثم الملك، وجاء التغيير الأخير بمبادرة من «السلطان فؤاد»، ودونما اعتراض من جانب المسؤولين البريطانيين فى القاهرة. ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

اليوم السابع

2024-03-10

كانت الساعة التاسعة والنصف صباح 10 مارس، مثل هذا اليوم، 1949، حينما سارت فى شوارع القاهرة قوات الجيش المصرى العائدة من حصار الفالوجة فى فلسطين، وزحام الناس يغطى كل شىء، ويتردد على لسانهم: «لقد انتصرنا»، حسبما تذكر مجلة آخر ساعة فى تغطيتها لهذا الحدث فى عددها 751، الصادر فى 16 مارس 1949.   كان حصار الفالوجة أحد الفصول التى وقعت أثناء حرب النكبة، ودارت على أرض فلسطين عام 1948 بين العصابات الصهيونية والجيوش العربية، وكان الجيش المصرى أحد هذه الجيوش، كما كان جمال عبدالناصر أحد الضباط فى هذا الحصار.   يذكر عبدالرحمن الرافعى فى الجزء الثالث من كتابه «فى أعقاب الثورة المصرية.. ثورة 1919»، أنه تبين من الحقائق التى تكشفت بعد انتهاء هذه الحرب أن هذه الجيوش لم تكن على تمام الأهبة والاستعداد، وتبين أن الجيش المصرى بالذات وقع عليه العبء الأكبر فى هذه الحرب، ولم يكن مستعدا الاستعداد الكافى للقتال، وبالرغم من ذلك فإن ضباط وجنود الجيش المصرى أدوا واجبهم كاملا، وأظهروا بطولتهم فى ميدان القتال، رغم الفوضى التى كانت تسيطر على قيادته والنقص فى سلاحه وذخيرته ومؤونته وخططه الحربية، وأبدى المتطوعون من المصريين شجاعة فى القتال.   يضيف «الرافعى» أنه فى شهر أكتوبر 1948، وبالرغم من الهدنة الرسمية التى قررها مجلس الأمن، فإن العصابات الصهيونية هاجمت القوات المصرية غدرا، بغرض ضرب الجيش المصرى على غرة ضربة قاصمة، وعظمت الخسائر من الجانبين، ووقفت جيوش الدول العربية الأخرى جامدة لا تحرك ساكنا، ولا تمد الجيش المصرى المساعدة والمعاونة.    حاصرت العصابات الصهيونية الفالوجة، ويذكر «الرافعى»، أنها قرية تقع على بعد 40 كيلومترا من غزة و75 كيلومترا من القدس، وكان يرابط بها فى شهر أكتوبر سنة 1948 اللواء الرابع بقيادة الأميرالى السيد طه «الملقب بالضبع الأسود»، وبدأ حصارها فى 16 أكتوبر، واستمر 130 يوما كاملة، والقوة المصرية صامدة أمام هذا الحصار لا تذعن ولا تستسلم، واحتمل أفرادها عناء القتال والحصار بثبات وشجاعة وصبر، جعل منهم مفخرة من مفاخر الجيش المصرى.   يؤكد «الرافعى»، أن روح القوة المصرية المحاصرة ظلت قوية وعالية إلى أن تم توقيع الهدنة الدائمة فى جزيرة رودس، وكان من شروطها أن تبارح القوات المصرية الفالوجة بأسلحتها ومعداتها وعتادها ابتداء من 26 فبراير سنة 1949، واستقبل الشعب أبطال الفالوجة، واحتفلت العاصمة بعودتهم يوم 10 مارس سنة 1949 احتفالا قوميا رائعا.   تصف «آخر ساعة» مشاهد الاحتفالات بعودة الأبطال، قائلة: «لقد انتصرنا.. كانت هذه الكلمة تتردد على أكثر من لسان يوم احتفال الشعب بأبطال الفالوجة»، وتضيف: «كان من المقرر أن يكون الاحتفال رسميا، واتخذت قوات البوليس وقوات الجيش أماكنها منذ الصباح الباكر، ولكن الشعب سبقها، واتخذ أماكنه فى كل عمارة، وكأنه على باب مسرح الأوبرا، وفى منتصف الساعة التاسعة بدأ سير القوات يتقدمها قائد الفالوجة السيد بك طه، وارتفع فوق أحد دبابات الفالوجة، ولم يستطع الشعب أن يكبت شعوره، وكأنما ألهبته ألحان الموسيقى التى كانت تتقدم الفرق، واندفعت الجماهير نحو القائد، واختلط الشعب بالجيش، ولم يعد الاحتفال رسميا، ولكنه احتفال الشعب بجيشه، وكانت الهتافات المدوية تطغى على ألحان الموسيقى: «عاش بطل الفالوجة، وشق الموكب طريقه بين الكتل البشرية المتراصة بعضها فوق بعض، وفى كل خطوة تزداد الحماسة وتلتهب المشاعر».   تضيف «آخر ساعة»: «ترتفع الأبصار إلى أعلى لتشاهد بنت البلد وقد رفعت برقعها من فوق وجهها لتطلق زغرودة، وتجاوبت الزغاريد على طول الطريق، وامتزجت الزغاريد بالتصفيق مع هتافات الجماهير المجنونة بأشبال الفالوجة، ووقف قائد الفالوجة حائرا، لا يدرى كيف يرد التحيات إلى اليمين وإلى اليسار من فوق ومن تحت، هذا يناديه باسمه، وآخر يهتف له، وتساقطت الورود حوله من كل مكان، وألقى الكثير من نوافذ البيوت قطع الشوكولاتة والحلوى والورود فوق البطل والجنود».   تذكر «آخر ساعة»: «كان ضباط الجيش وجنوده يقفون مع الشعب يحييون أبطال الفالوجة، وكنت تسمع الجنود ينادون زملاءهم فى الاستعراض: حمدا لله على السلامة يا عبدالرحيم، أهلا بك يا مرجان يا بطل الفالوجة، عاش أبطال الفالوجة، وعندما احتضن جلالة الملك فاروق قائد الفالوجة السيد بك طه، قفز الجنود من أماكنهم يهتفون ويصفقون». ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

اليوم السابع

2024-02-11

وفدت الألوف المؤلفة إلى دار جريدة اللواء للمشاركة فى جنازة الزعيم مصطفى كامل، يوم11 فبراير، مثل هذا اليوم 1908، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «مصطفى كامل.. باعث الحركة الوطنية»، مضيفا أن «هذه الألوف قدمت من نواحى العاصمة كل، ومن الضواحى والثغور والأقاليم، واكتظت بها الشوارع المحيطة بدار اللواء قبل الموعد المحدد لتشييع الجنازة بأربع ساعات، واختير أطول طريق للجنازة بين دار اللواء ومدفن الإمام، ليتسنى للجموع الحاشدة الاشتراك فيها، وهو طريق شارع الدواوين «نوبار باشا الآن »، حيث كانت دار اللواء، فشارع المدابغ فشارع المناخ فميدان الأوبرا، فشارع البوستة، فميدان العتبة الخضراء، فشارع محمد على «القلعة الآن»، فميدان المنشية «صلاح الدين الآن »، ومنه إلى مدافن الإمام».   يؤكد «الرافعى» أن هذه المسافة لا تقل عن اثنى عشر كيلومترا، وخصصت حكمدارية بوليس العاصمة أكبر قوة من العساكر المشاة والفرسان، وأضافت إليها عددا كبيرا من جنود الاحتياطى وقلم المرور، لتنظيم سير الجنازة، وأوقفت عددا آخر من البوليس فى منافذ الطرق على طول الخط للمحافظة على النظام، ولكن كل التقدير لعظم الموكب كان أقل من الواقع».   يذكر «الرافعى» تفاصيل وقائع الجنازة، وكان من بين طلبة المدارس المشاركين فيها، ويؤكد: «لم يكد يذاع خبر الوفاة، 10 فبراير، بين طلبة المدارس حتى قرروا بمحض شعورهم اعتبار يوم تشييع الجنازة يوم حداد عام، عطلت فيه المدارس كلها حزنا، وقرروا جميعا الاشتراك فى الجنازة التى حدد لها عصر الثلاثاء 11 فبراير، فسرنا فيها جميعا مدفوعين بشعور واحد، شعور الحزن للفجيعة، والوداع للرجل العظيم».   يضيف: «أخذ العظماء والكبراء والمثقفون وطبقات الأمة يفدون إلى دار اللواء، وما حانت الساعة الثالثة بعد الظهر، وهو الوقت المحدد للبدء بسير الجنازة، حتى بدأت فى المسير، فتقدم المشهد الجنود الفرسان، فتلاميذ مدرسة مصطفى كامل، فالمدارس الابتدائية الأميرية والأهلية، فطلبة مدرسة دار العلوم ومدرسة القضاء الشرعى، فالمدارس الثانوية وهى التوفيقية والخديوية والسعيدية، وكثير من طلبة مدرسة رأس التين بالإسكندرية، وغيرها من المدارس».   كان نعش الفقيد مغطى بالراية المصرية، وكانت كل مدرسة تحمل علما مجللا بالسواد وفيه شارة تدل عليها، ويؤكد «الرافعى»: «صنعت هذه الرايات خصيصا، وسار المشيعون خلف النعش، يتقدمهم المرحوم محمد بك فريد، وكان عددهم فى بدء الجنازة يزيد على عشرات الألوف، إلا أن ذلك الجمع الهائل لم يكن قطرة من بحر ممن انضم إلى الجنازة أثناء مسيرتها، حتى زخرت الشوارع بالمشيعين، ولما تعذر سيرهم فى موكب الجنازة، وقف معظمهم على جانبى الشوارع من دار اللواء إلى مدفن الفقيد، وبلغ عدد المشيعين نحو 250 ألفا، عدا الألوف الذين كانوا على جانبى الطريق، وفى نوافذ المنازل والفنادق وشرفاتها، وفوق أسطحها، وفى المنعطفات المترامية الأطراف».   ينقل «الرافعى» عن «ريمون كولرا» مدير جريدة إيجبت، فى وصف الجنازة: «إن شوارع القاهرة فيما بين دار الفقيد وقبره كانت مفروشة ببساط أحمر، إشارة إلى الطرابيش الحمراء، ومع اشتداد هذا الزحام الذى لم يسبق له نظير، كان النظام مستتبا، والسكون شاملا رهيبا، ولم يكن يسمع أثناء سير الجنازة سوى بكاء الباكين والباكيات وزفراتهم، ونواحهم الصادرة من أعماق قلوبهم، وكلهم يبكى شباب الزعيم ووطنيته، سارت الجنازة حتى جامع قيسون بشارع محمد على حيث أقيمت الصلاة على الفقيد، ثم تابعت سيرها فى بحر زاخر من الجموع والدموع حتى مدفن الزعيم بقرافة الإمام الشافعى، واستمر سيرها أربع ساعات».   يضيف «الرافعى»: «عندما اجتاز النعش ساحة المدفن وأدخل مكان الضريح، وقف الشاعر إسماعيل صبرى باشا وكان صديقا حميما للزعيم ليلقى كلمة الوادع، فألقى البيت الأول منها وهو «أداعى الأسى فى مصر ويحك داعيا/ هددت القوى إذ قمت بالأمس ناعيا»، ولم يكد يلقيه حتى ظهر عليه التأثر الشديد والإعياء، ولم يتم رثاءه».    ثم ألقى شاعر النيل حافظ إبراهيم قصيدته: «أيا قبر هذا الضيف آمال أمة/ فكبر وهلل والق ضيفك جاثيا /عزيز علينا أن نرى فيك مصطفى/ شهيد العلا فى زهرة العمر ذاويا/ أيا يا قبر لوا أنا فقدناه وحده/ لكان التأسى من جوى الحزن شافيا/ ولكن فقدنا كل شىء بفقده/ وهيهات أن يأتى به الدهر ثانيا».    ينقل «الرافعى» عن قاسم أمين وصفه لمشهد الجنازة بقوله: «11 فبراير سنة 1908، يوم الاحتفال بجنازة مصطفى كامل، هى المرة الثانية التى رأيت فيها قلب مصر يخفق، المرة الأولى كان يوم تنفيذ حكم دنشواى 1906، أما فى يوم الاحتفال بجنازة صاحب «اللواء» فقد ظهر ذلك الشعور ساطعا فى قوة جماله، وانفجر بفرقعة هائلة سمع دويها فى العاصمة، ووصل صدى دويها إلى جميع أنحاء القطر، هذا الإحساس الجديد، هذا المولود الحديث الذى خرج من أحشاء الأمة، من دمها وأعصابها، هو الأمل الذى يبتسم فى وجوهنا البائسة، هو الشعاع الذى يرسل حرارته إلى قلوبنا الباردة، هو المستقبل». ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

اليوم السابع

2024-02-01

أرسل عثمان باشا رفقى، وزير الجهادية «الحربية»، الدعوة إلى ثلاثة ضباط هم، أحمد عرابى بك، وعبدالعال حلمى بك، وعلى فهمى بك، تذاكر دعوة للحضور إلى ديوان الوزارة بقصر النيل فى 1 فبراير، مثل هذا اليوم، عام 1881، للمداولة معهم فى ترتيب الاحتفال بزفاف الأميرة «جميلة هانم» شقيقة الخديو توفيق، فأحس «عرابى» ورفيقاه بأن هناك مكيدة تدبر لهم، فاستعدوا للدفاع عن حياتهم، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزى».   تولد شعور لدى الضباط بأن هناك مكيدة تدبر لهم لرفضهم تصرفات وسياسة «عثمان رفقى» التى تحابى الضباط الشراكسة والترك فى الترقيات والتعيينات وتضطهد المصريين، وفقا للرافعى، مضيفا أن تصرفات «رفقى» بلغت ذروتها بأن أصدر أمرا بنقل عبدالعال حلمى إلى ديوان الجهادية «الحربية» وجعله معاونا بها، وكان هذا تنقيصا من درجته ومركزه، وأمر بتعيين خورشيد بك نعمان بدله وهو من أصل شركسى، كما أصدر أمرا آخر بفصل الضابط أحمد بك عبدالغفار، وعين بدلا منه ضابط شركسى يدعى شاكر بك طمازة.   يذكر الرافعى، أن عرابى علم بهذه الأوامر قبل نشرها، إذ كان ليلة 16 يناير 1881 مدعوا لوليمة بدر نجم الدين باشا لمناسبة عودته من الحج، فسمع بها من أحد كبار المدعوين، فثار غاضبا، وقال لصاحبه وهو يحادثه: «هذه لقمة لا يقوى عثمان بك على هضمها»، وعاد عرابى إلى داره ساخطا محنقا، وكان ينتظره كثير من الضباط ليتشاورا فيما يجب عمله.   يؤكد «الرافعى» أن المجتمعين اتفقوا على اختيار عرابى رئيسا لهم، وعهدوا إليه العمل للتخلص من هذه الحالة على أن يتضامنوا معه، ووفقا لمذكرات عرابى فإنه كتب إلى رياض باشا رئيس الحكومة شكوى بأربعة مطالب هى، عزل ناظر «وزير» الجهادية وتعيين غيره من أبناء الوطن، وتشكيل مجلس نواب، وزيادة عدد الجيش إلى 18 ألف جندى، وتعديل القوانين العسكرية لتكفل العدل والمساواة بين رجال الجيش، غير أن الرافعى يذكر أن عرابى طلب عزل عثمان رفقى فقط، مستندا فى ذلك إلى الإمام محمد عبده أحد قيادات الثورة العرابية، وكتاب «التاريخ السرى للاحتلال الإنجليزى لمصر» تأليف «بلنت» صديق العرابين.   يذكر «الرافعى» أن عرابى تلا على الحاضرين العريضة التى كتبها فوافقوا عليها، ووقع عليها بختمه، وختم على بك فهمى وعبدالعال بك حلمى، وفى 17 يناير 1881 ذهب عرابى وعلى فهمى وعبدالعال حلمى لوزارة الداخلية وقدموا العريضة.   يضيف «الرافعى» أنه فى 31 يناير 1881 اجتمع مجلس النظار فى سراى عابدين برئاسة الخديو توفيق، لبحث أمر العريضة، واستقر الرأى على وجوب محاكمة الضباط الثلاثة أمام مجلس عسكرى، ورأى عثمان رفقى وجوب القبض عليهم، وانضم الخديو لهذا الرأى، وأصدر مجلس النظار «الوزراء» أمره بالقبض على الضباط الثلاثة الذين لم يعرفوا ما تقرر بشأنهم ولم يخطرهم عثمان رفقى بأمر القبض عليهم، بل تحايل عليه واتبع طريقة ملتوية وهى دعوتهم لمناقشة مسألة زفاف أخت الخديو.   يؤكد «الرافعى» أن عرابى وصاحبيه قرروا تلبية الدعوة لكنهم اصطحبوا بعض الضباط معهم ليكونوا عيونا تراقب الحالة، ويبادروا إلى إخبار إخوانهم إذا حدث مكروه لهم، ووصل عرابى وصاحباه إلى «قصر النيل»، فوجدوا المكان غاصا بكبار الضباط الموالين للحكومة، وكان المجلس العسكرى منعقدا، وتلا على الضباط الثلاثة أمرا باعتقالهم ومحاكمتهم، ثم نزعت منهم سيوفهم، وكان ذلك وقت الظهر، وسيقوا إلى قاعة سجن قصر النيل بين صفين من الضباط الشراكسة، وتقاذفت عليهم ألفاظ الشماتة والسباب، ووقف عليهم الحرس وبأيديهم السيوف مسلولة.   تلقى الضابط محمد عبيد أخبار ما جرى لزملائه الثلاثة، ويذكر الدكتور عبدالمنعم الجميعى فى كتابه «الثورة العرابية رؤية جديدة»: «نادى محمد عبيد جنده نداءه العسكرى، واحتشدوا وأمرهم بالسير إلى قصر النيل لإنقاذ عرابى، واعترضه أحد كبار الضباط فلم يستمع إليه، بل اعتقله فى إحدى حجرات القشلاق ثم تحرك إلى قصر النيل، وأحكم الهجوم عليه، واقتحم المكان الذى تنعقد المحاكمة فيه، فلاذ عثمان رفقى بالهرب من إحدى النوافذ بصورة مخزية وهرب أعضاء المحكمة، وراح الجنود يبحثون عن الضباط الثلاثة، ويحكمون الأبواب والنوافذ حتى عثروا عليهم، وأطلقوا سراحهم فى شجاعة منقطعة النظير».   يؤكد «الجميعى»: «كان هذا اليوم المشهود هو أول وقائع الثورة العرابية وأول انتصار لها، حيث ذهب الضباط الثلاثة وورائهم من أخرجوهم من الأسر وعلى رأسهم محمد عبيد إلى قصر الخديو يسمعونه شكواهم، ويطالبون بعزل عثمان رفقى، وطلب الخديو أن يختاروا من يحل محله حتى لا يعودوا إلى الشكوى مرة أخرى، فوقع اختيارهم على محمود سامى البارودى». ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

اليوم السابع

2024-01-14

اشتعلت الأعمال الفدائية ضد الاحتلال الإنجليزى بمدن القناة، وتعددت جرائمه فى مواجهتها، ويرصدها عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «مقدمات ثورة 23 يوليو»، ومن أبرزها ما جرى فى 11 يناير 1952 حيث أكرهت قوة إنجليزية أصحاب منازل عزبة «أبى سلطان» على إخلائها، وجمعوا رجال القرية فى مكان واحد وأحاطوهم بسياج من الأسلاك الشائكة، ووضعوا النساء والأطفال داخل سياج آخر، وفتشوا المنازل واحدا واحدا، واعتقلوا بعض المواطنين ونقلوهم إلى أحد المعسكرات.   وفى يومى 12 و13 يناير 1952 هاجمت قوة انجليزية بلدة التل الكبير، وأسرت سبعة فدائيين وصلبوهم على الأشجار، وأطلقوا عليهم الكلاب المفترسة لحملهم على الاعتراف على زملائهم، فلما أبوا أعدموهم رميا بالرصاص فى أحد معسكراتهم.   رفعت هذه الممارسات الدنيئة وتيرة الغضب لدى الشباب المصرى، وكان ما جرى من الشهيد طيار مدنى أحمد عصمت نموذجا، ويذكر «الرافعى»: «هو الشهيد الطيار أحمد عصمت خريج مدرسة الطيران نجل المهندس أحمد عصمت، وحفيد عبدالقادر حلمى باشا القائد المصرى الباسل «فى عهدى الخديو إسماعيل، والخديو توفيق»، وثارت نفسه لما طالع فى الصحف أنباء المعارك الدامية فى منطقة القنال، فترك منزله صبيحة 14 يناير، مثل هذا اليوم ، 1952، وسافر بسيارته الخاصة إلى التل الكبير، متحديا القوة الغشوم، فلما وصل إلى نقطة التفتيش البريطانية فى أبى حماد أوقفته القوة البريطانية إلى جانب رتل من السيارات المصرية فى انتظار دوره فى التفتيش».   يضيف الرافعى: «رفض الشهيد تفتيش سيارته، وقدم بطاقته الشخصية إلى رئيس القوة، فأصر هذا على تفتيش سيارته، فثار شعوره وأخرج مسدسه فى سرعة وأطلق منه النار على قائد القوة فأرداه قتيلا، وصرع حارسه الخاص، ثم جنديا آخر، وأراد أن يوالى إطلاق النار، لولا أن عاجله الإنجليز بضربة مدفع فخر صريعا شهيدا، وشيعت جنازته بالقاهرة يوم 15 يناير 1952 فى احتفال كبير مهيب».    كان أحمد عصمت فى الثلاثين من عمره وقتئذ، فهو من مواليد نهاية نوفمبر 1922 بمنطقة عين شمس، ونشأ فى أسرة ثرية، وتوفى والده وعمره أربع سنوات، وحصل على الابتدائية والتحق بالجامعة الأمريكية لكنه تركها بسبب تركيزه فى رياضة التنس وكان أحد أبطالها، ودرس فى مدرسة الطيران.   تنقل الأهرام خبر استشهاده فى عددها، 15 يناير، 1952، قائلة: «حدث أن كان الطيار المصرى الشهير أحمد محمد عصمت وهو من طيارى شركة مصر للطيران، قاصدا بسيارته إلى بورسعيد، فلما وصل إلى مركز التفتيش البريطانى عند مدينة التل الكبير، أوقفته القوات البريطانية إلى جانب رتل من السيارات الأهلية فى انتظار دوره فى التفتيش، وكان البريطانيون فى ذلك ينقلون جثث قتلاهم الذين صرعهم الفدائيون صباح أمس بالقرب من التل الكبير، ويمسكون بالأهلين انتقاما لهؤلاء القتلى بشتى وسائل التنكيل والتعذيب أمام هذا الجمع الكبير من ركاب السيارات التى كانت فى انتظار التفتيش، وفى هذه الأثناء حاول بعض الجنود البريطانيين تفتيش سيارة الطيار الشهيد، وكان تأثره مما شاهد من وحشية الإنجليز قد بلغ أشده، فرفض تفتيش سيارته، وقدم بطاقته الشخصية إلى رئيس هذه القوة، ولكن ذلك لم يحل دون إصرار رجال القوة على تفتيش السيارة، فلم يتمالك الطيار الجرئ شعوره، فأخرج فى الحال مسدسا من جيبه وأطلق منه النار على رئيس القوة فخر صريعا، ثم شدد نيران مسدسه إلى أحد الجنود فأرداه قتيلا، وحاول أن يسدد ما تبقى من رصاص مسدسه على الجنود الآخرين، ولكنهم تكاثروا عليه، فأصيب برصاصة قاتلة نفذت من صدره إلى عينيه فخر على الأرض مضرجا بدمائه».   تضيف الأهرام: «على أثر ذلك استولت القوة البريطانية على سيارته وطلبت من البوليس المصرى نقل جثته، فنقل إلى المستشفى الأميرى، ثم انتقل إلى القاهرة حيث تشيع جنازته فى ضاحية عين شمس، وأبلغت زوجته بهذا النبأ المروع فقابلته بشجاعة ورابطة جأش، وقالت إن زوجها الشهيد ترك كتابا طويلا قبل سفره، قال فيه: إن مت فأرجو أن يعلم كل مصرى أننى شاب متزوج ولى ثلاثة أطفال إلى جانب أمى وإخوتى، ومع ذلك فقد ضحيت بنفسى ليعيشوا أحرارا فى بلدهم».   تذكر «الأهرام» فى نفس العدد خبرا متصلا نصه: «لما رفع إلى مسامع صاحب الجلالة الملك المعظم أن الشهيد طيار أحمد عصمت أب لثلاثة أطفال هم، بهى الدين وعمر من طلبة مدرسة النقراشى باشا النموذجية، وفاطمة بمدرسة الليسيه الفرنسية بمصر الجديدة أمر أن تكون نفقات تعليمهم على الجيب الخاص فى جميع مراحله، وأن تقرر لهم مرتبات شهرية تصرفها الخاصة الملكية»، وفى خبر آخر: «لما استمعت صاحب السمو الملكى الأميرة فريال قصة هذا الشهيد، أرادت أن تعبر عن عطفها لكريمته الطالبة فاطمة، فأرسلت إليها مصحفا قيما كهدية من سموها الملكى». ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

المصري اليوم

2024-01-12

حل على مصر عام 1924 ووزارة يحيى إبراهيم باشا في الحكم وكانت تمارس مهمتها التي اضطلعت بها وهى إدخال مصر تحت دائرة الحكم الدستورى فأعلنت الدستور وأعلنت قانون الانتخاب وساد التوقع بأن الأغلبية ستكون للوفد ذلك لأن الوفد كان له لجنة في كل مدينة وقرية ولم يجد حزبا الأحرار الدستوريين والحزب الوطنى مرشحين عنهما يغطون كل الدوائر، وحتى الدوائر التي رشح فيها المستقلون أنفسهم كانوا يعلنون أنهم وفديون لضمان نجاحهم فلما كان يوم الانتخابات كانت المفاجأة الكبيرة لأحزاب المعارضة وللملك والإنجليز أيضا حيث كان نجاح الوفد ساحقا على نحو يقترب من الإجماع أما من نجح من المستقلين فقد أعلنوا انضواءهم تحت راية الوفد ومن بعض الاسماء التي نجحت من جبهة المعارضة المؤرخ عبدالرحمن الرافعى ومحمد محمود باشا وعبداللطيف الصوفانى بك وغيرهم وشكلوا أول جبهة معارضة وطنية لكن يجدر بنا الإشارة لشىء بالغ الأهمية هنا وهو سقوط رئيس الوزراء يحيى إبراهيم باشا وهذا وحده كفيل بأن يؤكد لنا مدى نزاهة تلك الانتخابات فلم يوفق في دائرته ( منيا القمح) وفاز عليه مرشح الوفد أحمد مرعى (والد المهندس سيد مرعى )كان هذا «زي النهارده»فى 12 يناير 1924 وعلى أثر هذه النتيجة استقالت وزارة يحيى إبراهيم باشا في السابع عشر من يناير من العام نفسه وأرسل الملك فؤاد خطاب تكليف لسعد زغلول باشا بتشكيل الوزارة في الثامن والعشرين من يناير وجاء في مفتتحه: «عزيزى سعد زغلول باشا ..ولما كانت آمالنا ورغائبنا متوجهة دائما نحو سعادة شعبنا العزيز ورفاهته وبما أن بلادنا تستقبل الآن عهدا جديدا من أسمى أمانينا أن تبلغ فيه ما نرجوه لها من رفعة الشأن وسمو المكانة ولما أنتم عليه من الصدق والولاء وما تحققناه فيكم من عظيم الخبرة والحكمة وسداد الرأى في تصريف الأمور وبما لنا فيكم من الثقة التامة قد اقتضت إرادتنا توجيه مسند رياسة مجلس وزرائنا مع رتبة الرياسة الجليلة لعهدتكم «لكن لم يمض كثيرا على وزارة الشعب هذه (وزارة سعد زغلول) حيث اغتيل السردار لى ستاك في 19 نوفمبر من نفس العام واحتقنت الأجواء، وانتهى الأمر باستقالة سعد زغلول في 24 نوفمبر وقبلها الملك. ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

اليوم السابع

2024-01-09

بعث الشيخ عمر مكرم من منفاه فى طنطا برسالة إلى صديقه القديم محمد على باشا، يهنئه فيها بانتصاراته على الوهابيين فى شبه الجزيرة العربية، فاهتز محمد على طربا بالرسالة، وسأله حاملها حفيد عمر مكرم عن أحوال جده، وما إذا كان يريد شيئا، وكرر عليه السؤال، لكن الحفيد قال: إن جده لم يذكر له طلبا آخر، وفقا للكاتب محمد فريد أبوحديد فى كتابه «عمر مكرم»، دراسة وتقديم الدكتور أحمد زكريا الشلق.   يذكر «أبوحديد» أن الباشا أرسل أحد أتباعه وراء حفيد عمر مكرم وسأله عما إذا كان جده يطلب شيئا، فتمنع الحفيد فى البداية ومع تكرار السؤال، قال: إن لجده أمنية قديمة وهى تأدية فريضة الحج، ولما علم الباشا أسرع بتلبيتها.   كان عمر مكرم يعيش سنوات منفاه رغم زعامته لثورة المصريين التى جاءت بمحمد على إلى الحكم فى مايو 1805، لكن الود لم يدم طويلا، وحسب عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «عصر محمد على»، فإن الباشا قرر عزل عمر مكرم من نقابة الأشراف ثم نفاه إلى دمياط، وعاش فيها تحت المراقبة والحراس يلازمون له إلى أن تشفع له قاضى قضاة مصر «صديق أفندى» لدى محمد على، فأذن له بالانتقال إلى طنطا بعد أربع سنوات فى دمياط.   يضيف «الرافعى»: فى ديسمبر 1818، طلب عمر مكرم الإذن له أن يؤدى فريضة الحج، وكان محمد على قد بلغ قمة المجد والسلطة، وقهر الوهابيين، وذاع صيته، فتذكر المنفى العظيم الذى كان له أكبر الفضل فى إجلاسه على عرش مصر، فتلطف بقبول طلبه، وأذن له بالذهاب إلى القاهرة، ويقيم بداره إلى أن يجىء آوان الحج، وذكر صديقه القديم بالخير، وقال لجلسائه: «أنا لم أتركه فى الغربة هذه المدة إلا خوفا من الفتنة، والآن لم يبق شىء من ذلك، فإنه أبى، وبينى وبينه ما لا أنساه من المحبة والمعروف».   يذكر «الرافعى»، أن محمد على بعث بكتاب لعمر مكرم يحتوى على أرق عبارات الاحترام والتبجيل، ويقول فيه: «مظهر الشمائل سنيها، حميد الشؤون وسميها، سلالة بيت المجد الأكرم، والدنا السيد عمر مكرم، دام شأنه، أما بعد فقد ورد الكتاب اللطيف من الجناب الشريف، تهنئة بما أنعم الله علينا، وفرحا بمواهب تأييده لنا، فكان ذلك مزيدا فى السرور، ومستديما لحمد الشكور، ومجلبة لثناكم، وإعلانا بنبل مناكم، جزيتم حسن الثناء، مع كمال الوقار ونبل المنى، هذا وقد بلغنا نجلكم عن طلبكم الإذن فى الحج إلى البيت الحرام، وزيارة روضته عليه الصلاة والسلام، للرغبة فى ذلك، والترجى لما هنالك، وقد أذناكم فى هذا المرام، تقربا لذى الجلال والإكرام، ورجاء لدعواتكم بتلك المشاعر العظام، فلا تدعوا الابتهال، ولا الدعاء لنا بالقال والحال، كما هو الظن فى الطاهرين، والمأمول من الأصفياء المقبولين، والواصل لكم جواب منا خطابا إلى كتخدائنا، ولكم الإجلال والاحترام، مع جزيل الثناء والسلام»، حمل حفيد عمر مكرم واسمه صالح خطاب الباشا إلى جده، ويذكر «الرافعى» نقلا عن «الجبرتى»: «أرسل محمد على إلى كتخدائه يبلغه الأمر، وأشيع خبر مقدمه، فكان الناس بين مصدق ومكذب حتى وصل إلى بولاق، السبت 12 ربيع الأول 1234 هجرية، الموافق 9 يناير، مثل هذا اليوم، 1819، ومن هناك توجه لزيارة الإمام الشافعى، ثم القلعة، وقابل الكتخدا وكان محمد على بالإسكندرية، وهنأه الشعراء بقصائدهم، وأعطاهم الجوائز، واستمر ازدحام الناس أياما، ثم امتنع عن الجلوس فى المجلس العام نهارا، واعتكف بحجرته الخاصة، فلا يجتمع عنده إلا بعض من يريدهم من الأفراد، فانكف الكثير عن التردد عليه، وذلك من حسن الرأى».   يستخلص «الرافعى» من رواية الجبرتى، أن منزلة عمر مكرم فى قلوب الشعب بقيت كما كانت، ورجع عظيما كما كان قبل نفيه، ولولا ذلك لما هنأه الشعراء بقصائدهم وازدحم الناس على داره، ومن المحتمل أن هذه المظاهرات لم ترق لأصحاب السلطة وقتئذ، ولا يبعد أن يكون بلغ عمر أن مثل هذه المظاهرات مما يؤخذ عليه، فآثر الاعتكاف فى داره، فكان ذلك من «حسن الرأى» كما يقول «الجبرتى».   يؤكد «الرافعى» أنه بالرغم من شيخوخة عمر مكرم واعتكافه بمنزله بمصر القديمة «ساحل أثر النبى»، فإنه كان مصدر قلق لمحمد على، وحدث أن قامت فى القاهرة سنة 1922 فتنة هاج فيها السكان بسبب فرض ضريبة جديدة على منازل العاصمة، وارتاب محمد على فى أن يكون لعمر مكرم يد فى تلك الفتنة، فأرسل رسولا يأمره بمغادرة القاهرة إلى طنطا، فأبدى عمر مكرم استعداده بعد أن يعد مركبا ينقله، فأخبروه أن المركب معدا لهذا الغرض فى ساحل مصر القديمة، ورحل إلى رحلة منفى جديدة.   ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

اليوم السابع

2023-12-29

هدد قنصل إنجلترا فى مصر، محمد على باشا بإحراق مدينة الإسكندرية، وجاء التهديد متزامنا مع مظاهرة بحرية إنجليزية بالسفن الحربية أمام المدينة، قال القنصل إنه سينفذ التهديد إذا لم يسحب «الباشا» جنوده من سوريا، ويرد الأسطول التركى إلى الباب العالى، ولو فعل ذلك ستكفل له إنجلترا حكم مصر بالوراثة، وفقا لعبدالرحمن الرافعى فى كتابه «عصر محمد على»، مضيفا: «رد الباشا على تهديد القنصل نابييه بقوله: احرقوها، احرقوها، فانسحب لكنه أمهل محمد على 24 ساعة ليقرر رأيه الذى سيستقر عليه».   يذكر «الرافعى»، أن «الباشا» رأى من الحكمة السياسية أن يجنح إلى السلم ويقبل العرض، وانتهى الأمر إلى عقد اتفاق يقضى بأن يجلو الجيش المصرى عن سوريا، ويرد محمد على الأسطول التركى إلى الباب العالى، مقابل تخويله ملك مصر الوراثى بضمانة الدول الكبرى، وفور عقد الاتفاق أرسل محمد على الى ابنه إبراهيم يأمره بالجلاء عن سوريا والعودة إلى مصر.   هى قصة القضاء على إمبراطورية محمد على والتى شملت بلادا عديدة فتحها بجيوشه، وكان التصميم على قصقصة ريشه قرارا دوليا اتخذته الدول الكبرى وقتئذ، يذكر الدكتور عبدالرحمن زكى فى كتابه: «التاريخ الحربى لعصر محمد على الكبير»: «اتفقت إنجلترا، وروسيا على تحطيم قوة مصر الخارجية وانتزاع الشام من محمد على وحرمانه من فتوحاته التى أنفقت مصر فيها أموالها ودماء أبنائها تسع سنوات».   يضيف زكى: «عجل بالمرستون وزير خارجية بريطانيا، بالاتفاق مع مندوبى روسيا والنمسا وبروسيا على الوقوف فى وجه محمد علي، وأمضوا معه فى لندن معاهدة 15 يوليو 1840، وأهم شروطها تتلخص فى أنه إذا خضع محمد على فى خلال عشرة أيام، ورد كريت والأماكن المقدسة ببلاد العرب وأدنة والشام، أعطته الدولة العثمانية ولاية مصر وراثية وولاية عكا مدة حياته، وإلا أخضعته الدول بالقوة ونظرت فى أمره من جديد».   يضيف زكى:  «رفض محمد على هذه الشروط، وكادت تشتعل الحرب من جراء المسألة المصرية، وذهبت فى أثناء ذلك أساطيل الحلفاء وحاصرت سواحل الشام ثم استولت عليها، وانتشرت الفتن فى الشام ولبنان، بفضل رجال المخابرات الإنجليزية، فاضطر محمد على أن يرسل لابنه أمرا بالانسحاب من الشام، وأصدر إبراهيم أوامره إلى جيشه فى التاسع والعشرين من ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1840 بالجلاء، وكان يؤلف من 55 ألف جندى بصحبتهم 150 مدفعا، وكان يتبع ذلك الجيش نحو سبعة آلاف من الأسرات والأتباع»   غير أن الرافعى يقدر عدد الجيش بـ70 ألف جندى، ويذكر: «لاقى الجنود والملكيون متاعب هائلة فى انسحابهم لما أصابهم من الإعياء والجوع والعطش والتعب فى قطع المسافات الشاسعة، وماتحملوه من نقل المهمات والمدافع، ومات كثير منهم فى الطريق».    يضيف «سار الجيش فى انسحابه إلى «المزيريب» شرقى بحيرة طبرية، ومن هناك توزع إلى ثلاثة فيالق، أخذ كل فيلق طريقا إلى مصدر، فالفيلق الأول وهو مؤلف من المشاة والخيالة النظامين، أخذ سبيله بطريق غزة فالعريش، وكان يقوده أحمد المنكلى باشا، والفيلق الثانى بقيادة سليمان باشا الفرنساوى وكان مؤلفا من المدفعية، سار بطريق الحج إلى معان ومنها إلى العقبة فالنخل فالسويس، والفيلق الثالث وكان مؤلفا من جنود الحرس وفرسان الهنادى والباشبوزق بقيادة إبراهيم باشا، اتخذ سبيله إلى غزة ومنها بحرا إلى مصر».   يؤكد «الرافعي»:»راح العديد من قوام هذه الفيالق ضحية الأهوال فى الطريق، وفقد فيلق «المنكلى باشا» نصف رجاله بسبب الجوع والعطش ومناوشات العربان، وفقد فيلق «سيلمان باشا» الذى عاد من طريق معان والعقبة نحو ألف وخمسمائة، ومات عدد كبير من فيلق إبراهيم باشا وشمل جنود وموظفين ونساء وأطفال، ولما وصل إلى غزة طلب من أبيه إمداده بالمؤن والملابس والسفن لتنقل الجيش بحرا إلى الإسكندرية، وأخلى غزة يوم 19 فبراير، مثل هذا اليوم، 1841، ليتم بذلك إخلاء الجنود المصريين من سوريا، وينتهى الحكم المصرى للشام بعد عشر سنوات من قيامه».   تذكر الدكتورة لطيفة سالم فى كتابها «الحكم المصرى فى الشام -1831 1841»: «مثلت العودة المأساة الحقيقية للقوات المصرية، إذ فقد منها ثلاثون ألفا غير المدنيين، مابين الجوع والعطش والإرهاق والمرض والتعرض لهجوم البدو ووعورة الطريق، وتركت الأقدام المصرية غزة فى 19 فبراير 1841، بعد أن عاشت على أرض الشام حوالى عقد من الزمان، تركت فيها البصمات الواضحة التى سجلها التاريخ، وحفظ فيه فترة غمرتها العدالة وسادها النظام، وغطاها التسامح، وصدت عنها الأطماع الأجنبية، وأعطتها التقدم ووهبتها النهضة، وعملت على رقيها، وسرعان ما انقلبت تلك الأوضاع إلى نقيضها عقب الرحيل المصرى».   ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال: