مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات...

Mentions Frequency Over time
This chart displays the number of articles mentioning مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة over the past 30 days.
Sentiment Analysis
This chart shows the distribution of sentiment in articles mentioning مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة. Sentiment analysis helps understand whether the coverage is mostly positive, negative, or neutral.
Top Related Events
Events are most frequently mentioned in connection with مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
Top Related Persons
Persons are most frequently mentioned in connection with مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
Top Related Locations
Locations are most frequently mentioned in connection with مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
Top Related Organizations
Organizations are most frequently mentioned in connection with مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
Related Articles

الشروق

2025-03-31

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتبة رغدة البهى، تناولت فيه محاولات ترامب لتقويض الدولة العميقة، والتحديات التى تحول دون تحقيق هدفه... نعرض من المقال ما يلى:يعد مفهوم الدولة العميقة دليلا على أحد التحديات الجوهرية التى تقوض السياسات الداخلية الأمريكية، ويمثل رغبة الرؤساء الأمريكيين فى إعادة توجيه الجهاز البيروقراطى وإحكام سيطرتهم عليه. واتساقا مع هذا المعنى، وضع الرئيس دونالد ترامب نفسه فى مواجهة مع مؤسسات السلطة التنفيذية وموظفيها، على نحو أسفر عن تصدر مفهومين صدارة المشهد الداخلى الأمريكى، هما: السلطة التنفيذية الموحّدة، والدولة العميقة، ويستند الأول إلى شخصنة السلطة الرئاسية لتتجاوز حدود المنطق وسيادة القانون، فيما يشير الثانى - فى أحد معانيه - إلى المؤامرات المدبّرة الرامية إلى تقويض السلطة الدستورية للرئيس المنتخب.بيد أن دلالات الدولة العميقة، فى السياق الأمريكى، تتجاوز المعنى السابق، لتشمل شبكة معقدة من المناصب الرفيعة والقيادات الحكومية غير المنتخبة فى مؤسسات عدة، مثل الجيش والاستخبارات والقضاء، والتى تتحكم فى مقاليد الحكم، ويزداد نفوذ شاغليها غير المبرر فى السياسات العامة، والذى ينعكس فيما يتم تمريره أو تعطيله من قرارات رسمية، بما يقلّص دور الرئيس المنتخب إلى حد كبير. وفى معنى متصل، فإن الدولة العميقة تشير إلى الآلاف من خبراء الرأى والموظفين الحكوميين غير السياسيين ممن قوضوا سلطة ترامب فى ولايته الأولى، وحالوا بينه وبين فرض رؤيته وسياساته، ومن أمثلتهم جيف سيشنز، الذى رفض الانخراط فى تحقيقات التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية 2016، وجيم ماتيس، الذى استقال بسبب خلافات حول قرارات ترامب الاستراتيجية مثل الانسحاب من سوريا، وغيرها.تعددت جهود وسياسات ترامب الرامية إلى استئصال شأفة الدولة العميقة وتفكيك جذورها عبر تقليص حجم وفعالية الحكومة الفدرالية مترامية الأطراف من خلال الحد من مواردها وتقليل أعداد العاملين بها. وهى السياسات التى وجدت جذورها فى ولايته الأولى، وتكررت الدعوة لها فى حملته الانتخابية العام الماضى، وتجد طريقها إلى التطبيق فى ولايته الثانية. فقد أصدر ترامب فى ولايته الأولى أمرا تنفيذيا عرف باسم «الجدول F» أو (Schedule F)، والذى كان من شأنه عزل «البيروقراطيين المارقين» وتجريد موظفى الخدمة المدنية غير الموالين للرئيس من الحماية لتسهيل عملية فصلهم واستبدال آخرين بهم يعبرون صراحة عن ولائهم لترامب عند تعيينهم. فيما استهل ترامب ولايته الثانية بأمر تنفيذى يجيز إجراء مراجعات شاملة لأجهزة الاستخبارات الأمريكية وغيرها من الوكالات؛ لتصحيح «سوء السلوك السابق» من خلال إجراءات مناسبة. إن رغبة ترامب فى تقويض الدولة العميقة، ومنح الموظفين المشرفين على إدارة التنوع فى المؤسسات الحكومية إجازة مفتوحة، وتعيين الموالين له فى أعقاب إعادة تصنيف الآلاف من موظفى الخدمة المدنية؛ تأتى فى إطار جملة من السياقات والعوامل، منها: سيطرة الحزب الديمقراطى ونخبته الليبرالية بشكل منفرد وغير رسمى على مقاليد الحكم خلال فترة الرئيس السابق جو بايدن من جهة، ورغبة مؤيدى ترامب فى رئاسة حازمة تلبى تطلعاتهم من جهة أخرى، وتطبيق أحد أهم الدروس المستخلصة من ولاية ترامب الأولى والمتمثل فى اختيار شخصيات تتسم بالولاء المطلق له بغض النظر عن كفاءتها للحيلولة دون أى مقاومة محتملة لسياساته المثيرة للجدل.• • •فى اتجاه مضاد للتحليلات التى تدفع بقدرة الرئيس الأمريكى على التصدى للدولة العميقة من خلال سياساته السالف ذكرها، تبرز ثلاثة اتجاهات تشكّك فى قدرته تلك، وهو ما يتضح على النحو التالى:أولا: استمرار الدولة العميقة بأشكال أخرى: يتأسس هذا الاتجاه على صعوبة إصلاح الحكومة الفيدرالية، ولاسيما أن الدولة العميقة لا تنبع من داخل البيروقراطية الفيدرالية، بل تنبع من «دولة المقاولين» التى تتكون من شركات عملاقة ذات ثراء مالى وحماية سياسية بقيادة شركات المقاولات الدفاعية الكبرى وحكومات الولايات والمنظمات غير الربحية المدعومة من دافعى الضرائب وأعضاء الكونجرس من كلا الحزبين الديمقراطى والجمهورى؛ ومن ثم فإن مواطنى وداعمى تلك الدولة العميقة هم السبب الحقيقى فى الإنفاق الفيدرالى المتزايد وعجز الميزانية الفيدرالية فى ظل تشعب البرامج الفيدرالية واستخدام أموال الضرائب لتوظيف ملايين الأشخاص فى القطاع الخاص، وهم السبب الحقيقى وراء الهدر والاحتيال لا البيروقراطيين. كما تذهب أكبر عقود الدولة العميقة الحقيقية إلى الشركات العملاقة التابعة للمجمع الصناعى العسكرى عبر وزارة الدفاع الأمريكية؛ مما يجعلها أحد أبرز مظاهر الاحتكار وأحد أسباب ضعف الرقابة الفدرالية.ثانيا: التداعيات السلبية لسياسات ترامب على نفسه: يدفع هذا الاتجاه بأن سياسات ترامب لتقويض الدولة العميقة ستقوضه هو نتيجة جملة من الأسباب، منها أن القيادات التى يعيّنها تمس الدور القيادى العالمى فى سياق دولى أكثر تعقيدا من مثيله فى فترته الرئاسية الأولى. وعليه، فإنها لا تتناسب مع التوترات الجيوستراتيجية العالمية فى منطقة الشرق الأوسط أو فى القارة الأوروبية، كما لا تتسق والتوترات المتصاعدة مع الصين فى ظل منافسة دولية محتدمة معها. فلا شك أن الاستعاضة عن خبراء الاستخبارات ذوى الخبرة سيخلّف عواقب سلبية على المدى الطويل فى الوقت الذى تحتاج فيه الولايات المتحدة إلى مجتمع استخبارات ذى كفاءة وفعالية. بعبارة أخرى، فإن سياسات ترامب فى مواجهة الدولة العميقة ستسفر عن تقويض إن لم يكن «هدم» أجهزة الاستخبارات الأمريكية؛ لأن تلك السياسات تتأسس على تحكم الولاءات فى عمل تلك الأجهزة، وهى القناعة التى تقوض أحد أهم أسس عملها، والمتمثل فى تغليب المصلحة على الولاء من خلال إمداد الرئيس بأفضل المعلومات الاستخباراتية المتاحة. كما يسهل التشكيك فى كفاءة كثير من الشخصيات التى عينها، ومنها مديرة الاستخبارات الوطنية، الديمقراطية السابقة تولسى غابارد، التى دافعت عن بشار الأسد، واتهمت ترامب بالسعى إلى حرب مع إيران؛ لذا يشير سجلها ومواقفها السياسية المعلنة إلى الطابع الانتقائى الذى ستمارسه عند تقييم المعلومات الاستخباراتية؛ فتستمع إلى ما يتفق مع نسقها العقدى، وترفض ما يتناقض مع رؤيتها وسياساتها.ثالثا: تسييس الدولة العميقة لأغراض وظيفية: دفعت بعض التحليلات بعدم وجود ما يسمى الدولة العميقة، وأن مزاعم ترامب بشأنها هى محاولة للمتاجرة والزج بنظرية المؤامرة فى قلب السياسة الأمريكية لتصفية الخصوم وخلق ثقافتى الصمت والخوف اللتين قد تؤثران فى الأداء الوظيفى لمختلف الأجهزة الرسمية. وقد تكون تلك المزاعم مجرد البداية للنيل من معارضى الإدارة الأمريكية الحالية، ما يأذن ببداية عهد جديد للولايات المتحدة ونظام حكمها؛ فتوزع المناصب وفقا للأهواء وليس الكفاءات. وبناءً على ذلك، فى المستقبل القريب، ستتضح أهداف ترامب من سياساته تلك، وما إن كان تسييسها يهدف إلى ردع موظفى الخدمة المدنية كى لا يتصدوا لأجندته المتطرفة، أم إلى إعادة ترتيب الجهاز البيروقراطى وتسخيره فى خدمته، وتحويل الحكومة الفدرالية إلى وسيلة لإحكام السيطرة واستهداف الخصوم وتصفية الحسابات وملاحقة المعارضين واستفزاز المؤسسات التقليدية.• • •ختاما، ينفذ الرئيس ترامب وعده بملاحقة أعدائه وإسقاط أنصار الدولة العميقة الذين عارضوه سلفا وتسببوا فى ملاحقته قضائيا، وهو ما بدأ بالفعل بعد ساعات قليلة من أدائه اليمين الدستورية كرئيس للولايات المتحدة فى ولايته الثانية. ونتيجة لذلك، تثير سياسات ترامب فى مواجهة الدولة العميقة تساؤلات جدية عن قدرة أنصاره على إدارة مؤسسات ضخمة ومعقدة، ودورهم فى تسييس أكبر المؤسسات التى يفترض استقلاليتها عن السلطة السياسية؛ فى إساءة استخدام واضحة للسلطة، وفى تحويل متعمد للمؤسسات إلى أدوات سياسية. النص الأصلى: ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

اليوم السابع

2025-01-31

ينظم مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 4 ندوات توقيع كتب على هامش مشاركته في فعاليات الدورة السادسة والخمسين لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، والذى يستمر حتى 5 فبراير المقبل . يستهل المركز ندواته بعقد ندوة فكرية لمناقشة وتوقيع كتاب "قيد التشكُّل: الشرق الأوسط بين تحولات النظام الدولي والتفاعلات الإقليمية" الصادر عن المركز لنبيل فهمي، وزير الخارجية الأسبق، يوم الأحد 2 فبراير 2025 في الساعة الثالثة مساءً، في الدور الثاني – بلازا 1 – قاعة حفلات التوقيع. ندوة توقيع كتاب قيد التشكُّل للسفير نبيل فهمى   كما ينظم المركز ندوة لتوقيع كتاب "قوى التغيير: مستقبل الشرق الأوسط بين محركات الداخل وتفاعلات الخارج"، الذي أعده مجموعة من المؤلفين، وقام بتحريره الدكتور علي الدين هلال، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يوم الاثنين 3 فبراير في الساعة الثالثة مساءً، في الدور الثاني – بلازا 1 – قاعة حفلات التوقيع. ندوة كتاب قوى التغيير للدكتور على الدين هلال   وينظم المركز أيضا ندوة لتوقيع كتاب "الإخوان.. إعلام ما بعد السقوط"، من تأليف ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات والمنسق العام للحوار الوطني، والرئيس الفخري للاتحاد العام للصحفيين العرب، ويتناول الكتاب، في أربعة فصول رئيسية، ملامح إعلام الإخوان عقب الإطاحة بحكم الجماعة في مصر، وتقام الندوة يوم الثلاثاء 4 فبراير في الساعة الرابعة مساءً، في الدور الثاني – بلازا 1 – قاعة حفلات التوقيع. أما الندوة الرابعة فتشهد توقيع كتاب "تنظيم الإخوان المسلمين والعنف" وهو من تحرير الدكتور إبراهيم غالي، المستشار الأكاديمي لمركز المستقبل ورئيس برنامج دراسات آسيا والمحيط الهادئ بالمركز، وشارك في إعداده مجموعة مؤلفين، وتقوم فكرة الكتاب على تناول جوانب وأبعاد ارتباط تنظيم الإخوان بالعنف والإرهاب من خلال تحديد مستويات لهذا العنف، سواء العنف المسلح، أم التطرف الفكري والعنف المجتمعي. ندوة توقيع كتاب تنظيم الإخوان والعنف   وتقام الندوة يوم الثلاثاء 4 فبراير في الساعة الخامسة مساءً، في الدور الثاني – بلازا 1 – قاعة حفلات التوقيع. ويترأس جلستها الدكتور محمد مجاهد الزيات، مستشار المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.   ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

المصري اليوم

2024-05-04

ما يحدث فى منطقة الشرق الأوسط بعد السابع من أكتوبر يحتاج إلى دراسات عديدة لاستيضاح المواقف، ومحاولة استشراف المستقبل، الذى تبدو ملامحه غير واضحة. مؤخرًا، أُتيحت لى قراءة كتاب فى غاية الأهمية عنوانه «الكوابح والمحفزات.. حروب الشرق الأوسط»، الصادر عن مركز «المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة»، من تحرير أحمد عليبة، واشترك فى تأليفه عدد كبير من الباحثين والخبراء من الوطن العربى، الذين قدموا رؤية بانورامية لصراعات الشرق الأوسط، ولاسيما بعد تطور الصراع فى المنطقة، ووجود قوتين علـى استعداد لإعادة تشكيل الإقليم بالقوة. أعجبتنى جدًّا، فى الفصل الأول (لحظة حرجة.. إلى أين يتجه الشرق الأوسط؟) لأحمد عليبة، مسألة تقسيم قوى المنطقة إلى أربع كتل رئيسية: أولاها كتلة التصادم، وتمثلها القوى المنخرطة فى الحرب (إسرائيل وإيران)، وثانيتها كتلة تحالف الدفاع، (أمريكا ويمكن إضافة بريطانيا وفرنسا إليها)، وثالثتها كتلة الاتزان، وهى الأطراف العربية (الخليج ومصر تحديدًا)، وهى القوة التى تسعى دائمًا إلى الحد من تداعيات الحرب فى المنطقة، وتسعى كذلك إلى تبريد الموقف قدر المستطاع. ورابعتها كتلة المتضررين المباشرين، وهى أطراف تطولها الآثار الجانبية للصراع مثل لبنان بسبب انخراط حزب الله فى الحرب، وكذا سوريا واليمن، وربما تكون مصر أيضًا من بينها بسبب حدودها مع غزة. أما فى الفصل الثانى (استراتيجية اللااستراتيجية.. سياسات واشنطن تجاه الشرق الأوسط) فعرضت الصحفية هبة القدسى استراتيجية كل رئيس أمريكى فى التعامل مع منطقة الشرق الأوسط بكل دقة، ووضح فعلًا ما أطلقت عليه لفظ استراتيجية اللااستراتيجية فى تعاطى كل رئيس مع أزمات المنطقة. وقدمت «القدسى» عرضًا شيقًا لسيناريوهات ما قد يحدث فى علاقة أمريكا بالمنطقة حال فوز بايدن بولاية ثانية، وحال فوز ترامب. وأغلب الدراسات التى اعتمدت عليها الباحثة تؤكد أن أهم ما قد يحدث فى الحالة الأولى، (حال استمرار بايدن)، أن يكون هناك اتفاق تطبيعى بين قوى معينة فى المنطقة، أما حال وصول ترامب، فإنه يصعب التنبؤ بتصرفاته. (الثابت والمتغير.. الإدراك الإسرائيلى لمفهوم الحرب) هو عنوان الفصل الثالث، الذى كتبه الخبير الأمنى المصرى سعيد عكاشة، ويتناول مستقبل العقيدة القتالية الإسرائيلية، التى انهارت بعد السابع من أكتوبر، وما إذا كانت ستعدل منها أو تغيرها. ومثلما قدم «عكاشة» فصلًا عن الكيفية التى يفكر بها الإسرائيليون، قدم العميد خليل الحو فصلًا حول (استراتيجيات إيران فى الشرق الأوسط) أو كما أطلق عليه عنوان (محركات الفوضى)، الذى انطلق من سؤال رئيسى، وهو هل تستمر إيران فى سياسة الوكلاء مستقبلًا؟. ولا ينفصل ما قدمه «الحو» عن دراسة د. إحسان الشمرى: (إدارة التوازن الهَشّ.. العراق ومصير الوجود الأمريكى الإيرانى)، باعتبار أن العراق هو النموذج الأكثر وضوحًا لإدارة الصراع فى المنطقة، وكذلك دراسة الباحث حسام رمدان عن الحالة اليمنية، باعتبار أن اليمن هو نموذج كذلك لإدارة الصراع فى المنطقة، ولكنه النموذج الأكثر إيلامًا بسبب الانقسام الواضح فيه، والتدخل الإيرانى الأكثر تأثيرًا. ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

الشروق

2024-04-23

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا لباحثى المركز، أوردوا فيه توجه المستشار الألمانى أولاف شولتس، للصين، فى 14 إبريل 2024، فى زيارة استمرت لثلاثة أيام، بناءً على دعوة من رئيس مجلس الدولة لى تشيانج. وتُعد تلك الزيارة هى الثانية له منذ توليه منصبه، فقد جاءت الزيارة الأولى فى عام 2022. وشهدت الزيارة الأخيرة مُناقشة العديد من الملفات التجارية والاقتصادية والسياسية، فضلًا عن لقائه بالرئيس الصينى شى جين بينج، ورئيس مجلس الدولة للتباحث بشأن القضايا المشتركة.• • •يقول باحثو المركز إن هذه الزيارة تأتى فى ظل وجود عدد من المتغيرات التى تجعل السياق العام للعلاقات الألمانية الصينية يشهد قدرًا من التناقضات، لعل أبرزها: • الحفاظ على علاقات مُتوازنة: يستهدف الاتحاد الأوروبى بناء علاقات متوازنة مع الصين دون فك الارتباط معها؛ إذ يدرك الأوروبيون أن فك الارتباط بشكل كامل سوف يضر بالضرورة باقتصاديات أوروبا. فى السياق ذاته، يجرى الاتحاد الأوروبى عدة تحقيقات حول ما إذا كانت صادرات التكنولوجيا الخضراء الصينية مثل السيارات الكهربائية التى استفادت من الدعم الحكومى الصينى من الممكن أن تمثل ضررًا للمنتجين المحليين فى الكتلة الأوروبية بفعل الإغراق، وتخشى صناعة السيارات الألمانية أن تؤدى هذه التحقيقات إلى حرب تجارية قد تضر بالصناعات الألمانية المتصلة بالصين فى هذا الإطار. • خصوصية الارتباط مع ألمانيا: وذلك فى ظل تزايد الاعتماد المتبادل بين الطرفين على بعضهما بعضًا. فعلى الرغم من التحسبات الموجودة فى العلاقات بين الطرفين؛ ظل التعاون الاقتصادى حجر الزاوية فى العلاقات الثنائية؛ إذ تُعد ألمانيا أكبر شريك تجارى للصين فى الكتلة الأوروبية، بينما تستحوذ الصين على نحو 10.3% من الاستثمارات الألمانية الخارجية.وفى الشهر الماضى، أكد سفير الصين لدى ألمانيا أن الشركات الألمانية قد عززت الثقة فى السوق الصينية عبر الإبقاء على أنشطتها بها؛ مما يعبر عن قوة العلاقة الاقتصادية بين البلدين. • توجهات السياسة الألمانية إزاء الصين: يمكن الوقوف على أبرز تلك التوجهات من خلال استراتيجية السياسة الخارجية الصادرة العام الماضى (2023)، والتى أشارت إلى أن ألمانيا تنظر إلى الصين باعتبارها قادرة على التأثير فى أمنها ومصالحها الاقتصادية، لكن دون التوجه للانفصال عنها، بل العمل على ضبط التعاون لعدم الإضرار بالمصالح الألمانية، مع إعطاء الأولوية لتقليص الاعتماد على الصين فى القطاعات الاستراتيجية.يتبنى المستشار الألمانى شولتس، منهج التقارب وتدعيم التبادل التجارى مع الصين، فى حين يخشى عدد من وزرائه من أن هذا يُعد تكرارًا لخطأ الاعتماد على الموارد البترولية الروسية، والذى أثر لاحقًا فى الأوضاع الاقتصادية الألمانية بعد اندلاع الحرب الأوكرانية، وهو ما عبّرت عنه وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، بشكل واضح عندما قالت إن الأخطاء التى تم ارتكابها سابقًا مع روسيا يجب تجنبها مع الصين، كما سبق واعترض ستة وزراء ألمان على صفقة استحواذ الشركة الصينية «كوسكو» على حصة فى محطة الحاويات بميناء هامبورج، اعتقادًا منهم أن ذلك بمثابة خطوة لاستحواذ الصين على بعض البنى التحتية الاستراتيجية فى ألمانيا. • • •يضيف باحثو المركز أنه يمكن الاستدلال على القضايا ذات الأولية لتلك الزيارة من خلال تسليط الضوء على الوفد المرافق للمستشار الألمانى، والذى لم يقتصر فقط على الوفد الحكومى الذى شمل وزراء البيئة والزراعة والنقل، وإنما ضم كذلك ممثلى الشركات الألمانية خصوصًا فى مجال صناعة السيارات مثل شركتى مرسيدس وفولكس فاغن، وشركة التكنولوجيا سيمنز، وغيرها. وعليه؛ يمكن الوقوف على أبرز دوافع الزيارة على النحو التالى: • مُناقشة العراقيل الصناعية والمالية: التى تُعد أحد أهم جوانب التوتر فى العلاقات الاقتصادية، فقد تضمنت تلك الزيارة التوجه إلى المركز الصناعى فى تشونجتشينج، الذى يُعد قاعدة إنتاجية للعديد من الصناعات، خصوصًا السيارات، مع زيارة شنغهاى التى تضم مكاتب إقليمية للشركات الألمانية، وشارك المستشار الألمانى فى حوار طلابى بجامعة تونغجى، التى تربطها شراكات مع الجامعات الألمانية، فضلًا عن زيارته مركز الابتكار فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ التابع لشركة كوفيسترو الألمانية. جدير بالذكر أن المستشار الألمانى، قد اطلع خلال تلك الزيارة على المشكلات التى تواجهها الشركات الألمانية العاملة بالسوق الصينية، والتى يبلغ عددها نحو 5 آلاف شركة، وتتمثل أبرزها فى الإجراءات والسياسات التى تؤدى للممارسات والمنافسة غير العادلة. • مخاوف من تفاقم الحرب التجارية: خاصة فيما يتعلق بصناعة السيارات والتكنولوجيا الخضراء والسيارات الكهربائية فى ضوء السياسات التى يتبناها الاتحاد الأوروبى. وقد تضمنت الجولة زيارة مصنع خلايا وقود الهيدروجين التابع لشركة بوش الألمانية، فى تشونجتشينج. جدير بالذكر أن صناعة السيارات الألمانية تعتمد على السوق الصينية، إلا أن تزايد التوترات بين الغرب والصين يُثير مخاوف برلين التى يستفيد اقتصادها من طلب الصين على الاستثمار وعلى السلع الألمانية المصنعة، والتى تتراوح بين السيارات والمواد الكيميائية؛ مما يجعل تلك المصالح المتبادلة عرضة للخطر فى إطار المنافسة المتزايدة من الشركات الصينية وتشديد القواعد التنظيمية، وكذا التدخل السياسى الذى أدى لانخفاض الاستثمار الأجنبى بالصين. • الملفات السياسية والاستراتيجية: إذ كان من المقرر أن يتطرق شولتس، إلى دعم الصين لروسيا؛ لحث الصين على تبنى دور أكثر نشاطًا فى الجهود المبذولة لإنهاء الحرب، وأن تؤثر فى روسيا وسلوكها؛ من خلال حث بكين على عدم الاستمرار فى تقديم الدعم لموسكو.كما أن الأزمة فى الشرق الأوسط كانت حاضرة؛ إذ تم التطرق لها فى تلك المحادثات خاصة مع تزامن الهجمات الإيرانية مع بداية تلك الزيارة، من أجل تجنب سيناريوهات التصعيد. كما أعرب المسئولون الألمان قبل الرحلة عن أملهم فى أن تؤدى بكين دورًا إيجابيًا فى تهدئة التوترات المتزايدة فى الشرق الأوسط.• • •خلصت الزيارة إلى بعض المخرجات والنتائج التى لها العديد من الدلالات والتداعيات؛ الأمر الذى يمكن تبيانه على النحو التالى: • تعزيز العلاقات الثنائية: وفقًا لتصريحات شى، فإنه يتعين على البلدين العمل على تطوير العلاقات بمنظور استراتيجى طويل الأجل برغم الاختلافات عبر البحث عن أرضية مشتركة، والعمل معًا لضخ المزيد من الاستقرار والأمن فى العالم؛ من خلال التعاون بين القوى الكبرى فى خضم هذه الحقبة المتسمة بالاضطرابات. كما تُشير التقديرات إلى أن تلك الزيارة هى محاولة لتعزيز آفاق سياسات التعايش السلمى بدلًا من إحياء جوانب الحرب الباردة عبر تأكيد أهمية نهج الشراكة بدلًا من التنافس. ومن جهة أخرى، فقد أكّد شولتس، أن المحادثات شهدت تطورات إيجابية فى القضايا الاقتصادية التى تحتاج إلى مناقشتها بشكل عاجل، مثل: توفير فرص مُتكافئة للشركات الألمانية فى الصين، وقضايا حقوق النشر والملكية الفكرية، معربًا عن أمله فى أن تترجم هذه المناقشات إلى إجراءات ملموسة فى أقرب وقت ممكن. • موقف مُستقل عن الاتحاد الأوروبى: أكّد شولتس، أن أوروبا بحاجة إلى تكثيف الاتصالات القائمة وبناء اتصالات جديدة مع الصين، فضلاً عن تأكيد أهمية المنافسة العادلة والمتكافئة بين الشريكين ورفض الممارسات الحمائية؛ نظرًا لأن المنافسة أمر حتمى لا يمكن تجنبه، ورفض شولتس، الإقرار بوجود ممارسات إغراق، وفائض فى الإنتاج، وكذا انتهاك حقوق الطبع والنشر كما تقول السرديات الأوروبية. كما أشارت تقديرات رويترز، إلى أن بكين حثت برلين على عدم دعم إجراءات الاتحاد الأوروبى لوقف تدفق المركبات الصينية الصنع ومعدات طاقة الرياح والطاقة الشمسية إلى أوروبا. ولهذا الأمر تأثيره البالغ فى فعالية السياسات الأوروبية وفرص نجاحها. اختتم باحثو المركز المقال بالقول إن تلك الجولة من المحادثات تمثل عزم برلين على التمسك بمصالحها فى السوق الصينية وخصوصية علاقتها ببكين دون الاضطرار للتماهى مع الموقف الأوروبى والأمريكى فى هذا الإطار، خاصة فى ظل المساعى الألمانية لتذليل العقبات والتحديات ومناقشة المخاطر التى تتعرض لها مع الجانب الصينى؛ إذ ثمة حالة من الترقب لتقييم تبعات الموقف الألمانى وحدود التقارب مع الصين على النحو الذى قد يجعله يمثل فراقًا عن السياسات الأوروبية أو قد يجعله يسهم فى تذليل العقبات بين الصين والتكتل الأوروبى، خاصة فى ظل ترقب زيارة الرئيس شى، لأوروبا والتى ستتضح فيها ملامح الآفاق المستقبلية للعلاقات الأوروبية الصينية. ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

الشروق

2024-04-10

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالًا للكاتب عادل على، تناول فيه عددًا من المؤشرات الدالة على تنامى القوة البحرية الهندية، ودوافع نيودلهى من تعزيز قدراتها البحرية؛ لكن صعود الهند كقوة بحرية يقابله عدد من التحديات قد يحول دون استمرار هذا الصعود منها، محدودية الموارد البحرية الهندية... نعرض من المقال ما يلى: دشن سلاح البحرية الهندي، فى 6 مارس 2024، قاعدة بحرية جديدة فى جزيرة مينيكوى ذات الأهمية الاستراتيجية، الواقعة فى جنوب غربى الهند، والتى تُعد أقرب نقطة إلى أرخبيل جزر المالديف. كما استضافت الهند تدريب (ميلان 24) البحرى متعدد الأطراف، فى فبراير الماضى، بمشاركة أكثر من 50 دولة. وفى يناير الماضي، نشرت نيودلهى قوة بحرية ضخمة بالقرب من البحر الأحمر، مكونة من 12 سفينة حربية، لحماية السفن من مخاطر عمليات القرصنة. وهو ما يطرح التساؤلات حول أسباب تزايد دور سلاح البحرية الهندي، ودلالات ذلك، والتحديات التى تواجهه. • • • برزت فى السنوات الأخيرة العديد من المؤشرات الدالة على تنامى دور القوات البحرية الهندية، سواء فى منطقة المحيط الهندي، أم فى المياه الدولية بشكل عام، وتتمثل أبرز هذه الملامح فى الآتى: • التوسع فى إنشاء قواعد بحرية خارجية: تتبنى الهند استراتيجية عسكرية مفادها التركيز على الانتشار البحرى "المتأني" من خلال إقامة قواعد بحرية خارج حدودها، سواء فى الجزر التابعة لها أم فى جزر وموانئ تابعة لدول أخرى. وبناءً على ذلك، دشنت البحرية الهندية، فى 6 مارس 2024، قاعدة بحرية جديدة فى جزيرة مينيكوى جنوب غرب البلاد، كبديل لخروج عناصرها العسكرية من جزر المالديف، والذى بدأ بالفعل فى 10 مارس 2024. • تعزيز القوات البحرية: اتجهت الهند مؤخرًا نحو توسيع وتعزيز قواتها البحرية. فقد دشنت فى 3 فبراير 2024، سفينة "ساندهاياك"، التى تم تصنيع 80% من مكوناتها محليًا، وهى أول سفينة استطلاع كبيرة فى البحرية الهندية، وتتمثل مهمتها الرئيسية فى تعزيز أمن الملاحة البحرية، فضلًا عن إجراء مجموعة من العمليات البحرية المتنوعة. • التعاون البحرى مع دول أخرى: عملت الهند على توطيد التعاون الدفاعى البحرى مع دول أخرى، من خلال بناء شراكات استراتيجية عبر المشاركة فى التدريبات البحرية المشتركة المتعددة الأطراف مع دول فى المنطقة وخارجها، وكذلك زيارات السفن الحربية الهندية إلى هذه الدول، وأجرت البحرية الهندية، عام 2021، نحو 50 تدريبًا مع القوات البحرية الصديقة، بما فى ذلك التدريب مع سفن حربية يابانية حول مضيق ملقا. • • • ثمة اعتبارات عدة دفعت نيودلهى مؤخرًا إلى نشر قواتها البحرية فى الخارج، يمكن توضيحها فى الآتى: • تعزيز دورها على الساحة الدولية: ترى الهند أنها دولة مسئولة ينبغى أن تمارس دورًا مهمًا فى التعامل مع الأزمات البحرية الدولية والإقليمية، وذلك فى ضوء إدراكها لتزايد قدراتها ومصالحها ومكانتها على المستوى الدولى. لذا، عملت نيودلهى على توسيع وتحديث قواتها البحرية لتفعيل دورها كقوة عظمى فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ «الإندوباسيفيك»، وضمان إقامة نظام عالمى يرتكز على القواعد، عبر عمل البحرية الهندية على الحفاظ على السلام والأمن، بما يؤدى إلى إنهاء الفوضى، ونشر السلام والازدهار فى المنطقة، وتحقيق السلام العالمى. • منافسة البحرية الصينية: تنظر الهند بقلق بالغ إلى مسألة تزايد القوة البحرية الصينية فى منطقة الإندوباسيفيك، وذلك فى ظل العداء التاريخى بين الدولتين؛ ما يفرض على الهند تحديات كبرى، ويدفعها إلى التركيز على امتلاك المزيد من السفن والغواصات والطائرات المتقدمة، بجانب زيادة الاستثمار فى التكنولوجيا والبنية التحتية، فضلًا عن الاتجاه إلى بناء قواعد بحرية جديدة؛ بهدف موازنة قوة البحرية الصينية. • تزايد مهددات الملاحة فى الممرات المائية الاستراتيجية: يتمثل أحد أدوار سلاح البحرية الهندى فى إسباغ الشرعية على النفوذ الهندى فى المناطق البحرية، ارتباطًا بالأهداف السياسية والاقتصادية والأمنية للبلاد. وهو ما يفسر إرسال نيودلهى أسطولًا بحريًا ضخمًا وغير مسبوق للمرة الأولى، يتكون من 12 سفينة حربية، إلى منطقة خليج عدن وبحر العرب؛ ما يجعل الهند تمتلك أكبر وجود عسكرى بحرى فى هذه المنطقة. • • • ينطوى تزايد انتشار القوات البحرية الهندية فى منطقة المحيط الهندى وفى أعالى البحار، على العديد من الدلالات المهمة، يمكن توضيحها فى الآتى: • تحولات السياسة الخارجية الهندية: يعكس تنامى دور القوات البحرية الهندية؛ ما طرأ على السياسة الخارجية لنيودلهى من تحول وتغيير، فقد كانت هذه السياسة تركز فى السابق على ضمان وحدة الداخل الهندي، فضلًا عن الصراع مع باكستان. ويؤكد تنامى انتشار القوات البحرية الهندية الاستمرار فى سياسة «التوجه نحو الخارج»، لإثبات قدرة الهند على تحقيق الأمن فى دول الجوار الإقليمى، وهو ما يتواكب مع تنامى قدرات الهند الاقتصادية التى تؤهلها لأداء دور أكثر بروزًا على الساحة الدولية، فقد أصبح الأمن البحرى ركيزة قوية لالتزامات السياسة الخارجية لنيودلهى فى الوقت الراهن، فى ضوء التحدى البحرى الذى تمثله الصين بالنسبة لها. • بروز الهند كفاعل قوى فى مجال الدبلوماسية البحرية: من المثير للاهتمام أن هذا التوجه من جانب البحرية الهندية يرتبط ارتباطًا مباشرًا بمفهوم «عمليات النشر على أساس المهمة»، وهو المفهوم الذى شهد تمركز السفن البحرية الهندية فى الأماكن التى تجرى فيها العمليات، سواء أكان ذلك فى مضيق هرمز أم البحر الأحمر أم مضيق ملقا، بدلًا من البقاء فى الموانئ. • التنسيق البحرى مع واشنطن: على الرغم من عدم انضمام الهند إلى قوة المهام التى تقودها الولايات المتحدة فى البحر الأحمر، فإن هناك تنسيقًا بين الدولتين بشأن قضية الهجمات على السفن فى البحر الأحمر وبحر العرب؛ إذ وصف وزير الخارجية الأمريكي، أنتونى بلينكن، خلال لقائه نظيره الهندي، سوبرامانيام جايشانكار، على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن، فى فبراير 2024، أسلوب واشنطن ونيودلهى فى التصدى للأزمات البحرية بأنه يعزز الموقف المشترك للبلدين. • • • على الرغم من أن البحرية الهندية نجحت فى تحقيق العديد من الأدوار المهمة فى الفترة الأخيرة، فإن هناك العديد من التحديات التى تواجهها، من أبرزها ما يلى: • محدودية موارد القوات البحرية: يتوقع أن يؤدى استمرار الهجمات على السفن فى البحر الأحمر، إلى استنزاف قدرات القوات البحرية الهندية، بينما تتزايد وتيرة عملياتها وانتشارها بصورة أكبر فى المنطقة. وثمة تساؤلات مطروحة بشأن مدى قدرة القوات البحرية الهندية على مواصلة نشر القوات بنفس وتيرة العمليات فى ظل محدودية مواردها. • هيمنة بكين على منطقة بحر الصين الجنوبي: تفتقد الهند فى الوقت الراهن إلى القوة اللازمة للوجود البحرى فى منطقة بحر الصين الجنوبي، فى ظل الوجود الكثيف للأصول البحرية الصينية الضخمة هناك. • عسكرة المحيط الهندى: شهدت منطقة المحيط الهندى فى الفترة الأخيرة تزايدًا ملحوظًا فى أعداد السفن الحربية الأجنبية، والتى قُدرت بنحو 125 سفينة، وهو ما يتجاوز العدد الذى تم نشره خلال الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من قيام القوات البحرية الهندية بتنفيذ دوريات بالسفن الحربية بشكل أكبر من أى وقت مضى، فإن هناك مخاوف متزايدة بشأن قدرتها على الحفاظ على هيمنتها فى المحيط الهندي، فى ظل التزايد السريع لقوة البحرية الصينية. ختامًا، يمكن القول إن ثمة اعتبارات ودوافع متعددة أدت إلى تنامى دور وانتشار القوات البحرية الهندية فى المياه الدولية خلال الفترة الأخيرة، فضلًا عن النجاحات والأدوار العديدة التى حققتها، ارتباطًا بطموحات نيودلهى الساعية إلى بناء قوة بحرية كبرى، كخطوة تمهيدية نحو تحقيق مساعيها بالتحول إلى قوة عظمى فى سياق نظام دولى متعدد الأقطاب، ومجابهة القوة المتزايدة للبحرية الصينية فى «الإندوباسيفيك». ومع ذلك، فإن نجاح الهند فى تحقيق طموحات الدور العالمى الذى تسعى إلى الوصول إليه، يظل مرهونًا بمدى نجاحها فى تجاوز التحديات العديدة التى تعوق صعودها البحرى على خارطة القوى العالمية، وعلى رأسها الاستمرار فى تطوير وتحديث قدراتها وإمكاناتها البحرية؛ لكى تستطيع تجاوز أو على الأقل موازنة القوة البحرية للصين، التى تتفوق عليها بمراحل، عبر وضع خارطة طريق بجدول زمنى محدد، وبمخصصات مالية كبيرة؛ لتصبح القوات البحرية الهندية بداية الطريق لطموحات الدور الذى ترغب نيودلهى فى أدائه.   ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

الشروق

2024-04-04

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب حمدى عبدالرحمن، تناول فيه ملامح البرنامج السياسى للرئيس السنغالى الجديد، وتداعيات هذا البرنامج على العلاقة مع القوى الاستعمارية الكبرى لا سيما فرنسا. أخيرا تطرق الكاتب للتحديات التى تواجه تنفيذ البرنامج الانتخابى... نعرض من المقال ما يلى:إن فوز بشير جوماى فاى، فى الانتخابات الرئاسية التى أُجريت فى السنغال يوم 24 مارس 2024؛ يعنى أكثر من مجرد تغيير فى القيادة؛ فهو يمثل تحولا كبيرا فى المشهد السياسى للبلاد ومسارها المستقبلى، ومن المرجح أن يُحدث الرئيس الخامس للبلاد بعض القطيعة مع التوجهات الحاكمة للتجربة السنغالية منذ الاستقلال عام 1960، ولا يخفى أن هزيمة ماكى سال، الذى تولى السلطة لمدة 12 عاما، تعكس عدم الرضا بين السكان عن أداء إدارته، وخاصة فيما يتعلق بقضايا بعينها مثل: انتشار الفقر وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب.ومن جهة أخرى، فإن إجراء الانتخابات بشكل سلمى وقبول النتائج من قِبل المرشح الخاسر يدل على التزام السنغال بالمبادئ الديمقراطية، وهذا ما يؤكد مقولة الاستثنائية الديمقراطية فى تقاليد غرب أفريقيا، ولعل ذلك يتناقض تماما مع تاريخ عدم الاستقرار السياسى والانقلابات العسكرية التى ابتُليت بها بلدان أخرى كثيرة فى القارة السمراء.بيد أن قراءة البرنامج السياسى لتحالف الرئيس فاى، ولاسيما فيما يتعلق بقضايا الوحدة الأفريقية والإصلاحات الاقتصادية الراديكالية، بما فى ذلك إعادة التفاوض على العقود مع الشركات الأجنبية وإنهاء استخدام الفرنك الإفريقى؛ تشير إلى أننا أمام زلزال سياسى كبير، ومن المُرجح أن يكون لهذه التغييرات آثار بعيدة المدى على اقتصاد السنغال وعلاقتها بالقوى الاستعمارية السابقة مثل فرنسا.يطرح فاى مشروعه السياسى من خلال إحداث قطيعة مع إرث المؤسسة الحاكمة منذ الرئيس المؤسس ليوبولد سنغور، وذلك على ثلاثة مستويات؛ أولا، الانفصال عن الروابط الفرنسية ــ القوة الاستعمارية السابقة للسنغال ــ من خلال التشكيك فى الفرنك الإفريقى واحتمال تقديم عملة وطنية جديدة. ثانيا، التخلص من «لعنة الموارد» من خلال الوعد بتوزيع أفضل للعائدات من النفط والموارد الطبيعية الأخرى. ثالثا، القطيعة مع ممارسات الحكم الفاسدة من خلال الإصلاح المؤسسى.• • •من الأمور الأساسية فى أجندة فاى، استعادة هيبة ومكانة المؤسسات الديمقراطية، والحد من تغول السلطة التنفيذية، ومعالجة الفساد. كما أنه يخطط أيضا لإعادة التفاوض بشأن العقود الدولية، وربما إدخال عملة جديدة؛ ما يعنى تقويض النفوذ الفرنسى فى المنطقة، وعليه، يمكن تصور معالم التغيير القادم فى السنغال على النحو التالى:أولا:الحفاظ على ميراث الديمقراطية: يقول فاى إن أساس مشروعه السياسى هو إعادة تأهيل مؤسسات الجمهورية واستعادة مبدأ سيادة القانون الذى لم يتم احترامه فى عهد ماكى سال، ومن المعروف أن الديمقراطية بالنسبة للسنغاليين، ليست شعارا أو حتى مجرد الالتزام بحكم القانون؛ بل إنها طريقة للحياة؛ إذ تؤمن جميع طبقات المجتمع بهذه الثقافة الديمقراطية، كما يتضح من نسبة المشاركة العالية فى التصويت ووجود 19 مرشحا للرئاسة، ولعل ما يؤكد ذلك وجود تقليد موروث فى السنغال يتمثل فى الحوار المفتوح بين المعارضة والأغلبية المنتهية ولايتها، وذلك بفضل العديد من الوسطاء، بما فى ذلك رؤساء السنغال السابقون.ويسعى فاى إلى التخلص من السلطات الرئاسية المفرطة من خلال تحديد المسئولية السياسية للرئيس وإمكانية محاكمته بسبب سوء السلوك الجسيم، والذى سيتم تحديد ماهيته، كما سوف يتم استحداث منصب نائب الرئيس، الذى يُنتخب بالتزامن مع الرئيس، وإلغاء منصب رئيس الوزراء. وجاء فى نص البرنامج الانتخابى المؤلف من 84 صفحة أنه سيتم توزيع صلاحيات كل من رئيسى السلطة التنفيذية بشكل واضح.ثانيا: الفصل بين السلطتين التنفيذية والقضائية: فيما يتعلق بموضوع الإصلاحات القضائية، يعتزم فاى تأكيد الفصل بين السلطتين التنفيذية والقضائية، وفى هذ السياق، سوف يتم الانتقال من المجلس الدستورى إلى تبنى نموذج المحكمة الدستورية التى ستكون على رأس التنظيم القضائى، وكجزء من حملة المساءلة وتعزيز هيئات الرقابة، أعلن فاى أيضا عن نيته إلغاء ما يُسمى بالصناديق السيادية واستبدالها بصناديق خاصة صوت عليها المجلس النيابى للعمليات الحساسة للغاية (مثل الأسلحة والمهمات السرية). كما سيتم إقرار قانون لحماية الشهود وتشجيع الإبلاغ عن المخالفات، وفق ما ينص عليه قانون الشفافية فى إدارة المالية العامة.ثالثا: الإصلاح النقدى والمالى: يَعِد فاى بالإصلاح النقدى، وربما حتى طرح عملة جديدة للسنغال، بدلا من فرنك الاتحاد المالى الإفريقى، الذى يكرس الهيمنة الفرنسية. لكنه يشير إلى أن إنشاء العملة يتطلب التروى واستيفاء متطلبات معينة مثل: تنفيذ سياسة اقتصادية كلية سليمة، وفصل البنوك التجارية عن بنوك الودائع، وتوفير الوسائل التقنية اللازمة لذلك. بيد أن الأكثر راديكالية يتمثل فى تأكيد فاى، قطع العلاقات الاقتصادية التى كان يُنظر إليها على أنها غير عادلة وطفيلية، وبقايا الاستغلال الاستعمارى التى لا تزال تعوق التقدم فى السنغال. ومن خلال الدعوة إلى إزالة الوجود العسكرى الفرنسى والسياسات الفرنسية الأبوية، يشير فاى إلى الالتزام باستعادة السيادة ورسم الطريق نحو تقرير المصير.إن مسالة النفوذ الفرنسى ليست مجرد مسألة رمزية، فهى تتقاطع مع السياسات الاقتصادية التى طالما ألحقت الضرر بالأمة والدول الأفريقية الأخرى، وفى حين أن المصالح الاقتصادية الفرنسية ربما أسهمت فى النمو فى بعض الحالات، إلا أنها جاءت فى كثير من الأحيان على حساب سيادة السنغال والتنمية العادلة فيه.رابعا: الإقليمية الجديدة: يتعهد الرئيس السنغالى الجديد باستعادة السيادة، وهى الكلمة التى استخدمها ما لا يقل عن 18 مرة فى بيانه الانتخابى، والذى يتضمن الالتزام بإعادة التفاوض على عقود التعدين والمواد الهيدروكربونية التى من المُقرر أن تدخل حيز التنفيذ هذا العام، كما يريد فاى إعادة تقييم اتفاقيات الصيد مع القوى الأجنبية؛ إذ تتضاءل الموارد السمكية التى تدعم حوالى 600 ألف أسرة سنغالية، ويتم نهبها، كما يقولون، من قِبل سفن الصيد الأوروبية والآسيوية. علاوة على ذلك، يؤكد بيانه ضرورة تطوير القطاع الزراعى لضمان الأمن الغذائى والتحرك نحو الاكتفاء الذاتى.ومن أجل تحقيق التكامل دون الإقليمى والإفريقى الحقيقى، يخطط الرئيس فاى لقيادة مبادرة لإصلاح المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا من خلال تعزيز برلمان ومحكمة «إيكواس» والحد من هيمنة مؤتمر رؤساء الدول والحكومات، وتضيف الوثيقة الخاصة لحزب الزعيم الشعبى، عثمان سونكو، «الوطنيين الأفارقة فى السنغال من أجل العمل والأخلاق والأخوة» (باستيف): «سنضع برنامجا حقيقيا للتعاون اللامركزى يشمل دول غرب أفريقيا»؛ موضحة أنه سيتم الحفاظ على هذا التعاون من خلال تنظيم المعارض التجارية على مستوى المدن، والفعاليات الاجتماعية والثقافية والتوءمة بين مدن غرب أفريقيا.وعلى الرغم من أن خطة حزب «باستيف» التى سوف يحملها الرئيس السنغالى الجديد تتضمن بعضا من ملامح راديكالية فكرة «البان أفريكانزم» مع مسحة إسلامية معتدلة نتيجة احتكاك الشباب بمنظمة عباد الرحمن، فإن تفكيك الوجود الفرنسى الناعم والخشن يحتاج إلى وقت وحكمة. لقد حملت السنغال دوما لقب «فرنسا الصغيرة»؛ إذ ولاء النخب السياسية والمالية والدينية وحتى الأمنية موجه لباريس، ومن المرجح ألا يكرر شباب «باستيف» بزعامة فاى تجربة النظم العسكرية الثورية فى كل من مالى والنيجر وبوركينا فاسو؛ إذ إن السياق السنغالى مختلف وبالغ التعقيد والتشابك.• • •دعم الشعب السنغالى ومعظمهم من الشباب فاى، فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، على الرغم من كثرة عدد المرشحات والمرشحين، لأنهم يرون أنه الرجل الذى سوف يحقق القطيعة مع الماضى المضطرب للبلاد ويحقق التغيير المأمول، بيد أن التحدى يرتبط دوما بتحويل الوعود إلى نتائج ملموسة. فالوقت اللازم للتكيف مع تعقيدات الحكم، إلى جانب السياق الدولى المتغير، يمكن أن تقف حجر عثرة أمام الحكومة الجديدة؛ كى تحقق نتائج سريعة تُلبى طموحات الناخبات والناخبين.وعليه، فإن التحدى الأول يتمثل فى مدى وجود الوسائل والإرادة اللازمة لتحقيق الإنجاز. وتتمثل الصعوبة الأخرى فى أن حزب «باستيف» يتمتع بأقلية فى البرلمان؛ لذلك لم يستبعد فاى حل المجلس النيابى إذا وجد أغلبية تعارضه وتمنعه من تنفيذ إصلاحاته.لقد ترك الرئيس المنتهية ولايته ماكى سال، على الرغم من مناوراته السياسية، سجلا اقتصاديا يمكن قياسه بالعدد الكبير من مشروعات البنية التحتية الكبرى التى تم تنفيذها خلال فترة ولايته، وشمل ذلك مدينة ديامنياديو الجديدة، بالإضافة إلى القطارات والمطارات والملاعب والطرق السريعة والمستشفيات الجديدة. كما قادت حكومته خطة تنمية طارئة للمجتمعات الريفية الصغيرة، ولكن العواقب الاقتصادية لجائحة «كورونا« والحرب الروسية الأوكرانية أدت إلى زيادة حدة البطالة بين الشباب وأوجه عدم المساواة الاجتماعية، بالرغم من الدعم المالى للفقراء. فهل يستطيع تحالف فاى سونكو التغلب على هذه التحديات؟ ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

الشروق

2024-03-28

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب أحمد نظيف، تناول فيه عدة ملاحظات على الهجوم الإرهابى الذى تم يوم 22 مارس شمال غرب موسكو، والتداعيات المحتملة لهذا الهجوم الفترة المقبلة... نعرض من المقال ما يلى: بعد ساعات من بدء إطلاق النار داخل قاعة للحفلات الموسيقية، فى منطقة كروكوس سيتى هول شمال غرب موسكو يوم 22 مارس 2024، أعلن الفرع الأفغانى لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش ــ خراسان)، مسئوليته عن الهجوم الإرهابى، الذى خلف ما لا يقل عن 115 قتيلا و121 جريحا. ويتراوح العدد الدقيق للمهاجمين المتورطين، بحسب المصادر الأمنية الروسية، بين ثلاثة وخمسة. فيما نجحت السلطات، على نحو سريع، فى اعتقال عدد من المتورطين بشكل مباشر فى العملية. أما الأجهزة الأمنية الروسية، فقد كشفت عن أن المشتبه بهم كانت لهم «اتصالات» فى أوكرانيا، دون توجيه تهم مباشرة لسلطات كييف. وقال جهاز الأمن الفدرالى، نقلا عن وكالة «تاس»: «بعد ارتكاب الهجوم الإرهابى، كان المجرمون يعتزمون عبور الحدود الروسية الأوكرانية». ووفقا لوسائل الإعلام الروسية، والنائب ألكسندر كينشتاين، فإن بعض المشتبه بهم المعتقلين من طاجيكستان. فيما ردت السلطات الطاجيكية بالقول إنها «لم تتلق تأكيدا من السلطات الروسية بشأن المعلومات المتداولة حاليا حول تورط مواطنين طاجيك». فى المقابل، حظى الهجوم بإدانة واسعة من المجتمع الدولى، بما فى ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وفرنسا والمملكة المتحدة.• • • هناك عدد من الملاحظات والرسائل الرئيسية التى انطوى عليها هجوم موسكو الإرهابى، ومنها الآتى:1ــ هجوم دام: يأتى هجوم موسكو فى وقت تخوض فيه روسيا حربا فى أوكرانيا منذ أكثر من عامين؛ إذ تمت تعبئة كل مقدرات الدولة الأمنية والعسكرية والمعلوماتية للصراع فى أوكرانيا. وعلى الرغم من أن البلاد فى حالة طوارئ منذ بدء الحرب، فإن المهاجمين تمكنوا من اختراق جميع الحواجز الأمنية ووصلوا إلى العاصمة موسكو ونفذوا هجوما إرهابيا هو الأكبر، والأكثر دموية منذ عام 2002. فهذا الهجوم يعيد إلى الأذهان عشرية العمليات الإرهابية الدامية، التى عاشتها روسيا بين نهاية التسعينيات وعام 2011. 2ــ رسالة ذات مضمون سياسى: جرى هجوم موسكو بعد أيام قليلة من إعادة انتخاب الرئيس، فلاديمير بوتين، لولاية رئاسية جديدة. فالرئيس بوتين قد أسس شعبيته على فكرة «الرجل القوى»، بوصفه ينحدر من جهاز المخابرات السوفيتى، وما يمثله من خيال شعبى يتصل بالقوة والسيطرة والتحصين الأمنى. لذلك فإن هذا الهجوم قد يخدش هذه الصورة؛ إذ نجح المهاجمون فى الوصول إلى قلب البلاد وأوقعوا هذا العدد الكبير من الضحايا. 3ــ المواجهة مع تنظيم داعش: تتعلق هذه الملاحظة بالجهة التى تبنت الهجوم؛ وهى تنظيم «داعش ــ خراسان» الإرهابى؛ إذ تبدو العملية على أنها تذكير من التنظيم للعالم بأنه ما زال قويا وقادرا على ضرب خصومه، بالرغم من تراجعه خلال السنوات الأخيرة وهزائمه فى سوريا وليبيا والعراق، وتفكك خلاياه النائمة فى أوروبا. 4ــ تطابق التوقعات الأمنية الأمريكية مع الواقع: حذرت السفارة الأمريكية فى موسكو، فى 7 مارس الحالى، أى قبل أيام قليلة، من هجوم وشيك من قبل «متطرفين يستهدف التجمعات الكبيرة فى موسكو، بما فى ذلك الحفلات الموسيقية» ونصحت مواطنيها بتجنب التجمعات الكبيرة. وقالت أدريان واتسون، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومى الأمريكى: «فى وقت سابق من هذا الشهر، حصلت الحكومة الأمريكية على معلومات حول هجوم إرهابى مخطط له فى موسكو، يحتمل أن يستهدف تجمعات كبيرة، بما فى ذلك الحفلات الموسيقية، وشاركت واشنطن هذه المعلومات مع السلطات الروسية»، مشيرة إلى أن إدارة جو بايدن تنفذ منذ فترة طويلة سياسة «واجب التنبيه» الذى بموجبه تحذر الولايات المتحدة الدول المستهدفة عندما تتلقى معلومات استخباراتية حول تهديدات محددة بالاختطاف أو الاغتيالات. • • •منذ الساعات الأولى للهجوم الإرهابى فى موسكو، برزت فرضيتان حول المنفذ وصاحب المصلحة، هما كالتالى:1ــ الفرضية الأولى: تتعلق بتنظيم داعش، الذى أعلن صراحة تبنيه للهجوم. وتقوم هذه الفرضية على أن داعش هو المخطط والمنفذ وصاحب المصلحة فى الهجوم، ولها ما يدعمها فى الواقع وفى المنطق السياسى والتاريخى للعلاقة بين الطرفين، خاصة أن التنظيم قد ركز فى دعايته خلال السنوات الماضية على ما يسميه بـ«العدو الروسى». وبالرغم من أن إعلانات التبنى التى يصدرها التنظيم لم تكن دائما دقيقة، وكان بعضها يقع ضمن خانة الاستعراض الإعلامى، للإيحاء بأنه ما زال قويا وفاعلا. ومع ذلك فقد قال مسئول أمريكى لشبكة «سى بى إس نيوز» إن الولايات المتحدة لديها معلومات استخباراتية تؤكد ما أعلنه تنظيم داعش عن مسئوليته عن الهجوم، وأنه ليس لديهم أى سبب للشك فى ذلك.2ــ الفرضة الثانية: ما تحدث عنه الجانب الروسى على نحو ضمنى، وهو تورط أوكرانيا ومن ورائها الدول الغربية فى دعم ذلك الهجوم. وهذه الفرضية تقوم على درجتين من التورط، الأولى، وهى المنفذ المباشر للهجوم، ويمكن أن يكون تنظيم داعش أو أى جماعة إسلامية أو انفصالية ناشطة داخل الاتحاد الروسى، ولاسيما فى القوقاز: الشيشان وداغستان وإنغوشيا. والدرجة الثانية، هى المخطط والداعم وصاحب المصلحة الحقيقى، وهنا يبدو الجانب الروسى ميالا إلى اتهام كييف وحلفائها الغربيين. وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه القطع بطبيعة الجهة المنفذة والمخططة وأصحاب المصلحة فى هجوم موسكو، فإن الشكوك الروسية حول مدى تورط تنظيم داعش فى تقاطع مع المصالح الأوكرانية والغربية، ربما لها ما يدعمها من شواهد فى التجربة التاريخية، لنشاط الجماعات الإسلامية الإرهابية؛ إذ إن جزءا مهما من تاريخ هذا النشاط ارتبط على نحو وثيق بسياسات التوظيف الغربية لهذه المجموعات، بداية من حملة الجهاد الأفغانى انطلاقا من عام 1979 حتى بداية التسعينيات، والتى كانت تستهدف الاتحاد السوفيتى السابق والنظام الأفغانى الشيوعى المتحالف معه آنذاك. وكذلك فى التجربة اليوغسلافية، عندما تقاطعت مصالح القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة مع الجماعات الإسلامية الجهادية لإسقاط نظام سلوبودان ميلوشيفيتش وتقسيم البلاد إلى كيانات عرقية ودينية. وخاصة أن الحرب التى تخوضها روسيا ضد أوكرانيا، ذات طبيعة هجينة، وتستعمل فيها جميع الأسلحة الاقتصادية والديموغرافية والمعلوماتية وتوظف فيها الكيانات العسكرية غير النظامية والميليشيات والجماعات المسلحة العرقية والدينية.• • •هناك تداعيات محتملة لهجوم موسكو الإرهابى خلال الفترة المقبلة، لعل أبرزها ما يلى:1ــ إعادة تنظيم الأجهزة الأمنية الروسية: لا شك فى أن تداعيات هذا الهجوم ستكون أساسا على الجانب الروسى وما يتعلق بتنظيم الأجهزة الأمنية والمخابرات؛ إذ إن أسبقية الجانب الأمريكى فى الوصول إلى معلومات تفيد بإمكانية وقوع هجمات، تكشف عن تقدم أمنى مخابراتى أمريكى وغربى فى مواجهة روسيا. لذا من المحتمل أن يدشن الرئيس بوتين ولايته الجديدة بتغييرات جذرية على مستوى القيادات الأمنية والاستخباراتية. وكذلك على مستوى النهج الأمنى، الذى استحوذت الحرب الأوكرانية على جزء واسع من عمله. 2ــ الانتقام من أوكرانيا: ستكون التداعيات أشد خطورة على أوكرانيا فى حالة استقرت القيادة الروسية على اتهام واضح للجانب الأوكرانى فى دعم الهجوم أو التخطيط له. وضمن هذا السيناريو، من الممكن أن يكون الرد الروسى فى شكل هجوم عسكرى قوى، أو هجمات متلاحقة، تعيد الاعتبار للأجهزة الروسية وترمم صورة بوتين، التى ربما خدشها الهجوم.3ــ استئناف الحرب الروسية على الإرهاب داخل البلاد: من المتوقع أن يعيد بوتين نشر قوات خاصة فى القوقاز وعلى الحدود مع دول وسط آسيا، وربما تنفذ السلطات عمليات أمنية خاصة خارج حدود البلاد؛ إذ توجد معاقل تنظيم «داعش ــ خراسان»، فى وسط وجنوب آسيا، ولاسيما فى أفغانستان وباكستان. وهذا التوجه يمكن أن يقوى التحالف الروسى الإيرانى فى مجال مكافحة التنظيم؛ إذ تعانى إيران من تهديدات دائمة له. فقبل أشهر، وتحديدا فى 3 يناير 2024، فجر انتحاريان ينتميان للتنظيم نفسيهما على الطريق التذكارى لاغتيال الجنرال، قاسم سليمانى فى مدينة كرمان، مما أسفر عن مقتل 84 شخصا وإصابة 284 آخرين، فى هجوم هو الأكثر دموية فى البلاد منذ الثورة الإسلامية عام 1979. ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

الشروق

2024-03-08

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب إيهاب خليفة، يقول فيه أننا على وشك بداية عصر جديد فى مجال تطور الحواسيب، وهو عصر الحواسيب الكمومية مشيرا إلى قدراتها التى تفوق أجهزة الكمبيوتر التقليدية فى مجالات عديدة بجانب المجال الأمنى، وهذا الإنجاز العلمى سيزيد من الهوة بين الدول المتقدمة والنامية... نعرض من المقال ما يلى:أصبحت الحواسيب الرقمية الكلاسيكية قريبة أكثر من أى وقت مضى من الوصول لأقصى قدرة حوسبية لها، واقتربت البشرية من الاحتفال بتقديم آخر جيل من هذه الهندسة المعمارية القائمة على السيليكون، والتى غيرت شكل العالم خلال عدة عقود، وأصبح التطور حتميا نحو تطوير أجهزة كمبيوتر تعمل على المستوى الذرى أو الكمى، واشتد التنافس بين الدول وشركات التكنولوجيا حول تطوير الحواسيب الكمومية نظرا للقدرات الفائقة التى تعد بها هذه التكنولوجيا الجديدة.فالحواسيب الكمومية، قوية لدرجة أنها يمكن وصفها بالكمبيوتر اللامتناهى (Ultimate Computer)، فمن الناحية النظرية، يمكن لهذه الأجهزة أن تكسر جميع شيفرات الأمان الإلكترونية المعروفة، وهذا الوضع خطر لدرجة أن المعهد الوطنى للمعايير والتكنولوجيا الأمريكى (NIST)، الذى يضع السياسات والمعايير الوطنية، أصدر إرشادات لمساعدة الشركات الكبرى والوكالات الحكومية على التخطيط للانتقال الحتمى إلى هذا العصر الكمى الجديد. وقد أعلن (NIST) بالفعل توقعه أن تكون الحواسيب الكمومية قادرة على كسر تشفير (AES) بتقنية 128 بتا، بحلول عام 2029، وتشفير (AES) تستخدمه العديد من الشركات فى حماية بياناتها، وتنفق الدول عشرات مليارات الدولارات لحمايته.لا تقتصر تطبيقات الحواسيب الكمية أو الكمومية على الجانب الأمنى والعسكرى فقط، بل تتنوع لتشمل مجالات عديدة، من الطب إلى الفضاء والبيئة والمناخ والطاقة، وقادرة على القيام بحسابات تعجز أجهزة الكمبيوتر التقليدية عن القيام بها، فمثلا فى عام 2019 أعلنت جوجل عن تطوير جهاز سيكامور (Sycamore) الذى استطاع أن يحل مسألة حسابية فى مدة 200 ثانية، وهذه المسألة قد تستغرق من الحواسيب الرقمية الكلاسيكية 10 آلاف عام.• • •فى الخمسينيات، كانت أجهزة الكمبيوتر عملاقة لدرجة أنها تعادل حجم غرفة كبيرة كاملة، وكان يمكن فقط للشركات الكبيرة والوكالات الحكومية مثل: البنتاجون والبنوك الكبرى شراء هذه الحواسيب. على سبيل المثال، كان بإمكان الحاسوب (ENIAC) أن يقوم فى ثلاثين ثانية بما قد يستغرق الإنسان عشرين ساعة لإتمامه فى هذا الوقت، لكنها كانت باهظة الثمن وضخمة، إلى أن حدثت ثورة فى تطوير الرقائق الإلكترونية وتقلص حجمها على مر العقود حتى أصبحت شريحة واحدة بحجم الظفر، قادرة على أن تحتوى على حوالى مليار ترانزستور (الترانزستور هو جهاز يُستخدم لتضخيم أو تبديل الإشارات الكهربائية، ويعمل على مبدأ التحكم فى تدفق الإلكترونات، وتمثل الحالة 1 فى اللغة الثنائية عملية تدفق الإلكترونات عبر الترانستور والحالة 0 عدم تدفق تلك الإلكترونات)، هذا التطور مكّن المهندسين والعلماء من تطوير أجهزة كمبيوتر صغيرة ومحمولة وتطور الأمر لظهور الهواتف الخلوية وأجهزة إنترنت الأشياء وغيرها من الإلكترونيات الدقيقة.ونتيجة لتسارع عملية تطوير الشرائح الإلكترونية صاغ جوردون مور، أحد مؤسسى شركة إنتل، فى عام 1965 مبدأً عرف باسم قانون مور (Moore's Law)، وينص هذا القانون على أن عدد الترانزستورات يتضاعف تقريبا كل عامين، مما يؤدى إلى زيادة الأداء وانخفاض التكاليف بشكل متزامن. وفى تحديث لاحق لهذا القانون، عدّل مور الفترة إلى كل 18 شهرا. هذا المبدأ لا يُعد قانونا فيزيائيا بالمعنى الصارم، بل هو ملاحظة تجريبية توجه صناعة أشباه الموصلات، وقد أدى هذا القانون دورا حاسما فى تطور صناعة الإلكترونيات.ومع ذلك، فى السنوات الأخيرة، بدأ العديد من الخبراء يشيرون إلى أن قانون مور قد بدأ يصل إلى حدوده الفيزيائية. السبب الرئيسى هو أن الترانزستورات قد أصبحت صغيرة لدرجة أنها اقتربت من حدود ما يمكن تحقيقه باستخدام التقنيات الحالية، هذا لأن الشرائح الإلكترونية باتت مضغوطة للغاية بحيث إن عرض الترانزستورات بات يبلغ حوالى عشرين ذرة فقط. وعندما تصل هذه المسافة إلى حوالى خمس ذرات عرضا، يصبح موقع الإلكترون غير مؤكد بسبب مبادئ ميكانيكا الكم (والإلكترونات فى هذه الحالة هى العناصر الحاملة للشحنة الكهربائية فى الترانزستورات وتؤدى دورا حاسما فى تشغيل ومعالجة البيانات داخل الكمبيوتر).هذا الغموض فى موقع الإلكترون مع صغر حجم الترانزستور يمكن أن يؤدى إلى «تسرب» الإلكترونات من مسارها المحدد (أى البوابات المسئولة عن مرور الإلكترونات من داخلها)، مما يتسبب فى تقصير دائرة الشريحة أو يولد حرارة مفرطة قد تذيب الشرائح. بمعنى آخر، بموجب قوانين الفيزياء، يجب أن ينهار قانون مور فى نهاية المطاف إذا استمررنا فى استخدام السيليكون بشكل أساسى، فقد وصلت هذه الهندسة الحوسبية المعمارية إلى نهايتها، وبالتالى قد نكون نشهد نهاية عصر السيليكون.هذا لا يعنى أن التقدم فى تكنولوجيا الحوسبة قد توقف، ولكن يعنى أن الابتكار قد بدأ يتحول من مجرد زيادة عدد الترانزستورات على شريحة إلى تحسينات فى تصميم الأنظمة، واستخدام مواد جديدة، واستكشاف معماريات حوسبة جديدة. بمعنى آخر، قد يكون قانون مور كما نعرفه قد وصل إلى نهايته، ولكن الابتكار فى تكنولوجيا الحوسبة مستمر بطرق جديدة يأتى على رأسها الحوسبة الكمومية.• • •نهاية عصر السيليكون وتوقف قانون مور هو بداية فى نفس الوقت لعصر الكوانتم، فمع صغر المساحة التى يعمل عليها الترانزستور وتراجعها إلى أقل من خمس ذرات، فإن هذا يعنى أننا بدأنا بالفعل فى الهندسة على مستوى الذرة الواحدة، وبدلا من الاعتماد على الترانزستور فى التحكم فى عملية تدفق الشحنة الكهربائية، سيتم الاعتماد على حركة الذرات نفسها. لك أن تتخيل استغلال حركة الذرة للقيام بعمليات حوسبية بدلا من الترانزستور الذى يقوم بعملية تمرير التيار الكهربائى والتحكم فيه فقط، وفى هذه الحالة يتم استخدام ميكانيكا الكم لمعالجة وتحليل كميات هائلة من البيانات بشكل متزامن، بدلا من معالجتها بشكل متسلسل مثلما فى الحواسيب الرقمية.وتتمثل قوة الحواسيب الرقمية الكلاسيكية فى عدد البتات (Bits) التى يمكن معالجتها فى الثانية الواحدة، والتى إما أن تكون 1 فى حالة التشغيل أو صفرا عند إيقاف التشغيل. ولكن، نظرا لأن الذرة توجد على أكثر من حالة واحدة فى نفس الوقت فإنها تستخدم وحدة البت الكمومية أو الكيوبت (Qubits) التى تعتمد على مبادئ ميكانيكا الكم، إذ تكون فى تراكب من الحالات أو ما يعرف باسم التراكب الكمى Superposition Quantum.علاوة على خاصية التراكب، يتميز الكيوبت أيضا بخاصية التشابك الكمومى Entanglement Quantum إذ يمكن لهذه الكيوبتات التفاعل، والتشابك فيما بينها. ففى كل مرة تضيف فيها كيوبتا جديدا فإنه يتفاعل مع جميع الكيوبتات السابقة، وبالتالى يتضاعف عدد التفاعلات الممكنة. وهو ما لا يمكن للبتات العادية فعله إذ تأخذ حالات مستقلة وليست متشابكة، لذلك، تكون الحواسيب الكمومية بطبيعتها أقوى بشكل أساسى من الحواسيب الرقمية، لأنك تضاعف عدد التفاعلات فى كل مرة تضيف فيها كيوبتا إضافيا.لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فحالة التراكب الكمى والرابطة الموجودة بين الذرات قد تتأثر بأى مؤثر خارجى مما يعدل من حركة دوران الذرات وكذلك اتجاهها، وقد ترتبط الذرة بذرة أخرى أو تتفكك الرابطة الذرية بينهما، وبالتالى يفشل استقرار الكيوبت وتزداد الأخطاء الكمومية.كما أن تصميم البرمجيات والخوارزميات الكمومية يتطلب فهما عميقا لميكانيكا الكم وأساليب جديدة فى الترميز والحساب، لكن بالرغم من هذه التحديات، فإن البحث فى مجال الحوسبة الكمومية يتقدم بسرعة، وقد أدى إلى تطورات مهمة فى مجالات مثل: الكيمياء الكمومية، وتحسين الخوارزميات، والأمن السيبرانى.وفى النهاية، فإن دخول عصر الكوانتم أصبح وشيكا للغاية، ففى أى لحظة قد يستطيع العلماء التحكم فى حالة التحلل الكمى، وتحقيق أقصى استقرار ممكن للكيوبتات، ليمهد ذلك الطريق لاكتشافات غير مسبوقة، تزيد الفجوة القائمة بين المجتمعات المتقدمة وتلك النامية. ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

الشروق

2024-03-06

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتبة فاطمة الزهراء عبدالفتاح، تناولت فيه استخدام تكنولوجيا الاتصالات كسلاح لفرض العزلة الرقمية فى مناطق الصراعات (مثلما يحدث فى غزة الآن) لممارسة الضغوط والتعتيم على الانتهاكات الجسيمة، نظرا لدور هذه التكنولوجيا فى إنقاذ ضحايا الحروب بفضحها لأفعال القوى المتصارعة أمام العالم. كذلك تطرقت الكاتبة إلى أن توفير بدائل تكنولوجية لقطع الإنترنت لا يعد حلا طويل الأمد لتعرض هذه البدائل لعملية تسييس بمنحها أو حجبها وفقا للانتماءات السياسية لموفريها؛ لذا أكدت كاتبة المقال على المسئولية السياسية والإنسانية للحكومات والمؤسسات الدولية والشركات الكبرى فى الدفاع عن حق الإنسان فى الوصول الآمن للاتصالات السلكية واللاسلكية... نعرض من المقال ما يلى:لم تكن الأسابيع الأولى من العام 2024 أفضل من سابقتها، إذ ظل العالم يعانى من صراعات دامية راح ضحيتها الآلاف الذين لم تزهق أرواحهم بنيران الأسلحة الثقيلة فحسب، إذ كان لتدمير البنى التحتية وقطع إمدادات الإغاثة أثر بالغ فى جعل تلك الصراعات أكثر قسوة ودموية، وهو الأمر الذى كانت شبكة الإنترنت جزءا أصيلا منه، ليس فقط بشن الهجمات السيبرانية أو بث الدعاية والتضليل، وإنما باستهداف مواردها وقطع خدماتها سواء بفعل تعطيل محطات الكهرباء أو الاستهداف المباشر لأبراج الاتصالات. ما جعل العزلة الرقمية سلاحا فى أيدى القوى المتصارعة لممارسة الضغوط والتعتيم على الانتهاكات الجسيمة، وجعل استهداف خطوط الاتصالات لا يقل أهمية عن استهداف الثكنات العسكرية والمنشآت الحيوية.وبالمقابل، كان التواصل عبر الإنترنت سببا فى حشد التبرعات وتوزيع الإمدادات والإبلاغ عن الضحايا وإنقاذهم وتخفيف آثار تلك النزاعات على حيواتهم، ما يؤكد أهمية الدفاع عن الحق فى الاتصال فى مناطق الصراعات المسلحة والحروب.• • •لا يقتصر توظيف تكنولوجيا الاتصالات بالصراعات المسلحة على تطوير الأسلحة الذكية والهجمات الإلكترونية وعمليات الاختراق المتطورة فحسب، وإنما بات استهداف شبكات الاتصالات واعتماد العزلة الرقمية لمناطق الصراع سلاحا فعالا يتم توظيفه فى أوقات النزاعات.وتُعد الحرب فى غزة من أبرز الشواهد على استخدام الإنترنت كعنصر للضغط والعزل والترهيب فى مناطق الصراعات المسلحة، إذ كانت انقطاعات الشبكة سمة رئيسية خلال الأحداث وانخفضت كفاءة الشبكة إلى 5% فقط ببعض المناطق. ولم تكتف إسرائيل بتدمير 80% من البنية التحتية لقطاع الاتصالات بغزة، عبر استهداف أبراج الاتصالات الخلوية وكابلات الألياف الضوئية ومكاتب مزودى خدمات الإنترنت، وإنما اتجهت إلى الاستهداف الصاروخى لطواقم العمال المدنيين الذين يحاولون إصلاحها، وكذلك المواطنين الذين يحاولون التقاط بث الاتصالات، إذ أعلن المرصد الأورومتوسطى لحقوق الإنسان أنه وثق تعمد قوات الجيش الإسرائيلى قتل ما لا يقل عن سبعة مدنيين فلسطينيين فى أقل من أسبوع خلال محاولتهم التقاط بث الاتصالات والإنترنت.ولا يُعد توظيف سلاح العزلة الرقمية فى مناطق الصراع بالشرق الأوسط استثناءً من بين دول العالم التى تشهد استهدافا منظما للاتصالات كجزء من الضغوط التى تتم ممارستها على الأطراف المعادية، ففى أوكرانيا، تم اعتبار قطع الإنترنت جزءا من الاستراتيجية الهجومية الروسية سواء بالاستهداف المباشر لأبراج الاتصالات أو نتيجة لتدمير لبنى الخدمات الأساسية، وهو ما تسبب فى الانقطاع الجزئى أو الكامل للخدمة.• • •فى يوليو 2023، أثار الكشف عن فيديو لامرأتين يتم عرضهما عاريتين من قبل حشد من الرجال فى منطقة مانيبور بالهند غضبا بين المنظمات الحقوقية التى ربطت بين تأخر الإفصاح عن الفيديو لأكثر من شهرين وقرار قطع الإنترنت فى المنطقة التى شهدت صراعا عرقيا بين شعب ميتى وشعب كوكى القبلى المسيحى، كما تكرر الأمر نفسه فى إثيوبيا التى تعتمد إغلاقا مستمرا للخدمة فى مناطق الصراع المسلح، إذ يستمر قطع الإنترنت عن إقليم تيجراى منذ نوفمبر 2020 أى لمدة 1199 يوما، كما تعتمد إغلاقا متواصلا للشبكة فى منطقة أمهرة منذ اندلاع النزاع المسلح بين القوات الفدرالية ومقاتلى فانو، وسط تزايد حالات القتل والاعتداءات وإعلان منظمات دولية قلقها من ارتكاب جرائم متزايدة ضد المدنيين دون القدرة على الإبلاغ عنها أو تقديم المساعدة للضحايا أو حتى الحيلولة دون وقوعها بسبب قطع الإنترنت.تؤشر تلك الأحداث على القيمة الإيجابية التى يقدمها الاتصال بالإنترنت فى مناطق الصراع والتخفيف من آثاره، والأدوار الفاعلة للشبكة فى حماية أرواح المدنيين وتخفيف آثار النزاعات على حيواتهم، إذ تعمل المواقع الإخبارية والمنصات الإلكترونية للمنظمات المدنية والإغاثية وشبكات التواصل الاجتماعى على توفير المعلومات بكثافة وسرعة تساعد سكان مناطق النزاعات على النجاة أو الحصول على المساعدة أو الإغاثة فى أوقات الطوارئ أو حتى الاستجابة لتحذيرات الإخلاء والتعريف بالممرات الإنسانية، فضلا عن توفير الشبكة قنوات التواصل اللازمة لاطمئنان الأفراد على عائلاتهم والتواصل مع ذويهم، هذا إلى جانب توفير الفرصة لبث الصور والفيديوهات من قلب الأحداث بما قد يحول دون ارتكاب الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان، ويساعد وسائل الإعلام الاحترافية خاصة الدولية على أداء مهامها والوصول لمصادر المعلومات، الأمر الذى يفرض حماية ضمنية للمدنيين باستخدام ضغوط الكشف والإدلاء، هذا بخلاف الحد من الدعاية العسكرية عن طريق إتاحة مصادر الأخبار البديلة.• • •برز اسم شركة ستارلينك المقدمة لخدمات الإنترنت الفضائى والمملوكة للملياردير الأمريكى إيلون ماسك خلال الصراعات المسلحة بأماكن متفرقة من العالم، كوسيلة فعالة لإعادة الاتصال بالشبكة العنكبوتية العالمية، ولاسيما فى الحرب الروسية الأوكرانية التى قدمت خلالها الشركة آلاف المحطات التى أتاحت اتصالا غير محدود للبيانات من أى مكان بالبلاد عبر شبكة من الأقمار الاصطناعية فى مدار أرضى منخفض، تتيح الوصول إلى الإنترنت عالى السرعة، وبما يسمح للحكومة بمواصلة الاتصالات وتجاوز الخوادم الروسية، أخذا فى الاعتبار التحديات التى تواجه تلك البدائل وفى مقدمتها التكلفة المادية، إذ بلغت تكلفة توفير الإنترنت الفضائى فى أوكرانيا ما يقرب من 20 مليون دولار شهريا بإجمالى 400 مليون دولار حتى نهاية 2023.وفى غزة، أعلنت حكومة دولة الإمارات فى فبراير 2024 أنها ستستعين بخدمات ستارلينك للاتصال عبر الأقمار الاصطناعية لتوفير خدمة الإنترنت عالى السرعة بالمستشفى الإماراتى الميدانى جنوب غزة بهدف توفير الاستشارات الطبية عبر الفيديو فى الوقت الفعلى، بالمشاركة مع عدد من المؤسسات الطبية العالمية.ولا تُعد خدمات الإنترنت الفضائى التى تتيحها ستارلينك هى البديل الوحيد لقطع اتصالات الإنترنت الأرضية، إذ يطور منافسون آخرون خدمات للتقنية ذاتها مثل: شركات وان ويب وأمازون، وأعلنت الصين أيضا تطويرها مشروعا لشبكة من الأقمار الاصطناعية ذات النطاق العريض، كما تتوافر بدائل تقنية أخرى للإنترنت الفضائى مثل: الاعتماد على الشبكات المتداخلة أو الشعرية اللاسلكية (Mesh networking)، وكذلك مشروع بالونات لوون التابعة لشركة ألفابايت والتى توفر الاتصال بالإنترنت من طبقة الستراتوسفير بالغلاف الجوى ويتم تسييرها بالطاقة الشمسية وتوجيهها عبر تقنيات الذكاء الاصطناعى وتُعد فعالة لتوصيل الإنترنت فى مناطق الإغاثة وتم تطبيقها فى بيرو وكينيا.والحقيقة أن توفير البدائل التكنولوجية لقطع خطوط الإنترنت لا يُعد حلا طويل الأمد لحماية الحق فى الاتصال بأوقات الصراع، أخذا فى الاعتبار تسييس تلك الحلول ذاتها بمنحها أو حجبها وفقا للمواقف السياسية لموفريها، إذ تتحمل الأطراف المختلفة مسئولية سياسية وإنسانية للدفاع عن حقوق الأفراد فى وصول آمن للاتصالات السلكية واللاسلكية ومصادر المعلومات الرقمية، وهو ما تضطلع به الحكومات نفسها الملتزمة بالوفاء بتعهداتها والتقليل من تبعات الصراعات المسلحة قدر الإمكان.هذا جنبا إلى جنب مع المنظمات الدولية والوكالات المحلية ومؤسسات المجتمع المدنى، فضلا عن دور شركات التكنولوجيا فى المناطق المتاخمة بتقوية نطاق البث وقدرات الشبكات على التغطية، وتعزيز تأمينها ضد القرصنة أو الاختراق لمنع استخدامها لأغراض مضادة، هذا بخلاف الالتزامات طويلة الأمد المتعلقة بالتعاون لإعادة إعمار البنية الاتصالية المتضررة، وتأمين الوصول لبدائلها من الحلول غير التقليدية. ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

الشروق

2024-03-03

رغم أن السنغال ــ فى غرب القارة الإفريقية ــ تعتبر دولة ديمقراطية وسط منطقة شهدت العديد من الانقلابات العسكرية، إلا أن ديمقراطيتها بدأت مؤخرا تتعرض للتهديد. فى ضوء ذلك، نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب حمدى عبدالرحمن، تناول فيه مظاهر تراجع الديمقراطية بالسنغال، وتحليل جميع أبعاد وتبعات المأزق الانتخابى بها، بعد إبطال المجلس الدستورى تشريع «تأجيل الانتخابات» دون وضع جدول زمنى محدد لإجرائها... نعرض من المقال ما يلى:تمثل السنغال دوما واحة ديمقراطية فى منطقة غرب إفريقيا المضطربة إذ تجنبت منذ الاستقلال الوقوع فى فخ الانقلابات العسكرية، فضلا عن المحافظة على الانتقال السلمى للسلطة عبر صناديق الاقتراع. بيد أن المفاهيم قد تتغير إذا استمرت مظاهر التراجع الديمقراطى.لقد تقلصت المساحات الديمقراطية فى البلاد منذ عام 2021، إذ قامت الحكومة بقمع المظاهرات واعتقال زعماء المعارضة. ويبدو أن الأمور وصلت إلى ذروتها فى يوليو من العام الماضى عندما اندلعت احتجاجات عنيفة بعد اعتقال زعيم المعارضة البارز، عثمان سونكو، واتهامه بالتخطيط لتمرد بعد أسبوع من إدانته بسلوك غير أخلاقى، والحكم عليه بالسجن لمدة عامين.ربما يشعر الشباب فى السنغال أيضا بالإحباط بسبب ارتفاع معدلات البطالة وزيادة معدلات الفقر وهو ما يدفعهم للمشاركة فى الاحتجاجات. ومما زاد الطين بلة أنه منذ إعلان الرئيس ماكى سال فى 3 فبراير 2024 تأجيل الانتخابات التى كان من المقرر إجراؤها يوم الأحد 25 فبراير، انزلقت البلاد إلى المجهول. وبعد قمع المظاهرات بعنف وإبطال التأجيل من قبل المجلس الدستورى، لا يعرف الشعب السنغالى متى سيتوجه إلى صناديق الاقتراع. ومن المقرر أن تنتهى ولاية ماكى سال فى الثانى من إبريل هذا العام.جدير بالذكر أن أزمة الانتخابات السنغالية لم تبدأ من فراغ، وإنما سبقتها مقدمات تمثلت فى محاولة الرئيس البقاء فى السلطة لمدة ثالثة غير شرعية، وهو الأمر الذى خلق مدا شعبويا جارفا من أجل الحفاظ على التقاليد الجمهورية، بالإضافة إلى تردى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وبروز حركات الاحتجاج الشبابية.• • •لقد كان قرار الرئيس ماكى سال فى 3 فبراير بتأجيل الانتخابات المقرر إجراؤها فى 25 فبراير مدعوما بتشريع تم إقراره من البرلمان بعد يومين فقط مجرد مناورة لتمديد فترة ولايته الرئاسية. فقد أعلن التشريع النيابى إجراء الانتخابات يوم 15 ديسمبر 2024، وهو ما يعنى فعليا تمديد رئاسة سال لمدة عام تقريبا.فى المقابل، قرر المجلس الدستورى السنغالى يوم 15 فبراير أن تأجيل البرلمان غير المسبوق للانتخابات الرئاسية التى كان من المقرر إجراؤها فى 25 فبراير لا يتماشى مع الدستور، مما يدفع البلاد إلى مرحلة جديدة من عدم اليقين الانتخابى. وقد رحبت بعض فصائل المعارضة السنغالية بقرار المجلس، لكن العملية الانتخابية والجدول الزمنى لا يزالان غير واضحين إذ طلب المجلس من الرئيس تحديد موعد معقول. وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة إلى المجلس الدستورى، فإن قراراته تظل حاسمة بالنسبة لاستقرار السنغال.يعنى ذلك أنه بعد 2 إبريل، لم يعد ماكى سال رئيسا للسنغال، الأمر الذى سيفتح الطريق لجميع الخلافات، وخاصة داخل المعارضة وبعض المراقبين المدافعين عن سيادة القانون. ولذلك فإن قرار ماكى سال تأجيل الانتخابات لم يستبدل إلا أزمة بأخرى، لأنه لم يفعل سوى تأجيلها.• • •برر ماكى سال التأجيل من خلال الاستشهاد بمزاعم الفساد الموجهة ضد اثنين من قضاة المجلس الدستورى ورئيس الوزراء أمادو با. وكان أعضاء البرلمان من الحزب الديمقراطى قد طالبوا بإجراء تحقيق برلمانى فى قرار المجلس بإسقاط مرشحهم الرئاسى كريم واد. ورغم أن مزاعم الحزب الديمقراطى لم تثبت صحتها بعد، فإنها قوضت مصداقية المجلس الدستورى، التى انتقدتها المعارضة فى السابق.ومن جهة أخرى، يرى كثر أن قرار الرئيس جاء بسبب الخوف من الهزيمة الوشيكة لمرشحه فى ائتلاف الحزب الحاكم، إذ يريد كسب مزيد من الوقت لتمهيد الطريق للوريث السياسى الذى يخلفه فى منصبه. علاوة على ذلك فإن تأجيل الانتخابات بالنسبة للحزب الديمقراطى قد يمهد الطريق أمام كريم واد، الذى أصبح يحمل الجنسية السنغالية حصرا، للعودة إلى صناديق الاقتراع. كما أنه سيسمح للحزب الحاكم بحل الخلافات الداخلية حول ترشيح أمادو با، والتى هددت الفرص الانتخابية للائتلاف.ولعل طريقة التصويت على قانون التأجيل الانتخابى تظهر هذه النيات المستترة للتحالف الحاكم. فقد تم التصويت على قانون 5 فبراير الذى منح التأجيل من قبل ائتلاف «بينو بوك ياكار» الحاكم والحزب الديمقراطى السنغالى، إذ يسيطر أعضاؤهما على نسبة 60% من مقاعد الجمعية الوطنية. لقد كانت العملية فوضوية، إذ تم إخراج نواب المعارضة بالقوة من المجلس من قبل قوات الأمن، ولم يتم إجراء أى نقاش عام له مغزى.إن الانقسامات العميقة بين الجهات السياسية الفاعلة فى السنغال تعنى أن دعم الوسطاء الوطنيين والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «إيكواس» يُعد ضروريا لحل الأزمة. وبعد أن أبطل المجلس الدستورى قانون التأجيل، على الطرفين المطالبة باحترام الحكم. ويجب عليهما أيضا مساعدة أصحاب المصلحة الوطنيين على تنظيم انتخابات سلمية وذات مصداقية بمجرد وضوح الجدول الزمنى الجديد.ومن جهة أخرى كانت السنغال تُعد دائما نموذجا للديمقراطية، ولكنها أيضا صوت قوى فى الدفاع عنها فى غرب إفريقيا، بعد أن قامت بدور بارز وحاسم فى الإطاحة بالرئيس الجامبى السابق يحيى جامع فى عام 2017. وعليه فإن عملية التراجع الديمقراطى التى شهدتها منطقة الساحل وغرب إفريقيا بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية فى السنوات الأخيرة، تجعل قرار سال بتأجيل الانتخابات بمثابة سابقة خطرة أخرى. وعليه فقد عمقت الأزمة المخاوف بين المواطنين السنغاليين وأصحاب المصلحة فى الإقليم وخارجه بشأن التراجع الديمقراطى الواضح، وأثارت القلق بشأن الاستقرار السياسى فى السنغال فى منطقة تعانى من انعدام الأمن بشكل واضح.ومن المحتمل أن تصبح السنغال مقصدا للجماعات الإرهابية الإقليمية التى تستغل عدم الاستقرار السياسى للحصول على الدعم والتجنيد. وقد يدرك تنظيم القاعدة أو داعش أن أزمة الانتخابات تمثل فرصة سانحة فى دولة يعتبرها الغرب دعامة للاستقرار فى منطقة مضطربة، فينشئ فرعا له فى البلاد.• • •ختاما، فإن قضايا الانقسام داخل التحالف الحاكم تجعل من مرشح المعارضة باصيرو ديوماى فاى، الذى يعتقد أنه لا يزال فى السجن، منافسا كبيرا لمرشح الرئيس ماكى سال. وبالفعل حظى فاى بتأييد زعيم المعارضة البارز المسجون عثمان سونكو، الذى تم حل حزبه فى يوليو 2023. كما أن دعم فاى من قبل العديد من أحزاب المعارضة وحركات المجتمع المدنى التى تدعو إلى تغيير الحكومة يجعله يقف عائقا أساسيا أمام فوز الائتلاف الحاكم.وعلى أية حال ينبغى الآن النظر فى إيجاد تسوية سياسية عند اختيار موعد جديد للانتخابات. ستحتاج كلتا العمليتين إلى النظر فى وضع الرئيس عند انتهاء فترة ولايته. وسيسمح ذلك للإدارة بالتركيز على الاستعدادات للتصويت والحملات الانتخابية. وعلى كل حال فإن التوتر السياسى فى السنغال له أسباب عميقة الجذور تتطلب فهما شاملا. ومن ثم، من خلال دراسة سياق احتجاجات المعارضة منذ عام 2021، والتحديات الاجتماعية والاقتصادية، وعدم الرضا عن الحكومة، واستياء الشباب، والديناميات الإقليمية، فإن المرء يكتسب نظرة ثاقبة حول الطبيعة المتعددة الأوجه للمسألة السنغالية.ومن الأهمية بمكان لجميع أصحاب المصلحة، بما فى ذلك الحكومة والمجتمع المدنى والمنظمات الدولية مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، المشاركة فى حوار هادف ومعالجة المظالم والعمل على إيجاد حلول مستدامة تعزز السلام والاستقرار والتنمية الاجتماعية والاقتصادية فى السنغال. ولعل الدرس السنغالى يتمثل فى ضرورة الالتزام بالحدود الدستورية لفترات الولاية الرئاسية، وتعزيز القيم الديمقراطية، مع ضمان الانتقال السلمى للسلطة لتعزيز الاستقرار والمساءلة والحكم الرشيد. ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

الشروق

2024-02-29

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب يوسف وردانى، تناول فيه تحليلا للأجواء السياسية والاقتصادية العالمية المضطربة التى صاحبت انعقاد مؤتمر ميونخ للأمن، والاتجاهات الرئيسية لجلسات المؤتمر ونقاشاته منها، الاستمرار فى عزل روسيا وإيران، وبحث أوروبا عن بديل للمظلة الأمنية الأمريكية، وحضور لافت لممثلى دول الجنوب بنسبة 27%. كما تطرق الكاتب إلى أن هذا المؤتمر لم يحقق تقدما ملموسا فيما يتعلق بالقضايا المطروحة فيه، مشيرا إلى بعض النتائج المحتملة له... نعرض من المقال ما يلى:انعقد مؤتمر ميونخ للأمن فى ذكراه الستين خلال الفترة من 16 إلى 18 فبراير 2024 تحت شعار «هل يخسر الجميع»، وسط تطورات أمنية لافتة على صعيد الحرب الروسية الأوكرانية، والتخوف من نشوء حرب إقليمية شاملة بالشرق الأوسط مع استمرار حرب غزة، وتصاعد إدراك الرأى العام العالمى للمخاطر غير التقليدية على حالة الأمن العالمى.وفى ضوء ذلك، يتناول هذا التحليل الملابسات المحيطة بانعقاد مؤتمر ميونخ للأمن هذا العام، وأهم الاتجاهات الرئيسية التى شهدتها مناقشاته، وصولا إلى استعراض بعض النتائج المترتبة عليه.• • •اتسم السياق السياسى والاقتصادى العالمى غير المستقر الذى انعقدت فيه فاعليات مؤتمر ميونخ للأمن 2024، بما يلى:1ــ سيادة حالة من التشاؤم العالمى بشأن التنافس الجيوسياسى المتزايد، والتباطؤ الاقتصادى العالمى، وعدم رضا الأطراف الرئيسية الفاعلة فى النظامين العالمى والإقليمى عن التوزيع غير المتكافئ للمنافع المطلقة للتعاون فيما بينها وتركيزها على أنها تحقق مكاسب أقل من غيرها من المنافسين، وهو ما عبر عنه شعار المؤتمر «خسارة ــ خسارة»، وأشار إليه تقرير ميونخ للأمن لعام 2024 بحديثه عن «عدم وفاء المجتمع الدولى بوعده بتنمية المنافع لصالح الجميع». وأكدت كلمة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، فى الجلسة الافتتاحية للمؤتمر هذا المعنى، إذ أعرب فيها عن قلقه من انقسام المجتمع الدولى بالرغم من التحديات الوجودية التى تواجهه، ومن تخوفه من أزمة المناخ وخطر خروج الذكاء الاصطناعى عن السيطرة، ومن تصاعد انتهاكات القانون الدولى الإنسانى بصورة تتجاوز حقبة الحرب الباردة.2ــ استمرار الأزمات فى النظام الدولى، وذلك مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية التى نشبت فى فبراير 2022 عامها الثالث، وسط فشل استراتيجية الهجوم المضاد الذى تقوم به أوكرانيا، وإعلان روسيا أثناء فاعليات اليوم الثانى لمؤتمر ميونخ للأمن عن السيطرة على مدينة أفدييفكا التى تقع على بعد نحو 10 كيلومترات شمال مدينة دونيتسك شرق أوكرانيا، وهو أكبر انتصار حققته روسيا منذ الاستيلاء على باخموت فى مايو 2023. وكذلك مع استمرار العدوان الإسرائيلى على غزة للشهر الخامس على التوالى منذ هجوم حركة حماس فى 7 أكتوبر الماضى، والتخوفات بشأن التكلفة الإنسانية من تهديدات حكومة بنيامين نتنياهو بشأن حملة عسكرية برية على مدينة رفح.3ــ تغير أولويات الرأى العام العالمى، فوفقا لمؤشر ميونخ للأمن لعام 2024، والذى شارك فيه أكثر من 12 ألف شخص من دول مجموعة السبع و«بريكس» (ما عدا روسيا) وأوكرانيا خلال شهرى أكتوبر ونوفمبر 2023، وشملت أسئلته معرفة توجهات هؤلاء الأفراد تجاه 31 خطرا عالميا عبر خمسة أسئلة رئيسية، فقد تصدرت التهديدات البيئية والهجرة الناتجة عن الحروب وظاهرة تغير المناخ سلم المخاطر الأمنية، وذلك لتحل محل روسيا التى جاءت فى المركز الأول فى مؤشر ميونخ للأمن العام الماضى، والتى ربما لم تعد لحربها فى أوكرانيا وتهديداتها أولوية فى عام 2023 سوى لدى مواطنى المملكة المتحدة واليابان فقط من مجموعة الدول السبع.• • •تمثلت الاتجاهات الرئيسية التى شهدتها أجواء مؤتمر ميونخ للأمن وجلساته ونقاشاته هذا العام، بما يلى:1ــ الاستمرار فى عزل روسيا وإيران: فى ظل عدم توجيه إدارة المؤتمر الدعوة إليهما لحضور فعالياته للعام الثانى على التوالى؛ وذلك بسبب عدم استعداد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين للتفاوض مع حكومة أوكرانيا الحالية، وإيران بسبب عدم اهتمامها باستئناف المحادثات المتعثرة بشأن برنامجها النووى مع نظرائها من الدول الغربية.2ــ الحضور اللافت لممثلى دول الجنوب: إذ مثلوا 27% من إجمالى المتحدثين فى فاعليات المؤتمر (250 متحدثا) ، ومع أن هذه النسبة لا تفى بتطلعات دول الجنوب لممارسة دور أكبر فى تشكيل النظام العالمى أو مناقشة قضاياه الرئيسية، فإنها تعد النسبة الأكبر منذ انعقاد مؤتمر ميونخ الأول فى عام 1963. ويرجع السبب الرئيسى فى زيادة تمثيل دول الجنوب إلى رغبة منظمى المؤتمر فى توسيع دائرة النقاش العالمى حول القضايا المطروحة، والتى مزجت بين القضايا التقليدية مثل: الرؤى المختلفة للنظام العالمى، ودور أوروبا فى الأمن والدفاع عن القارة، والحرب فى كل من أوكرانيا وغزة، وبين القضايا الأمنية غير التقليدية مثل: الهجرة واللجوء وتغير المناخ والذكاء الاصطناعى والحروب السيبرانية.3ــ بحث أوروبا عن بديل لمظلة الأمن الأمريكية: فمع التخوفات من عودة ترامب للبيت الأبيض، ونجاح الجيش الروسى فى الحفاظ على وجوده فى شرق أوكرانيا وتحقيق انتصارات عسكرية جديدة على الأرض؛ بدأت تظهر اقتراحات محددة بشأن كيفية اتباع نهج متدرج للاستقلال الاستراتيجى عن الولايات المتحدة فى المجال الأمنى، أهمها زيادة الإنفاق الدفاعى، وسعى أوروبا لتعزيز قدراتها الذاتية للدفاع عن نفسها، وعودة الحديث عن خيار الردع النووى.4ــ التباين بين الرؤيتين الإسرائيلية والعالمية بشأن غزة. فقد شهدت مناقشات المؤتمر، التى شارك فيها الرئيس الإسرائيلى إسحاق هيرتسوج وكل من وزيرى الخارجية الحالى يسرائيل كاتس والسابقة تسيبى ليفنى، تأكيد إسرائيل حقها فى الدفاع عن نفسها، وعدم نيتها حكم قطاع غزة أو تهجير الفلسطينيين منه عقب القضاء على حركة حماس، على حد تعبيرها. وفى المقابل، اتسمت التصريحات الأمريكية والأوروبية بتأكيد حل الدولتين للصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وأهمية اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة الأزمة الإنسانية الكارثية فى غزة، وإبداء القلق العميق من العواقب المدمرة المحتملة على السكان المدنيين من جراء التهديد الإسرائيلى بتنفيذ عملية عسكرية شاملة فى رفح، وذلك كما برز فى اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع برئاسة إيطاليا على هامش أعمال المؤتمر، وهو الأمر الذى أكدته أيضا الوفود العربية المشاركة فى ميونخ.• • •فى ضوء ما سبق، يمكن القول إن مؤتمر ميونخ للأمن 2024 لم يحقق تقدما ملموسا على صعيد مناقشة أى من القضايا المطروحة فيه، وأبقى على نفس التوجهات الرئيسية السائدة قبله، والتى مثلت خسارة لجميع أطراف المنظومة الدولية. وربما تتمثل أهم النتائج المحتملة للمؤتمر فيما يلى:1ــ سرعة قيام المفوضية الأوروبية بتقديم مقترحها لاستراتيجية الدفاع الأوروبية الموحدة، والتى حددت رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، أهدافها، خلال مؤتمر ميونخ للأمن، فى زيادة الإنفاق الدفاعى، وتحسين آلياته من خلال إبرام مشتريات مشتركة واتفاقيات لتوفير القدرة على التوقع وتحسين العمل المشترك بين القوات المسلحة الأوروبية، وذلك بجانب تعزيز القاعدة الصناعية العسكرية. وسوف يكون فى القلب من تلك الاستراتيجية دمج أوكرانيا فى برامج الدفاع الأوروبية، وافتتاح مكتب للابتكار الدفاعى فيها.2ــ تأكيد الإدارة الأمريكية التزامها بأمن أوروبا ودعم حلف «الناتو»، مع السعى إلى الضغط على الكونجرس لتمرير صفقة المساعدات الخاصة بأوكرانيا باعتبار أن توقفها قد سمح لموسكو أخيرا بتحقيق أكبر انتصاراتها العسكرية منذ مايو 2023. ومن الأرجح أن تحتل قضية الدور الأمريكى فى أمن أوروبا أولوية متقدمة على سلم أولويات القضايا الخارجية للحملات الانتخابية لمرشحى الحزبين الديمقراطى والجمهورى لانتخابات الرئاسة المقررة فى نوفمبر 2024.3ــ احتمالية إعادة الصين طرح مبادرة معدلة للسلام بشأن أوكرانيا، بعد رفض كييف والدول الغربية مبادرتها السابقة التى كانت قد قدمتها فى فبراير 2023، والتى وافقت عليها روسيا وقتها. ويعزز ذلك التصور إشارة وزير الخارجية الصينى، وانج يى، خلال اجتماعه مع نظيره الأوكرانى، كوليبا، خلال فاعليات المؤتمر، إلى أن بكين «تعمل من أجل إجراء محادثات سلام بشأن أوكرانيا».• • •ختاما، تبقى مسألة إصلاح النظام الدولى الحالى وإقامة نظام بديل قائم على التعددية القطبية من القضايا محل النقاش الدائم فى جميع المؤتمرات الدولية، ولم يكن مؤتمر ميونخ للأمن 2024 استثناء من ذلك، إذ لم يفلح تكرار الأمين العام للأمم المتحدة، جوتيريش، لدعواته الإصلاحية فى كلمته الافتتاحية بالمؤتمر فى حشد التأييد اللازم لها إلا فى أوساط الدول التقليدية المؤيدة وعلى رأسها الصين وروسيا. ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

الشروق

2024-02-24

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا لهدير طلعت سعيد، باحثة متخصصة فى الشئون الصينية، تناولت فيه العوامل التى دفعت الدول المشاركة فى مشروع ممر TUTIT لإقامته، والتحديات التى تقف عائقا أمام تحقيق غرضه... نعرض من المقال ما يلى:منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية فى فبراير 2022، بدأت غالبية الدول الآسيوية والأوروبية وبعض دول الشرق الأوسط، وحتى روسيا ذاتها، فى البحث عن بدائل جديدة لطرق وممرات عبور التجارة. من بين المشروعات المقترحة، مشروع ممر TUTIT متعدد الوسائط Multimodal Corridor، والتى تمثل الأحرف الأولى للدول المشاركة، وهى (طاجيكستان، وأوزبكستان، وتركمانستان، وإيران، وتركيا)، إذ يعد هذا الممر طريقا تجاريا يمتد من الصين أكبر مصنع ومصدر فى العالم، مرورا بطاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان فى آسيا الوسطى، ليعبر بحر قزوين عبْر إيران قبْل أن يتصل بأوروبا عبر السكك الحديدية والموانئ التركية.تم اعتماد قرار مشروع هذا الممر وفقا لتوصية إعلان أنقرة، الذى اعتمده الاجتماع الحادى عشر لوزراء النقل فى منظمة التعاون الاقتصادى «إيكو» فى فبراير 2022، ثم تم الإعلان عن التوافق على المشروع رسميا فى أكتوبر من العام نفسه، فى العاصمة الطاجيكية دوشنبه.• • •ثمة عوامل وأبعاد جيوسياسية وجيواقتصادية جماعية حفزت الدول المشاركة على الاتفاق على هذا الممر، وهناك أيضا مصالح حيوية تتعلق بكل دولة بشكل منفرد. يتمثل أول هذه العوامل فى بحث دول آسيا وأوروبا عن بدائل إضافية للممر الشمالى، باعتباره ممرا رئيسيا على خريطة التجارة العالمية لأنه يربط بين الشرق والغرب، ويمتد عبر الأراضى الروسية والبيلاروسية؛ إذ انخفضت الشحنات بين الصين والاتحاد الأوروبى على طول هذا الممر بنسبة 40% منذ نشوب الحرب الروسية الأوكرانية.أما ثانى هذه العوامل، فيتمثل فى سعى الدول المشاركة فى مشروع الممر للانتعاش الاقتصادى وتنويع العلاقات التجارية؛ إذ يتوقع أن تتمتع هذه الدول بعلاقات تجارية أفضل مع أوروبا بسبب شبكة الطرق الجديدة. وفى المقابل، يعد الممر مفيدا أيضا لدول الاتحاد الأوروبى؛ نظرا لأن الدول التى تقع فى طريق الممر ستكون مصدرة ومستوردة للبضائع والسلع التى تمر من خلاله، خاصة وأن التكتل الأوروبى يسعى إلى زيادة وارداته من الغاز الطبيعى من منطقة آسيا الوسطى، فى ضوء خطته للبحث عن أسواق بديلة للسوق الروسية.وهنا يبرز أيضا دور الصين، فخلال الاجتماع الأول لمجموعة العمل رفيعة المستوى بشأن الممر المتعدد الوسائط، والذى عقد فى دوشنبه، تحت رعاية منظمة التعاون الاقتصادى، فى 21 سبتمبر 2023، وضم دول (TUTIT) + الصين، تم تأكيد أهمية النقل والخدمات اللوجستية فى ضمان التنمية المستدامة للتجارة الدولية وخدمات النقل بين دول آسيا الوسطى، كما تم التوقيع على بيان دوشنبه، الذى يوضح التزام الدول المعنية بتعزيز ربْط النقل فى المنطقة.فى هذا الإطار، يحقق مشروع (TUTIT) العديد من الفوائد للصين، منها زيادة الصادرات الصينية إلى وسط آسيا، وزيادة المرور البرى بما يتيح للصين فرصة تنويع طرق التجارة وتأمين طرق بديلة لنقل البضائع والسلع بعيدا عن بعض الممرات البحرية التى توجد بها قواعد أمريكية.ويتمثل ثالث هذه العوامل فى أن التعاون فى منطقة أوراسيا يؤدى دورا رئيسيا فى تحسين الخدمات اللوجستية لنقل البضائع للدول المشاركة فى ممر (TUTIT)، بما فى ذلك مشروعات السكك الحديدية الأخرى المهمة مثل: «ممر النقل متعدد الوسائط بين الصين وقرغيزستان وأوزبكستان»، كجزء من «مبادرة الحزام والطريق»، ومشروع بناء طريق كالايخومب، وهو مشروع يهدف إلى تعزيز التنمية فى مناطق الحدود بين الصين وطاجيكستان.وبشكل عام، من المتوقع أن يؤدى ممر (TUTIT) إلى تقليل المسافات وتكاليف نقْل البضائع مقارنة بالممرات القائمة، وسوف يسهم فى تعزيز طريق الحرير والتكامل الاقتصادى الإقليمى عبْر الطريق السريع بين أراضى طاجيكستان والصين.أما بالنسبة لتركيا، فإنها تعد هذا الممر وغيره من الممرات المماثلة التى تمر بأراضيها إلى أوروبا، ليست فقط كوسيلة لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الدول المشاركة، بل لتعزيز موقعها الاستراتيجى أيضا، بأن تصبح مركزا للشحن والعبور بين الصين والاتحاد الأوروبى، وحلقة وصْل رئيسية بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، وبين البلقان والقوقاز وآسيا الوسطى وغرب آسيا وشمال إفريقيا، مستفيدة فى ذلك أيضا من جذورها اللغوية المشتركة مع الدول الناطقة بالتركية، ومنها تركمانستان وأوزبكستان.من جانبها، تبدى إيران رغبتها فى تعزيز موقعها على خطوط النقل العالمية بهدف تعزيز موقعها كحلقة وصْل بين آسيا وأوروبا عبْر إنشاء ممرات نقْل جديدة من بحر قزوين، ولاسيما أن تجارة «الترانزيت» يمكن أن تكون عاملا مساعدا لزيادة حصة إيران من التجارة العالمية، وأن تفتح منفذا للحد من التداعيات السلبية المترتبة على العقوبات الغربية، إذ تشير التقديرات الإيرانية إلى أن تجارة «الترانزيت» سوف توفر عائدات بقيمة 20 مليار دولار سنويا وسوف تتيح نحو مليون فرصة عمل داخل إيران.• • •على الرغم من الأسباب والمحفزات، فإن هناك مجموعة من العوائق المحتملة قد تحد من زخم وفعالية المشروع، من أبرزها المعوقات التنظيمية واللوجستية، فالممر سوف يمر عبْر عدة دول لا تتمتع بنفس القدر من قوة البنية التحتية والإجراءات التنظيمية والمالية، وقد تحد الإجراءات الجمركية وعملية تحصيل الرسوم من الطموحات التى يهدف إليها القائمون على المشروع، وهو ما يؤدى إلى تأخير مرور البضائع على بعض الحدود، هذا بالإضافة إلى قصور البنية التحتية فى بعض الدول التى يمر خلالها الممر؛ فمثلا تحتاج مرافق دولة مثل تركمانستان إلى التطوير وخفض تكاليف تعريفات الشحن بها. هذا علاوة على العقبات المالية لتأسيس المشروع نظرا لأنه نموذج لممر متعدد الوسائط أو الطرق (برية ــ بحرية)، أى يجمع بين السكك الحديدية والشحن البحرى، بما يجعله مكلفا نسبيا مقارنة بممر السكة الحديدى الشمالى المباشر فى روسيا.ولعل ظهور مبادرات وشراكات بديلة يشكل تحديا كبيرا بالنسبة لمشروع (TUTIT) وفرص انطلاقه واقعيا، وهى مبادرات لا تخلو من التنافس حول المشروعات الاقتصادية لنقل الطاقة والتحكم بالممرات الجيوسياسية بين القوى الفاعلة مثل: الصين وروسيا والهند وتركيا والاتحاد الأوروبى. ولهذا هناك حاجة إلى التطوير والتكامل التنظيمى بين دول الممر حتى يصبح هذا المسار عمليا، خاصة لدى مقارنته بالممر الشمالى، الذى يعد أكثر تنافسية فى تشغيله الفعلى.ولا يمكن إغفال القضايا الشائكة بين بعض القوى الفاعلة، وتحديدا الصين والدول الأوروبية، فعلى الرغم من دعْم بعض الدول الأوروبية ضرورة مواصلة الحوار والانفتاح على الصين؛ فإن التأرجح فى التوجهات الغربية تجاه العلاقات مع بكين والخلاف الحاد معها فى بعض الملفات الخلافية، وعلى رأسها التكنولوجيا والتجارة وأزمة مضيق تايوان؛ سيكون له تأثير فى المشروعات المشتركة بين الطرفين، بما فى ذلك الممر، هذا فضلا عن أن إيران لا تزال تقع تحت طائلة العقوبات الغربية التى تعد عقدة كبيرة أمام تعزيز علاقات الطرفين التجارية.وثمة قضية أخرى تشكل تحديا جوهريا لممرات النقل فى المنطقة، تتعلق باحتمال نشوب اضطرابات فى بعض الدول الواقعة على طول ممر (TUTIT)، وهو ما قد يؤثر تلقائيا على انسياب حركة التجارة عبر الحدود بينهم، خاصة وأن منطقة آسيا الوسطى معرضة لدرجات ما من عدم الاستقرار نتيجة تفاقم ظاهرة الإرهاب والخلافات الحدودية والتداخلات العرقية، هذا علاوة على تزايد حدة التنافس الدولى والإقليمى على النفوذ، ولاسيما مع المحاولات الأمريكية المستمرة لعرقلة خطط الصين فى هذه الدول من ناحية، وعزْل روسيا عن المنطقة من ناحية أخرى. ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

الشروق

2024-02-13

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا اشترك فى إعداده باحثو المركز، تناولوا فيه أسباب اهتمام بكين وواشنطن بمنطقة غرب إفريقيا، والآليات المتبعة لبلوغ أهدافهم، إضافة إلى عرض تداعيات هذا التنافس على منطقة غرب إفريقيا... نعرض من المقال ما يلى:قام وزير الخارجية الصينى، وانج يى، خلال الفترة من 13 إلى 18 يناير 2024، بجولة إفريقية فى إطار تقليد دبلوماسى يمتد إلى 34 عاما، شملت بالإضافة إلى مصر وتونس، كوت ديفوار وتوجو، الواقعتين فى منطقة غرب إفريقيا. تلتها بنحو ثلاثة أيام، جولة مماثلة لنظيره الأمريكى، أنتونى بلينكن، إلى ذات المنطقة فى الفترة من 21 إلى 26 يناير، وهى الرابعة له إلى القارة السمراء منذ توليه منصبه، زار خلالها أربع دول، وهى الرأس الأخضر وكوت ديفوار ونيجيريا وأنجولا. وهو ما يعكس وجود تنافس متنامٍ بين بكين وواشنطن على النفوذ والهيمنة فى المنطقة ذات الأهمية الجيواستراتيجية للدولتين.• • •برزت أخيرا دوافع وأسباب عدة متباينة، عكست تجدد اهتمام بكين وواشنطن بمنطقة غرب إفريقيا عموما، والساحل الإفريقى خصوصا، ما دفعهما إلى زيادة حضورهما فى هذه المنطقة، وهو ما يمكن تناوله على النحو الآتى:1ــ الحد من الوجود الاستراتيجى للقوى المنافسة: لا يعد الحضور الصينى والأمريكى فى منطقة غرب إفريقيا والساحل جديدا، بل يمتد لعقود طويلة. وهو ما يعكس الاهتمام المتزايد من قبل القوتين العظميين بهذه المنطقة ذات الأهمية الجيواستراتيجية لكليهما، وذلك بالنظر إلى ارتباطهما بمصالح عديدة ومتشابكة فى المنطقة. وبالتالى، فإنه يمكن تفسير حرص بكين وواشنطن على زيادة حضورهما فى المنطقة برغبتهما فى الحد من أو تقليل وجود القوة الأخرى المنافسة لها فى المنطقة، ومحاولة الانفراد بالسيطرة والنفوذ على المنطقة.2ــ الإمكانات الاقتصادية الهائلة: تزخر دول غرب إفريقيا بكميات هائلة من الثروات والموارد الاقتصادية المتنوعة، كاليورانيوم والذهب والنفط والغاز، إذ تحتوى على 40% من الاحتياطيات العالمية للذهب، الذى تنتج 70% من إنتاجه العالمى فى الوقت الراهن، كما تحتوى على 9% من إجمالى الاحتياطيات العالمية للنفط. كما تمتلك أيضا سوقا استهلاكية ضخمة يصل تعدادها إلى 350 مليون نسمة. فضلا عن أنها تعد منطقة ذات مستقبل واعد للاستثمارات الخارجية، وهى مقصد للشركات الدولية متعددة الجنسيات. وبالتالى، فهى تعتبر ذات أهمية كبرى للاقتصادين الصينى والأمريكى، فى ظل ما تحظى به من إمكانات وموارد اقتصادية ضخمة يمكن أن يصب توظيفها فى مصلحة كل من بكين وواشنطن.• • •فى سياق تنافس بكين وواشنطن على زيادة حضورهما فى غرب إفريقيا والساحل، توظف الدولتان مجموعة متنوعة من الآليات والأدوات، لتحقيق أهدافهما ومصالحهما فى المنطقة، والتى يمكن توضيحها على النحو الآتى:1ــ الدعم السياسى للنظم الحاكمة: تحرص الصين والولايات المتحدة، فى سياق تنافسهما على الزعامة والنفوذ فى منطقة غرب إفريقيا، على إبداء التأييد الواضح للنظم الحاكمة فى هذه الدول. فمن جانبها، حرصت بكين خلال الجولة الأخيرة لوزير خارجيتها، وانج يى، إلى كل من توجو وكوت ديفوار، على إبداء دعمها ومساندتها للدولتين. فقد أكد قائد الدبلوماسية الصينية دعم بلاده لتوجو فى مساعيها لتأمين سيادتها وأمنها وتنميتها، وهو الأمر الذى يعكس وجود رغبة متبادلة لدى الدولتين فى تعميق العلاقات الثنائية، التى تمتد لخمسة عقود، بينهما فى المرحلة المقبلة.2ــ تعميق التعاون التجارى والاقتصادى: يمثل الجانب الاقتصادى والتجارى أحد الأبعاد المهمة فى سياق العلاقات بين الصين ومنطقة غرب إفريقيا، وتتعدد الآليات والأدوات التى توظفها الصين فى هذا الإطار. إذ تعمل بكين على توطيد علاقاتها الاقتصادية مع هذه الدول، من خلال التبادلات التجارية والاستثمارية، علاوة على مشاركة هذه الدول فى مبادرة الحزام والطريق الصينية.3ــ تعزيز التعاون الأمنى والعسكرى: تعول الصين على دور أكبر للمجتمع الدولى فى العمل على استبباب الأمن والاستقرار فى منطقة غرب إفريقيا والساحل. فقد دعا داى بينج، نائب المندوب الدائم للصين بالأمم المتحدة، فى 11 يناير 2024، إلى تحقيق السلام والاستقرار ومكافحة الإرهاب والتنمية الاقتصادية فى دول غرب إفريقيا ومنطقة الساحل، من خلال بذل المجتمع الدولى جهوده لدعم هذه الدول فى تحقيق هذا الهدف.كما تعمل الصين على تعزيز وجودها البحرى والعسكرى فى منطقة غرب إفريقيا، من خلال زيارات أساطيلها البحرية إلى المنطقة. وفى هذا الإطار، وصل أسطول بحرى صينى بقيادة المدمرة ناننينج، فى 2 يوليو 2023، إلى نيجيريا، بهدف مواجهة التهديدات التى تعترض الأمن البحرى والحفاظ على الاستقرار فى خليج غينيا، وذلك بالتعاون مع القوات البحرية النيجيرية.أما الولايات المتحدة، فتعمل على ترسيخ وجودها فى المنطقة من خلال إقامة القواعد العسكرية. إذ تحاول واشنطن تعميق علاقاتها مع دول غرب إفريقيا التى تتمتع بدرجة كبيرة من الاستقرار، تمهيدا لإقامة قواعد عسكرية جديدة تقلل من اعتمادها على قاعدة أجاديس، التى أقامتها واشنطن فى شمال النيجر بتكلفة 100 مليون دولار، وتضم ألف جندى أمريكى، ولاسيما فى ظل حالة عدم الاستقرار التى تعانى منها النيجر بعد الانقلاب العسكرى الأخير.• • •هناك العديد من التداعيات التى يمكن أن تترتب على تنامى التنافس الصينى الأمريكى فى منطقة غرب إفريقيا والساحل، ويمكن توضيح أهمها على النحو التالى:1ــ تزايد الحضور الصينى: من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تزايدا ملحوظا فى الانخراط الصينى فى منطقة الغرب الإفريقى، ولاسيما من الناحية الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وهو الجانب الذى تركز عليه الصين بدرجة كبيرة فى إطار علاقاتها مع دول المنطقة، فى ظل حاجة اقتصادها إلى النفط والثروات المعدنية الكبيرة التى تزخر بها المنطقة، وكذلك حاجة الأخيرة إلى الاستثمارات الصينية. فقد قامت بكين خلال العقود القليلة الماضية بضخ استثمارات ضخمة فى إفريقيا فى مجالات منها تطوير البنية التحتية والموارد الطبيعية. كما نجحت فى تجاوز الولايات المتحدة كأكبر مستثمر فى إفريقيا.2ــ تراجع الحضور الأمريكى: على الرغم مما عكسته جولة وزير الخارجية الأمريكى الأخيرة فى منطقة غرب إفريقيا والساحل من تجدد الاهتمام الأمريكى بالقارة الإفريقية وقضاياها، فإن ثمة اتجاها يذهب إلى أن تركيز الولايات المتحدة بشكل كبير على التعامل مع الأزمات المتفاقمة فى منطقة الشرق الأوسط، كالحرب الإسرائيلية فى قطاع غزة، والأوضاع المضطربة فى البحر الأحمر، علاوة على أزمة الحرب فى أوكرانيا، بجانب انشغالها بالتنافس مع الصين، وعدم وفاء الرئيس الأمريكى جو بايدن بتعهده بزيارة إفريقيا فى العام الماضى، يجعلها لا تبدى اهتماما كبيرا بالتعامل مع الأوضاع فى منطقة غرب إفريقيا والساحل، وهو ما يضعف قدرتها على تحقيق الأمن والاستقرار فى غرب إفريقيا، وهو ما يجعل هذه المنطقة ساحة لتزايد النفوذ الصينى والروسى.3ــ إشكالية الموازنة بين بكين وواشنطن: يفرض التنافس بين الصين والولايات المتحدة على الزعامة والنفوذ فى منطقة غرب إفريقيا على دول هذه المنطقة ضرورة الموازنة فى علاقاتها بين الدولتين، لتجنب الانحياز إلى أحد الجانبين. ومن الواضح أن دول المنطقة تدرك بشكل كبير هذه الإشكالية وتدير علاقاتها مع الدولتين بناء على حسابات دقيقة تراعى فيها مصلحتها الوطنية بالدرجة الأولى، دونما أى اعتبار لاعتبارات التنافس الاستراتيجى بين بكين وواشنطن فى المنطقة.وفى التقدير، يمكن القول إن الفترة الأخيرة شهدت بروز العديد من العوامل التى دفعت الصين والولايات المتحدة إلى زيادة حضورهما فى منطقة غرب إفريقيا والساحل، بما يعكس تجدد التنافس بين القوتين الكبريين على النفوذ والهيمنة فى هذه المنطقة الجيواستراتيجية من إفريقيا والعالم، عبر توظيف كل طرف منهما لما يمتلكه من آليات وأدوات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية، لتحقيق أقصى استفادة ممكنة، بما يصب فى زيادة نقاط القوة لطرف على حساب الآخر. ومع ذلك، فإن الواقع يشير إلى أن الصين تمضى بخطى واثقة نحو ترسيخ وجودها فى الغرب الإفريقى والساحل، ارتكازا إلى دبلوماسيتها الاقتصادية والتجارية، فى الوقت الذى يتضاءل فيه نسبيا الاهتمام الأمريكى بالفعل بأزمات المنطقة، رغم زيارات كبار دبلوماسييها، بسبب انشغالها بأزمات إقليمية وعالمية أخرى تحظى بالأولوية لدى واشنطن على حساب إفريقيا. وهو ما يترك المجال مفتوحا أمام بكين لزيادة حضورها فى القارة من بوابة قيادتها لما يسمى «الجنوب العالمى». ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

الشروق

2023-08-24

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتبة فاطمة الزهراء عبدالفتاح، أوضحت فيه دور وسائل التواصل الاجتماعى فى تسهيل عملية الهجرة غير الشرعية، كما أشارت إلى أن الجهود الدولية المبذولة حتى الآن لتحجيم هذا النوع من الهجرة غير كافية، إذ إننا بحاجة إلى تعزيز التعاون والتكامل بين الدول والمؤسسات للتصدى لها... نعرض من المقال ما يلى.توفر وسائل التواصل الاجتماعى إمكانات مثالية لأنشطة الهجرة غير الشرعية، إذ تتيح قنوات للمعلومات والتواصل والتشبيك أقل تكلفة وأكثر أمانا للمهاجرين والمهربين على السواء، الأمر الذى زاد من مرونة تلك الأنشطة وقدرتها على تغيير تكتيكاتها للتحايل على أجهزة إنفاذ القانون، ليصير «التهريب الرقمى» أحد التهديدات الأمنية التى صار المجتمع الدولى يدرك خطورتها ويسارع إلى حصارها، وذلك من خلال التعاون مع الشركات التكنولوجية الكبرى المالكة لمنصات نشر وتداول هذا المحتوى.فى هذا الإطار، عقدت وكالة الجريمة الوطنية البريطانية اتفاقا مع شركات ميتا وتيك توك وإكس، لتعقب المحتوى الذى يشجع أو يساعد على الهجرة بطرق غير شرعية إلى بريطانيا، وقد أعلن رئيس الوزراء ريشى سوناك عنه فى الأسبوع الأول من شهر أغسطس الجارى، فى خطوة لمكافحة تلك الأنشطة الرقمية التى لا تخلو من جرائم للاستغلال والإساءة تصل لحدود الاتجار بالبشر.• • •وفقا لإحصاءات المفوضية الأوروبية، بلغ عدد المهاجرين غير الشرعيين داخل دول الاتحاد الأوروبى 1.08 مليون من دول خارج الاتحاد عام 2022، بزيادة 59% مقارنة بعام 2021، وتم إصدار أكثر من 422 ألف أمر ترحيل خلال العام ذاته بما يزيد 23% عن 2021.وتؤدى الوسائط الرقمية بشكل عام ووسائل التواصل الاجتماعى بشكل خاص دورا كبيرا فى تسهيل تلك الأنشطة غير القانونية، وهو ما أكدته خطة عمل الاتحاد الأوروبى لمكافحة تهريب المهاجرين (2021 ــ 2025) التى تبنتها المفوضية الأوروبية فى 29 سبتمبر 2021؛ حيث اعتبرت «التهريب الرقمى» تحديا جديدا لسلطات إنفاذ القانون والسلطات القضائية، إذ يستخدم المهربون بشكل متزايد الخدمات والأدوات الرقمية، مثل وسائل التواصل الاجتماعى وتطبيقات الهاتف المحمول للتجنيد والتواصل وتحويل الأموال والتقاط وتسليم المهاجرين، وتوفير إرشادات الطريق، ومشاركة الصور ومقاطع فيديو للوثائق والتذاكر، وحتى مراقبة أنشطة إنفاذ القانون.وعلى صعيد المهاجرين أنفسهم، فقد وفرت منصات التواصل الاجتماعى أدوات لبناء مجتمعات افتراضية عززت أواصر التآزر المتبادل فيما بينهم، وهو ما سبق أن رصده الباحثان ريان ديكر وجودفرايد انجبيرسن من جامعة إراسموس روتردام فى دراسة ضمن مشروع «تنظير تطور نُظم الهجرة الأوروبية»، اعتمدت على مقابلة 90 مهاجرا فى هولندا من البرازيل وأوكرانيا والمغرب، وتوصلا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعى عملت على تغيير شبكات الهجرة غير الشرعية وأنها سهلت فى مجموعها بشكل عام تلك الحركة غير القانونية عبر أربع طرق أساسية: (1) تعزيز الحفاظ على روابط قوية مع العائلة والأصدقاء، (2) تنظيم عملية الهجرة والاندماج، (3) تأسيس بنية جديدة من الروابط الكامنة التى تساعد على تعزيز رأس المال الاجتماعى داخل شبكات المهاجرين بما يسهم فى خفض التكاليف والمخاطر التى تنطوى عليها الهجرة، (4) توفير مصدر غنى بالمعلومات بشكل مستقل وغير رسمى بما يعزز خبرة ومعرفة المهاجرين بالصعوبات والمخاطر المحتملة التى قد يواجهونها فى الحياة اليومية.• • •على الرغم من تأكيد الشركات التكنولوجية أن سياساتها تكافح الاتجار بالبشر، بل والنص على ذلك فى مواقعها الرسمية على غرار شركة ميتا التى تخصص بندا خاصا لمكافحة «استغلال البشر» بما فى ذلك أنشطة الاتجار والتهريب وذلك ضمن معايير مجتمع فيسبوك على موقع «مركز الشفافية» الخاص بها، فإن العديد من التقارير تؤكد أن شبكات التواصل الاجتماعى لا تبذل الجهد الكافى لمكافحة هذا النوع من المحتوى غير المشروع، ولاسيما مع إمكانات تعتيم الهوية واستخدام المجموعات المغلقة والمحتوى المشفر.فقد اتهمت العديد من التقارير الشبكات الاجتماعية أنها صارت مرتعا لأنشطة عصابات التهريب والاتجار فى البشر، ففى إحصاء أجرته ولاية فلوريدا الأمريكية شمل وكالات إنفاذ القانون التابعة لها، ثبت استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعى لتسهيل الاتجار بالبشر فى 271 حالة منها 146 حالة تم فيها استخدام تطبيقات فيسبوك وواتس آب وإنستجرام وذلك بين عامى 2019 و2022.وفى إبريل 2021 نشر مشروع الشفافية التقنية التابع لمنظمة «حملة المساءلة» المتخصصة فى مراقبة سياسات الشركات التكنولوجية الكبرى، تقريرا رصد فيه 50 صفحة نشطة على فيسبوك تعرض معابر حدودية غير قانونية، وفى جميع الحالات تقريبا يوضح اسم الصفحات الخدمات التى تقدمها، فضلا عن إمكانية مراسلة المهربين من مسئولى تلك الصفحات، بل وتقوم الخوارزميات بإرشاد المستخدمين إلى المزيد من تلك الصفحات، حيث تعرض خدمات التهريب المشبوهة ضمن الترشيحات، وتنشر هذه الصفحات وصفا تفصيليا لترتيبات السفر وتكلفة المرور لشخص واحد، وصورا مشفرة للحافلات، فضلا عن استخدامها خصائص تصنيف الصفحات ضمن فئات شركات السفر بما يسهل الوصول إليها، وهو ما يلقى تفاعلا بالآلاف فضلا عن تمريره بين المستخدمين.• • •تأتى الشراكة المعلنة بين المملكة المتحدة وشبكات التواصل الاجتماعى لتعبر عن قلق دولى ممتد إزاء الدور المتزايد لشبكات التواصل الاجتماعى فى أنشطة الهجرة غير المشروعة سواءً من جانب المهاجرين، للحصول على المعلومات والتواصل مع المهربين وبناء مجتمعات للتعزيز المتبادل، أم من جانب عصابات التهريب، التى تباشر عمليات الترويج والتجنيد عبر تلك الشبكات التى تواجه تهما بعدم القيام بالجهد المطلوب لمكافحة ذلك النوع من المحتوى.والحقيقة أن الاتفاق المعلن بين بريطانيا وشركات وسائل التواصل الاجتماعى لا يعد الخطوة الأولى من نوعها على الصعيد الدولى لمكافحة المحتوى الداعم للهجرة غير الشرعية، والذى ارتكز، إلى جانب التعاون مع تلك الشركات، على سياسات نشر الوعى، وعمليات الرقابة الأمنية.فعلى صعيد نشر الوعى العام، قام مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة بتخصيص مقررات تعليمية لمكافحة «الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين» لمرحلة التعليم ما بعد الثانوى ضمن مبادرة «التعليم من أجل العدالة» التى أطلقها بالتعاون مع «اليونسكو». كما تنشر الأمم المتحدة أيضا أدلة للتوعية بتأمين الحسابات والحماية من مخاطر أنشطة الاتجار بالبشر عبر شبكات التواصل الاجتماعى، ولاسيما لحماية الأطفال والقصر وذلك عبر موقع مكتب المخدرات والجريمة، وهو ما تتبعه أيضا بعض وكالات إنفاذ القانون الوطنية مثل وزارة الداخلية الأمريكية والتى تحث المواطنين أيضا على التغريد ضمن وسوم مكافحة الاتجار بالبشر لنشر الوعى العام.ويتكامل مع ذلك شن الحملات المضادة بهدف منع المهاجرين المحتملين من الانخراط فى مثل تلك الرحلات الخطرة، مثل حملات «مراكب النجاة» بمصر، وصفحات مؤسسات مكافحة الهجرة غير الشرعية بالدول المختلفة.أما على صعيد أعمال المراقبة، تقوم الأجهزة الأمنية بمراقبة المحتوى الضار عبر وسائل التواصل الاجتماعى وتتبع وإغلاق الحسابات المشبوهة، وقد قامت وحدات اليوروبول (وكالة الاتحاد الأوروبى للتعاون فى مجال إنفاذ القانون) بتتبع 455 حسابا على مواقع التواصل الاجتماعى تضمنت إعلانات تسهيلات الهجرة غير المشروعة وبيع هويات أو جوازات سفر أو تأشيرات مزورة، وإحالتها إلى الشركات المزودة للخدمة لمراجعتها وتم إغلاق العديد منها وفقا للتقرير السنوى السادس للمركز الأوروبى لتهريب المهاجرين للعام 2022.وتتعزز قدرة الأجهزة الأمنية ليس فقط على رصد تلك الأنشطة وحصارها، وإنما على تطوير آلياتها لمواجهتها عبر تحليلها وتحديد أنماطها، أخذا فى الاعتبار منهجية تلك المراقبة بما يحقق الهدف منها، إذ سبق أن أخضع إنجيليكى ديميترى، الباحث بالمؤسسة الهيلينية للسياسة الأوروبية، سياسات وكالات إنفاذ القانون الأوروبية فى مراقبة المحتوى الاجتماعى المتعلق بتهريب المهاجرين للتحليل، ووجد أنها تركز على تقييم الإنذار المبكر لتحركات الهجرة، بدلا من توليد معلومات عن شبكات التهريب، وذلك فى دراسته ضمن تقييم المعهد الأوروبى للبحر الأبيض المتوسط لسياسات الاتحاد الأوروبى لمواجهة تهريب المهاجرين عام 2021.ويكشف رصد تلك الجهود عن تزايد الوعى الدولى بدور وسائل التواصل الاجتماعى فى تسهيل حركة الهجرة غير الشرعية، إلا أنه فى الوقت ذاته يؤشر إلى عدم كفاية تلك الجهود وحاجتها للتقويم المستمر وتعزيز التكامل بين القنوات الرسمية وغير الرسمية، وتفعيل التعاون مع الشركاء المحليين والمؤسسات ذات المصداقية، مع وضع سياسات مشتركة لجمع ومشاركة المعلومات بما يعزز التعاون الدولى وتكامل الجهود بين دول المصدر والمقصد.النص الأصلىhttps://bit.ly/3KWdKsT الاقتباساتهمت العديد من التقارير الشبكات الاجتماعية أنها صارت مرتعا لأنشطة عصابات التهريب والاتجار فى البشر، ففى إحصاء أجرته ولاية فلوريدا الأمريكية شمل وكالات إنفاذ القانون التابعة لها، ثبت استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعى لتسهيل الاتجار بالبشر فى 271 حالة منها 146 حالة تم فيها استخدام تطبيقات فيسبوك وواتس آب وإنستجرام. ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

الشروق

2023-05-24

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب إيهاب خليفة، ذكر فيه أن التقدم السريع لنظم الذكاء الاصطناعى منحه القدرة على تغيير أدوات ممارسة الدبلوماسية بين الدول، متسائلا إذا كان ممكنا أن نرى الذكاء الاصطناعى فاعلا دوليا مستقلا يحق له التصويت بالاعتراض أو الموافقة مستقبلا أم أن هذا يعد ضربا من ضروب الخيال.. نعرض من المقال ما يلى.أعاد التقدم الكبير فى نُظم الذكاء الاصطناعى طرح عدد من القضايا التقليدية الخاصة بالعلاقات الدولية لكن بوجه جديد، مثل قضايا التسلح، وتوازن القوى، والديمقراطية. فهذه القضايا الثلاث على وجه التحديد تتطلب من الدول كافة إعادة النظر فى سياستها الخارجية وتحديد موقفها بسبب التأثيرات المتزايدة للذكاء الاصطناعى فيها. فمثلا أصدر الاتحاد الأوروبى وثيقة بعنوان «Artificial Intelligence diplomacy»، أعرب فيها عن قلقه من استخدام النظم الديكتاتورية للذكاء الاصطناعى لممارسة مزيد من الديكتاتورية على شعوبها، وتحديدا الصين، من وجهة نظره.كما أن دخول الذكاء الاصطناعى فى تطوير أسلحة، سواءً أكانت تقليدية أم سيبرانية، مثل الطائرات من دون طيار والروبوتات العسكرية والصواريخ، من شأنه أن يُحدث ثورة فى الشئون العسكرية قد يترتب عليها إما سباق تسلح قد يؤدى إلى حرب، أو اختلال ميزان القوى الدولى وما يترتب عليه من إعادة تشكيل النظام الدولى.فقد أصبح الذكاء الاصطناعى نفسه أحد موضوعات الدبلوماسية والعلاقات الدولية، ونجم عنه فى بعض الأوقات توتر فى العلاقات بين الدول، خاصة بين الصين والدول الغربية. فقد اتخذت الولايات المتحدة إجراءات مضادة تجاه بكين، كى تبطئ من قدرات الشركات الصينية على تطوير نُظم الذكاء الاصطناعى، ومارست ضغوطا كبيرة على الدول الأوروبية حتى لا تستخدم التكنولوجيا الصينية، تخوفا من استخدام الصين هذه التكنولوجيا فى التجسس على الولايات المتحدة وحلفائها. وهو ما بات أشبه بحالة حرب باردة وسباق تسلح علنى حول الذكاء الاصطناعى.• • •إلى جانب كونه موضوعا للدبلوماسية بين الدول، فإن الذكاء الاصطناعى أصبح قادرا أيضا على تغيير أدوات ممارسة الدبلوماسية بين الدول، سواءً على مستوى المفاوضات الدولية أو على مستوى الدبلوماسية الرسمية والشعبية. فعلى مستوى عملية إدارة المفاوضات الدولية، فإن الذكاء الاصطناعى يمكنه القيام بعدة مهام، منها على سبيل المثال ما يلى:1ــ مساعدة المفاوضين الدبلوماسيين، وذلك عبر توفير معلومات آنية وفورية ودقيقة حول القضايا الخلافية أو التفصيلية أو حتى الطارئة على طاولة المفاوضات، والتى قد تحتاج إلى فرق متخصصة أو محلية مثل المفاوضات الخاصة بالتجارة الدولية مثلا، وهو ما يوفر الوقت والجهد فى عملية التفاوض.2ــ تقريب وجهات النظر بين المفاوضين، وتقديم اقتراحات وتوصيات تحقق مكاسب للأطراف، وتضمن تصحيح وجهات النظر أو الأخطاء التى يمكن أن يقع فيها الدبلوماسيون دون قصد.3ــ تقييم مدى جدية الأطراف المتفاوضة، من خلال دراسة الفرص البديلة والمحاور التى كان يمكن الاتفاق حولها وتم تجاهلها، وبحث نيات الأطراف المتفاوضة وتقييم مدى جديتها ورغبتها فى تحقيق إنجاز حقيقى على الأرض أو وضع عقبات تعوق عملية المفاوضات. فإذا كان هناك طرف متلاعب ويسعى فقط لكسب مزيد من الوقت، من الوارد أن يتسبب الذكاء الاصطناعى فى هذه الحالة فى إحراجه أمام الرأى العام الدولى، وبالتالى يتعرض لمزيد من الضغوط الدولية.4ــ الحياد والعلانية فى اتخاذ القرار، فغالبا ما قد يتأثر بعض القادة بالسمات والميول الشخصية لهم عند اتخاذ القرار، أو يتأثرون بضغوط الرأى العام سواءً المحلية أو الدولية. وفى هذا الصدد، قد تساعد هذه النُظم فى تقديم توصيات بعيدة عن هذه المشاعر والضغوطات، مع الأخذ فى الاعتبار التداعيات الخاصة بهذا القرار كأن يرفضه الرأى العام بالرغم من كونه يحقق مصلحة.• • •على مستوى استخدامات الذكاء الاصطناعى فى الدبلوماسية الرسمية والشعبية، فقد يتم استخدامه فى عدة مهام، منها الآتى:1ــ تسهيل عملية إدارة الجاليات الوطنية، حيث يمكن فى المستقبل القريب أن تستبدل بعض الدول قنصلياتها بنُظم ذكاء اصطناعى تعمل عبر شبكة الإنترنت، تكون مهمتها تسهيل متطلبات جالياتها فى الدول الأخرى، وتقديم الأوراق والمستندات الرسمية التى تحتاج إليها، وحل المشكلات الطارئة التى تتعرض لها على مدار اليوم دون التقيد بمواعيد عمل السفارة مثل حالات الوفاة أو فى أوقات الحروب والأزمات. وهنا قد يكون وجود السفارة رمزيا أكثر من كونه ضرورة تنظيمية.2ــ المساعدة فى مهام البعثات الدبلوماسية، فإذا استطاع العديد من الأفراد حاليا التقديم عبر الإنترنت للحصول على تأشيرات دخول إلى دول، دون الحاجة إلى زيارة السفارة، فإنه فى المستقبل القريب قد يتعامل الأفراد مع نُظم ذكية، ترتبط بقواعد بيانات عملاقة، سواءً أكانت رسمية كالمؤسسات الأمنية أم غير رسمية كشركات الطيران والفنادق ومواقع التواصل الاجتماعى. فتقوم النُظم الذكية بتحليل نشاط صاحب الطلب المُقدم للحصول على التأشيرة، وتتخذ قرارا تجاهه إما بالموافقة على الطلب أو رفضه أو إحالته إلى موظف إدارى لاستكمال ما تعجز عنه هذه النُظم.3ــ القيام بمهام الدبلوماسية الشعبية، حيث يمكن أيضا أن تصبح نُظم الذكاء الاصطناعى قناة للتواصل غير الرسمى والحصول على معلومات حول الدول عبر نُظم تشبه تطبيق «ChatGPT»، فتقوم بالرد على الأسئلة وتصحيح المعلومات وخلق قنوات تواصل مباشر مع مواطنى الدول الأجنبية.وعلى الرغم من أن الأمر يبدو فى ظاهره إيجابيا، فإنه يشوبه كثير من التحديات، من أهمها مشكلة تعلم نظم الذكاء الاصطناعى، حيث تتطلب قدرا كبيرا جدا من البيانات الدقيقة التى يجب أن تكون ذات طبيعة استخباراتية حتى تتمتع بقدر كبير من الموثوقية بعيدا عن البيانات الرسمية التى تتسم بالمجاملة، وهو تحدٍ كبير بالنسبة للشركات التى تقوم بتطوير هذه النظم، وتحدٍ أكبر على مستوى المؤسسات الأمنية المعنية بجمع معلومات كثيرة للغاية بغض النظر عن ترتيب أولويتها.الأمر بالفعل صعب ومعقد، ولكن من المؤكد أن هناك مهام دبلوماسية سوف يقوم بها الذكاء الاصطناعى مستقبلا حتى وإن كانت هناك بعض التحديات، ومن المؤكد أيضا أن من يستطيع امتلاك هذه القوة للذكاء الاصطناعى سوف يسيطر على النظام الدولى، تماما مثلما يتوقع العديد من القادة السياسيين، فالأمر هنا أشبه بمن يصل إلى القنبلة النووية أولا، هو ليس خيارا بل ضرورة حتمية.• • •هنا يسمح المجال للتفكير فى سيناريو قد يكون بعيدا عن الواقع حاليا، لكنه قد يصبح يوما ما أقرب إلى الحقيقة، وهو أن يتولى الذكاء الاصطناعى مهمة إدارة العلاقات الدولية بدلا من البشر! فعبر عقود من الزمن، عجز النظام الدولى بشكله الحالى عن منع كثير من الحروب والصراعات، واصطدمت مصالح الغرب مع الشرق، فعجز مجلس الأمن عن حفظ الأمن والسلم الدوليين. فهل من الممكن أن يتولى مهمة تنظيم وإدارة العلاقات الدولية «نظام» أكثر رشادة وكفاءة من البشر، لا يتأثر بالأهواء الشخصية ويتخذ قراراته بما يحقق مصلحة الجميع؟ ولا عجب أن يكون هذا النظام قائما على الذكاء الاصطناعى.فهل نجد فى المستقبل منظمة دولية يكون الصوت الحاسم فيها بين الأعضاء للذكاء الاصطناعى، فيمتلك حق الاعتراض منفردا على القرارات ويصبح تصويته على الموضوعات بمثابة حسم لهذا الخلاف، أو حتى يكون جميع أعضاء هذه المنظمة أصلا من النظم الذكية، تقوم كل دولة فيها بتقديم نظامها من الذكاء الاصطناعى لكى يناقش الخلاف فى قضايا العلاقات الدولية مع زملائه من الأنظمة الذكية الأخرى، وتكون مهمة اتخاذ القرار حقا حصريا لهم.قد يرى البعض أن ثمة مبالغة فى اعتبار الذكاء الاصطناعى فى حد ذاته فاعلا مستقلا ومؤثرا فى العلاقات الدولية، وله شخصيته الحقيقية وأدواته التى يمكن أن يؤثر من خلالها فى العلاقات الدولية، وهذا أشبه بأفلام الخيال العلمى. فالنُظم الذكية لم تكتمل شبكتها النهائية بعد، ولم تتضح علاقاتها المتشابكة، وما زالت عبارة عن مشاريع مستقلة بذاتها وتعانى من ثغرات أو مشكلات، لكن سرعة تطور هذه النُظم تستدعى التخوف والانتباه، فقد تتحول فى أى وقت من كونها أداة مساعدة للإنسان فى القيام ببعض المهام إلى كونها نُظما واعية ومستقلة بذاتها ومدركة لماهيتها.النص الأصلىhttps://bit.ly/424DqcB ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

الشروق

2023-04-06

تعد دعوات إيلون ماسك وعدد من الخبراء فى الذكاء الاصطناعى، للتوقيع على خطاب مفتوح لوقف تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعى لمدة 6 أشهر ووقف تدريب أى تقنية أقوى من «GPT ــ 4»، مؤشرا قويا على تخوفات بعض الخبراء من هذا النمط السريع لتقدم أنظمة الذكاء الاصطناعى وتفوقها على القدرات البشرية. الأخطر من ذلك هو إعطاء تلك الأنظمة الثقة المطلقة بما يهدد حياة البشر. فى ضوء ذلك نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب إيهاب خليفة، تناول فيه ضرورة إعادة النظر فى التطور الذى أحرزه الذكاء الاصطناعى وتقييم أدائه، ومدى جاهزية البشر للتعامل معه، لتفادى قدر الإمكان أى مشكلات تعرض حياة الإنسان للخطر مستقبلا أو انتكاسة تفقد الذكاء الاصطناعى مصداقيته... نعرض من المقال ما يلى.أثبت الذكاء الاصطناعى قدرات فائقة على محاكاة أسلوب البشر، لدرجة أنه أصبح من الصعب معرفة ما إذا كانت رواية معينة أو قصة قصيرة أو مقطوعة موسيقى قد تم تأليفها بواسطة البشر أم بواسطة الذكاء الاصطناعى، بل صدم تطبيق شات جى بى تى (ChatGPT) كثيرا من الناس بقدرته على الدخول فى محادثات معقدة ومتشعبة معهم حول موضوعات مختلفة وبكفاءة عالية وكأن شخصا يتحدث معهم.فهل وصلت نظم الذكاء الاصطناعى «العام» ــ التى لديها القدرة على القيام بعدة وظائف فى نفس الوقت ــ إلى مرحلة الاعتمادية والاستخدام أم لا زالت تعانى مشكلات جوهرية؟ هل هى تتطور بصورة أكبر وأسرع من قدراتنا نحن البشر على فهمها أم هناك مبالغة فى تقدير كفاءتها وقدراتها؟ وبين هذا وذاك، يظهر احتمال ولو ضئيل بأن تتعرض نظم الذكاء الاصطناعى لانتكاسة ولو مؤقتة تفقدها مصداقيتها التى حظيت بها، إما بسبب سرعة تطورها أو بسبب عدم استعدادنا حتى الآن للتعامل معها. • • •إذا نظرنا إلى الذكاء الاصطناعى العام ــ وهنا أميز بينه وبين الذكاء الاصطناعى المتخصص الذى يقوم بوظيفة محددة ــ فسوف نجد أن الذكاء الاصطناعى عبارة عن طفل خارق، لم يكد يُولد حتى استطاع أن يمتلك قدرات خارقة، ويدرك من العلوم أصعبها ويحل من المسائل أعقدها، ويوفر إجابات سريعة بل ودقيقة قد لا يستطيع أستاذ جامعى أن يحصيها فى تخصصه.بيد أن طريقة اكتساب المعرفة عند الذكاء الاصطناعى بما يؤهله للقيام بهذه الوظائف، تختلف كلية عن نظيرتها عند البشر. وهنا لا أقصد بذلك أن جودة قرارات البشر أفضل، ولكن طريقة تعلمهم مقارنة بطريقة تعلم الذكاء الاصطناعى قد تكون أدق وأثقل.فالإنسان يكتسب مهاراته ومعارفه عبر عقود يتعلم فيها كلمات وجُملا وتراكيب معقدة، ثم يبدأ فى توليد أفكار نابعة من عقله، ويبتكر من العدم، وأثناء هذا يمتزج الفكر بالثقافة بالدين بالمعلومة بالحدس بالخبرة التاريخية، ويحفظ الحمض النووى والجينات المعلومات الأساسية التى تضمن استمرار البشر على قيد الحياة. ويحدث هذا كله تحت إشراف نظام عقلى وبيولوجى شديد التعقيد، فيسهم ذلك فى تكوين نسق فكرى ومنهج إنسانى قادر على الانتقاء والترتيب والترشيح والاختيار، على عكس نظم الذكاء الاصطناعى التى تعتمد فقط على التعلم اللحظى والفورى. وبينما يهدف الذكاء الاصطناعى من التعلم إلى توفير إجابات لتساؤلات مطروحة، أو القيام بمنفعة وقتية، أو تحقيق مصلحة راهنة؛ فإن هدف البشر من التعلم هو فهم الأحداث وتفسيرها سواء للتكيف معها أو تغييرها، وليس الوقوف عند مرحلة توفير إجابات لتساؤلات مفتوحة. • • •إن السرعة التى يتعلم بها الذكاء الاصطناعى قد تؤدى إلى الوقوع فى أخطاء، وقد يكون من الوارد ذلك ومن المقبول أيضا، فالبشر وبالرغم من طريقة تعلمهم المعقدة فهم كذلك يخطئون. هذا حقيقى ولكن درجة الثقة التى قد يمنحها البشر للذكاء الاصطناعى ربما لا يمنحونها لبعضهم بعضا، فثمة إدراك واسع أن البشر وبالرغم من علومهم يخطئون، وهناك حالة من التقبل لذلك والتكيف معه والاستعداد للتعامل معه؛ بيد أن المشكلة تصبح كبيرة حينما يرى البشر أن الذكاء الاصطناعى بكل ما أُوتى من قوة يصعب أن يقع فى الخطأ، وهنا يصبح خطأ الذكاء الاصطناعى أشد خطرا من خطأ البشر لأنه حينها لن يتم إدراك أنه خطأ.ففى تجربة شخصية قُمتُ بها على تطبيق «ChatGPT»، أعطيته مسألة حسابية بسيطة للغاية، وهى أنه إذا كان عمر «إيهاب» ضعف عمر «مؤمن» حينما كان لدى الأخير عامين، فكم عمر إيهاب إذا كان عمر مؤمن 50 عاما؟ الإجابة ببساطة هى 52 سنة، لأنه عندما كان مؤمن عمره سنتين كان إيهاب عمره 4 سنوات، وبالتالى فإن الفرق بينهما هو سنتان فقط، ولكن لسبب ما لم يستطع «ChatGPT» أن يجاوب عن هذا السؤال، وأعتقد أن ذلك بسبب رغبته فى توفير إجابة سريعة دون الانتظار لثوانٍ قليلة للتأكد من صحة إجابته.وما أدهشنى فى الإجابة عن هذا السؤال هو إصرار التطبيق على تقديم أكثر من دليل على صحة منطقه، بالرغم من أنه منطق فاسد وخاطئ، وهنا تكمن الخطورة فى إمكانية اعتماد البشر على هذا النوع من الذكاء الاصطناعى السريع المُضلل.• • •إن البحث عن نظام ذكاء اصطناعى عام وقوى وقادر على توفير إجابات لكل شىء وبسرعة هو أمر يشبه بحث عالم الفيزياء ستيفين هوكينج عن معادلة واحدة لتفسير الكون بكل ما فيه من كواكب وشموس وأجرام سماوية وظلام، فلا يمكن لمعادلة واحدة تحقيق ذلك، ولا يمكن لخوارزمية واحدة أيضا أن تفعل. فالبشر مختلفون فى معارفهم وأفكارهم وإدراكاتهم، كما أنهم ليسوا على نفس الدرجة من التطور التكنولوجى؛ فبعضهم يستخدم تكنولوجيا قديمة، والآخر يستخدم تكنولوجيا حديثة، وفئة ثالثة لا تستخدم أيا منها، وهنا تختلف طبيعة البيانات التى يتم تغذية نظم الذكاء الاصطناعى بها وفقا لطبيعة المستخدمين، فتكون الإجابات صالحة لفئة دون غيرها.لذا من الأفضل أن نهتم بتطوير الذكاء الاصطناعى المتخصص، الذى يركز على وظائف محددة تطبيقا لمبدأ «التخصص فى العمل»، فالتعويل على نظام ذكاء اصطناعى عام قادر على توفير معلومات حول كل شىء لم يتحقق بعد، والوعود التى قدمتها «شات جى بى تى» و«مايكروسوفت» و«جوجل» أشبه بوعود مارك زوكربيرج حول «الميتافيرس»، فلا هى تحققت حتى الآن ولا هى بعيدة المنال. كل ما فى الأمر أننا ما زلنا فى حاجة إلى مزيد من الوقت حتى تصل هذه النظم الذكية إلى مرحلة النضج حتى لا تتعرض لانتكاسة.• • •قد يكون الذكاء الاصطناعى جيدا للغاية، وربما يكون أيضا على صواب وخالٍ من الأخطاء والعيوب والنواقص، وقد يكون النموذج الأفضل للمعرفة البشرية ومصدر الحكمة التى افتقدتها الإنسانية؛ لكن هل نحن مستعدون لهذا النوع من التطور بهذه الكيفية فى الوقت الحالى، أم أننا فى حاجة إلى مزيد من الهدوء والتأنى حتى يمكن تطوير هذه النظم الذكية على المسار الصحيح دون أن تتسبب فى دمار البشرية؟فتطور نظم الذكاء الاصطناعى بات يسير بسرعة أكبر من قدرتنا نحن البشر على مجاراتها، وأكبر من قدرتنا على معرفة تداعياتها، بل قد يتعرض الذكاء الاصطناعى للوقوع فى الخطأ بسببنا نحن البشر؛ نتيجة لعدم قدرتنا على فهم الطريقة التى يتطور بها.• • •لعل هذا التطور المُخيف هو ما دفع الملياردير «إيلون ماسك» برفقة 1125 آخرين، من بينهم خبراء فى الذكاء الاصطناعى، للتوقيع على خطاب مفتوح يدعو لوقف تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعى الأكثر تقدما لمدة 6 أشهر، وصدر الخطاب عن مؤسسة «Future of Life» غير الهادفة للربح، وتطالب مختبرات الذكاء الاصطناعى بوقف تدريب أى تقنية أقوى من «GPT ــ 4» الذى أصدرته «OpenAI» فى وقت سابق من شهر مارس 2023، وذكر الخطاب أن أنظمة الذكاء الاصطناعى المعاصرة أصبحت منافسة للبشر فى المهام العامة، وأنه ينبغى أن نسأل أنفسنا هل يجب أن نسمح للآلات بأن تغمر قنوات المعلومات لدينا بالادعاءات والكذب؟ وشدد التقرير على أنه فى حالة عدم وقف ذلك التطوير بسرعة، فإنه يتعين على الحكومات التدخل وفرض وقف مؤقت لتلك الأنشطة.ختاما، يمكن القول إنه ما بين التخوف من سرعة تطور الذكاء الاصطناعى وتفوق قدراته على البشر، والتخوف من إمكانية إعطاء البشر ثقة مطلقة لنظم الذكاء الاصطناعى قد لا تكون أهلا لها، تظل هناك تخوفات من تعرض نظم الذكاء الاصطناعى لانتكاسة نتيجة خطأ جسيم ينتج عنه تعريض حياة البشر للخطر أو فشل فى الاعتمادية والاستخدام وعدم القدرة على توليد نتائج سليمة بكفاءة عالية، بما يتطلب وجود فترة كافية لإعادة النظر فى التقدم الذى أحرزه الذكاء الاصطناعى إلى الآن وإعادة تقييم درجة كفاءته.النص الأصلى ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

الشروق

2023-04-26

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة عرضا حول مستقبل شبكات الاتصال اللاسلكى، ومدى إمكانية وصولها إلى الحرية والابتكار بدلا من الاتجاه إلى مزيد من المراقبة والسيطرة. كما تناول بعض التوصيات لاستمرار الريادة الأمريكية فى مجال شبكات الجيل الخامس فى السوق العالمية التنافسية.. نعرض من المقال ما يلى.يُعد الإنترنت مجالا حيويا للحكومات والمجتمعات فى القرن الحادى والعشرين، وقد عززت جائحة «كوفيد 19» هذا التصور، حيث أصبح الاتصال عن بُعد مكونا لا غنى عنه لمجتمع حديث فعَّال فى مجالات التجارة والتعليم والأنشطة الاجتماعية. لكن، يُلاحظ تزايد أنشطة الرقابة الاجتماعية والمعلوماتية من قبل بعض الأنظمة السلطوية (كالصين وروسيا) من أجل إحكام قبضتها على الموارد الطبيعية وسلاسل توريد التكنولوجيا والمعلومات. فى المقابل، تسعى الأنظمة الديمقراطية إلى تعزيز حوكمة الاتصالات السلكية واللاسلكية.فى هذا السياق، يتساءل كليت جونسون، زميل أول فى برنامج التقنيات الاستراتيجية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية «CSIS» فى تقرير بعنوان «الضرورة الاستراتيجية للقيادة الأمريكية فى شبكات الجيل القادم» حول مستقبل شبكات الاتصال اللاسلكى، ومدى إمكانية وصولها إلى الحرية والابتكار بدلا من الاتجاه إلى مزيد من المراقبة والسيطرة. كما يناقش التقرير عددا من التوصيات ذات الصِلة، والمستمدة إلى حد كبير من التجارب الأمريكية والأوروبية المتباينة مع الجيلين الثالث والرابع من شبكات الاتصال: «3G» و«4G».• • •يفترض التقرير أن الولايات المتحدة الأمريكية تُعد ــ فى الوقت الحالى ــ مركز الابتكار الذى يعمل بتقنية «5G» حول العالم، حيث تمتلك واشنطن قاعدة من الطيف الترددى القائم والذى توفره البنية التحتية لشبكات «4G» و«5G» الأكثر انتشارا. وذلك نتيجة حرص صانعى السياسة الأمريكية على التمويل الهادف إلى سد الفجوة الرقمية، كالاستثمار فى الصناعات والتقنيات اللاسلكية من خلال الإطار التنظيمى الوطنى للاتصالات اللاسلكية. فسياسات السوق الحرة أسهمت فى حصول الولايات المتحدة على هذه الريادة، ولاسيما فى ظل المنافسة القوية بين شركات الاتصالات الأمريكية، والتى تتبنى مناهج متنوعة للاستفادة من بنى «5G».ويحذر التقرير الولايات المتحدة من محاولات الصين لإتاحة المزيد من الطيف المرخص ونشر شبكات الجيل الخامس دون اعتبار للحقوق الفردية أو التجارية.من ثم، فعلى الولايات المتحدة الاستفادة من القيم الديمقراطية للسوق الحرة، كالمنافسة العادلة والقوية وحرية الفكر والتعبير لتعزيز شبكات الجيل الخامس والجيل القادم. وكذلك، الاستفادة من هذه الشبكات لتعزيز القيم الديمقراطية. فمثلما استطاعت الولايات المتحدة وحلفاؤها حماية ديمقراطيات السوق الناشئة فى أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، عليهم الحفاظ على ذات الالتزام بمبادئ ديناميكية السوق الحرة، والابتكار، والمنافسة العادلة، وحماية حقوق الإنسان فى البيئة التكنولوجية الحالية.ويرى التقرير ضرورة الحفاظ على الإطار الوطنى الأمريكى القائم على الابتكار، والذى يُعد ــوفقا للتقريرــ الطريق إلى المستقبل الذى تسود فيه القيم الديمقراطية والسوق الحرة، حيث تستطيع الولايات المتحدة أن تنفذ نموذجا مقنعا لكيفية استغلال الإمكانات الكاملة لشبكات الجيل الخامس بطرق تعزز حقوق الإنسان والحريات الفردية والأسواق الحرة التنافسية والحكومات الديمقراطية التمثيلية.وتُجدر الإشارة إلى أن التنافس مع الصين وروسيا وغيرها فى مجالات الابتكار التكنولوجى ومواجهة التحديات العالمية الرئيسية يعكس استمرار الولايات المتحدة، وليس تهديدها. إذ يدفع ذلك التنافس المبتكرين والشركاء فى الولايات المتحدة إلى إثبات قدراتهم والتفوق على أولئك الذين يسعون إلى تعزيز السلطوية من خلال الاستفادة من التقنيات والخدمات التكنولوجية.وفى سياق متصل، وبالرغم من أن أوروبا استطاعت أن تقود شبكات «2G» حول العالم إلا أن مكانتها تراجعت إلى حدٍ كبير فيما يتعلق بشبكات «3G» و«4G»؛ بسبب المتطلبات التنظيمية المنقسمة والتى فرضت قيودا على التقنيات المتطورة بأوروبا. بالتالى، فاستمرار ريادة دولة ما فى أى جيل للشبكات اللاسلكية هو أمر غير حتمى. وبناءً عليه، بالرغم من قدرة الصين الحالية على نشر «5G»، إلا أنه ما تزال هناك فرصة أمام الولايات المتحدة وحلفائها لقيادة الجيل الخامس، عن طريق الاستفادة من تجارب تعثر أوروبا فى «3G» و«4G» وأوائل «5G».• • •الجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة لديها استثمارات فدرالية تاريخية هادفة إلى معالجة الفجوة الرقمية وتلبية احتياجات الاتصال للأمريكيين. ففى عام 2020، أنشأت لجنة الاتصالات الفدرالية «FCC» صندوق الفرص الرقمية الريفية بقيمة 20.4 مليار دولار لتحسين الاتصال ونوعية الحياة فى المجتمعات الريفية. كما تشرف اللجنة على البرنامج التجريبى للرعاية المتصلة، وهو عبارة عن إعانة قدرها 100 مليون دولار مستمدة من صندوق الخدمة الشاملة لتغطية تكاليف معدات الشبكة وخدمات المعلومات اللازمة لتوفير خدمات الرعاية الصحية المتصلة للمرضى. علاوة على ذلك، خصص الكونجرس أكثر من 65 مليار دولار لتمويل نشر البنية التحتية للنطاق العريض والوصول إليها.وبلغ إجمالى الاستثمارات الخاصة فى صناعة الاتصالات اللاسلكية فى الولايات المتحدة أكثر من 130 مليار دولار على مدى السنوات الخمس الماضية. وفى عام 2020 فقط، استحوذت واشنطن على 18% من إجمالى الاستثمار اللاسلكى العالمى. بل وتُعد الولايات المتحدة أول دولة تنشر «5G» تجاريا على نطاق واسع بفضل سياسات السوق الحرة فى صناعة الاتصالات اللاسلكية. ومع ذلك، لا يمكن للولايات المتحدة أن تأخذ هذه القيادة كأمر مسلم به.• • •حتى تتمكن الولايات المتحدة من الحفاظ على قيادة شبكات الجيل الخامس، يجب عليها الاستمرار فى دعم الابتكار القائم على السوق الحرة، والإطار التنظيمى والسياسات الداعمة للاستثمار؛ للتغلب على هياكل القيادة والسيطرة المقيدة للحكومات السلطوية.لتحقيق هذه الغاية، توصى هذه الورقة بالحلول التالية: أولا، يجب على الولايات المتحدة تعزيز النشر السريع لشبكات الجيل الخامس من خلال الاستمرار فى توفير طيف النطاق المنخفض والمتوسط والعالى، وتعظيم تأثير قانون الاستثمار والوظائف فى البنية التحتية «IIJA». ثانيا، يجب على الولايات المتحدة أن تمهد الطريق للابتكار المستقبلى عن طريق إعادة تأسيس لجنة الاتصالات الفيدرالية «FCC»، وتعزيز الاستخدام الفعال للطيف الترددى، ومواءمة أفضل الممارسات لنقل البيانات عبر الحدود، واستمرار الإنفاق الفيدرالى لدعم نشر شبكات الجيل الخامس.ثالثا، أن تعمل الولايات المتحدة مع حلفائها لإثبات أن ديمقراطيات السوق الحرة التنافسية أفضل وسيلة لتعزيز تقنيات الاتصالات المبتكرة والموثوق بها عن طريق تعزيز الثقة فى شبكات الاتصالات وسلاسل التوريد، ودعم الشراكات مع الدول ذات التفكير المماثل، والعمل على وضع معايير دولية للابتكار التقنى فى القطاع الخاص علاوة على حماية حقوق الملكية الفكرية.ومن أجل دمج القيم الديمقراطية فى نسيج تكنولوجيا الجيل القادم، تحتاج الولايات المتحدة إلى أن تكون فى طليعة تطوير هذه التكنولوجيا وتوفيرها، خاصة وأن الصين تركز على نشر المزيد من الطيف المرخص له وتنمية قطاع “5G”الخاص بها للتصدير. وكما استطاع الحلفاء حماية ديمقراطيات السوق بعد الحرب العالمية الثانية، يجب عليهم الآن تطبيق نفس الالتزام بمبادئ السوق الحرة، والابتكار، والمنافسة العادلة، وحماية حقوق الإنسان فى التكنولوجيا الحالية.ونظرا لقدرة شبكات الجيل الخامس على مواجهة التحديات المعاصرة الرئيسية، من الضرورى أن تواصل الولايات المتحدة ريادتها فى هذا المجال فى السوق العالمية التنافسية. فبالفعل، تقود الولايات المتحدة حاليا الاقتصاد العالمى الناشئ »5G»، بفضل الاستثمار الخاص الضخم، والمنافسة القوية فى السوق الحرة، والإطار التنظيمى المرن المؤيد للابتكار. لكن فى المقابل، تسعى الصين إلى اللحاق بالولايات المتحدة. بالتالى، يجب على واشنطن تبنى الخطوات المقترحة لتعزيز النشر السريع لشبكات الجيل الخامس، وتمهيد الطريق للابتكار المستقبلى، وإثبات أن ديمقراطيات السوق الحرة تعزز تقنيات الاتصالات المبتكرة والموثوقة بشكل أفضل.النص الأصلى ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

الشروق

2023-04-17

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة عرضا حول توظيف أنظمة الذكاء الاصطناعى فى جميع المجالات؛ الاقتصادية والاجتماعية والصحية وغيرها. العرض تناول أيضا أبرز التحديات التى تواجه الدول النامية فى هذا النطاق، وبعض المقترحات لدعم استخدام هذه التكنولوجيا للصالح العام الرقمى... نعرض من المقال ما يلى.سعى الكاتب غوراف شارما فى دراسته المنشورة بمؤسسة Observer Research Foundation فى فبراير 2023 إلى توضيح إمكانية تحويل الذكاء الاصطناعى مفتوح المصدر إلى منفعة عامة رقمية، بحيث يكون حلا قابلا للتطبيق فى مختلف القطاعات الاجتماعية والاقتصادية، مع تحقيق أكبر استفادة ممكنة من التقدم التقنى والتكنولوجى لتفيد أعدادا أكبر من السكان فى جميع أنحاء العالم.• • •لأنظمة الذكاء الاصطناعى أهمية فى القطاع المالى؛ إذ إنها تسهم فى عمليات أتمتة المهام المتكررة واكتشاف الاحتيال وسرقة البيانات ومعالجتها، وهو الأمر الذى يمكن تحقيقه فى القطاعات الاجتماعية المتباينة كالصحة والتعليم، فيما يُعرف باسم «الصالح العام الرقمى Digital Public Good. (DPG) لكن تطويع الذكاء الاصطناعى للصالح العام الرقمى تواجهه صعوبات بسبب احتكار الأنظمة الخوارزمية وملكية الشركات الخاصة لها، واحتكامها لمبدأ الملكية الفكرية. مع ذلك، فإن مواجهة هذا الاحتكار أمر ذو أهمية كبيرة لدول العالم عبر تكريس دعم مبدأ الذكاء الاصطناعى من أجل دعم الخير الاجتماعى، أى استخدام التطبيقات التقنية لدعم رفاهية المجتمعات، والتى تشمل أطر التصميم والتقييم وكذا المبادرات السياسية التى تركز على الاستفادة من الأفراد، وذلك لما يُجسده مبدأ الذكاء الاصطناعى من تكتيك لتعزيز وتطوير السياسات المختلفة التى تخدم المصلحة العامة. من جانب آخر، يُعد قطاع الرعاية الصحية من أهم المجالات التى يتم توظيف الذكاء الاصطناعى لتدعيمها لكل المواطنين، عبر إنشاء البيانات حول الإنسان والكشف عن الأمراض المختلفة، كما هو الحال بالنسبة لدورها فى تتبع تفشى فيروس «كورونا»، إلى جانب توظيف البيانات التى يتم الوصول إليها حيال الأمراض المختلفة لمعالجتها مثل مرض السل الذى يتطلب بيانات الأشعة السينية ومجموعة منظمة من البيانات الصحية. • • •يواجه توظيف أنظمة الذكاء الاصطناعى للصالح العام الرقمى فى الدول النامية تحديات عديدة منها: جمع البيانات، وتوحيدها، وحمايتها، علاوة على وجود فجوة فى إدراج النماذج الخاصة بأنظمة الذكاء الاصطناعى وتطبيقها فى القطاعات التى تضم مجموعات البيانات الخاصة بالقطاعات الاجتماعية ــ كثيفة العمالة ــ مثل الرعاية الصحية والتعليم والتغذية، بالإضافة إلى كون ذلك النهج لم يحظَ بعد باهتمام كافٍ فى بلدان الجنوب العالمى «البلدان النامية» التى لا تزال قطاعات كبيرة فيها تعانى عجزا فى الوصول إلى الإنترنت.اتصالا بذلك؛ فإن هناك حدودا لمشاركة المعرفة بين دول الشمال والجنوب حول نشر واستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعى فى القطاعات الاجتماعية والاقتصادية، ويعزى ذلك إلى أن معظم حالات استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعى ضيقة فى تطبيقها ومصممة لحل مشكلة محددة وبالتالى يصعب تكرارها فى سياقات أخرى. على سبيل المثال، يعمل مشروع «سونراك» الخاص بتقدير الإمكانات الشمسية على السطح فى أجزاء مختلفة من الولايات المتحدة الأمريكية بشكل جيد فى تلك الأماكن لكن قد لا يكون قابلا للنشر بسهولة فى الأماكن غير المنظمة فى مدن مثل دلهى فى الهند. إضافة إلى ذلك، فإن البحوث التقنية حول أنظمة الذكاء الاصطناعى فى البلدان المتقدمة قد يصعب تطبيقها فى الاقتصادات النامية. فإذا كان استخدام تلك الأنظمة يتم على نطاق واسع فى الخدمات والتأمين المصرفى فى بلدان مثل المملكة المتحدة وسويسرا لما تمتلكه من أطر تنظيمية وتشريعية، فإن هذا الأمر يغيب عن دول العالم النامى.وبالرغم من عمليات تطوير الأبحاث الأولية حول أنظمة الذكاء الاصطناعى وتوظيفها كصالح عام رقمى من جانب الشركات الكبرى المتخصصة فى مجال التكنولوجيا، إلا أن هناك تحديات تجابه ذلك، من أبرزها:أولا: عدم توفر البيانات المفتوحة، ففى ظل غياب الأطر التى تحكم البيانات المحلية والخصوصية فى دول العالم النامى، من الصعب العمل على البيانات الشخصية واستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعى لدعم «الصالح العام الرقمى». إلى جانب أنه يتم تدريب هذه الأنظمة الحالية على مجموعات البيانات من دول الشمال العالمى وقد تفشل فى حساب الحساسيات الاجتماعية والثقافية عند تطبيقها على البلدان النامية. ثانيا: تعقيدات أنظمة الذكاء الاصطناعى، إذ تمثل هذه التعقيدات حاجزا أساسيا لتبنى أنظمة الذكاء الاصطناعى من قبل القطاع العام فى البلدان النامية، ومن ثّم يصعب الاستفادة منها فى العديد من المجالات العامة ومنها التخطيط الإدارى. لذا فإن اعتماد أنظمة الذكاء الاصطناعى فى المجالات العامة كالصحة والتعليم وغيرها أقل جاذبية، لضعف ثقة الحكومات فى تلك الأنظمة. ثالثا: غياب المُساءلة والخصوصية: حيث إن معظم سلاسل القيمة العالمية من الذكاء الاصطناعى «غامضة» و«غير قابلة للمساءلة»، وذلك لكون أبحاث تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعى لا تزال تقوم بها شركات التكنولوجيا الكبرى ومختبرات المؤسسات العامة الكبرى، وفى ظل غياب التشريعات الخاصة بتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعى، فإن هناك عدم إلزامية لشركات التكنولوجيا الكبرى بحماية خصوصية البيانات الشخصية. • • •وضعت الدراسة جملة من المقترحات التى تدعم تطبيق وتفعيل أنظمة الذكاء الاصطناعى كآلية رقمية تطبق على السلع والخدمات العامة، ومن أبرزها ما يلى:أولا: تعزيز أنظمة الذكاء الاصطناعى مفتوحة المصدر، بحيث يسهم ذلك فى مواجهة تحديات القطاع الاجتماعى فى البلدان النامية، بل ويوازن فى الوقت ذاته من نقص موارد الذكاء الاصطناعى الرئيسية مثل قوة الحوسبة والخبرة الفنية والميدانية، كما يعزز من الابتكار عبر فتح نماذج ضخمة للذكاء الاصطناعى نظرا لأن معظم الشركات الناشئة فى هذا المجال لا تملك الموارد المالية لبناء مثل هذه النماذج الضخمة. إلا أن ذلك الأمر له خطورته المتمثلة فى التعرض للهجمات الإلكترونية وانتهاكات الخصوصية، ولكن مكاسبه الاجتماعية الإجمالية تتجاوز العيوب المحتملة.ثانيا: تعزيز الشراكات العالمية متعددة الأطراف، والتى تدمج بين الدول الغنية والنامية، مع السعى نحو إطلاق الخطوات الأولية فى مناقشة استراتيجية صنع أنظمة الذكاء الاصطناعى والسلع العامة، وتعزيز التطوير المسئول للذكاء الاصطناعى واستخدامه مع احترام حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية، الأمر الذى يعزز من توحيد ومشاركة الجهود وخلق مساحة للحوار والبحث فى نقل أنظمة الذكاء الاصطناعى إلى ساحة المنافع العامة الرقمية.ثالثا: اتباع نهج التوافق وإعادة الاستخدام المتضمنة «إمكانية الوصول، وقابلية التشغيل البينى» وسهولة البحث والاطلاع، إلى جانب أنه يُساعد فى تمثيل البيانات بشكل أفضل، فضلا عن وضع أحكام الوصول إلى نماذج وبيانات الذكاء الاصطناعى فى سياق عدم الضرر، لذلك، يمكن إطلاق «الإعلان العالمى بشأن الذكاء الاصطناعى» الذى يضع المعايير الأخلاقية وثيقة الصلة.• • •ختاما، تنظر الدراسة إلى أن التطورات التى حققتها أنظمة الذكاء الاصطناعى لا بد أن يكون لها تأثير أكثر انتشارا على أعداد كبيرة من السكان فى جميع أنحاء العالم، وهو الأمر الذى يتطلب الربط بين مفاهيم سياسات التنمية لأنظمة الذكاء الاصطناعى، ولعل تلك الخطوة تبدأ بتصميم نظام ذكاء اصطناعى للقطاعات الاجتماعية، أى تحويله لدعم الصالح العام الرقمى، مع تطبيق المُساءلة الحكومية ووضع ممارسات أخلاقية ومسئولة للذكاء الاصطناعى تكون شاملة وتتضمن تقييم المخاطر وتطلعات البلدان النامية، وهو أمر ما بات ضروريا فى ضوء الحاجة للاستثمار فى مجتمع الذكاء الاصطناعى مفتوح المصدر من منظور الاستخدام العام.النص الأصلى: ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

الشروق

2023-03-14

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتبة كارين ليفى تناولت فيه تأثير الرقابة الرقمية على عمل سائقى الشاحنات بالولايات المتحدة الأمريكية بدعوى منعهم من القيادة لفترات طويلة مما يؤثر سلبا على الصحة الجسدية، على النقيض يرى سائقو الشاحنات أن هذا يعد انتهاكا لاستقلاليتهم المهنية والمرونة التى تتسم بها تلك المهنة.. نعرض من المقال ما يلى.تطرح الكاتبة فكرة أساسية تدور حول مراقبة سلوكيات سائقى الشاحنات بالطرق السريعة، وكيفية الاعتماد على الخيار التكنولوجى وأدوات الأنظمة الرقمية، كأجهزة التسجيل الإلكترونية فى جمع البيانات، والتحكم فى سلوك سائقى الشاحنات، آخذة فى الاعتبار أن هذه الفكرة تدور حول جدلية كبرى تتعلق بدور أنظمة جمع البيانات فى الرقابة الاجتماعية.• • •أدت موجة التحرر فى سبعينيات القرن العشرين بالولايات المتحدة إلى الركود الاقتصادى، بكل ما استتبع ذلك من انخفاض أجور سائقى الشاحنات بنسبة 44%، وإجبارهم على القيادة لساعات أطول وبأموال أقل، وهو ما انعكس على الصحة البدنية والعقلية للسائقين، فضلا عن الضغوط التى يتعرضون لها على الطرق، وظروف العمل غير الآمنة، والعزلة وعدم الاستقرار الأسرى الناجم عن حياة التنقل بالشاحنات.ففى عام 2019، كان قطاع النقل بالشاحنات سادس أعلى معدل وفيات مهنية من بين جميع الوظائف الأمريكية، فضلا عن أن معدل حدوث الإصابات الخطرة بين سائقى الشاحنات هو الأعلى فى أى مهنة أمريكية. ونتيجة التعب الجسدى والذهنى، فإن سائقى الشاحنات يواجهون عواقب صحية وخيمة بدءا من الإرهاق وصولا إلى الإدمان. وبدلا من قيام الحكومة بإعادة هيكلة أجور سائقى الشاحنات لضمان التزامهم بساعات العمل القانونية للقيادة، فإنها لجأت إلى المراقبة الإلكترونية كبديل عن السجلات الورقية التى يسهل التلاعب بها لتحقيق هذا الهدف. لذا، تعتبر أجهزة المراقبة بمثابة العمود الفقرى التكنولوجى للحكومة ولشركات النقل، بكل ما توفره من معلومات حول أداء وسلوك سائقى الشاحنات. ففى ديسمبر2017، فرضت الحكومة الفدرالية على سائقى الشاحنات ضرورة شراء وتثبيت واستخدام أجهزة التسجيل الإلكترونية «ELD»؛ للتصدى لأحد أخطر المشكلات والأكثر انتشارا فى قطاع النقل بالشاحنات، وهى «التعب»؛ حيث إن سائقى الشاحنات يعانون من إرهاق العمل وقلة النوم، بكل ما يحمله ذلك من عواقب مميتة، على السائقين أنفسهم وكذا على باقى المواطنين بشكل عام، وذلك على الرغم من أن سائقى الشاحنات يخضعون منذ ثلاثينيات القرن الماضى للوائح «ساعات الخدمة» الفيدرالية التى تحدد ساعات العمل التى يمكنهم دوامها.تعتبر أجهزة التسجيل الإلكترونية أحد الأنظمة الرقمية التى تلتقط بيانات حول أنشطة سائقى الشاحنات، خاصة فيما يتعلق بعدد ساعات العمل؛ وذلك بهدف منعهم من القيادة لفترة أطول مما تسمح به اللوائح الفيدرالية، وضمانا لالتزامهم بأوقات العمل الرسمية، ويمكن اعتبارها أحد أنظمة «الإنفاذ الرقمى»؛ حيث يتم استخدام التكنولوجيا لفرض القواعد، بكل ما يحمله ذلك من تداعيات سلبية على منظومة القيم السائدة بين سائقى الشاحنات؛ خاصة من حيث الاستقلالية المهنية، والمرونة التى يتمتعون بها للقيام بأعمالهم بالطرق التى تناسبهم، فضلا عن علاقتهم بسلطات إنفاذ القانون.• • •تشير الكاتبة إلى أن «القواعد ليست دائما قواعد»، لأنها يجب أن تتشكل من خلال الحقائق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، علما بأنه قد يتم انتهاك القاعدة فى بعض الحالات؛ لأن الالتزام الحرفى بها غير عادل وغير منطقى، ويُدلل على ذلك بأن مراقبة مخالفات السرعة الطفيفة مجرد «ذريعة» للشرطة لإيقاف السائقين وخاصة السود للتحقيق معهم.إن كسر القواعد الروتينية يجعل المجتمع يعمل بكفاءة، لأن الالتزام الحرفى بالقواعد يؤدى إلى سيطرة البيروقراطية وإبطاء الوظائف التنظيمية، خاصة وأن الموظفين يتبعون القواعد بحذافيرها للحد الذى يصعب معه تأديبهم على التأخر فى إنجاز المهام الموكلة إليهم. لتجنب ذلك، فإن الكثير من المنظمات تتبنى قواعد وهياكل رسمية معينة لتحقيق الشرعية القانونية استجابة للضغوط من أجل التوافق المؤسسى، مع فصل هذه القواعد عن الممارسات التى تسمح لها بالعمل بكفاءة.إن تطبيق القواعد بصرامة ليس جيدا أو سيئا تماما، فالعالم معقد للغاية، وإدارة العلاقات الاجتماعية تتوقف على «الفجوة» بين القواعد الموجودة فى الكتب والممارسات على الأرض. مع العلم بأن إدخال التكنولوجيا فى هذا المضمار، والاعتماد عليها فيما يعرف بـ«الإنفاذ الرقمى» قد يؤدى إلى تأثيرات سلبية فى النظام الاجتماعى القائم لسياق معين بطرق غير متوقعة.• • •مستقبل العمل ليس نمطا منفصلا عن التنظيم الاجتماعى، فلا تختلف ممارسات إدارة الغد عن ممارسات الإدارة فى الماضى، لأنهما يقومان على نفس الأسس والغايات: (تحفيز الكفاءة، تقليل الخسائر، تحسين العمليات، تحسين الإنتاجية). كما أن إحدى الاستراتيجيات الأكثر شيوعا لتحقيق هذه الأهداف، تتمثل فى زيادة الإشراف على أنشطة العمال. إلا أن سيطرة التكنولوجيا واستخدام أنظمة تتبع المواقع والشبكات اللاسلكية غير ذلك تماما.وقد أدى تنامى اللجوء إلى ترتيبات العمل من المنزل خلال جائحة «كورونا» إلى تزايد استخدام برامج التتبع، وأصبحت وسائل جمع البيانات الحيوية أكثر شيوعا بدءا من التعرف إلى بصمات الأصابع ومسح الشبكية وصولا إلى جمع البيانات السلوكية حول معدلات انتباه العمال و«التعب». بالتالى، تلاشت الفواصل بين حدود العمل وغيرها من مجالات الحياة؛ مما أدى إلى خلق أنواع جديدة من التشابكات؛ حيث تسهل أنظمة مراقبة بيئة العمل من المنزل جمع المعلومات حول الأسرة والأصدقاء والمواقف المعيشية، بكل ما يرتبط بذلك من مخاوف تتعلق بخصوصية وأمن البيانات.• • •أثرت تقنيات المراقبة الرقمية ــ والتى منها أجهزة التسجيل الإلكترونية ــ فى طبيعة عمل سائقى الشاحنات، من ناحيتى الحرية والاستقلالية فى أداء عملهم اليومى، حيث تتضمن أنظمة المراقبة فى الشاحنات جمع أنواع جديدة من البيانات الدقيقة حول سلوكيات سائقى الشاحنات وأجسادهم وأنماط الفرملة وحتى الموجات الدماغية. وتدعم هذه البيانات أشكالا جديدة من التحليل؛ حيث يمكن للشركات مقارنة أداء سائقى الشاحنات مع بعضهم البعض والتنبؤ بسلوكهم المستقبلى تجاه مختلف المواقف التى يتعرضون لها، بما يمنح الشركات رؤية أكبر وتحكما أوسع فى عمل سائقى الشاحنات. ويتعارض ذلك مع رؤية السائقين للشاحنات باعتبارها مكان عمل خال من البيروقراطية، وتتمتع بدرجة عالية من الخصوصية والسرية للحد الذى يجعلهم يمارسون فيها كافة أوجه الأنشطة الحياتية، حيث إن خصوصيتهم مقدسة.• • •تعمل أجهزة التسجيل الإلكترونية ككائن قانونى واقتصادى وثقافى فى آنٍ واحد، ففيما يتعلق بالحكومة؛ تعتبر ابتكارا قانونيا لفرض الامتثال للقواعد، واستراتيجية لمعالجة مشكلات السلامة فى قطاع النقل بالشاحنات. وفيما يخص شركات الشحن؛ فهى أداة اقتصادية لمواءمة سلوكيات العمال مع الأهداف التنظيمية مثل: زيادة كفاءة استهلاك الوقود، وتقليل فرص القيادة خارج المسار. لذا، فإن الشركات تستخدم أجهزة المراقبة الإلكترونية، ليس فقط للامتثال لقواعد ضبط الوقت، وإنما لمراقبة سلوك السائقين بهدف تحقيق أهداف الشركة، وبالتالى فهى أداة قانونية ذات ربحية تجارية.بالنسبة لسائقى الشاحنات، تعتبر أجهزة التسجيل الإلكترونية كائنا ثقافيا يتحدى قيمة «معرفتهم بالطرق» وهويتهم المهنية، فضلا عن قيمة إنجاز العمل بشكل مرن ومستقل، وترى الكاتبة أنه من غير المُحتمل أن تقوم التكنولوجيا الرقمية بدور ناجح فى فرض القواعد على سائقى الشاحنات، نظرا للتاريخ الاجتماعى والاقتصادى لقطاع النقل بالشاحنات.ختاما، تطرح الكاتبة تساؤلين محوريين حول مستقبل مهنة سائقى الشاحنات فى ظل المراقبة الرقمية وهما: كيف سيبدو قطاع النقل بالشاحنات فى المستقبل؟ وهل ستتولى «الروبوتات» هذه الوظائف؟، ترى الكاتبة أنه من غير المُرجح أن تصبح المركبات الآلية بديلا عن سائقى الشاحنات، لأسباب قانونية واجتماعية وثقافية، والأرجح أن يتم دمج عمل البشر والآلات، فى عملية تهجين للإنسان والآلة معا. وتدلل على ذلك، بأن مسألة استخدام التكنولوجيا لفرض القواعد، ليست الحل، لأن المشكلات التى تهدف التكنولوجيا إلى حلها ليست فى جوهرها مشكلات تقنية، وإنما مشكلات اجتماعية واقتصادية وثقافية.النص الأصي ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:

الشروق

2023-01-05

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب إيهاب خليفة يتساءل فيه عما إذا كان الإنسان ــ صانع الحضارات والمبتكر للآلات ــ يحتاج لاختراعات ذات قدرات خاصة ليتحول إلى إنسان ذى قوة خارقة، أم ستنتقص تلك الاختراعات من قدراته الخاصة؟... نعرض من المقال ما يلى.هذا الهاجس البشرى بالتطور بدأ يتعاظم مؤخرا، خاصةً مع ثورة التكنولوجيا غير المسبوقة والشاملة، وظهور تكنولوجيات قادرة على تطوير الإنسان أو تحسين أدائه، من دون التساؤل عن الحكمة من وراء هذا التطور، ولماذا لم يخلقنا الله كذلك إذا كان ذلك حقا فى مصلحتنا؟ لكن لأن البشر يحبون تفسير الأشياء وفق مصلحتهم، فغالبا ما تكون عملية التطور هذه مدفوعة بأسباب أخلاقية وطبية بالأساس، مثل زراعة الأطراف الصناعية للذين فقدوا أحد أطرافهم أو أُصيبوا بمرض تسبب لهم فى نوع من الشلل، لكن وظائفها واستخداماتها التجارية وتحقيق الربح هو الهدف المنشود فى النهاية بغض النظر عن الوازع الأخلاقى للطبيب.• • •ومع تعاظُم الدور الذى تقوم به التكنولوجيا فى الحياة اليومية، أصبح التفكير ليس فقط فى أطراف تعويضية صناعية، بل فى شريحة ذكية تتم زراعتها داخل جسد الإنسان أو عقله، لكى تكون، ليس فقط بديلا عن الهواتف وبطاقات الدفع وكلمات المرور، بل تصبح عقلا صناعيا يُضاف إلى قدرات العقل البشرى الطبيعى، فينشأ عن هذا الدمج عقل ذو قدرات خارقة.فى الحقيقة فإن الاستخدامات كافة لهذه الشرائح المزروعة تحت الجلد لا زالت غير ذات جدوى حقيقية، فأى إنسان على كوكب الأرض بات يمتلك جهازا أو أكثر يستطيع القيام من خلاله بوظيفة هذه الشريحة، سواء كان ذلك هاتفا ذكيا أو ساعة أو سوارا أو حتى بطاقة لا تلامسية، لكن شغف البشر بالتطور البيوتكنولوجى هو الذى جعل بعضهم يفضل زراعة تلك الشريحة فى أجسادهم، ويتبقى التطور الأكبر فى عملية تطوير هذه الشرائح لكى ترتبط بالدماغ البشرى.حتى لا نظلم إيلون ماسك، فهو ليس الرجل الوحيد على الكوكب الذى يسعى لزرع شرائح فى الأدمغة البشرية عبر شركة «نيورالينك» لكى تُكسب البشر قدرات فائقة، بل ليس هو الأنجح حتى الآن، وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن تتم تجربة شريحته الجديدة على البشر خلال عام 2023، بعد سلسلة من التأجيلات، فإن هناك شركة أخرى سبقته وأخذت موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على بداية تجربة شريحتها على أدمغة البشر، وهى شركة Synchron الأسترالية.وهنا، الفلسفة التى يراها إيلون ماسك قائمة على فكرة تشاؤمية مفادها أن الذكاء الاصطناعى سوف يتسبب فى تدمير البشر، فهو لا يخطئ وقادر على التعلم السريع المستمر، وتحصيل جميع أنواع المعارف والعلوم والآداب بصورة تفوق أى طاقة بشرية ممكنة، وقادر أيضا على مشاركتها مع غيره من نظم الذكاء الاصطناعى الأخرى، مُكونا عقلا صناعيا جمعيا، فما يدركه أحدهم، يدركه الجميع.وهذا العقل سيكون بالطبع أذكى وأسرع من العقول البشرية بملايين المرات، وبمجرد إدراكه هذه الحقيقة سوف يتعامل مع البشر بدونية شديدة، فهم أقل منه ذكاءً ومهارة. ولا سبيل للحفاظ على ما سماه ماسك بـ «الإدراك البشرى الخارق»، إلا من خلال تطوير القدرات البشرية لكى تُساير قدرات الذكاء الاصطناعى، من خلال زرع شرائح ذكية داخل العقول والأجساد البشرية تُحسّن من أداء عملها ووظيفتها فى مواجهة قدرات الذكاء الاصطناعى، وبذلك نضمن عملية استمرار بقاء الجنس البشرى فى مواجهة الذكاء الاصطناعى.وإذا تحدثنا عن الوازع الأخلاقى لهذه الشريحة، فهى سوف تعالج أمراضا عديدة، مثل الخرف، والألزهايمر، وأمراض الذاكرة، واضطرابات الجهاز العصبى الحركية، وإصابات النخاع الشوكى، والشلل، وتلف الدماغ، والقلق، والإدمان. وأيضا ستخفف من الآلام الحادة، وتعالج جزئيا حالة فقدان البصر والسمع. بالطبع ليس هذا ما تقوم به هذه الشريحة حاليا، ولكن ما يُتوقع أن تقوم به فى المستقبل.أضف إلى هذه التوقعات أيضا، إمكانية إنشاء جيوش من البشر يمكن السيطرة عليها فقط من خلال التفكير، أو السيطرة على عقول عدد كبير من الموظفين الموجودين بأحد المصانع ذات الترقية التكنولوجية الضعيفة ودفعهم للعمل ساعات طويلة فى ظروف قاسية من دون اعتراض، أو برمجة أطفال وطلاب فى مرحلة الصغر على قيم محددة مثل الطاعة والولاء المطلق، أو حتى الشذوذ والانحراف، أو تقسيمهم لفئات وفقا لاحتياجات المجتمع المستقبلية.• • •هذا المزج بين الكيمياء العضوية والتكنولوجية قد يفرز إنسانا مختلفا بصورة كبيرة عن نظيره الحالى، فنحن لا نعلم ما سوف ينتج عن عملية التزاوج هذه، بين الكيمياء العضوية وبين الذكاء الاصطناعى، فكلاهما يتكيف ويتطور ويتغير بصورة أسرع من قدرتنا نحن كبشر عاديين على ملاحظتها أو حتى فهمها، فينتج عن ذلك نوع جديد من «البشر الخارق»؛ نصف إنسان ونصف آلة، فهو إنسان يمتلك أطرافا صناعية صلبة، وعقلا ذكيا ومتطورا، وقلبا تم استبداله من خلال الطباعة ثلاثية الأبعاد، لكن ما زالت له روح ويستطيع أن يتكاثر بل ويفنى أيضا حتى ولو استطاع الطب مدفوعا بالتكنولوجيا إطالة متوسط العمر.صحيح أن هذه القدرة تسمح للإنسان بحمل الأشياء الثقيلة، والوجود فى بيئات شديدة الصعوبة، والانتقال بسرعات عالية للغاية، وحل أعقد المشكلات، وحفظ الذكريات كافة، لكن حقا هل يحتاج كل إنسان مثل هذه القدرات؟ هل حقيقى تود تذكر تجربة سيئة مرت بك مثل فقدان عزيز عليك فى حادث أليم؟ أم هل تود أن تمحيها تماما من ذكراك وكأن هذا الشخص الذى تحبه لم يكن موجودا فى حياتك من قبل؟ إذا وجدنا حلا وسطا بين هذا وذاك، فهل ترغب فى أن تتعرض ذكرياتك لمحاولات اختراق وتسريب أحلامك وشطحاتك وأخطائك كافة على الإنترنت، فتخسر جميع الأفراد؟ أم تصبح تحت رحمة شركات التكنولوجيا التى امتلكت هذه البيانات وبدأت فى توجيهك والتحكم فيك كأنك سلعة لا تمتلك إرادتها؟هل حينها سوف تستمتع بهذه القدرات الخارقة؟ أم سوف تبدأ فى الانهيار وقد ترغب فى التخلص من تلك الحياة؟ أم ستفضل أن يتم إجراء «ضبط المصنع» على «دماغك السيبورجى»، فلا تعلم من أنت أو كيف بدأت إلا من خلال معلومات ضئيلة قرر مالكو الشريحة أن تعرفها عن نفسك، فيخبرونك بأنك العامل الذى يقوم باستبدال البطاريات من الروبوتات بعد أن كنت مديرا للشركة.وهل ستكون هذه القوة متاحة لكل البشر، أم لفئة محظوظة منهم، فإذا كانت لفئة محدودة فنحن أمام مجتمع ظالم قاسٍ، أما إذا طبقنا العدل وأتحناها للجميع فسوف يفسد هذا المجتمع وينتهى حتى قبل أن يكتمل لأنه حينها سوف يقتل الجميع بعضهم البعض، وإذا استطاع البشر الخروج من هذا المأزق بحل تكنولوجى آخر يضمن التوازن، فمن يضمن أن الذى يضع أصبعه على خط التوازن هذا لن يرفعه فجأة فينهار كل شىء، أو يبتز الأفراد من أجل ألا يسلبهم الحظ الذى مُنحوه. قد يجادل البعض بأن هذه القدرات الخارقة قد تكون مناسبة لرجال الإطفاء والمسعفين ورجال تنفيذ القانون وغيرهم من ذوى المهن الخطرة حتى تُمكنهم من القيام بوظائفهم على أكمل وجه، لكن من يدرى أن يقوم نظام ذكاء اصطناعى خارق باختراق الشرائح المزروعة فى عقولهم والسيطرة عليها وإعادة توجيههم من جديد لكى يصبحوا جيشا له، يفرضون سيطرتهم على الجميع بما امتلكوا من قدرات خارقة.وفى النهاية، هذا الإنسان الذى أنشأ حضارة بابل والحضارة الفرعونية والإغريقية والرومانية بكل علومها وفنونها، وابتكر الآلات وصنع لها عقلا، واستطاع أن يُحلق فى الهواء ويغوص فى أعماق البحار ويطأ بقدمه الكواكب؛ هو بالفعل امتلك من القدرات الخارقة ما يغنيه عن غيرها، وأى تطوير غير ضرورى لهذه القدرات هو فى الحقيقة إنقاص من قدراته الحقيقية وتحجيم لها.النص الأصلي ...قراءة المزيد

الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال: