إبراهيم الوردانى
الشروق
2025-03-24
تواصل جريدة الشروق خلال شهر رمضان نشر سلسلة "تراث مصري"، المستوحاة من كتاب "تراث مصري" للباحث أيمن عثمان، والتي تستعرض الشخصيات والمعالم التي تركت بصمتها في التاريخ المصري. في عام 1909، خرجت مظاهرة حاشدة في القاهرة شارك فيها أكثر من عشرة آلاف مصري، منددة بالاحتلال البريطاني ومطالبة بالجلاء. كانت المظاهرة بمثابة بعث جديد للحراك الشعبي بعد سنوات من الجمود عقب فشل ثورة عرابي. وقد قادها الشاب إبراهيم الورداني، خريج الصيدلة في إنجلترا وسويسرا، والذي تأثر بالحركات الثورية في أوروبا وآسيا، وانضم هناك لجمعيات سرية، تعلم من خلالها استخدام الأسلحة وصنع القنابل. شارك في المظاهرة الفنان الشاب آنذاك محمود مختار، الذي اعتُقل وسُجن لشهر، ومنع بعد ذلك من استكمال دراسته أو الالتحاق بأي وظيفة، مما اضطره إلى السفر خارج البلاد. أما الورداني، فأسس لاحقًا "جمعية التضامن الأخوي"، واتفق مع عدد من زملائه على اغتيال بطرس باشا غالي، رئيس الوزراء، وذلك بسبب مواقفه المؤيدة للاحتلال البريطاني، أبرزها توقيع اتفاقية 1899 التي ثبتت الحكم الثنائي المصري-البريطاني على السودان، ورئاسته لمحكمة دنشواي، ومحاولته مد امتياز قناة السويس لصالح الإنجليز، بالإضافة إلى إصداره قانون المطبوعات لتقييد حرية الصحافة. في 20 فبراير 1910، نفذ الورداني عملية الاغتيال، مطلقًا ست رصاصات على بطرس باشا، الذي توفي في اليوم التالي. لم يحاول الورداني الهرب، وأوضح لاحقًا لمحاميه الشهير إبراهيم الهلباوي أن بقاءه كان رسالة مفادها أن اغتياله سياسي لا شخصي. تحولت محاكمته إلى محاكمة علنية لسياسات بطرس باشا، وحرصت السلطات البريطانية على استغلال الحدث لتأجيج الانقسام الطائفي، وهو ما رفضه الوطنيون الأقباط، مؤكدين أن الحراك وطني لا ديني. ورغم دفاع الهلباوي العاطفي، الذي اتهم بطرس باشا بالثراء غير المشروع، حُكم على الورداني بالإعدام، ونُفذ الحكم في 28 يونيو 1910. كانت كلماته الأخيرة: "الله أكبر الذي يمنح الحرية والاستقلال... أشهد أن لا إله إلا الله، وأن الموت في سبيل الوطن آية من آيات الله". منعت السلطات ذكر اسمه أو تشييع جنازته، لكن الشعب أطلق عليه لقب "غزال البر"، وغنى له في يوم إعدامه: "قولوا لعين الشمس ما تحماش... أحسن حبيب القلب صابح ماشي". اقرأ أيضا ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-03-23
تواصل جريدة الشروق خلال شهر رمضان نشر سلسلة "تراث مصري"، المستوحاة من كتاب "تراث مصري" للباحث أيمن عثمان، والتي تستعرض الشخصيات والمعالم التي تركت بصمتها في التاريخ المصري. منذ اللحظة الأولى للاحتلال البريطاني لمصر، أعلنت بريطانيا أن وجودها في البلاد مؤقت، ويرتبط فقط باستقرار الأوضاع، ورغم استقرار البلاد، فإن بريطانيا لم تلتزم بوعودها، واستمرت في التسويف والمماطلة في مسألة الجلاء، إلى أن بدأ اليأس يتسرب إلى نفوس المصريين. في هذا المناخ من الإحباط، ظهرت حركات سرية اتخذت الكفاح المسلح سبيلًا للمقاومة، كان أبرزها "كتيبة الإعدام". في عام 1903، أصدر قاضٍ بريطاني في لندن حكمًا بالإعدام على الشاب الهندي "دنجرا" بعد اغتياله وزيرًا بريطانيًا لمعارضته استقلال الهند، فاجأ دنجرا الجميع عندما صاح في وجه القاضي قائلًا: "أشكرك أيها القاضي، فقد أتحت لي أن أفدي بلادي بدمي"، تناقلت الصحف البريطانية هذه العبارة، ووصل صداها إلى الطلبة المصريين في لندن، الذين كانت مشاعر الغضب والاستياء تتأجج في نفوسهم إزاء الاحتلال البريطاني لبلادهم، مثلما هو الحال في الهند. من بين هؤلاء الطلاب المصريين كان طه العبد وحسن كامل الشيشيني، وقد أسسا جمعيتين سريتين هما "جمعية أبي الهول" و"جمعية الطلبة المصريين"، وانضما كذلك إلى الحركات السرية الهندية المناهضة للاحتلال، وبعد عودتهما إلى مصر، أسسا تنظيمًا سريًا موحدًا تحت اسم "جماعة التضامن الأخوي"، اشترطا في عضويته الشجاعة المطلقة، والخضوع لاختبارات خاصة، ثم أداء قسم الولاء على مصحف وسيف، يتعهد فيه العضو بتنفيذ أوامر الجماعة دون تردد أو نقاش. ضمت الجماعة عددًا من الأسماء البارزة، من بينهم: إبراهيم الورداني، شفيق منصور، محمود عنايت، علي مراد، محمود أنيس، عبدالخالق عطية، محمد نجيب الهلباوي، طه العبد، عبدالحميد العبد، يوسف العبد، وحامد العبد. ووضعت الجماعة قائمة سوداء تضم شخصيات مصرية اعتبرتها خادمة للمصالح البريطانية، من بينهم بطرس غالي، رئيس محكمة دنشواي، والأمير حسين كامل، رئيس الجمعية العمومية لقناة السويس، ولفت النظر إدراج اسم سعد زغلول في القائمة، لدعمه مشروع تمديد امتياز قناة السويس لبريطانيا، وهو ما تراجع عنه لاحقًا، وكانت أولى عمليات الاغتيال التي نفذتها الجماعة على يد إبراهيم الورداني، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة من المقاومة. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2024-04-07
وقف سعد زغلول باشا وزير الحقانية أمام الجمعية العمومية «البرلمان»، مدافعا عن مشروع الحكومة بمد امتياز قناة السويس لبريطانيا 40 عاما، وفقا للدكتور مصطفى الحفناوى فى الجزء الرابع من كتابه «قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة». كان دفاع سعد باشا، يوم 4 إبريل 1910، وكان المشروع مرفوعا من الحكومة إلى «الجمعية العمومية» التى تحدث الخديو عباس حلمى الثانى أمامها أثناء افتتاحها يوم 9 فبراير 1910، طالبا من النواب إعطاء الرأى فيه، ويذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «محمد فريد رمز العطاء والإخلاص»: «شمل المشروع مد أجل الامتياز إلى أربعين سنة أخرى،على شرط اقتسام الأرباح فى هذه المدة بين الحكومة وشركة القناة مناصفة، وفى مقابل إعطاء الشركة نصف الأرباح عن المدة الجديدة». كانت قناة السويس بهذا المشروع ستبقى تحت سيطرة بريطانيا حتى عام 2008، ففترة الامتياز الأولى كانت ستنتهى عام 1968، وبإضافة الأربعين عاما فترة الامتياز الثانية المقترحة تمتد السيطرة حتى 2008، وكانت حكومة بطرس باشا غالى رئيس مجلس النظار«الوزراء» صاحبة المشروع، الذى دفع إبراهيم الوردانى إلى اغتيال «غالى» يوم 20 فبراير 1910، وحسب «الرافعى»: «كانت هذه الحادثة أولى حوادث القتل السياسى، التى وقعت فى مختلف عهود الحركة الوطنية الحديثة». ويذكر أحمد شفيق باشا، رئيس ديوان الخديو عباس الثانى، فى مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن»، أنه قبل أن يفتح مع «الوردانى» محضر التحقيق الرسمى سأله وكيل الحقانية: «لماذا فعلت فعلتك بالباشا؟ فأجاب غاضبا: لأنه خائن للوطن». قاد الزعيم محمد فريد، رئيس الحزب الوطنى، الحملة ضد مشروع مد امتياز القناة، ووفقا لـ«الرافعى»: «كان المشروع فى طى الكتمان لمدة عام، وكان فى عزم الوزارة إنفاذه بسرعة حتى لا يزعجها احتجاج الصحف الوطنية، وحتى تمكن فريد من الحصول على نسخة منه، وبادر إلى نشرها فى جريدة اللواء، وتابع ذلك بسلسلة مقالات «دلت على سعة إلمامه بدقائق المسألة المصرية وملابساتها من الوجهتين السياسية والمالية». أمام الغضب الشعبى، قرر الخديو عباس الثانى إحالة المشروع إلى الجمعية العمومية، على أن يقوم سعد زغلول بالدفاع عن رأى الحكومة باعتباره وزيرا للحقانية، وبعد إحالته قررت الجمعية تشكيل لجنة لدراسته دراسة مستفيضة، وأعدت اللجنة تقريرها، واجتمعت الجمعية العمومية بجلسة 21 مارس لمناقشته. يذكر «الرافعى» أنه فى الجلسة الثانية يوم 4 إبريل، دافع سعد زغلول عن المشروع من مذكرة أعدتها الحكومة، وقال «سعد»: «إن المشروع متعلق بالاستقبال، وقدرة الإنسان فى الأمور الغيبية قدرة بعيدة الاحتمال، ولذلك اختلفت الظنون والأفكار فى هذا المشروع اختلافا كثيرا، ونحن يجب علينا أن نفهم هذا الاختلاف، ولكن الذى لا ينبغى هو أن يفهم المخالف للآخر، أن هذا سيئ القصد والنية». يضيف «الرافعى» أنه فى جلسة 7 إبريل، مثل هذا اليوم، 1910، أراد سعد باشا أن يستأنف دفاعه عن المشروع، فرأى الأعضاء الاكتفاء بما قاله فى الجلسة السابقة، فاعترض على ذلك بأن هذه مقاطعة غير جائزة، وقال: «يقوم أحد رجال الحكومة ليتكلم فبأى حق يقطع عليه الكلام؟ قمت لأقول ملاحظاتى على أقوال اللجنة، فكيف أمنع من ذلك؟ يجب على الجمعية العمومية أن تسمع كلام الحكومة أولا»، إلى أن قال: «إنكم استعملتم هذا السلاح ضدى اليوم، وسيستعمل غدا ضدكم، فاحذروه والرأى لكم»، ورد عليه إسماعيل باشا أباظة، بأن المسألة استوفت بحثا من جانب الحكومة، ومن جانب الجمعية، وبعد مناقشة وجيزة، أخد الرأى على قفل باب المناقشة، فتقرر ذلك بالأغلبية، ثم أخذ الرأى على المشروع بالنداء بالاسم، ورفضته الجمعية بالإجماع، ماعدا مرقص سميكة باشا والوزراء. يؤكد «الحفناوى» أن رفض المشروع كان عملا جليلا رائعا، كما كان رائعا من أعمال الحزب الوطنى بزعامة محمد فريد، ويضيف: «كان وقع الرفض على الإنجليز كالصاعقة»، وعن حماس الشعب المصرى قال: «كانت قاعة الجمعية العمومية غاصة بالنظارة «الحكومة»، ولما صدر القرار التاريخى شوهد الزائرون والموظفون والصحفيون يعانق بعضهم بعضا، ويتبادلون التهانى الحارة، وتألفت مظاهرة من 15 ألف مصرى، ولأول مرة فى شوارع القاهرة منذ احتلال إنجلترا لمصر دوى هتاف: «ليسقط جيش الاحتلال، فلتسقط إنجلترا». يستخلص «الحفناوى» من هذا الهتاف معنى «أن الأمة عرفت الحقيقة، وفهمت أن جيش الاحتلال هو شركة قناة السويس، وأن هذه الشركة هى إنجلترا المحتلة». ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2024-01-15
• نقلا عن موقع الوفد الهوس الوطنى كالهوس الدينى أوله غضب، وآخره دم، لذا لا يختلف إبراهيم الوردانى كثيرا، عن خالد الإسلامبولى، فكلاهما احتكم إلى الغدر: رصاص خاطف ينطلق صوب مّن يخالفونهم رأيا أو موقفا، فيحكمون بإعدامهم. فى 1910 قتل إبراهيم الوردانى، بطرس غالى رئيس الوزراء بست رصاصات، ثُم تحول لبطل شعبى، فى ظل شارع غوغائى، لا تعليم لديه، ولا وعى، ولا منهج. كان مُبرر «الورداني» أن بطرس غالى خائن، لأنه يصانع الاحتلال، ويرى تمديد اتفاق قناة السويس. وفى حقيقة الأمر، فإن كل ذلك لا يخلع عن بطرس غالى مصريته، وهو سياسى يُختلف معه ويُتفق، لكن لا يُباح دمه. وإذا كان لنا أن نُحكم عقولنا الآن، فإننا نرى أن سجن الشاعر على الغاياتى بسبب ديوانه «وطنيتي» لأنه مدح القاتل فيه، وهلل لجرمه، هو سجن فى محله، فلقد قال الشاعر فى ديوانه «ماذا جرى فى ساحة الميدانِ/ قتل الخئون مسدس الورداني/ طلقات نار أم حطام مُهند/ يدوى نذير الموت فى الأركانِ/ فرماه عن كثب بست عجلت/ خطوات عزرائيل بالأكفانِ». ومثل هذا النظم الركيك يُمثل تبريرا وتحفيزا للشباب لقتل كل سياسى يختلفون معه بدعوى خيانته. والمؤسف أن نيران الكراهية السياسية يُمكن أن تطال كل شخص، وتحول كل إنسان إلى خائن فى نظر القتلة. وهذا ما حدث مع سعد زغلول فى 12 يوليو 1924، وهو رئيس وزراء مصر، وكان مسافرا إلى الإسكندرية بالقطار، وفوجئ بشاب أهوج يظهر فجأة أمامه ويطلق عليه رصاصة أصابته فى ساعده، قبل أن يُمسك به الناس. وهذا الحدث الاستثنائى الغريب استفز خلايا البحث والابداع لدى الروائى الجميل والطبيب النابه إيمان يحيى، فدفعه لكتابة نص مُنير لافت يُفكك فيه الواقعة بشمول وسرد ماتع استجلاء لوقائع غير مشهورة فى التاريخ، تحت عنوان «رصاصة الدِلبشاني» إشارة إلى اسم القاتل عبداللطيف الدلبشانى. لقد اعتبر القاتل الوطنى سعد زغلول خائنا لأنه يفاوض الإنجليز على الاستقلال، بينما يؤمن هو بأنه لا مفاوضة إلا بعد الجلاء، وهو شعار خائب لا معنى له، إذ ما الداعى للتفاوض إن جرى الجلاء. لكن فى خلفية المشهد كما يوثق لنا إيمان يحيى نرى الدلبشانى موجها من شخوص لا يعرفهم جلبوا له المُسدس وهيأوا له مسرح الجريمة، وهم يمثلون القصر الملكى، ورئيس الديوان فى ذلك الوقت حسن نشأت، فضلا عن البوليس السياسى الإنجليزى وعلى رأسه إنجرام بك الذى قام بإخفاء سلاح الجريمة حتى يُفسد القضية. ويقول إيمان يحيى إن اطلاق النار على سعد زغلول وهو فى العقد الثامن من عمره، كان الحادث الوحيد فى تاريخ الاغتيالات السياسية الذى لم يحاكم فيه مُتهم لأن سلاح الجريمة اختفى، ثُم اكتشف القاتل أنه كان دمية فى أيدى قوى أعظم، وانتهى به الأمر فى مستشفى المجاذيب بالعباسية. لم يُفرق الهوس الوطنى بين ضحية وأخرى، فكل مَن يختلف معهم القتلة الوطنيون مهدرو الدم. وقطعا فإن أى زعيم مهما بلغت درجة شعبيته يمكن أن يتعرض لذلك، فخلف الأستار لا يُدرك قاتل مَن يُحركه. فى الثلاثين من يناير سنة 1948 ذهب شاب مهووس اسمه ناتهورام غودسى إلى مبنى الاجتماعات الهندية، وأطلق ثلاث رصاصات على حبيب الشعب المهاتما غاندى لأنه اختلف مع رؤاه بشأن الوحدة الوطنية بين المسلمين والهندوس فى الهند. فارق الرجل الذى كان مثالا للتحرر والتسامح والزهد الحياة بسبب اعتقاد مخالف يراه إنسان آخر. لو فكر الوردانى، والدلبشانى، وحسين توفيق، والسادات، ومصطفى كمال صدقى، والإسلامبولى وأشياعهم للحظات قبل استهداف فرائسهم، والاندفاع للقتلن لو استغلوا عقولهم التى منحها الله لهم، لو خططوا ودرسوا فيما هو تال، لأدركوا أن الرصاص لا يُمكن أن يُصحح أمرا يراه البعض خطأ، فمتاهات الدم لا تنتهى. والله أعلم • وصدرت رواية "رصاصة الدبلشاني" للكاتب الدكتور إيمان يحيى عن دار الشروق العام الماضي رصاصة الدلبشاني ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
المصري اليوم
2024-01-02
فى عام 1980 صدر عن مركز وثائق وتاريخ مصر المُعاصر- التابع للهيئة العامة للكتاب- كتاب «الوحدة الوطنية فى ثورة 1919» لمؤلفه الأستاذ رمزى ميخائيل جيد، الباحث المتميز بالمركز، والحاصل على ليسانس الصحافة سنة 1960، والماجستير سنة 1972 من جامعة القاهرة، والذى شارك كباحث فى أعمال «اللجنة العامة لتسجيل تاريخ ثورة 23 يوليو». وفى الكتاب تحدث الباحث عن جذور الوحدة الوطنية وعواملها، ووصف مظاهرها السياسية والاجتماعية، وأوضح كيف تمكن الأقباط والمسلمون من مواجهة مؤامرات الاحتلال البريطانى لتفتيت هذه الوحدة التى أقلقت رجاله وأفسدت سياسته. مينا بديع عبدالملك فما أروع ما ذكره الزعيم سعد زغلول فى 2 ديسمبر 1918 بقوله: (إن للأقباط ما لنا من الحقوق، وعليهم ما علينا من الواجبات، على قدم المساواة)، وما ذكره الكاتب القدير توفيق الحكيم فى كتابه «عودة الروح»: (فى وسط المظاهرات والهتافات كانت ترفرف الأعلام المصرية وقد رُسم فيها الهلال يحتضن الصليب!.. ذلك أن مصر أدركت فى لحظة أن الهلال والصليب ذراعان فى جسد واحد له قلب واحد «مصر»!!). ثورة ١٩١٩ يقول الكاتب: (حقيقة هامة تبدو واضحة أمام دارسى تاريخ مصر هى أن الوحدة بين الأقباط والمسلمين كانت دائمًا الأساس القوى، والشقاق هو الاستثناء الضعيف. وثمة حقيقة ثانية لا تقل أهمية عن الحقيقة السالفة هى أن أعداء مصر ينشطون دائمًا كلما قويت الحركة الوطنية لافتعال الفتنة بين الأقباط والمسلمين، أو تغذية أسبابها ودواعيها لدى المتعصبين من الطرفين، الذين يقعون فى شراك السياسة الاستعمارية الرامية إلى تفتيت الجبهة الداخلية، والقضاء على الحركة الوطنية، وليس ظهور النغمة الطائفية فى سنة 1908 مع اشتداد حركة المطالبة الوطنية بالدستور سوى مثال على ذلك. إلا أن الوحدة الوطنية كانت تخرج من جولاتها مع الاستعمار أشد قوة وتماسكا. يؤكد ذلك أن المنهج الوطنى العلمانى المتنور سيطر فى النهاية على ذروة أشد شقاق حدث بين الأقباط والمسلمين فى تاريخ مصر الحديث، وهو الشقاق الذى حدث فى سنتى 1910 و1911، عند اغتيال بطرس غالى رئيس الوزراء القبطى، وأُعدم قاتله الشاب المسلم إبراهيم الوردانى، ثم انعقاد المؤتمر القبطى والمؤتمر المصرى.. فقد تمكن عُقلاء الأمة المصرية من المسلمين والأقباط من قيادة المؤتمرين إلى نبذ الفُرقة وتأكيد الوحدة بين شقى الأمة. وقد تمكنت الوحدة الوطنية من احتواء الخلافات والفتن المصطنعة الطارئة، لأنها تعتمد على دعائم قوية موغلة فى القدم، منها: الحالة المتقدمة من «الاندماج» و«الانسجام القومى» و«التشابه السكانى» التى تحققت خلال تاريخ مصر الطويل، بفعل العوامل الجغرافية والمؤثرات النفسية، ومن شواهدها أن الأقباط والمسلمين يعيشون مختلطين فى القرى والمدن، وينتمون إلى نفس الطبقات الاجتماعية، ويمارسون ذات الأعمال الإنتاجية ويتجاورون فى مقاعد الدراسة والوظائف، ويجمعهم كثير من التقاليد والعادات الاجتماعية المشتركة. هذا إلى جانب اللغة والثقافة والتاريخ والكفاح المشترك، والمصالح والآمال القومية الواحدة، والإخاء والطيبة وكراهية العنف المتأصلة فى الشخصية المصرية، والتى حالت دون وقوع فتنة طائفية عنيفة واحدة كالتى حدثت فى الهند أو إنجلترا). غلاف الكتاب وعندما تحدث الكاتب عن مظاهر الوحدة السياسية، قال: (كان للأقباط والمسلمين مواقف موحدة فى كل مراحل الثورة وأعمالها، التى تراوحت من حيث الشدة واللين بين استخدام العنف واللجوء إلى أسلوب التفاوض، وكان رد الاحتلال أن رصاصه لم يفرق بين قبطى ومسلم، وأن أسوار معتقلاته ضمت الوطنيين من الطرفين، كما ورد فى محاضر أقسام الشرطة وسجلات المعتقلات وتقارير وزارة الداخلية. وقد زخرت الصحف والمذكرات والدراسات المختصة بالثورة بمظاهر الوحدة السياسية بين الأقباط والمسلمين، كالمظاهرات فى الشوارع والاجتماعات السياسية فى المساجد والكنائس التى كان يتصدرها رجال الدين من الطرفين، والتى أحالت الجوامع والكنائس إلى مراكز للثورة، يرفرف عليها شعاره: الهلال يحتضن الصليب، فقد أدرك الجميع أن الهلال والصليب ذراعان فى جسد واحد له قلب واحد هو مصر. وقد رحبت الصحف بتأليف «جمعية الوحدة الوطنية» التى كان هدفها تثبيت دعائم الوحدة بين الأقباط والمسلمين. وانتُخب لرئاستها الشاعر الشيخ محمود عبدالله القصرى وضمت مجموعة من خطباء مصر وأدبائها المعروفين من أبناء الأمة الواحدة. وتابعت الصحف نشاط الجمعية الذى تمثل فى إقامة الاحتفالات فى الأعياد المسيحية والإسلامية، والاحتجاج على اعتقال الطلبة الوطنيين، والاعتراض على من يخالف اتجاه الحركة الوطنية، وشكر كل من يعضدها. وعندما اقتحم الجنود الإنجليز الأزهر الشريف يوم 11 ديسمبر 1919 اعتبر الأقباط ذلك اعتداءً على كنائسهم، واحتجوا لدى السلطات وعلى صفحات الصحف. ولما أعلن المستر «تشرشل» وزير المستعمرات أن مصر جزء من الإمبراطوية البريطانية احتج الأقباط على ذلك. وإيمانًا من الأقباط بوحدة وادى النيل فقد احتجوا على محاكمة الضابط الوطنى «على عبداللطيف» فى السودان، وأعلنت صحيفة «النظام» أن «مرقص حنا»، نقيب المحامين، قرر السفر إلى السودان للدفاع عنه). وعندما تحدث الكاتب عن «الاندماج الاجتماعى» قال: (زخرت الصحف المعاصرة للثورة بمظاهر الإخاء والامتزاج الاجتماعى فى الأعياد الدينية الإسلامية والمسيحية، وفى مناسبات الميلاد والصيام والنشاط الاجتماعى والخيرى والمرض والوفاة. وتأتى أهمية هذه المظاهر من كثرة تكرارها ودوامها، وارتباطها بالعادات والتقاليد، كما أنها تعكس رغبة أكثر أصالة فى الامتزاج وتكوين الجماعة المصرية، وتؤكد أن ائتلاف أبناء الأمة الواحدة لم يكن أساسه الرد على السياسة الإنجليزية الرامية الى التفرقة فحسب- لأنه لم يقتصر على الناحية السياسية وحدها- بل امتد إلى الحياة الاجتماعية أيضًا. وعلى سبيل المثال، فقد اشترك المسلمون مع الأقباط فى الاحتفال بعيد رأس السنة القبطية «عيد النيروز». ورأت الصحف اعتباره عيدًا قوميًا عامًا، وطالبت الحكومة بجعله إجازة رسمية، ونشرت الخُطب التى ألقاها زعماء المسلمين والأقباط، وممثلو الوفد والحزب الوطنى، وأكدوا فيها قوة الوحدة الوطنية، وهكذا فعلت الصحف عند حلول الأعياد الدينية الإسلامية والمسيحية، وكانت تنشر تهانى أبناء كل طائفة للأخرى. ولما كان الاحتفال بالأعياد من مظاهر السعادة والسرور فقد امتنع الأقباط عن الاحتفال بأعيادهم، حُزنًا واحتجاجًا على نفى سعد زغلول وبعض زملائه، واعتقال الكثير من الوطنيين. ووجه المسلمون الشكر إلى الأقباط على مشاعرهم الوطنية. ولاشك أن إطلاق اسم زعيم قبطى على شخص مسلم من أكثر مظاهر الامتزاج الاجتماعى دوامًا، وهو ما روته صحيفة «النظام» عندما كتبت: رُزق حضرة كامل أفندى عثمان من أعيان أبوقرقاص المسلمين مولودًا ذكرًا أسماه «وليم مكرم»، تقديرًا لجهود الأستاذ وليم بك مكرم عبيد، وتمكينًا لأواصر الإخاء الوطنى. وكان الصيام فرصة طيبة لإظهار الإخاء والاندماج بين أبناء الأمة الواحدة. فكان الأقباط يزورون المسلمين فى شهر رمضان ويتبادلون معهم الخُطب الحماسية، وشاركت بعض التلميذات المسلمات أخواتهن القبطيات صيام يوم «الجمعة العظيمة». واشترك الطلبة المسلمون فى مدرسة طنطا الثانوية مع زملائهم الأقباط فى «الصوم الكبير» والذى مدته 55 يومًا، فلما حلَّ شهر رمضان شارك الأقباط المسلمين فى صوم رمضان. وتأكيدا لروح المحبة والسماحة الدينية كان الأقباط والمسلمون يشتركون فى بناء الجوامع والكنائس، والتبرع للجمعيات الخيرية التابعة لكل منهما على السواء). لقد حرص الاحتلال البريطانى على أن يصور مصر فى شكل مجموعات سُكانية متنوعة ومختلفة. وكان يبذل كل جهده لتفتيت القومية المصرية مُركزًا على الأقباط!!، باعتبارهم الأقلية الدينية الأساسية فى مصر، فإذا أمكن عن طريقها إقرار مبدأ الأقليات أمكن اصطناع أقليات أخرى كالعرب «البدو» والأوروبيين وغيرهم. فهب الأقباط يعلنون أنهم يرفضون الحماية البريطانية واعتبارهم أقلية، وأكدوا أنهم يفضلون الاندماج فى الأكثرية الإسلامية. وكان موقفهم هذا استمرارًا لمسار تاريخهم الذى يؤكد أن العقيدة الدينية لديهم اتحدت بالوطنية.. واعتبروا أن التنكر للوطنية كان يتضمن فى نفس اللحظة التنكر للكنيسة، ولقد أدى حرص الأقباط على عقيدتهم وإيمان كنيستهم إلى رفضهم كل دعوة للانضمام تحت أى لواء أجنبى دينى أو سياسى، وجعلهم أحد الأركان الوطيدة فى مقاومة السيطرة الاستعمارية الدخيلة. تلك هى صورة مصر الجميلة، التى عليها- وعلى مدى العصور- تتحطم كل المحاولات الخبيثة التى يشنها أعداء مصر، سواء بالخارج أو بالداخل. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2023-12-15
شعر الأقباط أن قبول واحد منهم، هو يوسف وهبة، تكليف الملك فؤاد يوم 21 نوفمبر 1919 بتشكيل الحكومة، والثورة مشتعلة منذ يوم 9 مارس 1919 هو لإيقاع الخلاف بين المسلمين والأقباط، وإثارة فتنة تقضى على وحدة الأمة، حسبما يذكر «عريان يوسف سعد» فى رسالة كتبها إلى الكاتب الصحفى مصطفى أمين ونشرها فى كتابه «الكتاب الممنوع، أسرار ثورة 1919»، مضيفا أنه على أثر ذلك قرر اغتيال «وهبة» كان «عريان» طالبا بالسنة الثانية بكلية الطب، وعمره 20 عاما فهو من مواليد 25 مايو 1899، فى قرية ميت محسن، القريبة من مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، وهو ابن يوسف سعد بك ناظر الوقف المسيحى فى «ميت غمر»، وترتيبه السادس بين إخوته، وتربى ونشأ فى ميت محسن ثم جاء إلى القاهرة لمواصلة تعليمه الثانوى فى المدرسة التوفيقية، ونتيجة تفوقه التحق بكلية الطب، ثم انضم إلى الجهاز السرى لثورة 1919. يذكر فى رسالته إلى مصطفى أمين أنه قال لزميله محمد حفنى عضو الجهاز السرى للثورة إنه مستعد لاغتيال «وهبة»، ونقل «حفنى» رغبته إلى قيادة الجهاز، وعاد ليقول له: إن هذه العملية ستقوم بها خلية أخرى، فرد عريان: «من مصلحة الثورة أن قبطيا هو الذى يقتل رئيس الوزراء القبطى، حتى لا تتكرر الفتنة التى حدثت بين المسلمين والأقباط بعد أن قام إبراهيم الوردانى باغتيال رئيس الوزراء القبطى بطرس غالى باشا يوم 20 فبراير 1910. وافق «الجهاز السرى» على وجهة نظر عريان يوسف، ويذكر: «أحضر الجهاز لى قنبلة يدوية سرقها من الجيش البريطانى، وأحضر غلاف قنبلة من صنع الجهاز، وطلبت قنبلتين، ولم يكن هناك جهاز للتدريب وقتها، وتولى محمد حفنى إطلاعى على كيفية استعمال القنبلة، ثم عاد فى يوم آخر وأخبرنى أن فرعا آخر فى الجهاز حصل على المعلومات عن مواعيد خروج رئيس الوزراء من داره، والشوارع التى يمر بها، وتم اختيار ميدان سليمان باشا - طلعت حرب الآن - لإلقاء القنبلة، وتحدد يوم 14 ديسمبر 1919 موعدا، وذهبت ولكن لم يحضر رئيس الوزراء». ذهب عريان يوسف فى اليوم التالى، 15 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1919 إلى نفس المكان الذى ذهب إليه فى اليوم السابق، ويتذكر: «جلست فى حديقة قهوة ريش، ومعى قنبلتان ومسدسان، أخفيتهما فى جيوب الجاكتة تحت المعطف، وجلس زميلى محمد حفنى الطالب بكلية الطب على مقعد رخامى يحيط بتمثال سليمان باشا، فى مواجهة شارع قصر النيل، وكانت الإشارة المتفق عليها عند ظهور السيارة أن يقف صاحبى على قدميه، وينصرف بدون إعطاء أى إشارة حتى لا يلفت النظر، ومن الطريف أن مخبرا سريا كان يجلس بجواره فى ذلك الوقت، وعندما قدمت السيارة، ورأيت الإشارة تقدمت إلى منتصف الشارع، وألقيت القنبلتين على رئيس الوزراء». تم القبض على «عريان» فى الحال، ويذكر: «أخذونى إلى مكتب رئيس الوزراء، وكان مضطربا، وجلس بجواره يحيى باشا إبراهيم وزير المعارف، ومحمود فخرى باشا محافظ القاهرة، وقال لى رئيس الوزراء: ليه يا شاطر بتعمل كده؟ قلت له: أنت خرجت على إجماع الأمة، لأن البطريرك طلب منك عدم تأليف الوزارة، وجاء لك وفد من الأقباط وطلب منك أن ترفض تأليف الوزارة، فرفضت مقابلته، وأرسلت لك برقيات من جميع الشعب ألا تؤلف الوزارة، وأنا أرسلت لك برقية باسم طلبة كلية الطب، ولكنك تحديت كل هؤلاء وألفت الوزارة». رد رئيس الوزراء: «كيف عرفت أننى لا أعمل لمصلحة البلد؟» فأجاب عريان: «قرأت فى الأهرام برقية من رويترز أن جريدة «التايمز» ذكرت أن الوزارة المصرية الجديدة ستعمل على تحقيق الأمانى البريطانية فى مصر، والأمانى البريطانية فى مصر ليست هى الأمانى المصرية»، قال يوسف وهبة باشا: «لوكنت أنا مت، ألم يكن غيرى سيؤلف الوزارة؟»، قال عريان: «كنا سنقتله، كما حاولنا قتلك، قال رئيس الوزراء: ما اسمك؟ قلت: عريان يوسف سعد، قبطى، قال: طيب اتفضل». أخذ البوليس سعد وبدأ التحقيق، ويذكر: «حاول المحققون أن يعرفوا شركائى، ولكنى رفضت أن أفتح فمى، وحكم على بالسجن عشر سنوات، وأفرج عنى سعد زغلول عام 1924 بعد توليه رئاسة الحكومة، وبعد الإفراج عنى، قابلت زميلى محمد حفنى، وإذا به سافر إلى ألمانيا وحصل على دبلوم الطب، وعين طبيبا فى الجيش المصرى برتبة ملازم أول، وقابلت شفيق منصر، حيث كان يجتمع جميع الفدائيين - أعضاء الجهاز السرى - بعد الإفراج عنهم، وقابلت محمد جلال الموظف بوزارة الزراعة، فروى لى أنه اشترك فى صناعة القنبلتين، وأن الدكتور أحمد ماهر رأى ألا توضع فى القنبلة الشحنة الكاملة من المفرقعات لأنه كان يرى عدم قتل رئيس الوزراء وإنما الاكتفاء بإرهابه». ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2022-02-14
تمر اليوم الذكرى الـ114 على انتخاب محمد فريد زعيمًا للحزب الوطني المصري خلفًا لمصطفى كامل، وهو سياسي وحقوقي مصري، أنفق ثروته في سبيل القضية المصرية. من أشهر ما كتب: "تاريخ الدولة العلية العثمانية". وكان للراحل مواقف وطنية عدة، إذ رفض مدة حق امتياز قناة السويس، ففى أوائل عام 1910 فكر المستشار المالى البريطانى، مستر بول هارفى، فى وسيلة يسد بها احتياجات الحكومة المصرية المالية، وتقدمت شركة القنال بطلب للحكومة المصرية لمدة امتياز شركة قناة السويس الذى ينتهى فى 17 نوفمبر 1968 وطلبت مد الامتياز لمدة 40 سنة أخرى تنتهى فى 2008، ووقفت الحكومة البريطانية وسلطة الاحتلال موقف المؤيد لمد الامتياز، ودخل مستر بول فى مفاوضات مع شركة قناة السويس لمد امتيازها 40 عاماً. مقابل 4 ملايين جنيه وجانب من الأرباح من 1921 إلى 1968، الأمر الذى وافقت عليه الشركة ودخلت بدورها فى مفاوضات مع بطرس باشا غالى، رئيس الحكومة، الذى قام برفع مذكرة للجمعية العمومية لمناقشتها، وجاءت الرغبة فى مد الامتياز بعدما بدأت الحركة الملاحية بالقناة تتضاعف حتى بلغت عام 1889 ضعف ما كانت عليه عام 1881. وتضاعفت مرة أخرى فى عام 1911 وكانت فترة مد الامتياز المقترح من أول يناير 1969 إلى 31 ديسمبر 2008 أن يقسم صافى الأرباح مناصفة بين الشركة والحكومة المصرية، وإذا كان صافى الأرباح أقل من 100 مليون فرنك، تحصل شركة قناة السويس على 50 مليون فرنك، ولا تنال الحكومة المصرية إلا ما تبقى. أما إذا كانت أرباح القناة أقل من 50 مليون فرنك، فتحصل الشركة على كامل الأرباح ولا تحصل الحكومة المصرية على أى شىء، غير أن الحركة الوطنية المصرية، بقيادة محمد فريد، قادت هجوما كاسحا على طلب المد، وألبت الرأى العام ضده، حتى أن إبراهيم الوردانى الذى قام باغتيال رئيس الوزراء بطرس غالى باشا سنة 1910 جاء بين اعترافاته أنه اغتاله لأكثر من سبب، ومنها سعيه لمد امتياز القناة. ومن جانبه قام الاقتصادى المصرى طلعت حرب بتأليف كتاب عن قناة السويس ليوضح الحقائق للعامة والخاصة عن تاريخ القناة، وكيف ضاعت حصص مصر من الأسهم والأرباح وخسائرها حتى 1909. وإزاء الضغط الشعبى كلفت الجمعية العمومية (مجلس الشعب) طلعت حرب باشا وسمير صبرى باشا بكتابة تقرير عن الموضوع، وبالفعل قدما تقريرهما للجمعية، موضحين فيه خسائر مصر المالية المتوقعة فى حالة تمديد الامتياز الحالى بالشروط السالف ذكرها. وكانت الجمعية العمومية قد حددت يوم 9 فبراير 1910 للاجتماع والنظر فى مشروع مد الامتياز، وكان سعد زغلول من أشد مؤيدى المشروع مع بطرس باشا غالى خلال مناقشة المشروع فى الجمعية العمومية، على الرغم من اعتراض العديد من الشخصيات السياسية المصرية، خاصة قيادات الحزب الوطنى بزعامة محمد فريد، الذى استطاع الحصول على نسخة من مشروع القانون، وقام بنشرها فى جريدة اللواء فى أكتوبر 1909، متضمنة شروط مد الامتياز، وثار الرأى العام المصرى ضد هذا المشروع، ما دفع الجمعية العمومية لرفض المشروع بأغلبية أعضائها ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الوطن
2019-08-11
نجح كل من «معهد بحوث الإنتاج الحيوانى»، التابع لمركز البحوث الزراعية، بالتعاون مع جامعة عين شمس، فى استخدام تكنولوجيا «النانو» على نطاق بحثى لزيادة إنتاجية اللحوم فى الطيور الداجنة، ومن بينها الدجاج والبط والإوز، وسط توقعات بقرب استخدامها على نطاق تجارى. وقال الدكتور إيهاب عبدالله، أستاذ الفسيولوجى بمعهد بحوث الإنتاج الحيوانى، الذى أشرف على رسالتَى دكتوراه مؤخراً فى هذا الصدد، ضمن إشراف مشترك بين المعهد، وأ.د. إبراهيم الوردانى، بجامعة عين شمس، إن إحدى الرسالتين تناقش حقن الأجنة أو البيض المخصب بـ«النانوسيلينيوم»، والأخرى تتناول حقن الأجنة بـ«النانو حديد». وتتلخص فكرة استخدام تكنولوجيا النانو فى إعادة ترتيب الذرات التى تتكون منها المادة الأم، حيث يتم تقسيم المادة وتصغيرها إلى أجزاء أصغر تقدر حجم الجسيمات النانوية فيها بـ «1 - 100» نانومتر، بينما يكون النانومتر واحداً من المليار من المتر، حيث تبدأ الحبيبات النانومترية فى إظهار خصائص غير متوقعة لم تكن معروفة من قبل وغير موجودة فى خصائص المادة الأم. وأشار «عبدالله» إلى أنه تم تطبيق التجربتين فى مزرعة معهد الإنتاج الحيوانى وجامعة عين شمس، حيث استمرا لما يتراوح بين 4 و6 شهور، بهدف رفع أداء الجهاز المناعى وتحسين الأداء الفسيولوجى للطيور، وهو ما يعنى زيادة الإنتاجية من اللحوم، والحصول على أوزان أكبر. وأشار أستاذ الفسيولوجى بمعهد الإنتاج الحيوانى إلى أن هناك طريقتين لإيصال عناصر النانو المخلوطة بالحديد والسيلينيوم للطيور، إحداهما بإضافتها للعلف، والأخرى بحقنها فى الأجنة أو البيض المخصب، وتم الاعتماد على الطريقة الأخيرة باعتبارها الأفضل، حيث يكون امتصاص هذه المواد فيها أعلى ويعطى نتائج جيدة فى النواحى الفسيولوجية، لافتاً إلى أن نفس التقنيات تستخدم فى الخارج فيما يتعلق باللحوم الحمراء. وأوضح أن علف الدواجن لا بد أن يحتوى على عناصر معدنية مثل «السيلينيوم» و«الحديد»، ولتحقيق الاستفادة من هذه العناصر بأقصى قدر، جرى تحويلهما فى الدراستين لصورة «نانو»، أى لأصغر وحدة ممكنة، أو نحو واحد من المليار من المتر، بحيث تحقق الهدف منها مباشرة وهو تحفيز نمو وتطور الأجنة، وزيادة معدل النمو فى الكتاكيت الناتجة بعد الفقس، وتحسين الكفاءة الإنتاجية والفسيولوجية والمناعية لـ«بدارى التسمين»، بشكل أعلى وأدق، وهو ما حدث بالفعل. وأشار إلى أن استخدام تكنولوجيا النانو لزيادة إنتاجية الطيور من اللحوم، هو اتجاه مستخدم فى الغرب والعالم منذ فترة، ولكنه جديد فى مصر، ومن المتوقع، بعد إجراء مزيد من الدراسات البحثية عليه، أن يتم تطبيقه والاستفادة منه على نطاق تجارى. وشدد «عبدالله» على أنه بالرغم من أنه ثبت نجاح التجربتين اللتين تم إجراؤهما، فإن تطبيق الفكرة على نطاق تجارى يحتاج لأكثر من دراسة، وأن يثبت نجاحها فى كل التجارب، للتأكد تماماً من أنه تم امتصاص هذه العناصر ولم يعد لها أثر باقى فى اللحوم والبيض، مثلما حدث فى الدراستين اللتين تم إجراؤهما، وذلك لتجنب أى آثار جانبية. وفى السياق نفسه، أكد الدكتور مجدى حسن، أستاذ رعاية الدواجن بمعهد بحوث الإنتاج الحيوانى، أن هذه التقنية تم استخدامها للمرة الأولى فى مصر، فى هاتين الدراستين على السلالات المحلية من الدواجن، والطيور المائية، مثل البط والإوز. وأوضح «حسن» أن هذه التقنية هى امتداد لنفس تقنية «النانو» التى اكتشفها العالم المصرى الراحل، الحائز على «نوبل» أحمد زويل، وهى عبارة عن مواد حاملة للمواد المضادة للأكسدة وتُشترى من معامل النانو فى مركز البحوث الزراعية أو المركز القومى للبحوث، وتُخلط على عناصر الحديد والنحاس والزنك، بنسب بسيطة جداً. وأكد «حسن» أن «النانو» يُعطى خواص أفضل للمادة، منها لو كانت منفصلة، حيث يجعلها أصغر فى الحجم، وبالتالى معدل امتصاصها سريعاً، بما يحسن وظائف الأعضاء، ويُزيل المواد الضارة التى تؤدى لتكوّن سموم أو تكسير الخلايا، ويمكن أن تؤدى لخلل فى وظائف الكلى أو الكبد لدى الطيور، بما يصب فى النهاية فى جعل الطيور تتناول كميات أقل من الطعام وفى نفس الوقت تُنتج أوزان لحوم أكبر. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الوطن
2023-03-11
قال الكاتب الصحفي والإعلامي عادل حمودة، إن الاغتيالات كانت مشهدًا متكررًا في الحياة السياسية المصرية قبل ثورة يوليو، ففي 20 فبراير 1910 تم اغتيال رئيس الوزراء بطرس غالي، وبداية من تلك الجريمة، بدأت الاغتيالات السياسية في مصر، إذ أطلق إبراهيم ناصف الورداني عضو الحزب الوطني 6 رصاصات على بطرس غالي أمام وزارة الحقانية أصابته منها رصاصتان فقتل، وحينها كان إبراهيم الورداني شابًا في الرابعة والعشرين من عمره، ودرس الصيدلة في سويسرا لمدة عامين، وسافر إلى إنجلترا ليقضي فيها عاما آخر حصل خلاله على شهادة في الكيمياء، وعاد إلى مصر عام 1909 ليعمل في الصيدلة. وأضاف «حمودة»، خلال تقديمه برنامج «واجه الحقيقة»، الذي يعرض على شاشة «القاهرة الإخبارية»، أنه عند القبض عليه بعد الحادث برر ما فعل بأن بطرس غالي خائن، وأكد أيضًا أنه غير نادم على ما فعله، وادعى أنه كان لديه أكثر من دافع لارتكاب الجريمة؛ منها رئاسته للمحكمة المخصوصة في حادث دنشواي، ثم توقيعه اتفاقية السودان في 19 يناير 1899 التي فرضت حكمًا ثنائيًا مصريا بريطانيا على السودان، وكذلك إعادة قانون المطبوعات الذي شدد الرقابة على حرية التعبير، وسعيه إلى مد امتياز قناة السويس. وتابع الكاتب الصحفي: «فيما بعد سألت الدكتور بطرس غالي الذي سمي على اسم جده عن رأيه فيما حدث قال أعترف بأن جدي أخطأ لكن ليس إلى حد اغتياله، المشكلة أن منفذ الجريمة تأثر بموجة الاغتيالات السياسية التي اجتاحت أوروبا وقت كان يدرس ويعيش فيها، كانت التصفيات السياسية موضة في أوروبا نقلها إبراهيم الورداني إلينا لتتكرر كثيرا فيما بعد». وواصل: «من يوليوس قيصر إلى أنور السادات، ومن حضارات قديمة إلى عصور حديثة، بدا أن طعنة واحدة يمكن أن تغير مسار التاريخ، ورصاصة واحدة يمكن أن تتلاعب بمصائر الشعوب، وحادثة واحدة يمكن أن تشعل حربا عالمية، لكن ذلك لا يحدث دائما في الجرائم السياسية، الغالبية العظمى من الجرائم السياسية تبقى النظم على ما هي عليه حتى لو أصابت حكامها، التغيير وهم يسيطر على مرتكبي الجريمة السياسية يستيقظون منه وحبل المشنقة يلتف حول أعناقهم وعن قرب يشاهد هزيمتهم رجال النظام الذين حاولوا إسقاطه». ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2013-03-26
فجر الشاهد الثانى تامر رضوان، شقيق الشهيد شريف، مفاجآت أثارت حالة من الغضب داخل جلسة سماع الشهود فى قضية قتل متظاهرى ثورة 25 يناير بالسويس، بأن نفى اتهام رجل الأعمال إبراهيم فرج ونجليه بالتسبب فى قتل نجله، وقال إن ضابط قسم شرطة السويس النقيب محمد عدلى طلب منه، وهو فى قسم الشرطة، ألا يتهم رجال الأمن بقتل نجله، وطلب منه أن يتهم رجل الأعمال إبراهيم فرج ونجليه بذلك، حتى لا يضيع حق نجله باتهام أطراف عديدين بقتله. وأوضح الشاهد، أنه شعر بالإكراه من قبل الشرطة والمحامين وما تردد بوسائل الإعلام، ولم يستطع أن يعارض توجيه الضابط له باتهام رجل الأعمال إبراهيم فرج، خلال تحرير المحضر داخل قسم الشرطة، وأن الضباط نفذوا له مطالب عديدة، بسبب مجاراته لهم فى اتهام فرج وحده دون الضباط، حيث قدموا له رخصة سلاح وتذاكر سفر إلى السعودية له ولوالدته. وأضاف الشاهد، أنه عدل عن اتهام فرج، وذكر الحقيقة بعد أداء فريضة الحج، وأنه عاد للحق ولم يكمل ما أراده الضباط بجعل رجل الأعمال "شماعة يعلقون عليها جرائمهم"، وقد أثار حديث الشاهد غضب زوجة أخيه الشهيد شريف رضوان، حيث صرخت واتهمته بالكذب لتبرئة إبراهيم فرج الذى كان يطلق النار على الأهالى فى الشارع. وعقب الشاهد مؤكداً أنه تعهد بقول كلمة الحق مهما غضب منها الناس، واتجه إلى مكتب مدير أمن السويس مع الحاج على الجنيدى والحج إبراهيم الوردانى، وطلب تحرير محضر بتعديل أقواله، لكنهم طلبوا من التزام الصمت وعدم ترديد ذلك الكلام بشكل عام، حتى لا يثير غضب أهالى الشهداء والمصابين. كما نفى الشاهد تورط ضباط قسم شرطة الأربعين فى قتل الثوار، واتهم ضباط قسم شرطة السويس وحدهم بقتل المتظاهرين، وأفراد الأمن المركزى، بقيادة اللواء أشرف عبد الله. وعقب خالد عمر، المحامى، على أقوال الشاهد، مرددا قول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"، ثم سأل الشاهد عن تناقض أقواله وتأكيده أنه شاهد المتهم إبراهيم فرج يطلق النار على المتظاهرين، فرد الشاهد بأن الأهالى والمحامين أكرهوه على ذلك. وطلب خالد من المحكمة توجيه تهمة الشهادة الزور، لعدول الشاهد عن أقواله ومناقضة أقوال كل من هانى شعبان محمد، هانى صلاح، محمد على، عبد المجيد السيد، حلمى درويش، فتحى محمد، محمد عبد المنعم عبد المطلب وآخرين، بأنهم أبصروا المتهم إبراهيم فرج يطلق الرصاص على المتظاهرين، فرد بأنه من حق أى شخص أن يتهم من يشاء، وعلى من لديه إثبات أن يقدمه. وهنا فجر خالد عمر المحامى مفاجأة أخرى أحرجت الشاهد، بأن قدم فلاشة عليها تسجيل للشاهد بتاريخ لاحق لعودته من الحج، يؤكد فيه اتهام إبراهيم فرج بإطلاق النار على المتظاهرين. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال: