مؤسسة الفكر العربى
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب نبيه البرجى، تناول فيه...
الشروق
Neutral2025-06-05
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب نبيه البرجى، تناول فيه الصراع العميق والمتشابك على مستقبل النظام العالمى، والذى يتجاوز حدود التنافس السياسى والعسكرى التقليدى، ليأخذ طابعًا وجوديًا وحضاريًا؛ حيث تتقاطع التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعى، والتاريخ، فى مشهد دولى تتخلله المخاوف من انفجارات كبرى ــ سياسية، نووية، أو فكرية ــ تعيد صياغة العالم من جديد.. نعرض من المقال ما يلى:المشكلة لم تعد فى الصراع حول إدارة العالم. الصراع هو حول إعادة تشكيل العالم. عالمة الحاسوب الأمريكية آيانا هيوارد تدعونا إلى أن ننتظر بتوجس لحظة الزلزال، أى الانتقال من العالم إلى ما بعد العالم، وربما إلى ما بعد البشرية.إذا إنهاء مهمة الدماغ البشرى بواسطة الدماغ البشرى. هنا جوهر الصراع بين الولايات المتحدة والصين. هيوارد لا تخفى هلعها من «ليلة التنين»؛ فى نظرها «أننا نعانى من نقص مروع فى الأساطير، وفى الآلام التى يصنعها التاريخ»؛ وإن كان الفيلسوف الأمريكى ليو شتراوس قد لاحظ «أن ما يجعلنا نختلف عن الآخرين هو أن منطقة اللاوعى فينا، لا تحتوى على أى أبواب مقفلة، بل هى مشرعة على كل أشكال الوعى».التوضيح يأتى من الحاخام شمولى بوتيك (بوطيخ) الذى ظل لثلاث سنوات يحتل المرتبة الأولى بين الخمسين حاخاما فى الولايات المتحدة الأكثر تأثيرًا. رأى فى وجه ترامب وجه يهوه. بعدما بدت ابنته إيفانكا التى اعتنقت اليهودية ديانة زوجها جاريد كوشنر، كما لو أنها تتجول بالكعب العالى فى رأسه، وإلا لماذا كل ذلك التماهى فى لوثة الدم بينه وبين بنيامين نتنياهو؟• • •منذ بزوغ القرن حذر بول كيندى مؤلف كتاب «صعود وهبوط القوى العظمى» الرئيس جورج دبليو بوش من أن التزلج على الرمال فى الشرق الأوسط، هو كما التزلج على النيران. الرئيس الثالث والأربعون طرح، وبإيعاز من نائبه ديك تشينى، مشروع الشرق الأوسط الكبير. الخطوة الأولى لتنفيذ المشروع بدأت بغزو أفغانستان ليستعيد العديد من كبار الجنرالات قول الجنرال وليم ويستمورلند الذى شارك فى الحرب الفيتنامية «لكأنها رقصة الروك أند رول على أرصفة جهنم». الجنرال ديفيد بترايوس سأل من مدينة جلال أباد الأفغانية: »ألا يذكر الكتاب المقدس شيئا عما بعد جهنم؟».بنيامين نتنياهو، باللغة الدونكيشوتية إياها، قال بتغيير الشرق الأوسط. السفير الأمريكى مايك هاكابى عقب على ذلك إيديولوجيا «التغيير بأبعاد توراتية». هنا ليس إعادة تركيب الخرائط فقط، بل إعادة صوغ الشخصية التاريخية، والشخصية الفلسفية للمنطقة. هذا ما حذر منه الفيلسوف اليهودى الأمريكى نورمان فالكنشتاين مستغربًا «أن يخرج الفوهرر الآخر من الكتاب المقدس»، لا من موسيقى ريتشارد فاجنر أو من فلسفة فريدريك نيتشه، كما هى حال أدولف هتلر.صاحب «كيف صنع اليهود الهولوكوست؟» يرى أن السياسات الدموية لبنيامين نتنياهو تعنى شيئًا واحدًا، تحويل «أرض الميعاد إلى أوشفيتز أخرى»، سائلًا ما إذا كان الحاخامات يقرءون التوراة بعيون القردة، تماما كما كان يقول الفيلسوف اليهودى الهولندى باروخ سبينوزا فى القرن السابع عشر.• • •حتما نتنياهو لا يفهم ما هو الشرق الأوسط. وكنا قد استعدنا قول الجنرال ديفيد بترايوس لدى الخروج الفضائحى من أفغانستان إنه الخروج من «استراتيجية المستنقعات»، وهى الاستراتيجية التى أنتهجها بعض الرؤساء الأمريكيين، لا بخيال الأباطرة، وإنما بخيال الأفاعى. من هنا تحذيره من أى انزلاق نحو الحرب فى الشرق الأوسط، لأن ذلك يعنى السقوط فى فوهة البركان. دانيال شابيرو، السفير السابق فى تل أبيب، يعلق ساخرا «فى هذه الحال قد يقفل ترامب منتجعه الفاخر على ضفاف الكاريبى أو يحوله إلى مصحة للأمراض العقلية». اثنان داخل المتاهة: أحدهما غرق فى أوديسة الدم، ولا مجال البتة لكى يغسل يديْه. والثانى بسعيه إلى «إعادة أمريكا العظمى»، إنما يصنع «الصين العظمى». هكذا التشكيك فى قدرة أمريكا على قيادة العالم. كذلك التشكيك فى خلاص إسرائيل من تداعيات الإبادة الممنهجة للفلسطينيين.لكننا الآن أمام الذكاء الاصطناعى. كبار الباحثين المختصين فى هذا المجال يطرحون أسئلة مروعة (ربما شديدة الواقعية). ماذا إذا ما تمكن الصينيون من اختراق رأس دونالد ترامب؟ أو ماذا لو تمكن الأمريكيون من إزالة سور الصين العظيم؟ هذه أقل الأسئلة تعقيدًا وأدناها هولًا. العالم الكندى جوفرى هينتون دعا قادة الدول التى دخلت فى عالم ما بعد التكنولوجيا إلى وقف أى إيقاع جنونى للذكاء الاصطناعى، مثلما أوقفوا الإيقاع الجنونى للاستنساخ الذى بلغ حده الأقصى باستنساخ النعجة دوللى، تفاديا للحظة التى تفضى إلى خراب البشرية، بل وإلى خراب الحياة نفسها. • • •هينتون يرى ضرورة عقد قمة لوضع ميثاق دولى يحدد نطاق عمل الذكاء الاصطناعى، كما يكرس «الآليات الفلسفية والعملية والأخلاقية» للحيلولة دون انفجار فوضى قد تفضى إلى انفجار الكرة الأرضية. وهو ينطلق فى موقفه هذا من كون الأمريكيين والصينيين الذين لا بد أنهم بدأوا بطريقة أو بأخرى الصراع حول إدارة القرن، والقرون المقبلة، يولون الذكاء الاصطناعى أولوية قصوى، حتى فى الجانب العسكرى من ذلك الصراع. النتيجة أى من هاتين القوتين ستتفوق على الأخرى فى هلاك البشرية؟ما يبعث على الذعر هنا أن الإسرائيليين ممن تتحكم برءوسهم تلك الأيديولوجيا المجنونة فى صناعة السياسات، باتوا يعتبرون أن بقاءهم فى المنطقة لم يعد يعتمد على الترسانة النووية فحسب (أى على ثقافة الاجتثاث). الذكاء الاصطناعى يمكن أن يأتى بنتائج مذهلة على الأرض. غزة تبدو المثال الصارخ على إلى أين يمكن أن تصل الهمجية بمن يعتبرون أن يهوه اختصهم بذلك النوع من العبقرية التى لا تعرفها الجماعات الأخرى (إسحق دويتشر فى كتابه «اليهودى واللا يهودى»).• • •من سنوات طويلة قال البريطانى ديزموند ستيوارت «من يكتب عن الشرق الأوسط كمن يكتب على بوابة الغيب». الآن نحن أمام واقع يتعدى الواقع. الكل فى حالة هذيان.. بارانويا القرن؟ أمريكا، إسرائيل، إيران، تركيا (وماذا عن روسيا والصين؟) وإن لاحظ رئيس الوزراء الفرنسى السابق دومينيك دو فيبلبان «حين يكون هناك رجل مثل دونالد ترامب على رأس الكرة الأرضية، لا بد من أن تدخل البشرية فى المتاهة». ثمة دول عربية تحاول بصعوبة إعادة المنطقة إلى حالة الوعى، وعدم البقاء فى اللاوعى. خوف من تلك الغيوم الملبدة التى تشبه تلك «الليلة الليلاء» التى انتهتْ باندلاع الحرب العالمية الثانية.إبان الحرب على لبنان، اشتكى كثيرون من إيران «التى خذلتنا»، باعتبار أن لعبة المصالح هى لعبة المصالح. المعلومات تؤكد أن القيادة الإيرانية التى كانت وراء تفجير «حرب الإسناد»، ولأغراض تكتيكية، حالت دون ضرب المنشآت الحيوية الإسرائيلية، وبطبيعة الحال القواعد الجوية، وصولا إلى مفاعل ديمونا فى النقب، بعدما نقلت جهات أوروبية رفيعة المستوى رسالة شديدة الوضوح إلى آيات الله عنوانها: «إذا أردتم أن تبقى رءوسكم فى مكانها».. فالمسألة هنا لا تتعلق بضربة نووية واحدة، وإنما بسلسلة من الضربات التى تعيد إيران إلى ما قبل التاريخ. آنذاك سأل المعلق الأمريكى من أصل هندى فريد زكريا، ما إذا كان هدف رئيس الحكومة الإسرائيلية تغيير الشرق الأوسط أم إزالة الشرق الأوسط؟• • •هل حقا إن دونالد ترامب، الذى لطالما وصف بالرئيس الأكثر نرجسية والأكثر جنونا فى التاريخ الأمريكى، يتعامل بعقلانية مع الشرق الأوسط؟ الرئيس الأمريكى يعلم بدقة كيف تلعب القنبلة النووية وبخلفية توراتية فى رأس نتنياهو. لا شك أنه يستخدمه لأغراض تكتيكية أو استراتيجية، ويتماهى معه فى الكثير من الحالات؛ ولكن بعيدًا من الحالة النووية، وإن كان قد انتزع منه الملف الإيرانى؛ وغداة الصاروخ اليمنى على مطار بن جوريون، عقد تسوية مع الحوثيين من دون إبلاغه مسبقًا، المفاوضات الأمريكية ــ الإيرانية شغالة. كل نقاط القوة وكل نقاط الضعف على الطاولة. ما يصدر فى التعليقات الأمريكية أن الإيرانيين الذين فقدوا كل أوراقهم الجيوسياسية، وإلى حد الانكفاء الكلى عن ضفاف المتوسط، وهو الحلم الإمبراطورى القديم، يمكن أن يذهبوا بعيدًا فى التفاهم مع ستيفن ويتكوف بعدما أكد لهم أنه يدخل إلى ردهة المفاوضات برأسه الأمريكى، لا بأى رأس آخر.فى التعليقات إياها «نقطة التقاطع بين الضياع الأمريكى والضياع الإيرانى فى الشرق الأوسط» إلى حد الحديث عن انقلاب براجماتى فى العقل السياسى الإيرانى. سفير إيرانى قال لنا إن العلاقات بين الرياض وطهران «تمضى بإيقاع رائع». هل هو الشرق الأوسط الجديد، ولكن برؤية جديدة بعيدة من أثقال التاريخ ومن أثقال الإيديولوجيا؟ لا تزال هناك غيوم كثيرة فى الأفق، ولا بد من تبديدها كى نبقى فى إطار إنقاذ ما يمكن إنقاذه. لقد مللنا من الأحداث المكفهرة والوجوه المكفهرة. الكثير يقال الآن عن أن الدخان الأبيض لا يتصاعد من مدخنة كنيسة سيستين فى الفاتيكان فقط. ثمة مكان آخر إذا ما تصاعد منه الدخان الأبيض، نكون أمام مشهد شرق أوسطى آخر. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
Very Positive2025-05-28
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالًا للكاتب محمود عزت عبد الحافظ عن الرياضات والألعاب الإلكترونية حيث شهدت، فى السنوات الأخيرة، تحولًا جذريًا من مجرد ترفيه رقمى إلى صناعة عالمية مزدهرة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية متشابكة، فقد أصبحت أحد محركات النمو فى الاقتصاد الرقمى، ومصدرًا مهمًا للفرص الوظيفية، والاستثمارات، والابتكار التكنولوجى، وإلى جانب دورها الاقتصادى المتنامى، تؤدى الرياضات الإلكترونية أيضًا دورًا اجتماعيًا بارزًا من خلال تعزيز التواصل بين الثقافات، وبناء المجتمعات الرقمية، وتوفير منصات للشباب لتطوير مهاراتهم وتحقيق طموحاتهم. هذا التطور المتسارع يشير إلى مستقبل واعد تُواصل فيه الرياضات الإلكترونية رسم ملامح جديدة لعالم الترفيه والعمل والعلاقات الاجتماعية.. ونعرض من المقال ما يلى: شهد فضاء الرياضات والألعاب الإلكترونية حراكًا مطردًا فى السنوات القليلة الماضية، وظهر كأحد القطاعات الاقتصادية الجديدة فى النظام الاقتصادى العالمى، وكمحرك مهم للنمو الاقتصادى بعد الوتيرة السريعة لانتشار هذا الشأن وتعاظم الإيرادات والعوائد الخاصة به، ما حوله إلى إحدى ركائز التنمية الاقتصادية فى العديد من الدول.وشهدت الفترة الأخيرة معارك رقمية تنافسية وربحية، مثلها تمامًا مثل الألعاب الرياضية التقليدية، فالرياضات الإلكترونية، أو الألعاب الإلكترونية، يشارك فيها الأفراد سواء أكانوا لاعبين أم مشجعين من مختلف أنحاء العالم، وقد شهدت صناعة الرياضات الإلكترونية أيضًا نموًا هائلًا فى الإيرادات، مدفوعًا فى المقام الأول بحقوق الوسائط والإعلانات والرعاية ومبيعات البضائع. على سبيل المثال: قدر مجموع جوائز بطولة Fortnite World Cup فى العام 2019 بـ 30 مليون دولار، ما يدل على المخاطر المالية الكبيرة المعنية.وإلى جانب اللاعبين والفرق، يشمل فضاء الرياضات الإلكترونية مطورى تلك الألعاب ومنظمى الفعاليات ومنصات البث المباشر وشركات تصنيع الأجهزة المختصة، وإدارة الدوريات، وبيع العناصر داخل اللعبة، ما يؤدى إلى إنشاء نموذج أعمال شامل.وعلى عكس الرياضات التقليدية، تتجاوز الرياضات الإلكترونية الحدود الجغرافية، ما يسمح بقاعدة عالمية من المشاركين والمشاهدين تنافس الأحداث الرياضية التقليدية، بما يظهر جاذبيتها العالمية. كما أن للرياضات الإلكترونية دورًا فى تعزيز الثقافة المجتمعية، وذلك يتجلى فى تفاعل المعجبين من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، ومواقع المعجبين، والفعاليات المباشرة. الأمر الذى أدى إلى ظهور موجة جديدة من المشاهير، هم اللاعبون المحترفون، الذين يمكنهم جمع مشجعين ومحبين لها مثل مشجعى نجوم الرياضة التقليدية ومحبيها.الدور الاقتصادىلم يكن أحد يتوقع أن تسهم الرياضات الإلكترونية فى دعم الاقتصادات المختلفة، فبعدما اعترف العالم بأهمية الألعاب الإلكترونية التى تغير اسمها حتى أصبحت «الرياضات الإلكترونية»، بات الأثر الاقتصادى لها واضحًا على مختلف المستويات، الاجتماعية والثقافية. فقد ولد مجال صناعة الألعاب فرص عمل عديدة، فأصبحت صناعة المحتوى مثلًا مسارًا مهنيًا كاملًا مع ملايين الأشخاص الذين يحاولون الدخول فى مجال بث الألعاب. أصبح هنالك مسارات تعليمية كاملة تعلم الطلاب تصميم الألعاب وتطويرها. كما توسعت لتطال ميدان الرياضات الإلكترونية الاحترافى، ومن أمثلتها: مدير الفريق والمدرب، محلل البيانات، منظم الأحداث، المعلقون، المصورون، كتاب المحتوى الإلكترونى، مسئولو وسائل التواصل، المهندسون والمبرمجون.وتسهم صناعة الرياضات الإلكترونية فى عملية النمو الاقتصادى بطرق عديدة، سواء من خلال عوائد المبيعات المباشرة أم من خلال تشجيع عملية الابتكار والتطوير التكنولوجى وتنمية البنية التحتية للخدمات المقدمة عبر شبكة الإنترنت، وتحفيز القطاعات الأخرى المرتبطة بها مثل قطاع الإعلام المرتبط بشكل كبير بصناعة الترفيه.إن الرياضات الإلكترونية تنمو كصناعة بشكل أكبر من أى قطاع آخر من قطاعات الترفيه، فهى صناعة تتميز بقدر كبير من الحركية والتطوير فى إطار بيئة رقمية حاضنة لهذ النمو، ولاسيما بعد الدور الذى اضطلعت به المنصات الجديدة للهواتف المحمولة فى مجال الإنترنت والتطبيقات المختلفة فى مجال صناعة الألعاب، ويرجع النمو المتسارع فى هذا القطاع إلى عوامل عدة: منها النمو السريع فى حجم المستهلكين، والنمو السريع فى حجم مستخدمى الإنترنت والهواتف الذكية، وقد أدى ارتفاع إيرادات الرياضات الإلكترونية إلى تعزيز الاستثمارات الخاصة بهذا الفضاء الشاسع، علاوةً على التوسع الجغرافى لأسواق الألعاب والأحداث الرياضية الإلكترونية، ولاسيما فى منطقتى المشرق العربى والخليج العربى واستطرادًا عبر آسيا. كما سنجد حرص بعض الدول على تعزيز الاستثمارات العامة الموجهة لهذا القطاع، بهدف تحقيق النمو الاقتصادى وتحفيز قطاعات أخرى مثل الإعلام وقطاع تكنولوجيا المعلومات وقطاع السياحة، ولاسيما السياحة الرياضية والشركات العاملة فى تلك القطاعات.التأثير الاجتماعىللتعمق فى فهم تأثير الرياضات الإلكترونية على المجتمعات، علينا إلقاء الضوء على بعض النقاط، مثل: قدرة الرياضات الإلكترونية على تجاوز الحدود الجغرافية، والتواصل بين الشعوب فى مختلف أنحاء العالم، وذلك من خلال المنصات المباشرة ومواقع التواصل الاجتماعى، بغض النظر عن المكان الجغرافى، وقد أدى هذا التفاعل إلى مزيد من الحوار بين الثقافات وإلى تعزيز عملية التواصل الإنسانى.أدت الرياضات الإلكترونية إلى تقوية مفاهيم اجتماعية مثل: الدعم والتضامن مع الفرق واللاعبين والانتماء، والجماعية والعمل الجماعى.تعزيز مهارات التعاون والاتصال، والتفاهم المتبادل والاحترام بين الأفراد، توفير فرص أمام الشباب للتعلم وتطوير مهاراتهم، ما أدى إلى تحفيز الشباب ومساعدتهم على تحقيق أهدافهم وتوجيه طموحاتهم نحو مسارات إيجابية ومفيدة.إذًا، يمكننا القول إن الرياضات الإلكترونية هى بمثابة ظاهرة اجتماعية متسارعة تجمع بين الأفراد وتعزز التواصل والتضامن، بفضل قدرتها على تجاوز الحدود الجغرافية وتوحيد الناس، هذا فضلًا عن إسهامها فى تعزيز الحوار بين مختلف الثقافات والتشجيع على تعزيز التضامن، بحيث تعتبر هذه الظاهرة الاجتماعية نقطة تحول فى تطوير مجتمعاتنا والعلاقات الاجتماعية فيها، ناهيك بالدور الذى تضطلع به على مستوى تغيير مشهد الترفيه العالمى والجمع بين الأجيال ونشر قيم التعاون والتضامن على الصعيدين الشخصى والاجتماعى، فمن المتوقع أن تستمر الرياضات الإلكترونية فى النمو والتطور، مما يزيد من تأثيرها على مجتمعاتنا.مستقبل الرياضات الرقميةتتطور ساحة الرياضة الرقمية على نحو سريع ومتزايد، ولا يقتصر الأمر على الألعاب فقط، بل يتعلق أيضًا بالبيئة كاملةً، وهذا التطور سيشمل عناصر المنظومة كافة مثل المرافق والساحات والمعدات والتكنولوجيا المرتبطة بتلك الرياضات والألعاب وما تتطلبه من حوسبة عالية الأداء وشبكات ذات زمن وصول منخفض، كذلك عنصر التدريب والتطوير، وما قد يؤدى إلى إنشاء مراكز تدريب تشبه المنشآت الرياضية، وكذلك مجالات الرعاية وعمليات الشراء.ووفقًا لشبكة Newzoo فإنه لمن المتوقع أن يصل حجم سوق صناعة الألعاب الإلكترونية إلى نحو 300 مليار دولار فى العام 2025، وذلك فى ظل النمو المتزايد للأرباح، ولأن كان التأثير السلبى لجائحة كورونا على واقع الرياضات الإلكترونية ملحوظًا، فإن السنوات التى تلت الجائحة كانت فى مصلحة الرياضات الإلكترونية، إذ وصلت أرباح الرياضات الإلكترونية إلى حدود 1136.5 مليون دولار فى العام 2021 ومن ثم ارتفعت إلى 1384 مليون دولار فى العام 2022، ومن المتوقع أن تصل هذه العائدات فى العام 2025 إلى 1866.2 مليون دولار، كما تتوقع Newzoo أن تولد الصين فى المستقبل القريب أكثر من ثلث عائدات الرياضات الإلكترونية حول العالم. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-04-30
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالًا للكاتب سفيان البرّاق، تناول فيه مميزات وعيوب ظهور تقنية الكتاب الصوتى مقابل الكتاب الورقى.. نعرض من المقال ما يلى:الملاحظ فى هذا الزمن هو أن التقنيات والتطور التكنولوجى قد تفشى ومس مختلف مناحى الحياة، وما ترك مجالًا إلا واحتله وأثر فيه، وذلك يظهر بجلاء كبير من خلال انتشار كتب تنعت بالكتب الصوتية التى غزت حياتنا، وقلبت معنى القراءة، وغيرت معالم هذه العادة بعدما أضحى الإنسان يسمع كتابًا من دون أن يتجشم عبء التنقل إلى المكتبة مضيعًا كومة من المشاعر المتمخضة عن النبش عن كتاب نادر فى وسط الآلاف من الكتب، مفوتًا عليه ضخ الانتعاش فى نياط قلبه جراء شم رائحة الأوراق البالية. كما أنه لم يفلح فى اكتشاف لذة تدوين الهوامش والتعليقات فى حواشى الكتب، والتسطير على العبارات التى تلامس أوتار قلبه، وقد تخدم فكرة يعمل على توضيحها، فضلًا عن أن مطالعة الكتاب الورقى تقتضى التركيز، وتحث النفس على التفاعل مع ما يقرأه المطالع.قد يتقدم منافح عن هذه التحولات التى بات يرزح تحتها الإنسان المعاصر، ويزعم أن الإنسان يجب أن يكون مواكبًا للتبدلات التى طرأت على دنيانا، وألا يكون بمنأى عن الواقع، وما ينضح به. وهذا زعم معقول. لكن النزوع إلى الكتب الصوتية هو نتاج للتسارع الذى أضحى يلف الزمن فى هذا العصر؛ إذ إن الإنسان لا يجد وقتًا ليقرأ الكتاب الورقى وهو الذى لا يعود إلى بيته إلا مساء بعدما هد التعب بدنه، وارتجت نفسه من تعاسة الروتين، وقلقل الجوع كبده، وهو ما يدفعه إلى سماع هذه الكتب وهو على متن السيارة مشتت الانتباه فى ظل ازدحام خانق، أو وهو يتبضع ويتخير ما تشتهيه نفسه من أشياء قابلة للاستهلاك فى ظل ضوضاء تغمر مراكز التسوق التى تبعث على التوتر فى النفس وتدحر الروية، أو يسمعه حينما يكون فى صالة الرياضة يسعى جاهدًا إلى محاربة البدانة وتبديد الطاقة السلبية التى تراكمت جراء تكالب المشاعر السيئة على نفسيته من إنهاك وتوتر وتفكير زائد فى تفاصيل حياته اليومية: مصاريف الاستهلاك، قروض البنك، التفكير فى تغيير الأثاث والسفر... إلخ. وحاصل القول إن القراءة فعل يحتاج إلى صفاء الذهن، ويقتضى راحة تعم القلب، ويتطلب شغفًا استثنائيًا للتسكع بين ردهات الكتب، من دون أن توجد ملاهٍ قد تذهب العقل، وتشوش على التركيز والتروى الضروريين فى أثناء ممارسة هذه العادة.• • •لقد شوهت التقنية هذه العادة النبيلة، وزجت بالكتاب الورقى فى دواليب النسيان والإهمال. والأدهى من كل هذا هو أن الإنسان لم يستغل وفرة التكنولوجيا ليقوى علاقته بالقراءة، ويعزز صلته بها، بل نحا منحى آخر يتجلى فى الجنوح إلى الأشياء السهلة، المتاحة، المتوافرة لدى مختلف الناس بدعوى استغلال نتائج التقنية.ولعل ما نتج عن ذلك هو أن الإنسان صار فاقدًا للمقدرة على التركيز، وبالتالى أضحى العقل عنده مكبلًا، عاجزًا عن التفكير المتريث، بل ميالًا إلى التفاصيل السطحية التى لا ترغمه على رفع منسوب التركيز والتفكير المتمهل. لذا لا انذهال حينما نسمع أن الناس باتت تجنح صوب الكتب الصوتية أو تلاخيص الكتب عبر «كبسولات» جوفاء، وفى غاية الاقتضاب، التى اجتاحت «السوشيال ميديا»؛ لأن الكائن البشرى صار الآن متولعًا، مفتونًا بالأشياء المختصرة، المختزلة.ولعل ما يلاحظ هو أن طاقة الجلوس ومسك الكتاب والقراءة بتريث، وتلافى كل ما قد يغتال التركيز، وإعمال النظر فى كل فكرة يتلقاها مستعينًا بالبصيرة، لا مكتفيا بالبصر وحده، وأن يكون دائبًا على أمور رئيسة: التأنى فى القراءة، دحر الملاهى، ضرورة الانعزال، استدعاء قدر عالٍ من الانتباه، الشك فيما يقرأ، مرورًا بالتفكير فى مضامين الكتاب جديًا وتحليلها، وصولًا إلى نقدها، وهى خواص باتت مفقودة فى هذا الزمن الضنين على عادة القراءة؛ حيث صارت فيه وسائل القراءة كثيرة ومريحة، بينما تضاءل المهتمون بها، غير أن طائفة ممن سكنهم شغفها هم من صنعوا الاستثناء وظلوا أوفياء لها وحرسوها من البوار.• • •قد لا يختلف اثنان حول أن تجربة الحداثة الغربية هى تجربة انضوت على جملة من المحاسن التى استفاد منها الكائن البشرى، وسهلت حياته، وجعلتها يسيرة. وهذا مستحب ومرغوب فيه، غير أن هذه المحاسن لا يمكن أن تخدعنا وتجعلنا غافلين عن المساوئ التى رافقت تجربة الحداثة بعد الاكتشافات العلمية اللماحة خلال القرن السادس عشر، وأعقبتها ثورة هائلة فى التصنيع والإنتاج خلال القرن التاسع عشر، وما لبثت هذه الثورة الصناعية أن تحولت خلال القرن العشرين إلى ثورة باعثة على الانذهال فى إنتاج الوسائل والتقنيات المتطورة التى امتلكها الإنسان وسعى إلى توظيفها، لتغزو حياته، وتجعل اليد شبه معطلة وخارج الخدمة، وأخذت تزحف تدريجيًا حتى وصلت إلى مرحلة تحاول فيها شطب الكتاب الورقى؛ حيث تفشت، منذ سنوات، الكتب الإلكترونية وأخذت تنتشر مخلفة سجالا بين الولعين بالكتاب الورقى وبين المتبرمين من هذا الأخير، الذين رأوا فيه عبئا لا يحتمل؛ ذلك أن الإنسان صار بإمكانه اقتناء لوحة إلكترونية ليبدأ فى التنقل بأريحية تامة بين الكتب التراثية الضخمة المكونة من مجلدات ثقيلة. بيد أنى أعتقد اعتقادًا راسخًا، وفى غاية الجدية، أن المتعة التى يجدها الإنسان فى تصفح الكتاب الورقى غير قابلة للمقايضة فى كل الأحوال والظروف.بعد هذا السجال ظهرت الكتب الصوتية الخالية من الإمتاع والمؤانسة؛ حيث يشرع إنسان نصب نفسه قارئا فى نقل صفحات عديدة من الكتاب صوتيًا بلا أى شعور ينبئ بتأثره بالحدث أو بتفاعله مع القضية، بل الأنكى أنه ينقل النص بلا أى شعور إنسانى قد يؤثر فى المستمع. وهذه المهمة يمكن للآلة أن تتولاها فى ظل هذه الثورة المربكة التى بات يعيشها العالم منذ اكتشاف تطبيقات الذكاء الاصطناعى التى غيرت جملة من المعانى التى كانت تسرى فى العالم من ذى قبل مثل معنى الإبداع؛ حيث صار برنامج من هذه البرامج يشيد نصوصا أدبية باذخة من دون أى نفس إنسانى، بل الأدهى هو أن الإنسان حينما يقرأه قد لا يلحظ تباينات عديدة مع نص كتبه إنسان ما.• • •إن الكتاب الصوتى هو تجلٍ واضح للأزمة التى لفت الإنسان المعاصر؛ الفاقد للصبر والقدرة على التحمل، المعجب بالإيجاز الشديد، المحب للأشياء البديهية والمألوفة، المفتون بوسائل الراحة، المغرم بوضعيات الكسل والخمول، المتبرم من التفاصيل المعقدة التى تستفز ذهنه وترغمه على روية التفكير، وقد ينجم عن ذلك تعب العقل، وهو ما صار يتفاداه. علاوة على أنه غدا هاربا من كل نشاط يستوجب قدرا من الجهد واستعمال جل جوارحه؛ لذا فإنه أضحى يفضل سماع كتاب من دون أن يكلف نفسه عناء القراءة واستحضار التركيز واستدعاء البصيرة. جدير بالذكر هنا أن الإنسان المعاصر بات لا يتحمل المسئولية كاملة فى هذه الأزمة؛ إذ إن التقنية حينما ذاعت وانبسطت وغمرت حياته لم يجد سبيلًا ناجعًا أو طريقة محكمة للتعامل معها باعتدال ويتحكم فيها؛ وذلك ما أدى إلى خنقه وجعله لعبة مطاطية فى يدها تشكله وتسيره وتصيره كيفما تبتغى، ومن دون أن يبدى منافحة تذكر أمام كل ذلك. فصار يعيش حياة لم يختلقها هو، بل فرضت عليه. وصار يسمع الكتاب الصوتى ليوهم نفسه بأنه «قارئ» له وشائج بالكتب. غير أن القراءة أعمق من أن تختزل فى كتاب صوتى تسمعه. صحيح أن «الأذن تعشق قبل العين أحيانًا»، كما قال بشار بن برد، بخاصة إذا تعلق الأمر إما بإنسان ضرير عوض عينيه بأذنه، أو بالموسيقى، وكل ما يلطف النفس ويهذب طباع المرء، إلا أن ذلك لا يستقيم إطلاقا فى عالم القراءة. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-04-26
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب اللبنانى محمد غبريس، تناول فيه الصعوبات التى يمر بها المثقف العربى اليوم، داعيا الفئات المثقفة والحكومات إلى ترك تبادل الاتهامات بمن المتسبب فى هذا الواقع، والبدء فى العمل المشترك... نعرض من المقال ما يلى:يصطدم المثقف العربى اليوم بجدار من المتغيرات الاجتماعية والثقافية والحياتية التى تعصف بالواقع من كل جوانبه منذ سنوات عدة، إن لم يكن منذ عقود، ويواجه تحديات كبيرة ومتشعبة، والكثير من العوائق التى تعترض طريق النهضة والتقدم، إضافة إلى أشكال مختلفة من المشكلات والإحباطات والظروف الصعبة التى تحول دون إيجاد أى حلول، أو بوابات للخروج من النفق المظلم.لذلك يسارع المثقف العربى بين الحين والآخر للجوء إلى التغنى بأمجاد الماضى وكنوز التراث، ويستذكر إنجازات العرب وإسهامات العلماء فى الحضارة الإنسانية، فيما يعود إلى المحطات المشرقة فى التاريخ العربى، فى محاولة لرفع الأنقاض عن الطرق التى تفضى إلى الحقيقة، وتخفيف وطأة الواقع الصعب، والتشبث بالهوية والتراث كبديل للإجابة عن الأسئلة الشائكة التى تدور حول القضايا والأحداث الراهنة. من هنا نشهد تأثير الصراع المتواصل بين موقفين: الأول يريد القطيعة مع الماضى، والثانى لا يزال متمسكا بالإرث الماضوى والحضارى كمنطلق لاستعادة دور الأمة ومكانة العرب ومنجزاتهم التاريخية والحضارية. وقد شكل هذا الصراع سدا منيعا حول استكمال المشروع الفكرى الذى انطلق فى بدايات القرن الفائت، وحقق نقلة مهمة فى إيقاظ الوعى وتحرير العقل بعد قرون من التهميش والسبات.لكن هذا المثقف الذى قاد حركة النهضة العربية، تراجع دوره لحساب قطاعات أخرى فى المجتمع، وتحول من شريك أساسى فى عملية الوعى والتغيير إلى بديل عن الحزب السياسى، الأمر الذى أدى إلى المزيد من الخيبات والانكسارات، وقد تناولها الروائى الراحل عبد الرحمن منيف فى رواياته من خلال رصد حالة الانكسار واليأس بالنسبة إلى المثقف، فيما توقف الناقد الدكتور جابر عصفور فى كتابه «أوراق ثقافية: ثقافة المستقبل ومستقبل الثقافة» عند موقع المثقف العربى والتحديات غير المسبوقة التى يواجهها فى المستقبل وفى ظل العولمة والمتغيرات الجديدة.على الرغم من ذلك، يبذل المثقف اليوم جهودا كبيرة فى خدمة الثقافة والأدب والإبداع والفن، وفى إيجاد الفرص واقتناصها من أجل صنع التغيير وتحرير العقل، لذلك لم يتوان لحظة عن حمل هم المجتمع وتطلعات الشعوب، ولم يفقد اندفاعه فى إثراء المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات والإبداعات والأفكار الخلاقة التى من شأنها أن تحدث تغييرا جوهريا فى المجتمعات. إنها جهود مميزة تعكس الجدية والإرادة والطموح فى كسر جمود الواقع وتغييره، وفى البحث عن نافذة للأمل والحلم، سواء كانت هذه الأفكار امتدادا للإرث الفكرى والحضارى للعرب، أم كانت وليدة تجارب تحاكى العصر وهمومه ومتغيراته، فهى فى الحالتين تنشد الخلاص الإنسانى، وتشحذ الهمم وتغذى العقل والروح، وتلامس الآلام والجراحات فى أشكال أدبية وفنية مختلفة.• • •إن تعدد المواقف لا يعنى الانتقاص من مكانة الفكر والثقافة والجهود المبذولة، بل هو إثراء للتجربة العربية الحقيقية بعلومها وآدابها وفنونها، وتتويجا لروح التعاون والمبادرة والمثابرة التى من الممكن أن تفتح آفاقا أوسع لابتكار الحلول المناسبة والعادلة، فضلا عن اللحاق بالتطور العالمى مع الحفاظ على الهوية والخصوصية واللغة. هذه المواقف جعلت المثقفين يحاربون على جبهات عدة انتصارا للكلمة والفكر والحرية والتسامح والعدالة. فبعدما شهد التاريخ فاعلية الأدوار التى لعبها المثقفون فى كل مراحل التغيير العربى منذ قرن، لاحظنا بعد هزيمة 67 أن هذا الدور قد غاب، وتعرض لعملية تهميش مدروسة، جعلته يساير الواقع المثقل ويهادن السلطة ولا يقاوم لأجل الإصلاح..من هنا قال عبد الرحمن منيف: «إن الثقافة العربية اليوم فى مأزق وعند مفارق طرق، المأزق ناشئ من حيرة الثقافة أو ربما من شعورها بالعجز». وهذا ما يدفعنى لأن أسأل: هل نحن فعلا بحاجة إلى مشروع ثقافى جديد لاستعادة مكانة العرب التاريخية؟ هذا المشروع فى اعتقادى لا يمكن أن يكتب له النجاح إذا لم يستوعب كل هذه المواقف القديمة والجديدة، وأن يستفيد من الأطروحات والنقاشات السابقة، على أن يتخذ موقفا جامعا، تنضوى تحت لوائه الاتجاهات والآراء والنظريات كافة من دون إقصاء لأى منها، أو استبعاد للرأى المخالف، وبالتالى يجلس الجميع معا على مائدة المصلحة الثقافية الوطنية، وفى حضرة القيم والجهود والعطاءات والإسهامات التى تخدم المشروع وتصون مخرجاته.قمتُ برصد دور المثقفين فى كتابى الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب تحت عنوان «قبضة جمر»، وقلت ليس بالضرورة إننا نحمل المثقفين مسئولية ما وصلت إليه الحال اليوم، وليس من العدل أن يتهموا بالتقصير واللامبالاة والمهادنة. نعم لقد فرضت الظروف السياسية التى عصفت بالوطن العربى، وقائع مغايرة ومعادلات صعبة، جعلت المثقفين يقفون على الهامش، لا آذان صاغية لأصواتهم، ولا مجتمعات تلتفت إلى آرائهم، وجرى عن عمد إبعادهم من الحياة السياسية، الأمر الذى دفع بالكثير منهم، إما إلى الرحيل أو الانطواء، أو القبول بأدوار منقوصة حددتها السلطة بما يتناسب مع نفوذها وطموحها. حذر سارتر من مخاطر الإمعان فى إلقاء اللوم على حفنة مثقفين لا يقارن تأثير عملها بالتأثير الكبير للعمل السياسى للأجهزة والمؤسسات الحاكمة، متسائلا: هل يملك المثقفون سلطانا معينا يضارع سلطان الحكومة؟ كلا، فما أن يبتعدوا أو يحيدوا عن النزعة الثقافية المحافظة التى تحدد عملهم ووظيفتهم حتى يوجه إليهم اللوم والتقريع على سقوطهم فى مستنقـع العجـز والخوف: من يصغى إليهم؟ وعلى كل حال، إنهم ضعاف بالطبيعة، فهم لا ينتجون، وليس لهم إلا أجرهم، وهذا ما يجردهم من كل إمكانية للدفاع عن أنفسهم فى المجتمع المدنى وفى المجتمع السياسى على حد سواء.• • •لا شك أن عوائق عدة تمسك بخناق المثقفين ويمكن أن نتعرف إليها من خلال كتاب «أوهام النخبة أو نقد المثقف» للمفكر اللبنانى د. على حرب الذى فتح ملف المثقفين أمام النقد والمساءلة، وحدد هذه العوائق بالهوية والحرية والحداثة والحقيقة، وهى التى دفعت بالكثير من المثقفين إلى أن يتركوا جبهة النضال من أجل التغيير، بسبب قراءاتهم الذاتية أو القاصرة أو حتى المغايرة للواقع، حيث تراجعت فسحة التنوير والأمل، وتآكلت الديمقراطية من الداخل والخارج..إذا نظرنا إلى المشهد الثقافى وتحديدا فى العقدين الأخيرين، من ناحية النتاج الفكرى والأدبى والإبداعى أو من ناحية الفعاليات والأنشطة الثقافية المختلفة، سنجد أن هذا المشهد بشكل عام هو المتضرر الأكبر. ولكن إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية ثانية، سنجد أن الأحداث العاتية التى تعصف ببلادنا أدت بشكل أو بآخر إلى تغيير المشهد الثقافى العربى، وبدأنا نشهد طرح أسئلة جديدة ودعوات إلى التحرر من الكثير من المفاهيم والنظريات السائدة، وتصويب الحقائق التاريخية، وظهور ثقافة عصرية يقودها الشباب، فلا عودة إلى الوراء. لذلك توجد اليوم فرصة تاريخية لإعادة الاعتبار إلى الثقافة كأولوية.بناء على ذلك، فإن القطيعة مع الماضى ليست بالضرورة تؤدى إلى الخروج من الأزمات المتفاقمة، أو تحقق شروط التغيير، وتصنع مستقبلا خاليا من الفوضى والتعصب والتخلف، أو أن التعلق بالماضى يعزز الانتماء ويحفظ الهوية والذات، وإنما المطلوب من المثقف العربى إعادة قراءة التاريخ ونقد الماضى واستخلاص العبر والدروس، والاستفادة من الحوادث وسير الشخصيات والإنجازات الحضارية بشجاعة وإنصاف وموضوعية، بعيدا من الأهواء والرغبات من أجل تطور الأمة، والعمل على بناء الإنسان وصقل وعيه من خلال الاهتمام بالثقافة وتنظيم الفعاليات ودعم الكتاب والتشجيع على القراءة والكتابة والترجمة، وبالتالى يصبح للمثقف العربى الدور الأساس والفاعل فى عملية التنوير.• • •فى خضم كل ما يجرى يستمد المثقف العربى اليوم طاقته وعزيمته وإرادته من تلك المشروعات والمبادرات والفعاليات الثقافية فى شتى المجالات التى تقام فى بعض المدن العربية، والتى تنظمها مؤسسات ثقافية وفكرية مختلفة، من بينها «مؤسسة الفكر العربى»، وهو ما يشكل اليوم دافعا أساسيا لمواصلة المثقف عطاءاته وإبداعاته، وتوفر فرصة ومنصة حقيقية لظهور المواهب والأقلام الشابة والكتابات الواعدة والأفكار التى تجمع بين الأصالة والحداثة، وهو ما قد يسهم أيضا فى بلورة واقع جديد يشجع على الإبداع والتميز، ويزيل العقبات ويمكن من تحقيق فرص التغيير والنهضة.علينا جميعا، مثقفين ومؤسسات وهيئات، بل وحكومات أيضا، أن نقوم بواجباتنا ومسئولياتنا، وأن ندع جانبا تبادل الاتهامات والإدانات، ونتسلح بفكر ابن رشد وقلم طه حسين ورؤية أدونيس وفكر أركون والجابرى وغيرهم الكثير من الفلاسفة والأدباء الذين أفنوا عمرهم وسخروا أنفسهم وضحوا وثابروا من أجل رفعة هذه الأمة؛ إنهم أدوا رسالتهم، وعلينا أن نكملها، فبغير ذلك لن نحصد إلا التخلف والتطرف والرجعية.فى كتاب «قبضة جمر» سنجد إضاءة كافية على كيفية تصدى المثقفين للإرهاب والأفكار الظلامية التى تنتشر فى مجتمعاتنا كالنار فى الهشيم، وتقدمت عن سواها من أفكار ورؤى ثقافية وحضارية التى من المفترض أن نكون بأمس الحاجة إليها فى الأزمات والأحداث الراهنة، حيث يتضمن الكتاب شهادات خاصة أدلى بها عدد من المثقفين والمبدعين والأدباء العرب حول فاعلية الدور الثقافى فى مواجهة التطرف والتعصب والعنف، ومدى قدرة الثقافة العربية على الصمود فى وجه التحديات والإشكاليات، والتأثير فى مسار تطور الأحداث. النص الأصلي: ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-04-08
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالًا للكاتبة رفيف رضا صيداوى، حللت فيه البعد السيسولوجى لتصريحات ترامب التى أعرب من خلالها عن رغبته فى شراء قطاع غزة وتحويله لريفييرا الشرق، وكيف أنها لا تعبر عنه شخصيا، وإنما تعبر عن ظاهرة عالمية منتشرة وهى صعود النيوليبرالية التى تنظر إلى العالم بقوانين السوق.. نعرض من المقال ما يلى:عبر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن رغبته فى شراء قطاع غزة وامتلاكه، وعن إمكانية اشتراك دول عدة فى إعماره ليغدو ريفييرا الشرق، ما أثار سخط دول عدة حول العالم، باستثناء بعض حلفائه المخلصين كرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.لن تتناول هذه المقالة الأبعاد السياسية أو الجيوسياسية لتصريحات ترامب وحليفه، بل ستتناول الأبعاد السوسيولوجية لمديات هذا الجنون.المسألة فى رأينا تتعدى ترامب نفسه، الذى اتهم رجل القانون الأمريكى فيليب ألستون، حكومته ذات يوم، وتحديدا خلال ولايته الأولى، بتعميق اللامساواة فى الولايات المتحدة الأمريكية من خلال مكافأة الأغنياء ومعاقبة الفقراء، قائلًا: «الحلم الأمريكى هو فى صدد التحول بسرعة إلى الوهم الأمريكى». فالمسألة تندرج فى إطار ما تمثله «الظاهرة الترامبية» فى المرحلة الراهنة، والتى نشهد خلالها قفزة تكنولوجية رقمية غير مسبوقة، لم تشهد الثورات الاقتصادية السابقة، وضمنا الثورة الصناعية، مثيلًا لها، سواء لجهة حجم التغيير الذى أحدثته على المستويات كافة، الاقتصادية والتقنية والسياسية والاجتماعية، أم لجهة طبيعة هذا التغيير، لا سيما سرعته الفائقة.تندرج «الظاهرة الترامبية» إذن فى زمن بلغ فيه الاستقطاب العالمى والاستلاب الاقتصادى أوجه، فى إطار علاقات إنسانية تنحو بوتيرة سريعة نحو مزيد من التوتر والتوحش. بحيث إن الظاهرة الترامبية هذه ليست سوى تعبير عن الرأسمالية الحديثة بطابعها النيوليبرالى، التى تستكمل عملية الإطاحة بكل الجوانب الإيجابية التى رافقت تشكلها، لترمى العالم فى أسوار قوانين السوق لا غير.• • •دونالد ترامب وخطبه الموجهة إلى دول العالم كافة، والتى تستحق بالمناسبة تحليلًا خاصًا، بقدر ما تسببت (إلى جانب لغة الجسد لديه) فى وصفه بـ«الجنون»، ما هى فى الواقع إلا تعبير عن «الظاهرة الترامبية» التى تتخطى فى دلالاتها الشخص نفسه لتعكس مسار عالم ترسمه نيوليبرالية اليوم. فإذا ما توقفنا عند عبارة «سنمتلك غزة ونحولها إلى «ريفييرا» الشرق الأوسط» فقط، التى أطلقها ترامب وهزت العالم، ندرك مباشرة أنها تنطوى أولًا، فى الإطار اللسانى الخالص، على معنيى الامتلاك ومركزية القرار (قرار تحويل غزة)؛ وأنها تنطوى ثانيا، فى الإطار اللسانى الاجتماعى، على دلالات لا تحصى، تتدرج من نبرة الغطرسة والموقف الصلف إلى الإيعاز بأن اللعب فى عملية التواصل بات على المكشوف اليوم. وبالتالى، لا ضرورة للتورية أو للتحايل فى سبيل إيصال الرسالة (نحن/أى الأمريكيين نحكم العالم، وإسرائيل هى شريكتنا فى صوغه، كما نرتئى، وبحسب ما تقتضى مصالحنا المشتركة).لا مكانة إذا ولا اعتبار لأهل غزة، ولا سعى أيضًا لتعزيز أى روابط إنسانية مشتركة، ولا حتى أى نية حوار من أى نوع كان، طالما أننا نحن أسياد هذا العالم، ومصلحتنا فوق مصلحة الجميع. نحن نأمر والعالم يمتثل. نحن نرشد ونوجه، وما على العالم إلا الاستجابة لتعليماتنا وخططنا السياسية، والجيوسياسية والاقتصادية، على مدى المستقبل القريب، والقريب جدا. وهى خطط أقل ما يستشف منها، لا سيما ما يتعلق منها بالشرق الأوسط، هو تحويله إلى مشروع عقارى، عنوانه «مدن للبيع» منسجم مع الزيادة السريعة فى حصة مداخيل الرأسمال والملكية فى الزمن الرقمى. يجرى ذلك فى سياق ثقافى رأسمالى مواكب للتحولات النوعية للرأسمالية، يدعم استساغة القدرة المطلقة للنيوليبرالية والرضوخ لكل مظاهرها وكأنها من البديهيات، وتتحدد أبرز سماته بـ:أولًا: تكريس الإنسان ذى البعد الواحد، المستلَب نتيجة هيمنة العقلانية العلمية التقنية، بعكس توصيات العديد من الفلاسفة، كالفيلسوف الاسكتلندى ديفيد هيوم الذى دعا إلى عدم الانجرار إلى أى من الانحرافات فى حيوات البشر، لأن الطبيعة البشرية برأيه تقول: «أطلق عنان هواك بالعلم، لكن دع علمك يكن إنسانيًا (...) فكن فيلسوفًا، لكن، وسط فلسفتك كلها، ابق إنسانًا».ثانيًا: تكريس النزعة المادية فى الثقافة خدمة للرأسمال، وما يترتب عن ذلك من تحويل الإنسان إلى مجرد آلة للاستهلاك والإنتاج.ثالثًا: تكريس النرجسية وما يواكبها من حساسية سطحية تجاه العالم وعدم اكتراث عميق تجاهه؛ وهو أمر لطالما حذر الفيلسوف الفرنسى جيل ليبوفتسكى من اتجاهه المتزايد نحو «فردانية خالصة» بدلًا من فردانية زمن الحداثة التى حملت بعضا من قيم «الانضباط» و«المناضلة» و«البطولة» و«الوعظ الأخلاقى»؛ إذ تغدو النرجسية هذه «متحررة من آخر القيم الاجتماعية والأخلاقية»، وبالتالى لا «نجد أنفسنا فى واجب العيش من أجل شىء آخر من غير ذواتنا».• • •مع سمات الثقافة هذه، تغدو العواطف الإنسانية محكومة بمنطق السوق والمنفعة والمصلحة ومشروطة به، شأنها فى ذلك شأن المعارف التى ترتقى بإنسانية الإنسان مثل العلوم الإنسانية، واللغات القديمة، والأدب، والفنون، التى تغدو بحسب الباحث الإيطالى نوتشيو أوردينه كماليات لا فائدة منها ولا لزوم لها، لأنها لا تستجلب النفع المادى، فتتحول الأمكنة، من بين أشياء كثيرة أخرى تطاولها تلك التحولات، إلى عقار تحدد السوق قيمته، لا مقدار المشاعر التى يثيرها، أو الذكريات التى يختزنها، أو لمسات الناس الذين أقاموا فيه، ولا أفعال رواده. وتغدو الجذور وكأنها تنبت فى السماء وليس فى الأرض بعكس ما آمن به يوسف حبشى الأشقر والأدباء والشعراء، فى أن الأمكنة تزخر بمضامينها الإنسانية قبل أى شىء آخر، وبذاك الإحساس العميق والمكثف بوجودها، وبكونها محفورة فى الذاكرة الجمعية.فى ظل كل هذا التوحش الرأسمالى الذى يبلغ مستويات لا سابقة لها من الحدة والعنف، والتى يعبر عنه زمن «الترامبية» خير تعبير، لفتتنى مقالة للكاتب فى صحيفة «فايننشال تايمز اللندنية» إيفان كراستيف بعنوان «مفتاح التعامل مع ترامب هو ألا تلعب أوروبا دور الضحية» (نشرت فى 16 يناير 2025)، حيث توقف الكاتب كراستيف عند دراسة أجراها عالما الاجتماع بيتى غريسون وموريس ستين فى العام 1981 حول الطريقة التى يختار فيها المعتدون ضحاياهم، مستندين إلى اختبار أجرياه من خلال قيامهما بتركيب كاميرا فيديو على رصيف مزدحم فى نيويورك وتصوير المارة، وعرضه من ثم على عدد من السجناء الموقوفين، بسبب أعمال عنف مثل السطو المسلح، والاغتصاب والقتل، ليصار بعدها إلى الطلب من هؤلاء المعتدين/ السجناء تقييم المارين بحسب سلم علامات يتراوح بين 1 (تقييمهم للذين يسهل الاعتداء عليهم وتسليحهم) و10 (تقييمهم للوضعية التى يصعب جدًا إدارتها)، ليتبين أن هؤلاء السجناء اختاروا الشخص نفسه الذى يشكل بنظرهم هدفًا سهلًا. المذهل فى النتيجة تمثل فى أن اختيارات السجناء لم تأتِ بناء على الجنس أو لون البشرة أو العمر كما هو متوقع.. إلخ، بل بناء على رصدهم لغة جسد المارة وطرائق السير لديهم أو ما شابه ذلك، أى بناء على ما تعكسه تلك اللغة من ضعف لدى المارين، والذين يتصرفون كضحايا.استعاد إيفان كراستيف هذه الدراسة على حد تعبيره، فى الوقت الذى كان يفكر بالاستراتيجية التى ستتبناها أوروبا فى مواجهة الإدارة الأمريكية الجديدة، ولاسيما بعدما قرر ترامب أن يكشف عن أنيابه. فماذا عنا نحن العرب؟ النص الأصلى: ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-04-05
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب أحمد فرحات، تحدث فيه عن التحديات التى يواجهها المثقف العربى والتى تعيق دوره فى تشكيل الهوية العربية. كما تناول الكاتب دور السياسة فى تهميش المثقف وتعطيل دوره الإبداعى… نعرض من المقال ما يلى: يبدو أن المثقف العربى الراهن بات إنسانا محكوما بالكفاح من أجل أهداف غير قابلة للتحقق، مع أنه لم يقصر البتة فى شحذ طاقاته واستقطاباته المعرفية والجدلية تجاه أية قضية مصيرية دهمت وتدهم مجتمعه.أضحى هذا المثقف مهمشا، فقيرا شاحبا ومبعدا عن مركز القرار.. وكذلك عاجزا حتى عن تلبية حاجاته البدهية فى حياة حرة كريمة ومتوازنة، الأمر الذى دفعه إلى الاستنقاع فى حالات يأس مفتوحة أقعدته عن متابعة ثورته فى تثقيف ذاته وإغنائها، وخصوصا فى عصر تتضاعف فيه أنظمة المعرفة ومستويات الثقافة العلمية والمعلوماتية.عزلة المثقف أو تهميشه وتحقيره، لا تأتى جميعها من السياسة فقط، وإنما أيضا من غياب ما يمكن أن نسميه فى علم الاجتماع «الأطر الاجتماعية للمعرفة»، هذه التى يفترض أن تكون مهيأة لتلقى الأطروحات المعرفية والثقافية المتطورة والتفاعل معها نقدا واستبصارا تجاوزيا.سيطرت فى السابق على الفكر العربى دوغمائيات فكرية جامدة وتابعة لمراكز استقطابات سياسية معينة كالفكر الشمولى بتفريعاته كافة.. واليوم نقع فى نقطة الجمود عينها، وإنما فى مضمار الفكر الليبرالى العربى المطروح.. فهذا الفكر بصورته العامة، هو أيضا دوغمائى مقود للغرب بشكل ميكانيكى بليد واستنساخى.هذا من دون أن ننسى غربة المثقف وخوفه من «الأطروحات الكهفية»، تلك التى تكفره وتهدده سلفا بالقتل والذبح، فتشل فى الأغلب الأعم كل قدرة موضوعية جريئة له، على مستوى مثلا القراءة النقدية للتاريخ والتراث وغربلتهما بصورة حيوية، جدية ومتجددة.على أن السياسة العربية تتحمل هنا المسئولية الكبرى عن غربة المثقف وتعطل لغته الإبداعية المستقلة، وخصوصا أنها القادرة على رسم برامج التخطيط وتنفيذها، وبناء المؤسسات ومراكز البحوث العلمية والاستراتيجية الحقيقية لا الصورية.. إلخ. فضلا عن إشاعتها أجواء الحرية والتفتح والتنفس.. فللأسف تحولت السياسة العربية إلى ممارسة من دون فكر.. ممارسة تجعلها عاجزة حتى عن فهم مواقعها إزاء ذاتها أولا، ومن ثم إزاء العالم وتطوراته ثانيا.• • •ثمة مشكلات متسلطة جمة إذا تتحكم فى عمق أعماق المثقف العربى ووجوده الماثل كشخص اعتبارى لديه مهمات تاريخية لا يتمتع بها غيره، تحول بينه وبين بلوغه مرحلة التنوير المفترضة وفعاليتها فى النقدين الاجتماعى والسياسى.وحتى الذين يهاجرون من نخبنا إلى الخارج، تراهم يقعون فى دائرة تخبط من نوع آخر، وإن كانوا أوفر حظا من أشقائهم فى الوطن لجهة طرح القضايا ومناقشتها بلا عقد أو تمويهات.وعلى الرغم من ذلك كله، لا مندوحة للمفكر العربى من أن يراهن على المستقبل، وخصوصا أن التحديات تتغازر، ولا تفترض منه التأجيل البتة. يكفى أن نقلتنا العربية الحاضرة كانت شطحا ارتجاليا مخيفا فى الزمان، لأننا اكتشفنا أنفسنا فجأة وقد انتقلنا من العصر اللاصناعى إلى الوضعية الاستهلاكية غير المنتجة.. وفى هذا ما يعوق ويدمر الحاضر والمستقبل معا.من جانب آخر، ثمة وعى ساذج لهذه المشكلات الفكرية والثقافية نتلمسه فى أدبيات الكثير من المتمنبرين فى صحفنا وشاشات التلفزة لدينا، فضلا عن مواقعنا الإلكترونية، الرسمية منها والخاصة؛ وأطروحات هؤلاء المتمنبرين لا تعيد إلا إنتاج المنتج إياه تحت مسميات التنوير والعقلانية ومعالجة مشكلات الحاضر بأفق علمى وثقافى متجاوز، بينما هى فى واقع الأمر ليست أكثر من ثرثرة فوق هذه المشكلات وغرارات مكرورة لها دلالاتها على هزيمة العقل.. عقلنا العربى.مقطع القول إن جعل الثقافة العربية المتجددة مسألة متخثرة بائرة، ليس فى مصلحة أحد فى أوطاننا.. لا السياسى ولا الاقتصادى ولا الاجتماعى.. فضلا عن أنها تضر بالحيوية الاجتماعية العامة، وتحيلها إلى مجرد معاود ميكانيكى بائس ومحبط.فى اختصار إذا، وبعيدا من أى مداورة نقول، إن أحوال ما تبقى من وعى عربى عام تتطلب منا إنصاف المثقف العربى المنتج، باعتباره من صناع الفكر، ومن واضعى تصورات الأمة، بخاصة فى هذه الظروف الحرجة وفائقة الصعوبة التى تضطرب بنا ونضطرب بها؛ إذ إننا بتنا جميعا - مع الأسف - لا نعرف حتى «الهوية الجديدة» التى بدأت تشكلنا على نمطها الفوضوى اليوم، وإن كان البعض يحيل سببيتها دوما على الأعداء من غرب وصهاينة... إلخ. مع أننا بأنفسنا عربا، وبالأوراق الضاغطة الكبرى التى لم تزل تمتلكها دولنا العربية مجتمعة، وعلى أكثر من صعيد، وفى أكثر من مجال، ما زلنا نمتلك القدرة، لا بل القدرات الفائقة الجبارة التى فى مكنتها قلب الطاولة على الجميع، من أعداء مباشرين وغير مباشرين.كما نستطيع بأنفسنا، وبكامل وعينا العقلى، إذا ما عرفنا تشخيص الداء والدواء، نستطيع نعم، محق كل هذا العجز الذهنى/النفسانى الذى يتلبسنا، ويشل فينا كل عناصر القوة، بما فى ذلك، بل على رأس ذلك كله، قلاع التخلف المتحكمة برءوس الكثيرين بين ظهرانينا (خصوصا لجهة فهم رسالة الأديان والمعتقدات الدينية على اختلافها) وهو لعمرى تخلف يظل يلغى ما عداه فينا على مدار الوقت.من جانب آخر، إن المثقف الحقيقى، الفقير والشاحب، وإن كان موجودا فى ما لا حضور مؤثرا له، سيظل، على أى حال، مصابا بقلق المعرفة، وتعيين فهمه لوجوده، ولإنتاج هذا الوجود من جديد.إنه سيظل مصابا بهاجس النقد والحوار مع معرفة نقيضة.. وهو أيضا وأيضا مدرك تماما لضرورة بناء أدوات معرفية جديدة مختلفة عن تلك التى كان يستخدمها فى نظام فهمه السابق.• • •دخلت ثقافة الغرب، كما هو معروف، عمق يومياتنا، ومركزية أسئلة توجهاتنا، والنظر فى رسم خطابات آفاقنا المستقبلية، وحتى الآن، فإن دراسة هذا الغرب وأحواله، من طرفنا عربا، لا تزال شائهة وشبه معدومة. ليس لدينا أى توجه منهجى علمى يعاين حقيقة هذا الغرب، ويؤشر إلى فهمه واستيعاب طردية تحولاته فى الصميم.وعلى الرغم من ذلك كله، ترانا فى وضعية من هو بأمس الحاجة والضرورة لتحقيق مثل هذه الدراسة أو الدراسات العربية العلمية للغرب.. وما لم تتحقق مثل هذه الدراسات، فسنظل نواجه الغرب بالعقلية اللفظية إياها، وبالحيل المداورة الفارغة التى لا تخفى على أحد، علاوة على التوفيقيات العامة، والانغلاق العنيف على الذات. ثم لماذا لا يكون هذا التمزق المريع الذى يعيشه العرب اليوم، لماذا لا يكون فى ذروته شهوة اندفاعة للتماسك من جديد، وهذه المرة من بوابة حفظ النوع من الانقراض المتحقق، وخطر الخروج من التاريخ برمته؟! النص الأصلي: ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-03-22
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب فادى سعيد دقناش، تحدث فيه عن دور الذكاء الاصطناعى فى تسهيل حياة الفرد، وإسعادهم (تقنية الهولوجرام، وتقنية الواقع الافتراضى، كمثالين)، كما تناول التحديات التى يفرضها الذكاء الاصطناعى على البشرية... نعرض من المقال ما يلى:فى كتابه «الموجة الثالثة»، يعتبر عالم الاجتماع الأمريكى إلفن توفلر أن البشرية تعرضت لثلاث «غزوات» حضارية أدت إلى تغيرات جذرية فى بنية مجتمعاتها. هذه التغيرات هى كناية عن موجات «حضارية» بدأت بالزراعة (الموجة الأولى) التى تكسرت على أعتاب الثورة الصناعية (الموجة الثانية) وصولا إلى أكبرها حجما وتأثيرا ودفعا فى التاريخ البشرى، وهى ثورة الاتصال والتكنولوجيا (الموجة الثالثة).صحيح أن الثورة التكنولوجية الأخيرة قد أحدثت انقلابات جذرية فى المجتمع، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، إضافة إلى تغييرات فى أنماط حياة الإنسان، لكنها حتما لن تكون الأخيرة على المستوى المعرفى، لأن الطبيعة البشرية لا تقبل الركود والجمود، وهى فى تطور مستمر، تستقبل معرفة جديدة وتودع أخرى أصبحت من الماضى، وهكذا دواليك... الإنسان بطبعه يسعى لإشباع حاجاته وتحسين جودة حياته وتسهيلها. وهذا يحقق له نوعا من الرضا الداخلى ودرجات متفاوتة من السعادة. من هنا أهمية سعيه وحاجته الدائمة نحو التطور والابتكار، فـ«الحاجة أم الاختراع» كما يقول المثل الرائج. بالأمس كان التواصل يتمّ بواسطة الحمام الزاجل. أما اليوم فأصبح التواصل «ومضيا»؛ فتقنيات الجيل الخامس واقترانها بالذكاء الاصطناعى خرقت حاجز المكان والزمان لدرجة إمكانية استحضار أى إنسان افتراضيا، من أى زمان، ولأى مكان، ومحاكاته بالصوت، والصورة. وقد رأينا بالأمس القريب كيف استُحضر المطربان الراحلان عبد الحليم حافظ وأم كلثوم من عالمهما الآخر، وأحييا حفلة فنية اختصرت أعمالهما باستخدام تقنية «الهولوجرام» التى تسمح بإنشاء صورة ثلاثية الأبعاد باستخدام أشعة ليزر، لتطفو الصورة فى الهواء كمجسم هلامى فيه طيف من الألوان يتجسد على الشكل المراد عرضه.كما تمكن الذكاء الاصطناعى بالسفر إلى ما قبل التاريخ من تفكيك الشيفرة الوراثية لبعض فراعنة مصر، ولكليوباترا، ولحضارات أخرى، وتجسيدها بالصورة بواسطة تطبيقات إلكترونية متطورة، وكأن هذه الشخصيات تعيش حية معنا. وهكذا تلاشى الزمان والمكان بماضيه وحاضره. أوليس بإمكاننا اليوم السّفر والسياحة فى أنحاء الأرض من داخل غرفتنا! نعم بالتأكيد هذا ما فعله ذاك الساحر الجديد «الذكاء الاصطناعى». فمع تقنيتى 5G والـ (VR Virtual Reality) سنتمكن من السفر إلى مدينتنا المفضلة، ومشاهدة مباراة كرة قدم مباشرة مع عيش التجربة نفسها تماما باستخدام المؤثرات الحسية التى تحاكى الإحساس، بالسمع والشم واللمس والتذوق والمشاهدة.ولكن هل يعنى ذلك أن الإنسان قد تقدم نحو الأفضل؟ وهل قلص ثنائيات الصح - الخطأ، الخير- الشر، السلام - الحرب، السعادة - التعاسة؟، بعبارة أخرى: هل يسير بنا هذا التطور لمصلحتنا كبشر أم العكس؟ وهل يمكننا التسليم بما وصلت إليه العديد من الأبحاث الاجتماعية عندما ربطت جودة الحياة بسعادة الإنسان ورفاهه؟• • •هل تعدنا الثورة المعرفية الجديدة بتبديد قلقنا حول قضايا مستعصية كالحفاظ على الكوكب من الآثار المدمرة للمناخ، والاحترار الكوكبى، وفقدان التنوع الحيوى، والسيطرة على الأمراض، وترويض الطبيعة (زلازل وبراكين وأعاصير)، ومنع الحروب، وأخطار الدمار النووى، وخطر العزلة... بخاصة مع التسارع الكبير والسريع فى تطور التكنولوجيا التى يجزم فيها العديد من الاختصاصيين والعلماء بأننا سنكون فى منتصف هذا القرن أمام أنواع من البشر «عالية الذكاء، هجائن، معززة تكنولوجيا و«روبوتيا» وحاسوبيا لتحسين القوة أو البصر أو الذكاء أو لمنع بعض الأمراض أو لإحداث عواطف أو خصال معينة، إذا ما جرى التلاعب بهم وراثيا من خلال إقحام مقاطع من الحمض النووى. من هنا ضرورة البحث عن معنى لماهية الإنسان ووجوده وأهدافه التى يمكن مقاربتها من خلال زوايا أربع، تتلخص وتتقاطع وتتماهى بمجملها مع «الأنسنة»:التحدى الأول: خطر الهيمنة لمن يمتلك التقنية، وبالتالى سنكون أمام نتيجة حتمية بأن من سيحكم سيطرته على الذكاء الاصطناعى سيهيمن على العالم، ما يجعل قضية المساواة والعدالة بين الشعوب والدول مدار بحث وجدل، كذلك التفاوت فى توزيع الثروات ومستوى الدخل بين الفئات الاجتماعية، وأيضا بين الدول الفقيرة والغنية، ما يطرح إشكالية حق الحصول على هذه التقنيات وتوزيعها العادل بين الشعوب.التحدى الثانى: خطر العزلة الجسدية والنفسية جراء التطور الحاصل، إحدى الميزات الرئيسة التى تميز البشر عن «الروبوتات» هى التواصل؛ فالبشر يتفوقون على الآلة بالقوة الناعمة وبالمهارات العاطفية التى تشمل المحبة والتعاون والتعاطف، وهم أيضا أسياد التقنية وليس العكس، وعدم استخدام أدمغتنا بشكل أدق بالاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعى يفقدنا القدرة على التفكير النقدى والكتابة، ويضعنا فى سجن من العزلة والاغتراب والاستسلام النفسى والجسدى لهذه الآلات.التحدى الثالث: إشكالية الأمن الاجتماعى والاقتصادى، من خلال فقدان عدد كبير من الوظائف فى شتى الاختصاصات وفق ما يجمع عليه معظم العاملين فى مجال الذكاء الاصطناعى. ويبقى المستقبل وحده من يحمل الإجابات الشافية عن كيفية تعامل البشر مع هذا «الذكاء الاصطناعى» المبتكر من قبلهم.التحدى الرابع: الوعى الجمعى لأهمية منظومة قيم مكارم الأخلاق التى جاءت بها الشرائع السماوية، وفلسفات الحكماء، والديانات الفلسفية الآسيوية (البوذية، البراهمانية، الكونفوشية...) منذ فجر التاريخ، من هنا ضرورة الاهتمام بالفلسفة والعلوم الإنسانية إلى جانب العلوم الوضعية التطبيقية. وهذا بدوره يتقاطع مع إشكالية الأخلاقيات والسلوكيات للثورة المعرفية المستجدة منها على سبيل المثال لا الحصر: استنساخ البشر، انتهاك خصوصية الأفراد، التى تتقاطع معها إشكاليات حماية الأمن الإلكترونى الشخصى من خلال الحاجة إلى حماية الحسابات الشخصية من الهجمات الإلكترونية (السطو الإلكترونى، الحروب السيبرانية، القرصنة، الاختراقات، نشر الأخبار المضللة والزائفة والتأثير على آراء الناخبين والناخبات...). وفى هذا السياق تثير حاليا التطبيقات الإلكترونية الذكية AI جدلا أخلاقيا واسعا فى الوسط الثقافى، كونها تستطيع حل أى مسألة والإجابة عنها، ناهينا عن إنجاز أبحاث الطلاب بسهولة وسرعة غير معهودة من دون أى جهد إبداعى أو ابتكارى منهم.• • •إن تحديات اليوم تختلف عن تحديات الأمس، لأنها تحديات متسارعة ومتشابكة ومتنوعة: أخلاقية، اقتصادية، اجتماعية، سياسية، ثقافية محورها الإنسان، وفلسفة وجوده ومعناه. ولعل الخطر الكبير الذى نعيشه اليوم يكمن فى كيفية تركيب المصطلحات وفهمها. فالقنبلة (الشريرة) أصبحت قنبلة ذكية، والمسيرة (الأنيقة) التى تصور جمال الطبيعة من السماء غدت مسيرة (خبيثة - غدارة) تنتهك الخصوصيات وتحمل حشوات صاروخية ذكية بهدف القتل وسفك الدماء، والجيش النظامى أصبح جيشا إلكترونيا افتراضيا تجسسيا أو «ذبابا إلكترونيا» يتم من خلاله تسويق العنف المعنوى والأفكار غير الإنسانية أو غير السوية. وهنا تتقابل الثنائيات وتتواءم، فنكون أمام تشويش بين مصطلحات الخير والشر وخلط فى فهم القيم الإنسانية.ويبقى الهاجس الأخلاقى والاستخدام الأمثل للتقنية يشكلان التحدى الأكبر للبشر فى المستقبل القريب؛ لذلك فإن النخب المجتمعية المؤثرة والفاعلة فى الدول كافة مطالبة بالسعى لتطوير إطار أخلاقى جامع يهدف إلى مواءمة منتجات الذكاء الاصطناعى مع المعايير الأخلاقية السامية من أجل صون كرامة البشر وتقدمهم الأخلاقى والحضارى والاستفادة من هذا التطور «الومضى» واستثماره فى تحسين جودة حياة الإنسان وسعادته. النص الأصلى: ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-03-19
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالًا للكاتب نديم منصورى، تحدث فيه عن دور التوجهات البشرية فى جعل الذكاء الاصطناعى متحيزًا فى العديد من المجالات أثناء عملية تزويده بالبيانات، مركزًا على العمل الصحفى تحديدًا.. نعرض من المقال ما يلى:يعتبر الذكاء الاصطناعى صناعة بشرية، وبالتالى من الطبيعى أن تنعكس بيانات التحيز البشرى فى العمل الصحفى فى التحيّز الخوارزمى، الذى سينتج مخرجات متحيّزة ضمن نطاق تطبيقات الذكاء الاصطناعى. مثلًا برنامج التعرف إلى الوجه بتقنية الذكاء الاصطناعى، لا يمكنه اكتشاف الوجوه ذات البشرة الداكنة أو التعرف إلى النساء بدقة!وهذا ما تشرحه ميريديث بروسارد فى كتابها «Artificial Unintelligence»، أن التعلّم الآلى قد يكون مضللًا إلى حد بعيد، لأن آليات تعلم تطبيقات الذكاء الاصطناعى تختلف بطبيعتها عن التعلم البشرى؛ فالذكاء الاصطناعى يتعلم من بيانات التدريب، ويحلّلها ويستخرج منها نتائج مستقبلية متوقعة، إلا أنه على الرغم من ذلك، يمكن أن يغفل الكثير من الفروقات الدقيقة للذكاء البشرى، مثل عجزه عن فهم الكثير من عبارات السخرية أو الاستعارات المُستخدَمة فى بيئات ثقافية متنوعة.إلا أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فقد أصبحت غرف الأخبار الكبرى تضيف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى الجديدة إلى عملها، ما يجعل مسألة التحيّز البشرى وانعكاسه على تحيّز الآلة واسع النطاق.• • •ماذا نقصد بالتحيز الخوارزمى؟ نقصد به عندما يعمل بشكل تفضيلى، أى عند تفضيل نظام الذكاء الاصطناعى مجموعة ما على مجموعة أخرى. يحصل ذلك عندما تنحرف نتائج خوارزميات التعلم الآلى نحو فرضيات مُتحيزة، قد يكون سببها تحيّز بيانات التدريب التى تغذى نظام الذكاء الاصطناعى. بعبارة أخرى، التحيز الخوارزمى هو انحياز أنظمة الذكاء الاصطناعى لجهة دون أخرى، بسبب تزويدها بالبيانات المتحيزة فى أثناء مرحلة التعلم الآلى.تكمن خطورة التحيز الخوارزمى فى أنه شريك فى عمليات اتخاذ القرار للكثير من الجهات الإعلامية أو السياسية أو الاقتصادية. هذا ما أنتج مصطلح «الخوارزميات سيئة الأداء»، لكنها فى الواقع مجرد استعارة للإشارة إلى وكلاء الذكاء الاصطناعى التى تؤدى نتائجها إلى تبعات غير منطقية وربما خطيرة.ناقشت باتيا فريدمان وهيلين نيسنباوم مخاوف التحيّز فى استخدام أنظمة الحاسوب لأداء مهامّ متنوعة، وأشارت مقالتهما النقدية إلى وجود سلوك غير منصف أو متحيز فى هذه الخوارزميات واقترحتا إطارًا منهجيًا للتفكير فى هذه التحيزات.كما كانت لاتانيا سوينى من الرواد الذين درسوا سوء الأداء فى أنظمة «جوجل»، والذين كشفت أعمالهم عن أمثلة عن التشهير الخوارزمى فى عمليات بحث «جوجل» وإعلاناته.وكتب سولون باروكاس وأندريه سيلبست مقالًا يتناول السؤال الجوهرى حول ما إذا كان يمكن للبيانات الضخمة أن تثمر عن سلوك عادل أو محايد فى الخوارزميات، وأجاب الباحثان عن هذا السؤال بالنفى القاطع من دون طرح إصلاح لكيفية تصنيف البيانات والخوارزميات المرتبطة بها.لكن السؤال الذى يطرح نفسه، من أين تأتى التحيّزات الخوارزمية.. ما مصدرها؟ يرجع سبب التحيز الخوارزمى فى الدرجة الأولى إلى التحيز البشرى الذى ينشئ هذه الخوارزميات من خلال أفكاره وتفاعلاته وسلوكه الرقمى. يؤثر التحيز البشرى فى أنظمة الذكاء الاصطناعى بشكل مباشر، حيث إن الآلة تبقى صماء، وهى بحاجة إلى التفاعل البشرى لكى يقودها بالاتجاه الذى يريده، وبالتالى فإن التحيزات البشرية وتضارب مواقفهم ومصالحهم تؤدى حكما إلى تحيز فى الخوارزميات.ثمة تحيز بشرى فى التعلم الآلى بسبب إنشاء خوارزميات البيانات، وما دام أن التحيز صفة بشرية، سيتعلم الذكاء الاصطناعى هذا الانحياز، لأنه يحاكى الذكاء البشرى عن طريق التعلم من البيانات المزودة من المستخدمين. وإذا ما احتوت هذه البيانات على أفكار عنصرية أو طائفية أو مذهبية.. سيتم تخزين هذه الأفكار وتحليلها وتوليدها.ونرى أن خطاب الكراهية والعصبية والتشهير وغيره من الممارسات الرقمية، هو ناتج عن سلوك المستخدمين أنفسهم، وبالتالى تصبح مجموعات البيانات مرايا تعكس التحيزات المجتمعية من خلال تحليل المدخلات للحصول على مخرجات متحيزة معبرة عن الواقع.سبب آخر قد يقود الخوارزميات إلى التحيز هو عبر إطلاق التعميمات، فعندما تتم برمجة الخوارزميات وتتعمم مسألة أن معظم ذوى البشرة السوداء هم أناس خطرون، أو أن أصحاب اللحى هم ذوو فكر إرهابى، فى تلك الحال، سوف تطلق الخوارزميات تحذيرات خاطئة ضد أناس أبرياء. وغالبًا ما وقع الذكاء الاصطناعى بهذه الأخطاء الفادحة التى تتسم بعدم الإنصاف والافتقار إلى العدالة الإنسانية.يجب ألا يغفل علينا أيضًا أن أحد أبرز أسباب التحيز الخوارزمى قد يكون بدوافع سياسيّة، فشركات الإعلام الاجتماعى الكبرى قد تتّخذ وجهةَ نظرٍ سياسيّة لا تكون بالضرورة منصفة أو خالية من التحيُّز.هنا يضطلع المراجعون البشريون بدور حيوى فى مراقبة النماذج وتحسينها. ومع ذلك، فإن وجهات نظرهم وتحيزاتهم، لا سيما فى العمل الصحفى، تقدم طبقة أخرى من التعقيد. والسؤال، أين تكمن أخلاقيات المهنة الموازنة بين حرية التعبير والخصوصية والعدالة؟تتركز المخاوف خلال عملية استخدام الخوارزميات فى الصحافة على الانحيازات المدمجة فى أنظمة الخوارزميات التى يمكن أن تحرف من تصورات الجمهور أو توجّهه فى الاتجاه الخاطئ.يمكن أيضًا استخدام الخوارزميات لنشر الأكاذيب والمعلومات المضلّلة والتحايل على الانتباه عن المحتوى المهم، وحتى مهاجمة المستخدمين ومضايقتهم، مثل استخدام غرف الصدى Echo Chambers، حيث تؤشّر هذه الغرف إلى ميل المستخدم للبحث عن كل ما يؤكّد ويعزّز وجهة نظره وما يؤمن به من معتقدات وقيم. وبالتالى يمكن القول إن غرف الصدى قد تجعل من آراء الطرف الآخر، هامشية، فتقوم المنصة الرقمية الخاصة بالفرد، باقتراح ثلاثة أشخاص آخرين يؤمنون بالأخبار ذاتها، ويفكرون بالطريقة ذاتها، ويتداولون المعلومات ذاتها، وهذا لا يعود إلى المصادفة الخوازرمية، بل إلى ظاهرة «التعرض الانتقائى» التى تستخدمها تلك المنصات لتقدّم للفرد طريقة تزوده بالمعلومات ووجهات النظر المتقاربة مع تلك التى يعتقد بها، وبذلك تجنبه المعلومات المتناقضة مع رأيه.كذلك الأمر مع استخدام فقاعات التصفية عندما تخمّن خوارزمية موقع الويب، بشكل انتقائى، المعلومات التى يرغب المستخدم فى رؤيتها، بناء على معلومات حول المستخدم مثل الموقع وسلوك النّقر السابق وسجل البحث. ونتيجة لذلك، ينفصل المستخدمون عن المعلومات التى لا تتفق مع وجهات نظرهم، ما يؤدى إلى عزلهم بشكل فعال فى فقاعاتهم الثقافية أو الأيديولوجية الأخرى. فالخيارات التى تقوم بها هذه الخوارزميات ليست شفافة، حيث تتضمن الأمثلة الرئيسة نتائج البحث المخصص من «جوجل» وتدفق الأخبار المخصّص من «فيسبوك»، وقد يكون لتأثير الفقاعة آثارها السلبية على الخطاب العام.ولا ننسى الذكاءَ الاصطناعى التوليدى Generative Artificial Intelligence الذى لا يخلو من التحيزات التى قد تكون نمطية جنسانية تشير مثلًا إلى أن التمريض هو وظيفة المرأة، ويعكس ذلك حتمًا الصور النمطية الموجودة على الويب.أمام هذا المشهد، نستنتج أن التحيز الخوارزمى هو نتاج التفاعلات البشريّة، وبالتالى كلما تمكنت الصحافة من بلورة رأى عام مؤيد لقضايا مجتمعاتها، كلما تمكنت من تخفيف حدة التحيز. وبالتالى يجب تعزيز الوعى لدى الصحفيين والمطورين حول تأثيرات التحيزات، وتمكينهم عبر برامج تدريبية مستمرة من المساعدة على معرفة أساليب التحيزات، والعمل، بالتالى، على التقليل منها.ولا بد للمؤسسات الإعلامية من أن تعمل على تصميم خوارزميات شفافة وعادلة من طرف الشركات، والمطورين، والعاملين فى المجال الإعلامى، عبر المراجعة الدورية لتأثير الخوارزميات، وإدخال التعديلات اللازمة للحد من التحيزات. وأخيرًا لا بد من وضع تشريعات عربية للذكاء الاصطناعى التى تساعد فى ضبط الاستخدام وعدم الاستفادة منه لغايات غير أخلاقية أو سياسية. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-03-15
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا لأستاذ أصول التربية بجامعة الإسكندرية، خالد صلاح حنفى، تحدث فيه عن طبيعة نظرية المؤامرة، والعوامل التى تساعد فى انتشارها، وما هى سبل مكافحتها... نعرض من المقال ما يلى: تعتمد نظريات المؤامرة وفقا للعالم السياسى مايكل باركون على فكرة أن الكون محكوم بتصميم ما، فلا شىء يحدث بالمصادفة، ولا شىء يكون كما يبدو عليه، وكل شىء مرتبط بعضه ببعض. وتتغيّر هوية المتآمرين فى نظريات المؤامرة بتغيُر الثقافة والسياق. فَهم سَحرة أو ماسونيون أو متنورون أو فضائيون، أو سوى ذلك؛ فالبشر صنفان: متآمرون ذوو خطط فتاكة، ومتآمر عليهم. وهؤلاء نوعان: سواد أعظم من الجَهلة لا يتنبهون إلى المؤامرة، وقلة يقظة تُميز الحقيقة وتبصر الخلاص. وتصف نظريات المؤامرة المصدقين لها بصفاء البصيرة، فهم النخبة الناجية التى فهمت المؤامرة، وانحازت إلى الصواب والصلاح المعرفى والأخلاقى. على الرغم من وجود المؤامرات فى حياة البشر فى العلاقات الأسرية، وبيئة العمل، وسراديب الحكومات، ودهاليز الأحزاب السياسية، وصفوف الجيوش، وأجهزة المخابرات، إلا أن ذلك لا يبرّر تعميمها على الإطلاق. تتأرجح نظريات المؤامرة هبوطا وصعودا باختلاف الزمن والثقافة، لكنها تتصاعد عندما يشعر الناس بالارتباك والخوف من التغيرات الاجتماعية السريعة التى قد تحفزها تقنيات التواصل الجديدة. قديما تزامن انتشار المطابع فى أوروبا مع الهوس بمطاردة الساحرات، الذى وصل إلى ارتكاب المجازر الجماعية. أما فى القرن العشرين فقد أسهمت الصحف والإذاعات فى إفشاء الحديث عن المخلصين والأعداء والضحايا المحتملين، واليوم سهل الإنترنت نشوء مجتمعات عابرة للحدود تنظّر للمؤامرة وتفاصيلها. ويتكون جمهور نظرية المؤامرة المثالى من أشخاص يصيبهم العجز وسط التغيرات المتتابعة، ويرون أنهم غير مسيطرين على مجريات الأمور التى يتحكم بها آخرون لا يعرفونهم ويتعاظم لديهم الشعور بتخلى الآخرين عنهم. ينطبق ذلك أيضا على شعوب الأنظمة الديكتاتورية، ما يعنى أن التخلف السياسى يُهيئ المناخ المناسب للمؤامرات. • • • تنتشر «نظرية المؤامرة» فى أنحاء العالم، والتى يبدو أنها باتت ترسم سياسات الدول وتبلور ثقافة الجماهير؛ فقد بدأ قرننا الحادى والعشرون بـ«حرب عالميّة على الإرهاب» التى اختزلت عشرات النزاعات المسلحة فى قصة سردية متجانسة خارج السياق جعلتها حربا بين فرسان صالحين ومتآمرين شيطانيين. حرب لم ينظر إليها على أنها نظرية مؤامرة أو شعار تسويقى. بعد عقدين صار دونالد ترامب زعيما لما سمى بـ«عصر ما بعد الحقيقة»، الذى يلتبس فيه الحق على الناس مع كثرة المعلومات، وقد وظّف ترامب وسائل التواصل الاجتماعى بتأييده نظرية مؤامرة تدعى أن النخبة الليبرالية المتآمرة أخفت أن باراك أوباما لم يكن مؤهلا للترشح إلى الرئاسة، لأنه لم يولد فى الولايات المتحدة، وصور ترامب نفسه على أنه من عامة الناس وضحية للجماعات الخبيثة. وقد استفاد ترامب من حركة «كيو أنون»، وهى سلسلة نظريات مؤامرة تدعى أن شخصيات بارزة كهيلارى كلينتون متورّطة فى التحرّش والاتجار بالأطفال، وأنها تتآمر على رئاسة ترامب، وأن الحزب الديمقراطى زوَر نتائج انتخابات العام 2020 بالتحالف مع جهات تنتمى إلى الدولة العميقة. وقد آمن بهذه الادعاءات 53 فى المائة من أنصار الحزب الجمهورى، أى ملايين من الشعب الأمريكى. تتوارى العنصرية وراء كثير من مشروعات ترامب السياسية، ومنها نظريته عن أوباما والوعد ببناء جدار على حدود المكسيك وحظر دخول مواطنى ومواطنات بعض الدول إلى الولايات المتحدة، وتبنيه النسخة الأمريكية من نظرية مؤامرة «الاستبدال العظيم»، التى تؤكِّد أنّ الحزب الديمقراطى وغيره من الليبراليين يهدف إلى تدمير الأكثرية الأمريكية باستبدال الأمريكيين البيض بمهاجرين ملونين ينتمى أكثرهم إلى «حثالة الدول»، كما وصفهم ترامب. تدعى النسخة الأوروبية من نظرية «الاستبدال العظيم» أن المسلمين يشكلون تهديدا سكانيا، كما يقول رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان. وقد تبنى مرشحو اليمين المتطرف نظرية المؤامرة هذه أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة فى فرنسا، وكرّرتها مرشحة يمين الوسط فاليرى بيكريس لاستقطاب ناخبى اليمين المتطرف. وبالمثل؛ ادعى الرهبان البوذيّون فى دولة ميانمار(بورما) أن ضحاياهم من فقراء وصيادى الروهينجا وفلاحيها يمثلون تهديدا سكانيا منظما قضى على البوذية فى بعض المناطق، ولاسيما فى باكستان وأفغانستان. ويبدو أن نظريات المؤامرة ميدان مشترك بين اليمين واليسار؛ فبعد إخفاق اليسار فى تطوير فكر اقتصادى واجتماعى يلائم العالم المعاصر، انتقل بعضهم من التحليل المادى إلى التحليل الغيبى، وتحلوا بهوس الصراعات بين الدول. فقد لجأ جيرمى كوربين ونعوم تشومسكى إلى تحديد فسطاط الشر فى الولايات المتحدة، وبريطانيا وإسرائيل، ثم قاما بالدعوة إلى دعم فسطاط الخير الصامد فى وجه هذا العدو الإمبريالى. وبالطبع؛ فإن العالم أكثر تعقيدا مما توحى به هذه النظرة البسيطة؛ فاليسار الذى يرى الإمبريالية الأمريكية منبع الشر، عاجزون عن الإقرار بخطر الفاشية الصربية على أبناء البوسنة وكوسوفو، فى حين أنهم يلومون حلف شمال الأطلسى على ما حصل فى البلقان. • • • لقد تحولت نظرية المؤامرة مع مرور الوقت إلى أيديولوجيا فى الذهنية العربية، وأصبحت منهج التفسير الأساسى للأحداث والوقائع، ويعود ذلك لأسباب عدة منها السياق الزمنى الطويل للهزيمة والانكسار الذاتى والجمعى الذى أوجد بيئة خصبة للتعايش مع نظرية المؤامرة لعقود طويلة من الانتكاسات؛ فتحوّلت من أداة تحليل غير علمية إلى عقيدة وأيديولوجيا لدى فئات ليست قليلة من الناس فى مجتمعات منطقتنا، إذ تعانى المجتمعات العربية من مشكلات شتى، ولها أسبابها، وبدلا من أن تحمّل نفسها أو الفساد العام مسئولية الإخفاقات الاقتصادية والعسكرية والسياسية، يسهل عليها اتهام المخططات الخارجية أو التحريض على الأقليات الطائفية. وبسبب تفشى الإحباط والرقابة والخوف، تنتشر قصص تعكس الهموم المحلية، ثم تتحول إلى تفسيرات طريفة للأحداث العالمية. خير مثال على هذا الفترات الأولى لتفشى وباء كورونا (كوفيد-19)، ونظرية أن شركات الأدوية متآمرة علينا بتصنيع وباء كورونا من أجل كسب الأموال. • • • إن انتشار «نظرية المؤامرة» والأخبار الكاذبة بأشكالها بين أفراد المجتمع، تدعمه البيئة الاجتماعية، والجهل بالقصة المنشورة، وانعدام الوعى بأهمية التحقق من صحة ما يراه الفرد، وتجاهل الحذر من إعادة النشر قبل التأكد من صحة ما يرى أو يشاهد، وعملية نشرها عن عمد أو من دون قصد هو فعل تضليلى ينبغى، فى سبيل مكافحته، تقوية مناعة المتلقين للأخبار الكاذبة بالتوعية بأخطارها فى المقام الأول، ونشر الوعى بأهمية التحقق من كل ما نراه، أو على الأقل اللجوء إلى الخبراء، وتحليل الأخبار الزائفة، إضافة إلى أهمية معرفة أن خداعنا بما هو منشور قد يأتينا فى أشكال مختلفة من دعايات وكذب وإشاعات. علينا الآن أن نتذكر دائما، وأن نُذكّر من حولنا، بأن الأحداث ربما تقع من تلقاء نفسها أو بمنطق معقد لا نستطيع إدراكه؛ فالحياة أعقد من قدرتنا البشرية على الإحاطة بفهمها، وبأنه لا سيطرة مطلقة فيها لمرء بعينه، وبأنه لا وجود للأخيار والأشرار، بل للبشر. فالأخيار أنفسهم أشرار حينا أو بجوانب ما والأشرار أخيار أحيانا أو بجوانب أخرى. لا شىء ثابت، كل شىء يتغير باستمرار، وليس هناك من طرق مختصرة لفهم الأمور. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-02-24
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالًا للكاتب أحمد شعلان، تحدث فيه عما يسمى بالبيانات البيومترية (نوع من البيانات يستخدم فى تحديد هوية الشخص، كبصمات الأصابع وبصمة العين والتعرف على الوجه)، وما المخاطر التى يمكن أن تتعرض لها هذه البيانات ما يجعل صاحبها مستهدفًا.. نعرض من المقال ما يلى: لعقود مضت، بل لمئات السنين، سادت عملية تحديد هوية الشخص جنائيًا عبر بصمة إبهامه، أى الخطوط المرسومة على جلد الإنسان، والتى يكفى أن تطبعها أصابعك أو إبهامك على الورق للمقارنة. • • • البيانات أو البصمات البيومترية هى نوع من المعلومات الشخصية التى يمكن استخدامها لتحديد هوية الشخص بشكل فريد. وعادة ما يتم جمعها كجزء من عملية التحقّق من الهوية الحقيقية للفرد. يمكن أن تشمل البيانات البيومترية بصمات الأصابع وبصمات الصوت ومَسح القزحية وأنظمة التعرُف إلى الوجه. وقد أصبحت البيانات البيومترية أكثر شيوعًا كبديل لكلمات المرور التقليدية فى الهواتف والحواسيب الشخصية، وكبديل لأرقام التعريف الشخصية للتحقّق من هويات الأفراد وإعطائهم هوية رقمية، تكون خاصة بكل شخص، وتميزه تمامًا. يتم التركيز فى البيانات البيوموترية الخاصة ببصمة العَين على القزحية. فالقزحية هى الجزء الملون من العين، وهى العضلة التى تتحكم بحجم حدقتها. وللقزحية طيف خاص من الألوان والأشكال الهندسية المعقدة، تتبدى لطبيب العيون حين يستخدم مجهره المخصّص، ويرسل الضوء إلى داخل العين. والتعرف إلى القزحية هو طريقة آلية للتعريف الحيوى باستخدام تقنيات رقمية للتعرف إلى الأنماط الرياضية المختلفة. فعبر المجهر تظهر عند مسح القزحية تضاريس صغيرة مكروية وثنيات وخطوط مختلفة فريدة لكل عَين. وجدير بالذكر أن تلك التضاريس يمكن رصدها وتحليلها من مسافة تَصل إلى أمتار عدة باستخدام التكنولوجيا المناسبة، حيث تستخدم أجهزة المسح أطوالًا موجية مُختلفة من الضوء، لإنشاء طيف ضوئى للقزحية وصورة مفصلة لنمط العين وتفاصيلها. • • • يمكننا أن نميّز بسهولة صوت السيدة فيروز عن أية مغنية أخرى حين تغنى الأغنية ذاتها. فهناك «شخصية صوتية» لكلّ منا.. ثمة طيف صوتى مميّز لكل شخص.. ثمة بصمة صوتية لكل فرد. فكما فى التحليل الطيفى للموجات الضوئية التى تصدر عن المادة أو تتفاعل معها، هناك أيضا تحليل ميكانيكى للموجات الصوتية التى تصدرها الأوتار المهتزة وتطلقها فى الهواء. تَدخل البصمة الصوتية كشكل من أشكال تحليل البيانات البيومترية التى تكشف ملامح التوقيع الصوتى الفريد للأشخاص. إنها نموذج رقمى للخصائص الصوتية الفريدة لكل فرد والتي، مثل غيرها من القياسات الحيوية، تستخدم للمساعدة فى كشف هويات الأشخاص. • • • فى التطبيقات الحديثة للهواتف الذكية باتت عملية مَسح وجه الشخص، حين ينظر إلى هاتفه الذكي، تشكّل بصمة رقمية إضافية تحدّد كذلك هويته وتضاف إلى البصمات العضوية الأخرى، لتصبح هوية الفرد سلة متكاملة من البيانات البيومترية والرقمية الفريدة. • • • نعيش فى عصر أصبحت فيه البيانات الوقود الأساس الذى يحفّز نمو الشركات والصناعات بأكملها. إنها شرايين الحياة للتكنولوجيا الرقمية، وعالم التجارة والأعمال، ومندرجات الحروب الحديثة كذلك. إنها ذهب القرن الحادى والعشرين، وقد بات عِلم جمع البيانات واستخلاصها وتحليلها تخصصا جامعيا مستقلا. على مستوى هويات الأفراد وأمنها، أُدخل فى جوازات السفر الحديثة شريحة إلكترونية دقيقة مُدمجة، تحتوى على معلومات بيومترية يمكن استخدامها للتحقق من هوية حامل الجواز، ما يجعل تزويرها صعبا للغاية.. تتضمن المعلومات التعرف إلى الوجه وإلى بصمات الأصابع وإلى قزحية العَين. وقد تم توثيق خصائص المستندات والشريحة فى وثيقة منظمة الطيران المدنى الدولى، وعلى مستوى الشركات التجارية المدنيّة، تضطلع البيانات بدور حاسم فى تبسيط العمليات التجارية واتخاذ القرارات الاستراتيجية التى تَسمح بتحسين المنتجات والخدمات باستمرار من خلال مراقبة بيانات سلوك المُستخدِم. وباتت العديد من الشركات تطبِق أنظمة الاستخبارات التجاريّة Business Information Systems (BIS) لإدارة البيانات بشكل أفضل.. وتحليلها. فالاستثمار فى أنظمة الاستخبارات التجارية، والذكاء الاصطناعي، والتعلّم الآلي، يُعزّز بشكل كبير قدرةَ الشركات على استخراج المعلومات القيمة من البيانات واستخدامها لتطوير الأعمال. ومن الأهمية بمكان إدراك أن البيانات ليست مجرد معلومات مجمعة. فغالبًا ما تحتوى على محتوى حساس للغاية حول الأفراد، والذى إذا تمّ التعامُل معه بشكلٍ سيئ، قد يؤثّر بشكلٍ كبير على العملاء. ففى عالَمٍ تزداد فيه أهمية البيانات وتنمو قيمتها، من الضرورى إعطاء الأولوية لحماية أمنها. • • • حتى عام 2023، كان حوالى 85% من سكان العالم يمتلكون هاتفا ذكيا، بحسب موقع «بيو-كى»، وقد باتت شركات الهواتف الذكية الحديثة، تُطوّر بسرعة قدرات المصادقة البيومترية (Biometric Authentication) لتحسين الأداء بالإجمال. ويتكون نظام المصادقة البيومترى فى الهواتف المحمولة من مستشعرات تلتقط المعلومات البيومترية للمستخدم، بما فى ذلك شاشات اللمس والكاميرات وماسحات بصمات الأصابع والميكروفونات، إضافة إلى قاعدة بيانات، حيث يتم تخزين بصمات المستخدم البيومترية واسترجاعها لعملية المصادقة. تقوم تلك المستشعرات بتحديد الخصائص الجسدية أو السلوكية للمستخدم (مثل بصمات الأصابع والبصمة الصوتية والتعرف على الوجه وبصمة قزحية العين) بغية تحديد هويته البيولوجية والتحقّق منها قبل مَنحه حق الوصول إلى الجهاز أو التطبيق أو الحساب عبر الإنترنت. والبصمة الحيوية هذه فى الهواتف الذكية هى طريقة مصادقة شائعة ومتزايدة نظرا لتوافرها وسهولة تداولها وتبنّى المستخدِمين لها. حتى أن شركات الطيران وبعض المطارات باتت تُقدّم للمسافرين خيار دخول صالاتها والعبور عبر إدارة أمن النقل باستخدام المقاييس الحيوية للهواتف الذكية.. وعلى نحو مماثل، تقوم الفنادق وشركات الضيافة بدمْج المصادقة البيومترية عبر الهاتف المحمول فى عمليات التحقّق من الهوية لتمكين تسجيل الوصول السَلس والآمن، وكذلك المغادرة، والوصول إلى خدمات ووسائل الراحة للزبائن. كما توفّر المصادقة البيومترية عبر الهاتف الذكى طريقة سهلة وآمنة ومجانية للعملاء الجدد لفتح حساب مصرفى من أى مكان، باستخدام أجهزتهم المحمولة. وتُعد المدفوعات عبر الهاتف المحمول، مثل Apple Pay وPayPal، مثالًا شائعًا آخر لاستخدام البيانات الحيوية على الجهاز المحمول، إذ يمكن للمستخدمين إجراء المدفوعات والتحويلات مباشرة من أجهزتهم المحمولة بعد التحقّق من هويتهم البيومترية على هواتفهم الذكية. كما هو الحال مع أية طريقة مُصادقة، فإن المصادقة البيومترية للهواتف الذكية لها أيضا مخاطرها. فصحيح أن بيانات المستخدمين، مبدئيًا، لا يتم نقلها عبر الشبكات، لكن هذا لا يضمن بقاءها آمنة إلى الأبد. فالمتسلّلون يبحثون باستمرار عن طُرق لاختراق الدفاعات البيومترية وتجاوزها والسيطرة على أجهزة المستخدمين. وقد ثبت نجاح انتحال الهوية البيومترية فى الهواتف الذكية فى مناسبات متعددة. • • • حين يكون الهاتف الخلوى الذكى مخترقا، فإن موقع الشخص وحركته وكل بياناته الشخصيّة تكون بحوزة الجهة المخترقة. وفى البعد المخابراتى للعدو، سوف يسهل الوصول إليه واستهدافه، إذا كان لديه سجلّ من البيانات يستطيع من خلاله التعرُف عليه وتحديد هويته تمامًا! ويبدو أن البيانات البيومترية باتت من الثروات التى تبحث عنها الشركات والقوى الدولية الكبرى، التى قد تلجأ إلى كل السيناريوهات المحتملة للحصول عليها. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-02-20
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب المغربى سليمان الحقيوى، يقول فيه إن انتشار الهواتف الذكية بشكل واسع فى أيدى الأفراد يثير العديد من الأسئلة الأخلاقية، ويحول كاميرا الهاتف لسلاح ذى حدين قد يستخدم لغرض نبيل أو خبيث.. نعرض من المقال ما يلى:قبل التقاطك للصورة هل فكرت فى مساعدة الطفلة؟ هل قدّمت لها طعاما أو ماء؟ هل منعت عنها الخطر؟ هكذا توجّهت صحفية شابة بغضب وهى تسأل الصحفى كيفين كارتر، الذى التقط إحدى أشهر الصور فى التاريخ فى العام 1993 فى قرية أيود جنوب السودان؛ الصورة التى تُظهر طفلة صغيرة أنهكها التعب والجوع قَبل أن تَصل إلى غايتها، وخلفها مباشرة يَقف نسر ينتظر أن تسقط كليّا، أن تموت حتى تصير طعاما له.فى الوقت الذى التقط فيه «كيفن كارتر» صورته الشهيرة، أى فى بداية التسعينيات من القرن الفائت، كان استخدام الكاميرا حكرا على الصحفيين وبعض هواة التصوير، هذا يعنى عددا أقل من الكاميرات المُستعملة فى العالم. أما اليوم فمع طفرة التكنولوجيا والانتشار الواسع للهواتف الذكية بالكاميرا وتنافسها فى جودة الكاميرات وسهولة استخدامها، أصبح بإمكان الجميع توظيف هذه الآلة السحرية. هذا يدفعنا إلى التساؤل اليوم، هل أصبح للسؤال الأخلاقى السابق الذى واجهه الصحفى «كيفن كارتر» المعنى نفسه؟ أى هل نفكّر قَبل أن نتّخذ من موضوعٍ ما صورا نلتقطها، ننشرها ونعلق عليها؟ الأكيد أن هذا التفكير فى الجانب الأخلاقى للصورة تلاشى مع مرور الزمن واختلط فيه الجانب الأخلاقى بجانب الحرية ولم يعُد تقنينه أمرا سهلا. ملايين الصور والفيديوهات تتمّ مشاركتها كل ساعة، وكل يوم، تعرض خصوصيات الناس: مواقفهم، سلوكياتهم، مآسيهم، عذابهم، أفراحهم، أخطاؤهم ونجاحاتهم. • • •فى الماضى القريب كانت الكاميرا تُشبه بالسلاح، هذا تشبيه غريب! لكن فى زوايا ما، أصبحت الكاميرا مثل السلاح فى يد البعض، وفى دائرة التشبيه السابق نفسه كانت ولا تزال السينما الأجنبية، وخصوصا الأمريكية، تواجه سيلا كبيرا من النقد كونها تتجاوز الفن أحيانا لتَسقط فى المحمول الأيديولوجى الموجه. هذا كلام صحيح لا يمكن أن ينكره أحد، لكن فى حالات محصورة، لكن لا يمكن تعميمه كذلك. فالكاميرا كانت فى هذا الماضى حكرا على من يستطيع التواصل من خلاله وتحويلها إلى صناعة. لكن اليوم مع استحضار الرقم المهول 6.5 مليار كاميرا هاتف محمول ألا يُمكن أن نقول: إنه صار كل مَن يتناول موضوعا تناولا غير برىء ينطبق عليه الحكم السابق؟بالعودة مجددا إلى حالة «كيفن كارتر» الذى أثار سخط الناس عندما شاهدوا موضوع صورته الصادم، هذا الشعور الطارئ مع الكاميرا الذى كان محصورا قبل عقديْن، صار الآن شعورا كونيا، صار شعورُ مَن يحمل كاميرا، صار شعور 6.5 مليار إنسان، الموضوع بالنسبة إليهم أهم من أى شعور أو إحساس. وقد ظهرت ملايين الصور التى تنقل لنا كيف صار الإنسان يفكّر فى نقْل الموضوع قَبل أن يفكّر فى أى شىء آخر، صار شعورا غريزيا، اليد موضوعة على زر الهاتف تنتظر الضغط، مثل المسدس؛ وهذا التفكير حلّ بدلا من مشاعر إنسانية كالتفكير فى تقديم المساعدة مثلا، مع أن حالات إنسانية كثيرة كانت رهنا بهذه المساعدة! لكن من حضر من الناس فضل تخليد المشهد على تقديم مساعدة، فتخليد موضوع ما صار تفكيرا غريزيّا لدى حامل الكاميرا.وهنا تأتى صورة أخرى لا تقل شهرة عن صورة كارتر، هى صورة عكسية تماما تفضح ممارسات المصورين، إنها صورة المصوّر السويدى «بول هنسن» وعنوانها «جثة و14 مصوّرا»، عندما التقط صورة لجثة سيدة محاطة بأربعة عشر مصوّرا يلتقطون صورا لها عقب زلزال هايتى فى العام 2010، الصورة التى فضحتِ الإحساس الجديد، إحساس تخليد اللقطة وإهمال شعور الإنسان! فالمصوّر هنا لم يتوجه كغيره إلى الموضوع الأول، أى الجثة، بل صور رفاقه وهم منقضون على جثة فى حالة تشبه انقضاض قطيع ذئاب على فريسة لا تملك قوة! وهذه الصورة هى فى الحقيقة نموذج لنمط آخر عكسى يقوم به مصورون آخرون يفضحون الإحساس الجديد وينتصرون لشعور الإنسان الطبيعى.• • •عبر تاريخ الإنسان على الأرض لم يحدث أن عاش عصرا مثل الذى يعيشه الآن والذى سيعيشه مستقبلاً فى مناح كثيرة، والصورة فى سياق هذا التطور استطاعت أن تُغيّر من حياة الناس وذاكرتهم. كتبٌ كثيرة دوِّنت، وتناقلت الأجيال الأخبار والتجارب. لكن التاريخ يبقى تاريخا تحكّمت فيه المصالح والعداوات والحروب، والمُنتصر يسجّل ما يشاء. هذه القاعدة تستمر الآن، لكن بطرق مختلفة. الصورة الآن صارت تكتب التاريخ. وحتّى قبل اختراع التصوير كان هناك اعتراف كَوْنى بتفوّق الصورة؛ هذا ما تؤكده مجموعة من الأمثال والعبارات المأثورة لعل أبرزها ما قاله كونفوشيوس: «الصورة خير من ألف كلمة»، أو ما نلمس فى مقولة: «ليس مَن رأى كمَن سمع»، فعل الرؤية هنا حاسم وصادق، ليس كفعل السمع. الصورة تبعاً لذلك ارتبطت بالتصديق، لكن هل الصورة صادقة؟ الصورة عندما اقتحمت خطابَ الإعلام واندمجت مع آليّاته واستعارت الحركة من السينما وعلوم الاتّصال صارت تمتلك طُرقَها لإقناع الجماهير بما تريد ووقت ما تريد. وهذا ما فتحَ آفاقا كبيرة أمام الصورة لتزييف الخبر أيضا، ولأن تؤثّر فى عقول الناس وتدفعهم للاقتناع بتبنى أفكار، وتغيير مواقف وقبول مواقف كانت مناقضة لها. الصورة الآن تتحكّم فيها المصالح. ومَن يمتلك الصورة يمتلك الحاضر والمستقبل.• • •هل إن العالم الذى تعرضه مقاطع فيديو، بغض النظر عن موضوعه، حتى إذا ما افترضنا أنه يعرض حديقة وسط مدينة، يقدم الحقيقة؟ الحقيقة هى ما تراه العين بشكل مباشر وعينى وآنٍ. أما ما يعرضه الفيديو فهو اجتزاء للحقيقة وقبض على جانب منها فى زمان ما ومكان ما.الحقيقة الغائبة التى يعرضها فيديو تصير أكثر غيابا مع الصورة الثابتة. كون الصورة هى اجتزاء أدق وأكثر توجيها وتحكما، إضافة إلى قدرة برامج التعديل على تغيير الموضوع والسياق. واليوم كما نلاحظ صارت اللقطة غاية لدى كل مَن يحمل كاميرا، بغض النظر عن كل الحقيقة التى صارت غائبة عن أغلب ما نراه من صور.أخيرا، وقبل عقدين، كان المشتغلون فى حقل الصورة يتبنون شعار إننا نعيش عصر الصورة، ونتواصل بواسطتها، لكن ما حمله الواقع الجديد يفوق بكثير ما كان يعتقده الجميع. هذا المجال طرح الكثير من الأسئلة التى تتجدد باستمرار. الآن لم يعُد السؤال متعلقا بالتواصل بواسطة الصورة فقط، بل بالكلفة الأخلاقية لهذا التواصل. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-02-14
طرح الفنان عبدالإله السناني الإعلان الترويجي لمسلسله الجديد "ليالي الشميسي"، المقرر عرضه خلال الموسم الرمضاني المقبل. يتناول المسلسل قصة اجتماعية مستوحاة من أحداث حقيقية تدور في حي الشميسي، أحد أبرز أحياء التجارة في الرياض، أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات. يجسد السناني شخصية أحد كبار تجار الحي خلال تلك الفترة، حيث تنقلب حياته رأسا على عقب بعد وفاة والده، مما يدخله في سلسلة من الصراعات والتحديات من أجل الإرث. يعد مسلسل "ليالي الشميسي" خامس عمل درامي يجمع بين عبدالإله السناني وريم عبدالله، بعد عدة أعمال مميزة منها: "طاش ما طاش"، "سيلفي"، "كلنا عيال قرية"، و"العاصوف"، التي حققت نجاحات كبيرة خلال السنوات الماضية. المسلسل من إنتاج هيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية، ويشارك في بطولته: ريم عبدالله، عبدالإله السناني، عبدالرحمن نافع، هبة حسين، عبدالعزيز السكرين، وأحمد شعيب. العمل من فكرة محمد السلطان، وتأليف ومعالجة درامية ندى خالد، وإخراج محمد لطفي. جدير بالذكر أن عبدالإله السناني أستاذ في جامعة الملك سعود، وعمل كرئيس لأول مهرجان مسرحي في الرياض، "مهرجان الرياض للمسرح"، كما شغل منصب مستشار لوزير الثقافة والإعلام في المملكة العربية السعودية، ومسئولا عن المشروع العام لمسرح التلفزيون. في العام الماضي، تم اختياره عضوا في لجنة تحكيم الدورة الـ31 من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، كما شارك كمتحدث رسمي في عدد من الندوات والمعارض الفكرية والأدبية، منها ندوة "الدراما العربية وأثرها على الربيع العربي"، التي نظمتها MBC بالتعاون مع مؤسسة الفكر العربي. View this post on Instagram ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
مصراوي
2025-01-27
كتب- عمرو صالح: نشر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء السير الذاتية لأعضاء اللجان الاستشارية المختلفة التي كان قد أصدر قرارًا بتشكيلها الأسبوع الماضي لتعزيز التواصل بين الحكومة والقطاع الخاص فى المجالات المختلفة، والمقرر اجتماعها مع رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي غدا الثلاثاء بمقر الحكومة بالعاصمة الإدارية الجديدة؛ وذلك في إطار النهج الرامي لتعزيز قنوات دائمة لتبادل الرؤى والمقترحات لدعم عملية صُنع السياسات. ويستعرض مصراوي خلال السطور الآتية السيرة الذاتية للمهندس نجيب أنسي نجيب ساويرس والتي جاءت كالتالي: * يشغل منصب رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لشركة أوراسكوم للاستثمار القابضة، التي تمتلك محفظة استثمارية متنوعة تستهدف القطاعات ذات النمو المرتفع حيث ترى فرصاً للتحول التأثير المجتمعي في مصر وأفريقيا، والتي تشمل قطاعات السياحة، والطاقة المتجددة، والتنقل الكهربائي، والتجارة والخدمات اللوجستية، والاتصالات. الخبرات المهنية: * حاصل على بكالوريوس الهندسة الميكانيكية ودرجة الماجستير في الإدارة التقنية من المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا وعلى شهادة الدبلومة الألمانية من المدرسة الألمانية الانجيلية بالقاهرة. * أسس شركة أوراسكوم تيلكوم القابضة، وأدار مهمة تطوير وإنماء الشركة لتصبح شركة رائدة في قطاع الاتصالات الإقليمي وواحدة من أبرز شركات الاتصالات العاملة في الأسواق الصاعدة في العالم. * هو رئيس لجنة الاستشارات الاستثمارية لشركة لا مانشا ريسورس كابیتال، وهي مستشار استثماري لصندوق مقره في لوكسمبورغ يركز على قطاعي المعادن الثمينة والمعادن الانتقالية للطاقة، وهو أيضاً رئيس مجلس إدارة أورا ديفلوبرز، وهي شركة متخصصة في تطوير المشروعات العقارية الراقية ومشاريع الضيافة الفاخرة في مواقع متميزة حول العالم. * شغل عدة مناصب في المجالس والهيئات منها اللجنة الاستشارية الدولية لمجلس إدارة بورصة نيويورك، والمجلس الاستشاري الدولي لبنك الكويت الوطني والمجموعة الاستشارية لأفريقيا ببورصة لندن، والمجلس الاستشاري الخارجي للمعهد العالمي للدراسات المتقدمة بجامعة نيويورك، ومجلس أمناء مؤسسة الفكر العربي. اقرأ أيضا.. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-01-25
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالًا للكاتب إسلام حجازى، تناول فيه تحول التكنولوجيا الرقمية إلى أداة جديدة للهيمنة من قبل الغرب بدلًا من استخدام القوة العسكرية المباشرة. كما تطرق للفجوة الكبيرة بين الدول المتقدمة والنامية فى مجال الوصول إلى الإنترنت وكيف يؤدى ذلك لتباين المعرفة والقدرة على المشاركة فى الاقتصاد العالمى وإدامة الجهل والفقر.. نعرض من المقال ما يلى:صعود الكثير من التقنيات الرقمية لم يؤثر على كيفية تواصُلنا أو وصولنا إلى المعلومات فقط، وإنما ترك تأثيره الأكبر على هندسة ديناميكيات القوة والمشهد الجيوسياسى العالمى. هذا النمط الجديد من الإمبرياليّة لم يَعُد يرتكز على الغزو العسكرى أو السيطرة السياسية المباشرة، بل أصبح يدور حول ترسيخ الفجوة الرقميّة بين دول الشمال ودول الجنوب من خلال فرض السيطرة على البنية الرقمية الأساسية والبيانات والمعرفة التى أصبحت تشكّل الأساس لكل القرارات فى عالم اليوم.• • •كشف تقرير صدر مؤخرًا عن الاتحاد الدولى للاتصالات (ITU)، أن استخدام الإنترنت ما زال مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بمستوى تنمية الدول. فعلى الرغم من أن ثمة ما يقرب من 67% من سكان العالم الآن متصلين بالإنترنت، فإن هذه النسبة لا تتوزع بشكل عادل بين مناطق العالم المختلفة، حيث ارتفعت النسبة فى البلدان ذات الدخل المُرتفع فى 2023 لتصل إلى 93%، بينما بلغت هذه النسبة داخل البلدان ذات الدخل المنخفض 27% خلال الفترة ذاتها. ويبدو أن إحصاءات هذا التقرير لا تؤكد أن نسبة الأشخاص الموصولين فى البلدان ذات الدخل المنخفض قليلة للغاية فحسب، بل تكشف أيضًا أنهم يستعملون قدرًا أقل من البيانات، مقارنة بغيرهم فى البلدان ذات الدخل المرتفع. وهذا يعنى أنهم لا يستفيدون من كامل إمكاناتهم التوصيلية، ولا يحققون فوائد التحول الرقمى.لا شك أن هذا التفاوت المركب يؤدى إلى إدامة دورات الجهل والفقر والحرمان، ما يحد من فرص الحراك الاجتماعى والاقتصادى لأكثر من 2.6 مليار شخص لا يزالون غير متصلين بالإنترنت، بل يتعمق تدريجيًا مع استمرار احتكار الدول المتقدمة لأغلب شركات التكنولوجيا العملاقة.• • •إن إحدى الآليات الأساسية المستخدمة من قبل قوى الإمبريالية الرقمية هى الاستغلال الاقتصادى، حيث تستخرج الشركات التكنولوجية الكثير من العمالة والموارد من دول الجنوب، بينما تُقدّم فى المقابل القليل من العوائد. فأغلب عمالقة التكنولوجيا أصبحوا يستعينون بمصادر خارجية لجلب عمالة رخيصة من دول مثل الهند والفلبين، ليعملوا فى بعض القطاعات الدنيا من مثل الإشراف على المحتوى وخدمة العملاء، مع حرص أهل الشمال على احتكار المعرفة والمهارات التكنولوجية المتقدمة التى تمكنهم من إبقاء دول الجنوب فى حالة من التبعية الرقمية الدائمة. على سبيل المثال، قد يحصل مهندس برمجيات أمريكى فى شركة ميتا على راتب سخى يصل إلى حوالى 250 ألف دولار أو أكثر سنويًا، وذلك فى الوقت نفسه الذى لا يزيد فيه راتب زميله الهندى، الذى يَعمل كمشرف محتوى فى الشركة نفسها على أكثر من 3500 دولار سنويًا.يعد استعمار البيانات جانبًا حاسمًا آخر فى تطوّر ظاهرة الإمبريالية الرقمية، حيث تتسابق أغلب شركات التكنولوجيا العملاقة من أجل الحصول على هذه السلعة الثمينة من مُستخدمى التقنيات الرقمية، ولاسيما فى دول الجنوب، من دون موافقتهم أو حصولهم على تعويض مناسب فى الأغلب الأعم. والمثال الأبرز على ذلك، هو الوثائق السرية التى سربها التقنى الأمريكى «إدوارد سنودن» فى 2013، حيث كشف فيها عن أن وكالة الأمن القومى كانت قادرة على الدخول المباشر إلى الخوادم الخاصة بالعديد من شركات التكنولوجيا عبر برنامج تجسّس رقمى عرف باسم «PRISM»، ما مكّنهم من اختراق رسائل البريد الإلكترونى، ومحادثات الفيديو والصوت، والصور، والاتصالات الصوتية ببروتوكول الإنترنت، وعمليات نقل الملفات، وإخطارات الولوج، وتفاصيل الشبكات الاجتماعيّة، لأشخاصٍ فى الخارج وفى الداخل الأميركى.تتجلّى الإمبرياليّة الرقميّة أيضًا من خلال فرض الهيمنة الثقافية. فالمدارس والجامعات الموجودة فى أغلب مناطق الجنوب، من الشرق الأوسط إلى إفريقيا وأمريكا اللاتينية، شكلت مواقع مثالية لاستعراض عضلات عمالقة التكنولوجيا أمام حكومات دول تلك المناطق تحت لافتة دعم «الطلاب المحرومين رقميًا». لكن الحقيقة أن جزءًا كبيرًا من هذا العطاء السخى يتمّ بهدف ضمان استخراج البيانات الطولية من مختلف أطراف العمليات التعليمية من دون أية عوائق تذكر. وغالبًا ما يتمّ توظيف المعلومات النّاتجة من تحليلها، بشكل يسهّل السيطرة على المحتوى التعليمى المقدَّم. صحيح أن استخدام التقنيات الرقمية الجديدة قد يجعل التحول الثقافى الإيجابى من خلال التعليم والتعلّم ممكنا، لكنه بالتأكيد لا يضمن حدوثه الفعلى أو اتجاهه أيضًا، لا سيما أن تقديم معظمها لا يزال مقتصرًا على اتباع نهج «تغليف الهدايا»، بمعنى أنها تستخدم كإضافة للأطر والممارسات التقليدية الراسخة بدلًا من كونها حافزًا لإعادة التفكير فيما ينبغى أن تكون عليه عمليات التعليم والتعلّم فى القرن المقبل. هذا بالإضافة إلى نتائج العديد من الدراسات التى أكّدت أن الاعتماد المفرط على التكنولوجيا الغربية فى هذه العمليات، يمكن أن يؤدى إلى تآكل التفكير النقدى لدى طلاب دول مناطق الجنوب، ما ينعكس سلبًا على قدراتهم فى مجال تحليل المعلومات وبناء الآراء بشكل مستقل.الواضح من جانب آخر أن الثقافات المحلية للدول النامية أصبحت تتعرض لضغوط شديدة لفرض قيم ونماذج معينة عليها عبر وسائل التواصل الاجتماعى، ومنصات بث الفيديو المباشر عبر الإنترنت (OTT) مثل نيتفليكس وأمازون برايم فيديو ولولو وغيرها. ويبدو أن العرض المتزايد للوصول إلى الإنترنت، العريض النطاق فى تلك الأسواق النامية، قد وفر فرصًا إضافية لتعزيز القدرة على تهميش السرديات والثقافات المحلية، لتحل محلها ثقافة عالمية تعطى الأولوية للقيم والمعايير الغربية. • • •من المؤكد أن آثار الإمبريالية الرقمية أصحبت مثيرة للقلق، لكن هذا لا يَنفى إمكانية وجود بدائل متعددة للمقاومة. فمنذ عام 1990، عملت بعض الحركات الشعبية مثل «جمعية الاتصالات التقدمية» (APC) من أجل ضمان إتاحة الوصول إلى الإنترنت على نطاق واسع، ودعمت العديد من المؤسسات القاعدية لاستخدام التكنولوجيا بهدف بناء قدرات المجتمعات المحلية والدفاع عن حقوقهم الرقمية، فضلًا عن دورها البارز فى مراقبة السياسات الحكومية المتعلقة بالاتصالات والمعلومات للتأكد من أنها تخدم المصالح العامة للجمهور، لا سيما من هم فى الجزء الجنوبى من العالم. علاوة على ذلك، يسعى كثر فى المجتمعات المتضررة إلى العمل على محو الأمية الرقمية، وتعزيز تشريعات حماية البيانات، ودعم مبادرات التكنولوجيا مفتوحة المصدر، وتشجيع إنتاج المحتوى المحلى، وتطوير بدائل للمنصات الرقمية الكبرى.• • •ختامًا، يبقى التأكيد على أن العمل من أجل غلق «الشرايين الرقمية المفتوحة» لدول الجزء الجنوبى من العالم، وتقليل الآثار السلبية لهذه الظاهرة الخطيرة، سيظل تحديًا كبيرًا يتطلب استجابة شاملة من مختلف الأطراف المعنية، وجهودًا تعاونية مستمرة وإرادة سياسية قوية لبناء أنظمة رقمية عادلة، تضمن أن تكنولوجيا الاتصالات والبيانات تستخدم فى خدمة الإنسانية، بدلًا من أن تكون أداة جديدة للاستغلال وفرض السيطرة. النص الأصلى: ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2024-12-11
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتبة اللبنانية، تهانى سنديان، تناولت فيه الأخطاء التى ينطوى عليها مصطلح «اللاسامية».. نعرض من المقال ما يلى: عندما أصدر المفكر الفرنسى الكبير روجيه غارودى كتابه المعروف: «الأساطير المؤسّسة للسياسة الإسرائيلية»، قامت الدنيا عليه ولم تقعد من طَرف الدوائر الصهيونية فى فرنسا، ونجحت بالطبع هذه الدوائر (نظرا لنفوذها القوى والمُتمادى فى بلاد بودلير) فى تقديمه للمحاكمة بتهمة النّيل من «الجنس اليهودى» و«معاداة السامية». كان ذلك فى العام 1995، وقال غارودى بعيد تبلغه أمر التقاضى بناء على التهمة المذكورة: «أعرف مسبقا دواعى شعار «معاداة السامية» وأهدافه، وهو مستخدم هنا فى غير محلّه، بل هو مقحم إقحاما وظيفيا فجا، لكن الصهيونية تفعل ما تريد، وتوصف كيفما اتفق، وتسخف كل رأى نقدى ضدها، حتى ولو كانت تَعرف، هى قَبل غيرها، أن هذا الرأى النقدى مفبرك ولا تاريخى».جدير بالذكر أن غارودى ينكر فى كتابه «الأساطير المؤسّسة للسياسة الإسرائيلية» مسألة المحرقة أو «الهولوكست»، ويرى أنها مجرد أسطورة تبنَتها الصهيونية لمزيد من تبرير احتلال فلسطين، وتسويق أمر اغتصابها أمام الرأى العام العالمى. وهو، استطرادا، يشكك فى الأرقام المتداولة حول إبادة يهود أوروبا فى غرف الغاز على أيدى النازيين، ويدعو فى المحصلة إلى الإقلاع عن هذه الأضاليل والأوهام ومحاولات تكريسها كحقائق ماثلة على الأرض.غير أن المحكمة الفرنسية مضت قُدما فى محاكمة غارودى وإدانته بتهمة التشكيك فى «المحرقة»، وأصدرت فى العام 1998 قرارا بسجنه لمدة سنة مع إيقاف التنفيذ. ومن بعد هذا الحكم القضائى الجائر بنظر كثر، داخل فرنسا وخارجها، صار بعض الإعلام الفرنسى، ومن على منواله فى الإعلامين الغربى والعالمى، يُروّج لتوصيف روجيه غارودى بـ «فيلسوف مُعاداة السامية»، وتوسّعت دائرة مثل هذا الكلام الإعلامى ضده من خلال الحملات العدائية المستمرة للماكينات الإعلامية الصهيونية التى لم تُعدم فرصة إلا ونالت منه، وظلت الأرجحية لها بالطبع، كونها هى السلطة العليا والمحرّكة لقوى التعصّب والتنافر والسيطرة والتعدى.• • •تجدر الإشارة إلى أن أول من أطلق مصطلح «اللاسامية» أو «العداء للسامية» أو «ضد السامية»، كان الصحفى الألمانى «ويليام مار» فى العام 1879، وكان يعنى به كُره اليهود أو مُناصبتهم العداء. فبعدما نشر هذا الصحفى فى العام الآنف الذكر كتيبا بعنوان: «انتصار اليهودية على الجرمانية: من زاوية نظر غير مذهبية»، أنشأ أيضا «رابطة المعادين للسامية»، ثم أطلق مجلة أسبوعية حملت اسم: «الأسبوعية المعادية للسامية».جاء أصل مصطلح اللاسامية من سام بن نوح، جد إبراهيم عليه السلام الذى أنجب إسماعيل من خادمته هاجر، وإسحق من زوجته سارة. ومن ولده إسماعيل تحدَر العرب، ومن ولده الثانى تَحدَّرَ العبرانيون أو اليهود. لكن علماء اللغات متفقون، وذلك منذ زمن سابق على زمن الصحفى الألمانى ويليام مار، أن ثمة أصلا مشتركا للغات العربية والآرامية والعبرية والسريانية والجعزية (لغة سامية جنوبية يرى البعض أنها تنحدر من اللغة الحميرية)... غير أن هؤلاء العلماء، وتأثّرا منهم بحكايات التوراة، أطلقوا على جملة تلك اللغات اسما واحدا هو «اللغات السامية».هكذا ارتكب ويليام مار خطأ مزدوجا باعتماده كلمة «سامية» ليشتق منها عبارة «العداء للسامية»، ويعنى بها العداء لليهود، ولليهود وحدهم؛ أولا، لأنه يَستخدم عبارة ذات دلالة ألسنية (اللغات السامية) للدلالة على معنى عرقى؛ وثانيا لأنه يقصر استخدام اللغة السامية على العبرانيين أو اليهود وحدهم، دون العرب ودون سواهم من الشعوب السامية الأخرى. ومن هنا السؤال: هل يجوز أن نسمى العرب الذين يكرهون اليهود بأنهم «لاساميون؟».العداء لليهود قديم فى التاريخ، ولم يدخل العرب دائرة العداء لليهود إلا فى مرحلة متأخرة من التاريخ الحديث (منذ بدء تنفيذ اليهود مشروعهم السياسى/ الدموى القائم على اغتصاب الأرض العربية: فلسطين وجوارها). كانت شعوب روما والإغريق تُعادى اليهود منذ ما قبل ظهور المسيحية التى لم تَخترع مشاعر العداء لليهود.فى العصور الوسطى كانت الكنيسة تَصف اليهود بـ«شعب سفاح»، لأنهم صلبوا السيد المسيح عليه السلام، وعوضا عن أن تناصبهم العداء، كانت ترغب فى الحفاظ عليهم، بوصفهم الشاهد الحى على الظلم الذى لحق بالسيد المسيح؛ فكان اليهود بذلك أتباع الدين الوحيد غير المسيحى المسموح له الوجود فى الغرب والانتشار بحرية فيه.فى العصور الوسطى، كذلك، أَصبح معظم اليهود يعملون فى قطاع المال والمصارف، مستفيدين مما كانت تَعظ به الكنيسة رعاياها المسيحيين، لدوافع أخلاقية، كتفادى، مثلا، التعامل بالربا وأرباح التجارة المُفرطة غير الشرعية، فكانت هذه الوظائف أو المهمات التى احتكرها اليهود تحديدا، سبب الحقد الذى كان المسيحيون الدائنون يكنونه لمدينيهم من اليهود وغير اليهود الدائرين فى فلكهم الاقتصادى.• • •من جهة أخرى، كان «الأب الروحى للدولة اليهودية» ثيودور هرتزل (1860-1904) يرى أن «معاداة السامية» هى حركة شديدة الالتباس والتعقيد، وأن على الدول الكبرى أن تعمل حثيثا على التخلّص منها؛ ولن يتأتى لها ذلك، إلا بعَملها على قيام دولة خاصة باليهود، تجذب إليها كلّ يهود الشتات؛ إذ ذاك فقط (برأيه طبعا) تتخلص سائر الدول والمجتمعات التى تضم يهودا بين ظهرانيها من عبء ظاهرة اسمها «معاداة السامية». وكان هرتزل جادا وصريحا للغاية فى دعوته هذه، بدليل أنه أدرجها بندا متقدما على ما عداه فى المؤتمر الصهيونى الأول الذى انعقد بزعامته فى مدينة بازل فى سويسرا فى العام 1897، وكان من أهمّ نتائجه إعلان: «المنظمة الصهيونية العالمية» والتى كان على رأس أولوياتها «قيام وطن قومى لليهود فى فلسطين».على أن هرتزل الذى مات فى العام 1904عن 44 عاما، ولم يشهد، بالتالى، قيام الدولة العبرية، كان قد وضع فى نهاية العام 1895 كتابه الشهير: «الدولة اليهودية»، والذى أورد فيه مُغالطات معرفية واضحة للعلم والمنطق، فى طليعتها جعْل اليهود يشكلون تجمعا قوميا خالصا بذاته، بينما هم جماعة دينية ليس إلا.كما ركّز فى كتابه على فكرة أنه فى حال قيام «الدولة اليهودية»، فسيكون عندها فقط فى مكنة اليهود تجنُب مسألة «معاداة السامية».. بخاصة أن الأمم التى يعيش فى وسطها اليهود هى جميعها، كما يقول «مُناهضة للسامية بشكل علنى أم مستتر».على مستوى آخر، وَجد هرتزل فى رحيل اليهود من البلدان الأوروبية إلى فلسطين، فرصة سانحة لهم لإنهاء العداء للسامية. يقول فى الصفحة 11 من كتابه «الدولة اليهودية»: «إن رحيل اليهود لن يؤدى إلى اضطراب اقتصادى أو أزمات أو اضطهادات. إن البلاد التى سينزحون منها سوف تفيق على مرحلة جديدة من الرخاء، فسوف يكون هناك هجرة داخلية للمواطنين المسيحيين ليحتلوا المراكز التى تركها اليهود؛ وسيكون التيار المنسحِب بطريقة تدرجية ومن دون اضطراب. وسوف تضع أول خطوة فى هذه الحركة نهاية العداء للسامية».وقارئ كتاب هرتزل المذكور يلحظ، أول ما يلحظ، تردُد مصطلح «معاداة السامية» على طول عناوين موضوعات الكتاب تقريبا. والكتاب بالمناسبة لا يتجاوز تعداد صفحاته الـ61 صفحة فقط. ومن أبرز عناوينه: «أسباب العداء للسامية»، «آثار العداء للسامية»، «ظاهرة الجمهرة»، «نسيجنا الإنسانى»، «جمعية اليهود والدولة اليهودية»، «كفيل اليهود»، «احتلال الأرض»، «الدستور»، «اللغة»، «الجيش»، «العَلمْ»، «منافع هجرة اليهود»… إلخ.ويورد هرتزل فى خاتمة كتابه هذا النداء لإخوانه اليهود، بعد تشجيعه لهم طبعا على التصدى للمعادين للسامية: «فيا إخواننا اليهود؛ هذه هى «أرض الميعاد»!.. لا أسطورة هى ولا خدعة. وكل إنسان يستطيع أن يختبر حقيقتها بنفسه، لأن كل إنسان سيحمل معه قطعة من أرض الميعاد: بعضها فى رأسه، وبعضها بين ذراعيْه، وبعضها فى ملكيته المُكتسبة». النص الأصلى: ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2024-04-20
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالًا للكاتب الكويتى منصور مبارك، تناول فيه عداء مودى لمن يدينون بالإسلام. إذ انتمى مودى يافعا إلى منظمة قومية شبه عسكرية RSS هى منظمة التطوع القومية «راشتريا سوايامسيفاك سانج»، مكونة من الذكور الهندوس، تأسست فى عام 1925، وتضمّ ما يربو على ستة ملايين يافع يتوزعون على خمسين فرعًا داخل الهند، ومستنسخة من ONP منظمة الشبيبة الفاشية الإيطالية" التى تأسَّست بين الحربَيْن العالَميّتَيْن. وتُعد هذه المنظّمة الخزّانَ البشريّ لحزب "بهاراتا جاناتا". وتقدِّم للفتيان دروسا فى القوميّة الهندوسيّة وتمارين على فنون القتال، والأهمّ من ذلك بثّ مشاعر الفَخر والانتماء الهندوسى فى دواخلهم. ومنظروها من أمثال سارفكار وديوراس وأدفانى، كانوا المُخطِّطين للعنف العنصرى فى التاريخ السياسى المعاصر للهند، مثل اغتيال المهاتما غاندى، ومذبحة غوجارات، وتدمير جامع باربرى. وكل من المنظمة والحزب تحكمهما عقيدة واحدة تلخصها فكرة أن الهند أمة للهندوس يحوم حولها دخلاء، ما يستلزم عملهما على توحيد الهوية الهندوسية وتعبئتها. كان الآباء المؤسسون للقومية الهندوسية هم أهل التحريض على العنف ضد المُسلمين الهنود فى التاريخ المُعاصر. على سبيل المثال، فى ديسمبر 1938، بعد أسابيع فقط من ليلة الكريستال التى نفّذت فيها الوحدات النازية مذابح ضد اليهود، أَعلن المفكر القومى الهندوسى «فى. دى. سافاركار» أنّ «المُسلمين الذين يُعارضون المصالح الهندوسيّة سيكون مصيرهم كمصير اليهود الألمان». وأعلن الرجل الثانى لـRSS، إم إس جولوالكار، أن «تطهير ألمانيا للبلاد من العرق السامى (اليهود) هو درس جيد لنا». يضيف الكاتب أن جزءًا رئيس من أجندة حزب بهاراتيا جاناتا تضمّن تحريف التاريخ، بهدف شيطَنة المسلمين، واتهامهم زورا بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية. وذلك على الرغم من إقرار مؤرّخى الهند قاطبة أن المسلمين ليسوا سوى الهندوس الذين دخلوا الإسلام على مراحل متباينة، وقليلا منهم وفد من الخارج. وغالبًا ما يركز القوميون الهندوس فى أذيتهم وتنميطهم للمسلمين على حقبة حكم المغول لمناطق فى شمال الهند ووسطها بين عامين 1560 و1720. وملخص الرواية الهندوسية التآمرية أن المغول مارسوا اضطهادًا وتمييزًا منظّمًا ضد الهندوس. غير أن هذا الادعاء لا يعدو كونه أكذوبة جرت فبركتها إبان الحكم الاستعمارى البريطانى لدق إسفين الخلاف بين الهندوس والمسلمين وصرف الانتباه عن حكمهم الاستعمارى. والقوميون الهندوس يلوكون هذه الأكذوبة البريطانية فى الوقت عيْنه الذى يتهمون فيه المُستعمر البريطانى بتزوير التاريخ الهندى. هذا الضيق بأبناء الوطن المسلمين طبقته سياسات مودى على الإرث الحضارى الهندى، فأصبحت شواهد الحضارة الهندية مثل «تاج محل» محض نصب تذكارى مغولى شيّده الغرباء على أنقاض معبد للآلهة شيفا، ما يستوجب إلغاءه من المناهج المدرسية والمنشورات السياحية. وقد أقدمت الحكومة الهندية بالفعل على حذف تاريخ المغول من الكتب المدرسية. وهكذا فإن الأجيال اللاحقة من الهنود ستكون جاهلة بحقبة مهمة من تاريخها. مودى الهارب من تاريخه الشخصى كفلتْ له تشابُكات السياسة بين الدول دورًا على الساحة العالمية. ففى أعقاب انتخابه رئيسًا للوزراء فى عام 2014، عرض مودى نفسه للعالم الغربى كشريك ديموقراطى موثوق به قادر على مُواجهة النفوذ الصينى المتنامى، وبذريعة المصالح المتبادَلة. فالهند محاطة بالصين وباكستان، وهما عدوان تاريخيان متحالفان ضدها، ويمتلكان، كما الهند، سلاحًا نوويًا. وصانعو السياسة الهندية ينظرون إليهما كتهديد وجودى، فالباكستان ما انفكّت تدعم الحركات الإسلامية فى شبه القارة الهندية، وبخاصة كشمير، وخاضت ثلاث حروب ضد الهند. والصين، بدورها، توّجت نِزاعًا حدوديًا واستراتيجيًا مع الهند بحربيْن فى ستينيات القرن العشرين. كما أنها تطوق الهند، بإحكام، بتحالفات على حدودها الشمالية والشرقية والجنوبية.• • •تطرق الكاتب إلى فكرة الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية بقيام تحالف غربى هندي-والتى تلقفها مودى بسرعة- يتيح لأنظمة ديمقراطية إحكام سيطرتها على ممرّ بحرى حيوى، بخاصة أن ذلك جَعل الطرفيْن قادرين على قطع الطريق على مشروع الرئيس الصينى شى جين بينج «طريق الحرير»، الممتد من جنوب شرق آسيا إلى منطقة الهند الصينية، نزولًا إلى سريلانكا، ومن ثم صعودًا إلى باكستان وجيبوتى، وتحرسه قواعد عسكرية سمتها الصين «اللآلئ». وتمّ الإعلان رسميًا عن المشروع الغربى الهندى على هامش قمة مجموعة العشرين فى الهند، وضم فى عضويته الهند والسعودية والإمارات والأردن وإسرائيل، وكذلك فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمفوضية الأوروبية، وقد تلتحق به اليابان. ويمتد الممر الهندى الأوروبى لأكثر من ثلاثة آلاف ميل، ويتكوّن من ممرّ شرقى من الهند إلى الخليج العربى، وآخر شمالى يربط الخليج بأوروبا، وتلتئم أطرافه بخطوط للسكة الحديد وممرات ملاحية، وتنشأ مصاحبة له شبكة كهرباء متكاملة تعمل بالطاقة المتجددة فى دول مجلس التعاون الخليجى مترابطة مع أوروبا والهند. وفى سعيه لكسْب مودة الغرب، اجترأ مودى على أمر لم يقم به أى رئيس وزراء هندى من قبل، وهو زيارة إسرائيل، فكل الحكومات الهندية، وحرصا على وشائج تاريخية وحضارية متميزة وفريدة من نوعها تربط الهند بالعرب، لم تُقدم على علاقات علنيّة مع إسرائيل. ورمى مودى فى زيارته إلى تل أبيب إلى بناء شراكة أمنية طويلة الأمد مع إسرائيل، وأبدى إعجابه باليمين الإسرائيلى وزعيمه بنيامين نتنياهو. مودى فى هذا كلّه، انقلبَ على تراث راسخ فى السياسة الهندية تجاه العرب والصراع العربى - الإسرائيلى. فالهند أول دولة فى العالم تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثّلًا شرعيًا للشعب الفلسطينى فى عام 1974. كما اعترفت بالدولة الفلسطينيّة فى عام 1988، ولم تُقِم أية علاقات مع إسرائيل إلا عقب مؤتمر أوسلو فى عام 1992. هذا المَيل لإسرائيل عبّرت عنه حكومة مودى فى إدانتها الفورية لعملية «طوفان الأقصى» فى 7 أكتوبر 2023. كما تماهت مع السياسة الإسرائيلية فى مُعارضة أية هدنة إنسانية لوقْف القتال، ونظّمت الهياكل السياسية لليمين الهندى المتطرّف مسيرات حاشدة دعما لإسرائيل. هذه الانتهازية الرخيصة استقصدت رمى حجارة الكراهية لاصطياد هدفيْن: تأجيج خطاب الإسلاموفوبيا وانتزاع سيادة هندوسية على الأقلية المسلمة فى الهند. لكن العدالة والمساواة التى ينظّر لها مودى فى خطاباته لا تكترث للهندوس أنفسهم، وهم من قارَع، أبًا عن جد، ثالوث الفقر والمرض والأمية. إذ إن مودى الذى نصّب نفسه زعيما للفقراء أَبرم اتفاقات اقتصادية مع شركات صناعة الأدوية العملاقة العابرة للقارات، وأغدق عليها الأراضى على حساب مجتمعات محلية من الفلاحين الفقراء.• • •تأتّى عن سياسة كسْب ود رأس المال المعوْلَم تعرّض الهند لأعلى معدلات التلوث السام، فتفشّت الأوبئة وهجر آلاف الفلاحين أراضيهم فرارا من الموت. ومودى ماض فى بيع الأراضى لشركات الأدوية، فهناك أكثر من 140 شركة عالمية ومصنع تشييد سنويا، وكلّ منها سينفث سمومه فى الأرض والمياه والهواء. فضلًا عن ذلك، يقيم مودى تحالُفًا مع حيتان المال فى الهند، وهذا ليس جديدا، ففى أعقاب مذبحة غوجارات، انبرى رهط من رجال الأعمال لتأسيس "رابطة نهضة غوجارات"، وأقاموا قمة استثمارية سُمّيت "غوجارات النابضة" فى عام 2003، وعلى هديها جرى صوْغ ما عرف بأنموذج غوجارات للتنمية، عماده قومية هندوسية متوحشة تترعرع فى أحضان حيتان المال الهندوس. هؤلاء الأثرياء هُم المُنافحون الأبرز عن سياسات مودى، وينفقون بسخاء على مشروعه لـ«عبادة الشخصية»، وهو الذى أصبح يسبق اسمه لَقب الزعيم، ويُنعت بين جماهير الهندوس بألقاب أخرى، مثل موحّد الصوت الهندوسى، وإمبراطور القلوب الهندوسية. وردّ مودى الفضل للأثرياء من خلال مساعدتهم على تعظيم ثرواتهم بطرائق تفوح منها رائحة الفساد والمحاباة.• • • إن هذه الشهية المفتوحة على الكراهية والفساد والرعونة السياسية لم تكُن بأى حال من الأحوال سمات سياسى طامح لأن يكون زعيمًا عالميًا، وعالَمنا المعاصر سخى بنماذج مشابهة. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2024-04-09
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالًا للكاتب مصطفى حجازى، تناول فيه أشكال صمود أهالى غزة فى وجه الآلة الإسرائيلية التدميرية للتأكيد على حقهم فى الحياة، ودور المقاومة الفلسطينية الباسلة فى إحياء القضية الفلسطينية على الساحة الدولية، وكشف زيف إدعاءات الغرب بشأن حقوق الإنسان.. نعرض من المقال ما يلى: ليس سهلًا الكتابة عن الحرب فى غزة. فما يجرى من عدوان ومجازر إبادة جماعية وبطولات مقاومة يخرج عن قدرة الكتابة العلمية توصيفًا ومصطلحات وتحليلات. ما جرى ويجرى فى غزة يحتاج إلى بيان آخر يوصف أهواله وإنجازاته وتحليل ظواهره، ما يتطلب فرقًا بحثية مختصة ومتآزرة تدرس هذه الحرب فى العمق والشمول والمستويات. وبالتالى ستقتصر هذه المقالة محدودة الحَجْم على التوقّف عند بعض مظاهر هذه الحرب. بادئ ذى بدء لا بدّ من التأكيد على أنّ الحرب ليست ضد هذا الفريق أو ذاك من المقاومة، ولا هى ضد فلسطينيى غزة وحدها، وإنما نحن أمام مشروع كبير وطويل النفس للسيطرة على المشرق العربى وفصله عن مغربه، منذ غزو نابليون لمصر قبل قرنين من الزمان. كما أنه تكرس بوعد بلفور قبل ما يقرب من ثلاثة عقود من المحرقة النازيّة لليهود. إنه يسبق كثيرًا الادعاء بالحق بإقامة وطن آمن لليهود. • • • نتوقف بعجالة عند أمور ثلاثة يحتاج كل منها إلى أبحاث مستفيضة قائمة بذاتها: بطولات المقاومة؛ مخطط الإبادة والتطهير العرقى الذى تُمارسه إسرائيل وصمود الأهالى إزاء مجازر الإبادة ومِحن الاعتداءات. يُجمِع المحللون العسكريون والسياسيون على أن الحرب فى غزة تشكل بكل المعايير أنموذجًا إبداعيًا فى فنون مقاوَمة جيش العدو الإسرائيلى. ويذهب بعضهم إلى القول إن هذه المقاومة وفنونها سوف تدرس فى المعاهد العسكرية نظرًا لفرادتها وفاعليتها. إنها إبداع حرب الأنفاق ومفاجأة العدو من الخَلف، ومن مسافاتٍ صفريّة أعد لها بتخطيط متقن وطويل النَّفس. أو ليس إبداعًا استخدام المظلات الشراعية بمثابة وسائل إنزال مظلى على ما يُسمى غلاف غزة وأَسر الضباط والجنود فى مَهاجعهم؟ إلا أن هذه النماذج الخارجة عن المألوف، ما كانت لتُنفذ بهذا الاستبسال والإقدام والفاعلية لولا الإيمان الراسخ بالقضية الكبرى والحق فى الوجود؛ ما يَجعل المستحيل مُمكنًا ويُفجر طاقاتِ العطاء الحيوية محطمًا كل العوائق وقاضيًا على كل المخاوف، وأولها الخوف من الموت. وإذا تم التغلب على الخوف من الموت إيمانًا بالقضية الكبرى لا يعود هناك من خوفٍ مُمكن من أى خطر، بل تسابق على الشهادة من أجل الظفر بالحق فى الوجود. ولن تتضح صدقية هذا الكلام إلا بعد أخْذ شهادات هؤلاء المُقاومين وكيف جابهوا آلة الحرب الإسرائيلية فائقة التقنية وتعامَلوا معها، من خلال الإيمان بالقضية الكبرى فى حق الوجود بكرامة وجدارة واستردادًا لإنسانيتهم. نحن لسنا بصدد عدوانية محدودة تتصف بالوحشية، والوحوش منها براء، فهى لا تمارِس سلوكها العدوانى إلا فى حالات محددة: الصيد؛ والدفاع عن الصغار؛ والدّفاع عن المجال الحيوي؛ والتنافُس على التزاوُج. الإنسان فقط يتفنَّن فى العدوان ويتلذَّذ به فى حالات من التشفي. عدوانية الإنسان مفتوحة النهاية تمامًا كما ملائكيّته فى المقابل. الإنسان فقط يَشعر بالزهو والمتعة خلال مُمارسة حرب الإبادة، توكيدًا لقدراته وجبروته؛ من مثل ذلك الضابط الإسرائيلى الذى تباهى أمام وسائل الإعلام بأنه سيقدم عملية تفجير مبنى على ساكنيه هدية لابنته فى عيد ميلادها. تقوم إسرائيل على حالة مرضية تتمثل بثنائية العصمة وما فوق البَشر، فى مقابل التهديد الوجودي. وكلما بَرَزَ التهديدُ، تصعدت المُمارساتُ العدوانية وعصمة ما فوق البشر لتعزيز الطمأنة الذاتية. وذلك من خلال التغول بالدم والقتل واستعراضه على شاشات التلفزة، من قَبيل التنكيل بالأطفال الخدج وترْك جثامينهم لاستعراض العنف وإظهار الجبروت، وبحيث تحول الجندى الإسرائيلى إلى مجرد آلة قتل. أوَلم يَصِف وزيرُ الدّفاع الإسرائيلى الفلسطينيين بأنهم حيوانات وليسوا بَشرًا، وبالتالى لا حرمة لحياتهم؛ كما لو أنّ إبادتهم ليست تعدّيًا على كائناتٍ بشريّة لها حرمتها؟ إذ لا يُمكن نفسيًّا استباحة دمّ الآخر إلّا بعد سحْب صفته الإنسانيّة منه وتحويله إلى أسطورة الشرّ التى تشكل إبادتها عملًا نبيلًا. وكذلك بعد تحويله إلى مكب للنفايات النفسيّة الذاتيّة ووهْم التطهير الذاتي. هذا مع العِلم أنّ الفلسطينى ساميٌّ مثله مثل اليهود الآتين من أربع رياح الأرض لإقامة دولة إسرائيل ذات الهويّة اليهوديّة الخالصة. وهكذا تُدمر إسرائيل كل مقوّمات الحياة فى غزة، بدءًا بالعمران ومرورًا بتهديم المبانى على ساكنيها، وكذلك تدمير المستشفيات وقتل مرضاها وأطبّائها، واللّاجئين إليها، واستهداف سيّارات الإسعاف ومَن فيها، وضرب كل مقومات الحياة بقطع الماء والكهرباء والغذاء، وانتهاء بمؤسسات التعليم من مدارس وجامعات وأساتذتها، وحرب التجويع والتهجير القسريّ. هذا التهجير القسرى يحمل معنى الهزيمة الكيانية، ومن هنا التشبث بالأرض. فالموت أخف وطأة من ذل التهجير، وما يعنيه من عجز وهوان وفقدان السيطرة على المصير، ما يَجعل من العسير تحمل صورة الذات. ما تعجز الكلمات عن وصفه، تنقله شاشات التلفزة بفصاحةِ الصورة وقدرتها التعبيريّة من ألوان كوارث الإبادة التى يتعرَّض لها أهالى غزّة: الساحات المليئة بأشلاء الجثث، الأكفان المتراصّة لأجسام الضحايا والمَدافن الجماعيّة، إخراج الناس من تحت أنقاض المبانى المدمَّرة بالغارات، مشهد بعض الأشخاص الناجين الذين فقدوا كلّ أفراد أسرهم دفعةً واحدة، تلك الطفلة التى أُخرجت من تحت الركام وهى معفّرة بالدماء والغبار والتى فقدت سائر أهلها، نظرات الأطفال المذهولين، وهُم فى حالة جمود، وكذلك العمليّات الجراحيّة وبتْر الأعضاء المُصابة من دون بنج. • • • إنّنا هنا فى ما يتجاوز ما يُسمّى اضْطرابات ما بعد الصدمات PTSD الشائعة، وبحاجة إلى توصيفاتٍ نفسيّة مُغايرة وفريدة. كما أنّ الدليل التشخيصى الإحصائى الخامس DSM5 الذى يوصِّف الاضْطرابات النفسيّة والعقليّة عاجزٌ بدَوره عن الإحاطة بهذه المِحن النفسيّة. المَبيت فى العراء تحت المطر على أنقاض المنازل، كلّها مشاهد فوق احتمال البشر، ولم يتبقّ للإنسان الذى ظلَّ على قَيد الحياة سوى ترداد عبارة «حسبنا الله ونعم الوكيل» مرّات ومرّات، وتسليم أمره إلى الرحمة الإلهيّة. وأمام أهوال هذه الكوارث المتكرّرة يصمد مَن تبقّى على قَيد الحياة. وتتصدَّر المشهَدَ عمليّاتُ التآزر والتعاضُد والمُسارعة إلى النجدة والتشارُك فى كلّ شىء فى حالةٍ من الانصهار الجماعى، والمُسارعة إلى البذْل والعطاء لدرجة المُخاطرة بالحياة. المَخابز توزِّع مخزونَها من الطحين على الناس، ووكالات الأدوية تَفتح مخازنها للجمهور وتوزّعها على المستشفيات والمستوصفات التى ما زالت تعمل فى ظروف خارجة عن كلّ احتمال. إنّها الفاعليّة الجماعيّة التى تُطلق طاقات الحياة والبَذل والعطاء إلى أقصى مَداها متسلّحة بالإيمان وما يوفّره من استنفارٍ لقوى الحياة. إنّه الإيمان بالحقّ فى الأرض والوجود والعناية الإلهيّة. وكذلك التضحية بالحياة للمُسارعة إلى الحصول على حقَنِ بنجٍ مخصَّصة للحيوانات لاستخدامها فى جراحات المصابين بعد انقطاع وسائل التخدير. إنّها صفحات من مِحن الإبادة، وما يقابلها من إطلاق طاقات الحياة والفاعلية الجماعية والإصرار على الحق فى الوجود، تستحق أن تُسجل وتوثق بتفاصيلها، وصولًا إلى بحثها واستخلاص دروسها غير المسبوقة. فالجماهير لا تُهزم إذا تسنّى لها القيادات التى تكون بمستوى التحدّيات. ذلك ما تُعلِّمنا إيّاه تجارب الشعوب التى تحقِّق ما يبدو مستحيلًا. فالمعركة لا تزال مفتوحةً، ليس فى غزّة وحدها، وإنّما فى العديد من الأقطار العربيّة، ومن الوهْم الاعتقاد بالخلاص الفردى وبأنّنا غير مَعنيّين، وغير مُستهدَفين. فى المقابل تَبرز على الساحة العالميّة حركاتُ المؤازرة الشعبيّة وحشودها الهائلة لدعْم حقْ الفلسطينيّين فى الوجود، والاحتجاج على مشروع القتل والإبادة غير المسبوقة فى التاريخ الحديث. نعم فَرضتِ المقاومةُ القضية الفلسطينية من جديد على الساحة العالمية، شعبيًا وجماهيريًا، وكشفت زيف ادعاءات الكيانات الغربية السياسية بالدفاع عن حقوق الإنسان. ولكن قَبل هذا كله أين هى الجماهير العربية وأين هو حراكها؟ وماذا أصابها؟ تساؤل كبير مطروح علينا جميعًا، وعلى مثقفينا فى الدرجة الأولى. النص الأصلى https://bit.ly/3U8Rl0w الاقتباس إنها صفحات من مِحن الإبادة، وما يقابلها من إطلاق طاقات الحياة والفاعلية الجماعية والإصرار على الحق فى الوجود، تستحق أن تُسجل وتوثق بتفاصيلها، وصولًا إلى بحثها واستخلاص دروسها غير المسبوقة. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2024-03-31
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالًا للكاتب محمود برّى، تناول فيه بعض التساؤلات حول كيفية بقاء آثار الحضارات القديمة ماثلة أمامنا حتى الآن (مثل أهرامات الجيزة) شاهدة على عظمة وتقدم مؤسسيها، فالغموض المحيط بإنجازات هذه الحضارات أدى إلى نسج عديد الحكايات والأساطير حولها. ويوضح كاتب المقال أن التكنولوجيا الحديثة ما زالت عاجزة عن كشف أسرار تقدم هذه الحضارات، وهذا ما يثير دهشته.. نعرض من المقال ما يلى:أيّ حضارات ذكية هى التى سادت أُمّنا الأرض فى العصور القديمة؟ ما حقيقتها الباهرة؟ ماذا عن حكاياها وأسرارها؟ كيف أَنجزت ما يعجز الإنسان اليوم عن إنجازه وحتّى عن فهمه؟ وأين اختفت التكنولوجيا المتقدّمة التى استخدمتها؟أهرام الجيزة فى مصر، هياكل بعلبك فى لبنان، الإنشاءات الحجريّة العملاقة فى ستونهيش فى إنكلترا، هَرَم الشمس فى المكسيك، خطوط نازاكا فى البيرو، تماثيل مواى فى جزيرة القيامة.. وغيرها، كل هذه الإنجازات الحجرية العجائبية المُذهلة كانت من ثمار حضارات متقدمة وباهرة لا نعرف عنها إلا القليل ونجهل تمامًا كيف، ولماذا انتهت واختفى صُنّاعها.إن كانت إنجازاتهم التى ما برحت قائمة وتتحدى الزمن، صحيحة وواقعية، وهى كذلك بالفعل، فلماذا انقرضوا مع علومهم وانتهوا وخلفوها؟ هل كانوا من أهل الأرض أم من كوكب ما فى الفضاء اللّا متناهى.. وقد عادوا إليه؟ وإن كانوا «من هناك» فلماذا جاءوا إلى الأرض.. ولماذا هجروها؟لا بد أن نكون منطقيين وواقعيين الآن إذ لا مكان للمخيلة.. ما يجرى الحديث عنه من مخلّفات وآثار وهياكل وأدوات، هو واقع حقيقى قائم وملموس ويُمكن لمَن يشاء معاينته، ومختلف آثاره ما تزال قائمة ويزورها الهواة والسياح والعلماء والعامة. وواقعها الراهن يؤكّد أنها بنات حضارات بالغة التقدّم، قامت على تقنيات مذهلة مما لم يتوصل إليه البشر اليوم. فلماذا اختفى صانعوها.. وأين.. ولماذا؟من حُسن الحظ أن لا شىء فى الطبيعة يَمضى من دون أن يترك خلفه أثرًا. وما دام الأمر كذلك، فلماذا هَجَرنا أولئك العباقرة.. وأين أحفادهم والشعوب التى انتموا إليها والمُجتمعات التى عاشوا فيها وأورثوها علومهم؟ بل كيف يُمكن لمُجتمعات متقدّمة ومتطوّرة إلى هذه الحدود أن تختفى هكذا من الوجود كأنها لم تكن؟الأسئلة المطروحة كثيرة، وثمة المزيد منها، وليس لدينا أجوبة. لكن بدلًا من إدارة الظهر والانصراف إلى شأن آخر، أقترح التكهّن بداية لعل ذلك يوصل إلى مكان معقول. لا أقترح على أحد ولا أطلب من أحد ولا أُلزم أحدا أن يأخذَ بما آخذ به. إنما لِنَدع الأمور تسير فى مجاريها. فالأنهار ينبغى لها أن تنتهى إلى البحر.نعرف جميعًا أن كل ما هو معدن سينتهى مع تقادم الأزمنة ويبلى وينقلب إلى أكوام من مسحوق الصدأ لا يلبث أن يتآلف مع التراب ويختلط به ويتلاشى فيه. وفى المقابل نعرف أيضًا أنّ الحجر يبقى شريك الدهر. ومثله المنشآت المبنيّة. لذا فإنّ عندنا أهرامات الجيزة مثلًا، وهياكل بعلبك، وأهرامات المايا، والتمائيل العملاقة فى غير نقطة من الكرة، وكلّ تلك البقايا الحجريّة المشغولة من حضارات سادت ثم بادت. والغريب أنه من النادر العثور على آلة معدنية مصنّعة من تلك التى استخدمتها أقوام حضارات ذلك الأمس المبهم، فى حين أن الأشكال المبنية والتى أقاموها من الحجر ما انفكّت قائمة، ولذلك بقيت أو ربما لتحيرنا حكاياها، بما يكتنفها من غموض وخرافات وأساطير.• • •لنَرجع قليلًا إلى الأسطر التى سبقت، إلى الأهرام وهياكل بعلبك. كيف نجح الذين بنوا تلك الإنشاءات العملاقة فى بنائها؟ كيف تمكّنوا من رَفْع تلك الحجارة الطينية المصقولة، التى كانت غير قابلة للرفع بيَد الإنسان وقوته الجسدية، وتثبيتها؟ هل توصّلوا فعلًا كما يعتقد البعض إلى تقنيات غريبة كمثل التحريك بالصوت كما تقول إحدى النظريات العلمية الحديثة الجادة؟يدعى البعض مثلًا امتلاك القدرة على تحريك الأشياء عن بعد، ومن دون لمْسها، وذلك من خلال ما يعرف بالـTelekinesis، أى تحريك الأشياء بواسطة العقل! فهل هذا صحيح؟! أم أن القدماء نجحوا فى ذلك من خلال تكنولوجيا نظريّة «تفريغ الجاذبية» فى منطقة معينة من مكان محدّد، مما لا تقل غرابة وإدهاشا، بحيث يصبح بالوسع رفع حَجر بوزن خمسين طنًا بإصبع؟ثم هناك نظرية تحريك الأشياء بالصوت. بعض العلماء فى عصرنا الراهن اشتغلوا على هذه النظرية، وكانت المفاجأة أنهم حقّقوا شيئًا من النجاح فى ذلك. فقد تمكّنوا بالفعل من تحريك بعض الأشياء عن طريق إثارة نوع من النّغم. يبدو أن هذا نمط مستغرب من العلم يصاهر الخيال، لكنه حقيقة. وليس لنا أن نحكم بخطأ أو بخُرافية كل ما لا نعرفه اليوم؛ فربما لم نَصل بعد إلى المستوى العلمى والتكنولوجى الذى كانوا عليه، أعنى إلى المعرفة التى حقّقها، أو بَلغها، أو سيطر عليها بناة هياكل بعلبك وأهرامات مصر، الذين رفعوا تلك الإنشاءات المذهلة لتصمد أمام الزمن إلى يومنا هذا.هنا اقتراح من أعمال التكهّن، لكنه أيضًا نظرية لا يجوز إغفالها، تقول بهذا الخصوص إن بُناة الأهرام ربما حصلوا معرفة متقدمة من بقايا حضارة أخرى ضائعة وقديمة من بقايا سكان آتلانتس مثلًا، القارة المفقودة، بحسب الإغريقى أفلاطون.. وهذا احتمال لا أكثر.• • •بين سنة وأخرى فى عصرنا يتوصّل البشر إلى اكتشاف أحافير، وما تختزنه من آثار لا أحد يعلم عنها شيئًا. اكتشافات غامضة. من هنا تتسلّل الخرافات والأساطير التى تشغل المعرفة البشرية وتتناقلها الأجيال. مُدن مدمّرة، وإنشاءات حجرية غريبة متبقية من حضارات تدمّرت وتركت آثارها كشواهد على ذلك الماضى. وكلها دلائل على وجود حضارات سابقة.أحد الأمثلة هو ما تم العثور عليه مثلًا فى مدينة «ولبرتن» فى ولاية أوكلاهوما الأمريكية فى عام 1912؛ حيث وَقع عاملان من محطة كهرباء على قطعة فحْم كبيرة لم يتمكّنا من إدخالها إلى الفرن لضخامتها، فعمدا إلى تكسيرها. عندها عَثرا فى داخلها على ما يشبه قِدْر معدنى. فَحَص العلماء المُختصون هذا القِدْر فوجدوه حقيقيا وممتاز الصّنع. ما الذى جعَل هذا القِدْر داخل صخرة من الفَحم أظهرت العلوم العصرية أن عمرها حوالى مليون سنة؟بعد ذلك تمّ العثور على أشكال معدنية غريبة من مادة ثقيلة للغاية وغير معروفة. وبعده عثَر عمّال غيرهم فى روسيا على أشكال معدنية أخرى مبهمة النّوع ومملوءة بالأخاديد، فى منجم على عمق حوالى تسعمائة متر. وبعد فحوصات طويلة لم يستطع العُلماء قول أيّ شيء عنها، سوى أنّها تعود إلى مقدرة تقنية عالية جدّا، وأَظهر الفحص أنّ عُمرها يزيد على ثلاثمائة مليون سنة.ثمّ يأتى دور خريطة «بيل ريتس»، وهذه أشبه بأعجوبة.وفقًا للبيانات، فالقارّة القطبية الجنوبية كانت متجمّدة منذ 34 مليون سنة. لكن، ونظرًا لما تُظهره الخريطة المذكورة، وتشير إليه من تفاصيل تكاد لا تصدق، فمن المؤكّد أنه جرى رسمها بتلك الدقة العلمية الباهرة قبل أن تتجمد القارة القطبية.مَن كان بإمكانه رسم خريطة صحيحة، وبهذه التفاصيل، غير عالِم يمتلك معرفة عالية وتقنيات باهرة، وهذا قبل أكثر من 34 مليون سنة؟ هل كان تحت تصرّف تلك الحضارة التى أثمرت الخريطة، أقمار صناعية تمكّنوا بواسطتها من تحديد معالم تلك الخريطة بهذه الدقة؟ثم ماذا عن «بطارية بغداد»؟معروف اليوم أن هذه التسمية تطلق على بضع قطع فخارية صنعت فى بلاد الرافدين خلال حكم الساسانيين أو ربما فى مرحلة الحضارة البارثية قبل نحو أكثر من 2000 عام، وتبيّن أنها بقايا بطارية مما نعرف أحفادها فى هذا العصر، وكانت تخزّن طاقة كهربائية، مثلها مثل البطارية التى تُشغل محرّك السيارة اليوم.وماذا عن بقايا آثار الحمض ــ acid فى بعض ممرّات الهرم الأكبر فى مصر، فهل كان الفراعنة ينتجون الكهرباء؟أخيرًا، وليس آخرًا، ماذا تعنى تلكم الإشارة اللاسلكية التى التقطها تلسكوب «الأذن الكبيرة»، والتى لم ينجح العلماء إلا فى ترجمة عبارة واحدة منها، مؤداها: «إنْ لم تتطوّر فسوف تختفى»!!من المحرج أن يكون لدينا فى القرن الحادى والعشرين كل هذا القدْر من التساؤلات والحيرة. ليس فى يدنا سوى الانبهار وأسئلة كبيرة ننتظر أجوبتها.. وعسى ألا يطول الانتظار. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
المصري اليوم
2024-03-28
يقول المتنبى: «خير جليس فى الزمان كتاب». وليس ثمة شك فى أن تقدم الأمم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالكتاب والقراءة. وتؤكد المصادر التاريخية أن أحد أهم الأسباب وراء ازدهار العلوم والمعرفة فى الحضارة الإسلامية، وبصفة خاصة فى العصر العباسى، هو اهتمام سلاطينها بحركة التأليف والنشر والترجمة، بصرف النظر عما إذا كان اهتمامهم بالفكر والثقافة لأسباب سياسية بغية تثبيت دعائم حكمهم وإثبات أحقيتهم فى الخلافة، أو إصلاحية بهدف تطوير شؤون الدولة وتأكيد تفوقهم الحضارى على الأمم الأخرى، فمما لاشك فيه أن جهودهم فى هذا المضمار كانت لها فوائد عظيمة. وقد روى «ابن خلدون» فى مقدمته أن العرب بعد أن «تفننوا فى الصنائع والعلوم تشوقوا فى الاطلاع على هذه العلوم الحكمية بما سمعوا من الأساقفة والأقسة بعض ذكر منها، وبما تسمو إليه أفكار الإنسان فيها، فبعث أبوجعفر المنصور إلى ملك الروم أن يبعث إليه بكتب التعاليم مترجمة، فبعث إليه بكتاب إقليدس وبعض كتب الطبيعيات، فقرأها المسلمون واطلعوا على ما فيها وازدادوا حرصًا على الظفر بما بقى منها». ذلك هو السياق الحضارى الذى أحاط بنهضة الدولة العباسية، وكان من أهم عوامل قوتها وتزايد نفوذها. أما فى عصرنا الحالى فكثيرًا ما نسمع عبارة يرددها كثيرون، وبخاصة من أعداء العرب، وهى «أن العرب لا يقرأون». لكن تقارير التنمية التى تعدها وتصدرها الأمم المتحدة حول الأحوال الثقافية بين الدول والمقارنة بين معدلات القراءة لدى شعوبها تضع أمامنا حقيقة صادمة فيما يتعلق بنتائج المقارنة بالنسبة إلى العالم العربى. فمثلًا يقول تقرير صادر عن منظمة اليونسكو، التابعة للأمم المتحدة، فى دراسة حول معدلات القراءة فى العالم العربى إن «الطفل العربى يقرأ بمعدل 6 دقائق سنويًا، بينما يقرأ الطفل الأمريكى 6 دقائق يوميًا»، بل يضيف التقرير قائلًا: «إن معدل ما يقرؤه الفرد فى أرجاء العالم العربى سنويًا هو ربع صفحة فقط»، وثمة تقرير آخر أصدرته مؤسسة الفكر العربى يفيد بأن متوسط قراءة المواطن الأوروبى يبلغ نحو 200 ساعة سنويًا، بينما لا يتعدى متوسط قراءة المواطن العربى 6 دقائق سنويًا. وفى الوقت الذى يصدر فيه كتابان فى العالم العربى يكون قد صدر فى أوروبا مائة كتاب!. ولئن أصدرت عام 2023 شركة ستاتيستا الألمانية المتخصصة فى بيانات السوق والمستهلكين تقريرًا فحواه أن المؤشر العالمى للإنجاز الثقافى فى مصر يشير إلى أنها أصبحت تحتل المركز الخامس بين الدول الأكثر قراءة بمعدل قراءة بلغ 7 ساعات ونصف الساعة، بينما تراجعت الولايات المتحدة إلى المرتبة 23 بمعدل قراءة يبلغ 5 ساعات و42 دقيقة، فالواقع يؤكد أن المواطن المصرى بات من الصعب، إن لم يكن من المتعذر عليه شراء الكتب للقراءة بسبب ارتفاع أثمانها بصورة تفوق كل قدراته. سألنى ذات مرة أحد الطلاب بالجامعة أثناء محاضرتى فى مادة الفكر الغربى والأدب العالمى: «أعطيتنا قائمة بكتب وروايات أدبية عالمية لكى يختار كلٌّ منا كتابًا منها يقرؤه ويلخصه، وهذه الكتب غير متوفرة فى المكتبات العامة، هل تعلم كم يبلغ ثمن أرخص كتاب فيها الآن؟ خمسمائة جنيه! لا يمكننا شراء كتاب بهذا الثمن! إ كما أنه غير متوفر على النت لإنزاله فماذا نفعل؟» لا مراء فى أن الأزمة الاقتصادية وارتفاع قيمة الدولار قد أديا إلى ارتفاع جنونى فى أسعار الورق والكتب كلها ليس فحسب الكتب المحلية بسبب استيراد مواد طباعتها مثلًا، وإنما أيضًا وبصورة خيالية الكتب الأجنبية التى تعنى طلاب أقسام اللغات الأجنبية. بل إن روايات نجيب محفوظ نفسها، وهو القائل: «من يتوقف عن القراءة ساعة يتأخر قرنًا من الزمان»، كانت تصدر من قبل بأسعار زهيدة فى متناول الجميع، والآن تحتكر إصدارها دار نشر أخرى تبيعها بأسعار تفوق قدرة المواطن العادى فيضطر إلى شرائها مصورة إلكترونيًا بأثمان ليست زهيدة وإن كانت أقل من أثمان طبعاتها الأصلية. وبداهة لم يعد فى مقدور غالبية المثقفين شراء ما يصدر من كتب حديثة فى الفكر والثقافة بعد أن صار سعر الكتاب يناطح سعر الذهب! ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2024-03-22
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب محمّد غبريس، يقول فيه إن جدران الأحياء والساحات التى تتزين بالرسومات والعبارات هى فن عالمى يعكس حال الشعوب وتاريخها، إذ تحمل هذه الرسومات رسائل سياسية وثقافية يسعى الفنانون لإيصالها بالرسم والكتابة على الجدران. ويوضح الكاتب أن لهذا الفن أنواعا عديدة طبقا لأهدافه، فمنها: الفن الثورى والمقاوم للاحتلال، والفن التجميلى (تزيين المدن)، والفن الإرشادى والتوعوى. أخيرا، يتميز هذا الفن بوجوده خارج إطار المعارض مما يتيح فرصة لعموم الناس رؤيته وإدراك رسالته... نعرض من المقال ما يلى: ها نحن نقف بحُريّة وتأمُّل ودهشة أمام هذه الجدران الممتدّة فى المُدن والأحياء والساحات، كأنّها صورٌ ملوّنة من خزين الذاكرة وشجون اليوميّات واللّحظات المشبّعة بالوعى والتجدّد، ونحن حين نعبر الطرقات والجسور، ونتجوّل بين المبانى والبيوت والمعالِم القديمة التى تبعث بجداريّاتها وألوانها على الحُلم والرؤية والتمرُّد، فإنّنا نحاول أن نقرأ التاريخ بعيون الفنّ، ونخترق حاجزَ الصمت إلى فضاءات العيش، ونُعانِق الوجود بكلماتٍ توقظ كوامن النَّفس وتُصلِح عطب الروح.كلّما نظرنا إلى هذه الجداريّات التى أبدعتها أناملُ فنّانين عباقرة ومواهب فذّة، اتَّسعت الرؤية، وارتقت ذائقتُنا، واغتنت عواطفُنا وانفعالاتُنا، ووجدنا فيها النافذة التى تطلّ على الحقيقة، أو الضياء الذى ينزع الحُجب عن الفكر؛ إنّها جداريّاتٌ مثقلة بالألم، تملأ الزمن بقصصها ورموزها، وتَجعل من المكان مسيرةَ نضالٍ وإرادة، تُعبِّر عن الأحزان كما الأفراح، وعن التراث كما الحداثة، هى من الناس إلى الناس، من تطلّعاتهم وأحلامهم وتأمّلاتهم وأوجاعهم، هى وحدها الصوت الذى يصعد من تحت ركام الصمت وينسكب شلّالَ عنفوان، وحدها الحركة التى تنبثق من الجماد وتُزهر ألوانا وحروفا، وهى الفكرة التى تولد من لغة الأسوار والأغلال لتتحوّل إلى منارة للحريّة لا تنطفئ.والمُتأمّل فى الجداريّات، سيتعرّف إلى أنواعٍ مختلفة ذات غاياتٍ وأهداف، فمنها ما هو مُقاوِم وثورىّ (مُقاوَمة الاحتلال)، ومنها ما هو تجميلىّ (تزيين المُدن)، ومنها ما هو تشكيلىّ (لوحات نابضة بالحياة والطبيعة)، كذلك سيتعرّف إلى جداريّات على شكلِ نُصبٍ ومنحوتاتٍ (نصب الحريّة فى ساحة التحرير فى بغداد)، وأيضا على شكل وسائل إرشاديّة وتعليميّة وتوعويّة (مخاطر الأمراض وأهميّة النظافة). وهناك أيضا جداريّات تتضمَّن عباراتٍ تحفيزيّة وتشجيعيّة عن النجاح والعمل والحياة، إضافة إلى ذلك، ثمّة جداريّات تلعب دَورا توثيقيّا بهدف استرجاع أحداث الماضى.إنّ أهمّ ما يميّز هذا الفنّ العالَمىّ هو وجوده خارج المعارض والجاليريهات وأنّه غير مرتبط بالوقت، يتركّز على واجهاتِ المبانى والجدران، وغالبا ما يحمل رسالةً سياسيّة وثقافيّة. لذا يُمكن مشاهدة ومتابعة إنجاز أىّ جداريّة من البداية حتّى النهاية بشكلٍ مباشر، سواء كان العمل فرديّا أم جماعيّا، والتعرّف إلى الطريقة والتقنيّات التى يَستخدمها الفنّانون فى رسمها، والاطّلاع على أفكارهم وإبداعاتهم والرسائل التى يريدون إيصالها. • • •اكتسبت الجداريّات أهمّيةً كبيرة منذ العهود الأولى، كونها تُعَدّ من أَقدم أشكال الإبداع الفنّى والنَّحتى والزخرفى فى التاريخ، وفيها من الحوامل الفنّية ما تَجعل المساحات الجامدة تضجّ بالحركة والجمال. فعبَّرت عن الحياة والموت، ووثَّقت الطقوس والعادات الدينيّة، لكنّها فى السنوات الأخيرة برزتْ بشكلٍ كبير، وخصوصا فى البلدان التى تعانى الاحتلال والظلم، وتَشهد حروبا وصراعات، حيث عبّر الناس عن قضاياهم وآلامهم وتوقهم إلى الحريّة، ودافعوا عن عنفوانهم وكرامتهم كخطوةٍ منهم فى إيصال أصواتهم، وكنَوعٍ من التحدّى والصمود والبقاء. من هنا اتَّخذ فنّانون فلسطينيّون من الجدران فى المُدن والقرى والمخيّمات، وحتّى جدار الفصل العنصرى، وسيلةً للمقاومة والثورة والانتفاضة؛ فمنهم من رَسَمَ القدس والمسجد الأقصى، ومنهم مَن رَسَمَ صورا للشهداء وحكايات النضال والبطولة والفداء، وبعضهم اتّخذ منها وسيلة لتلسيط الضوء على قضيّة الأسرى فى السجون الإسرائيليّة، فجسّدوا مُعاناتهم وآلامهم وتضحياتهم. • • • والمُتتبّع لهذا الفنّ يُمكن أن يشاهد جداريّات مرسومة بريشة فنّانين كبار، وأخرى من أعمال هواة كان لهم دَورُهم البارز فى جعْلِه فنّا شعبيّا؛ فهُم يُترجِمون الواقع بكلّ معانيه ويَرسمون مستقبلا يصبون إليه يتّسم بالحريّة والأمان والاستقرار. فقد غيَّرت الجداريّات وجهَ المُدن، وحوّلت الشوارع إلى لوحاتٍ تشكيليّة باهرة، وجَعَلَتْها حيّة نابضة بالألوان والكلمات والصور، تُجسِّد الحياة والتعايُش والسلام، وتَحمل قيَما جماليّة ومعانى نبيلة، وتُبرِز القضايا الرّاهنة فى مجالات السياحة والتراث والصحّة والبيئة.وتكشف الجداريّات برسومها ورموزها ودلالاتها عن تلك العلاقة بين الإنسان والبيئة، وبين القصيدة والمكان، وبين اللّغة والإبداع، وقد تتّخذ أبعادا وأشكالا متنوّعة. فالنصوص التى حملت عناوين «جدارّيات» لا تقلّ أهمّيةً وتأثيرا عن تلك التى ملأت الحوائط والشوارع والأماكن، وجميعها يتميّز بمضمونٍ فكرىّ وثفافىّ ورؤيةٍ تاريخيّة وجماليّة وفنّية. إنّها تعكس ما فى دواخلنا من قلق وشغف وأسئلة، وتنقل أحاسيسنا وانفعالاتنا وهمومنا، لعلّها تصوّر جانبا من حياتنا وأحوالنا ويوميّاتنا، لتظلّ شاهدةً على المُعاناة وويلات الحرب وقسوة التاريخ، ولتظلّ ذاكرةً حيّة تستعيد الماضى وتقرأ الأحداث برؤىً ومساراتٍ جديدة.اختلفت طبيعةُ الجداريّات، لجهة تعبيرها عن الشعوب، وباتت أكثر وضوحا، وخصوصا فى المرحلة المُعاصرة والحديثة. وهذا ما أشار إليه د. ماضى حسن فى كتابه «الفنّ وجدليّة التلقّىّ» قائلا إنّ الجداريّات العربيّة تحكى مضامينها فى مجالٍ مفتوح أمام المجتمع العامّ من خلال عرضها فى أماكن فى الطرق وأمكنة التجمّع، من حدائق وأبنية كبيرة. ولقد تجّسد ذلك عند بعض الدول العربيّة بأثر الأحداث الحالية منها: قيام الثورات فى تونس ومصر حتّى أُطلق مصطلح «حرب الحوائط»، حيث كان الفنّ قادرا على توصيل رسالة الشعوب إلى الحُكّام، وكان الأمر فى ليبيا أيضا؛ وهكذا تحوّل هذا الفنّ من أداةٍ فى يد الحُكّام إلى فنٍّ احتجاجىّ، غالبا ما يَعكس اعتراضا على الأوضاع السائدة.أخيرا حين نتحدّث عن الجداريّات، فلا بدّ من أن نشير إلى الدور الذى لعبته الفنون القديمة فى إثراء فنّ التصوير الجدارى أو النقوش الجداريّة، وهى ما زالت سائدة حتّى اليوم، وتنتمى إلى الحضارات والأُمم القديمة، كالحضارة الرافدينيّة والمصريّة والهنديّة والصينيّة واليابانيّة؛ وتحتوى فى الغالب على أساطير ومشاهد حياة وقصص تاريخيّة، كانت تُرسَم فى المعابد والمقابر، ثمّ فى قصور الملوك. أمّا الحضارة الإسلاميّة فكان لها نصيبٌ وافِرٌ من الجداريّات تمحورت حول الفنون المعماريّة كزخرفة المساجد والمراقد الدينيّة ونقشها بالكلمات والمُنمنمات والآيات القرآنيّة والكتابات الشعريّة، فكانت خير وسيلة للتعبير عن أنماط الحياة والتفكير والسلوك وطبيعة المُجتمعات والمضامين الاجتماعيّة والفكريّة والثقافيّة. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال: