لمحمد حسنين هيكل
...
اليوم السابع
2024-03-09
وجهت مؤسسة الأهرام وباسم مجلة "الطليعة" التى تصدرها دعوة إلى الفيلسوف الفرنسى الشهير "سارتر" وصديقته الكاتبة سيمون دى بوفوار" لزيارة مصر، وفقا لمحمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام وقتئذ فى كتابه "الانفجار"، مضيفا: "كان الزائران وقتها طليعة حركة التجدد الثورى فى فرنسا وأروبا، فضلا عن أن سارتر كان مؤسس المدرسة الوجودية فى الفلسفة، و"دى بوفوار" حليفه الضخم فى معركة إعادة اكتشاف وتجديد حيوية المجتمعات الأوربية فترة منتصف الستينيات وما حولها". تمت الدعوة باسم توفيق الحكيم كأكبر مفكر سنا وقدرا كما رأت الأهرام، وفقا للكاتبة الصحفية "عايدة الشريف" فى كتابها "شاهدة ربع قرن"، مضيفة، أن لطفى الخولى رئيس تحرير الطليعة كان المشرف على الزيارة، وكان هناك ضيفا ثالثا وهو "لانزمان" الكاتب اليهودى الشيوعى صديق إسرائيل. استمرت زيارة سارتر 16 يوما، وفى 9 مارس "مثل هذا اليوم 1967" كان اللقاء مع جمال عبد الناصر بحضور هيكل، وتكشف "الشريف"، أن اللقاء كان سيقتصر على سارتر وسيمون، وفجأة أعلن عبدالناصر أنه لا ضير أن يكون معهم لانزمان، لكن تم التخلص من صوره حيث ذهب إلى اللقاء بقميص مفتوح، وكانت يده فى جيبه يراقب الحوارات ولا يشارك فيها، ويجلس وساقه فوق الأخرى، ولم يأبه عبدالناصر إلى هذه التصرفات، لكن المشرفون على الزيارة رأوا أنه لا داعى لنشر صوره التى تؤكد "أن كرمنا العربى المتساهل تجاه مثل هذا الشخصيات المتعجرفة يورطنا". يكشف هيكل، عن محضر اللقاء، مشيرا إلى أن صفحته الأولى تسجل أن سارتر قال، إنه لم يكن يعرف الكثير عن الثورة المصرية، وما يعرفه كان أكثره من مصادر إسرائيلية وغربية قد تكون معادية لمصر، ويستطيع أن يشهد بهذا العداء بعد أن رأى ما رأى، لكنه يرى من واجبه أن يثير موضوعا آخر يتعلق بحقوق الإنسان، فمنذ أن وصل تلقى فى فندقه خطابات يشكو أصحابها من ضغط واقع عليهم. رد عبدالناصر: "لست فى حاجة إلى أن أطلب من أجهزة الأمن أن يبحثوا لى عن مرسلى هذه الخطابات، فأنت وأنا نستطيع أن نتصور نوع الناس الذين يعرفون فى مصر عنك وعن السيدة سيمون دى بوفوار، بالطبع أنهم الطبقة التى تقرأ الفرنسية أوغيرها من اللغات الأجنبية وتتابع الأدب العالمي، وأنا لا ألومهم إذا وجدوا سببا لأن يكتبوا إليك، أستطيع وتستطيع معى أن تقطع أنهم من كبار الملاك السابقين، وقد حددنا ملكياتهم ولا أظنهم يحبون ذلك أو يقبلونه، وهم لا يستطيعون وقف حركة الثورة، وبالتالى لا مانع عندهم من أن يشتكوا إلى كل من يتصورون أنه قادر على سماع صوتهم وعلى إسماعه، فهذه هى الطبيعة الإنسانية وأنا أفهمها، ولكنى فى الوقت الذى أرى فيه دموع الأغنياء لا بد أن أتذكر قهر الأغلبية التى كانت غريبة فى وطنها لا تملك فيه شيئا". أضاف عبدالناصر فى الصفحة الثالثة:"أن الناس بالطبيعة محافظون، والملكية غريزة طبيعية فى الإنسان، فإذا أردت أن تقوم بتغيير فى أوضاع الملكية فإنك لا تصطدم فقط بالغريزة الطبيعية لدى الذين تمسهم إجراءتك فحسب، وإنما تصطدم بالغريزة الطبيعية لكثيرين ليسوا الآن من كبار الملاك، ولكنهم يحلمون كذلك فى يوم من الأيام". سألت "دى بوفوار" عن تعليم المرأة وتعدد الزوجات وتأثير الدين فى المجتمع وزيادة السكان، فقال عبدالناصر: "لا أريدك أن تأخذى بمقولة أن الإسلام يمكن أن يكون عائقا للتطور، فميزة الإسلام أنه دين مفتوح على كل العصور وكل مراحل التطور، وأنا دائما أنقل عن النبى محمد قوله داعيا الناس إزاء مستجدات العصور: "أنتم أعلم بشئون دنياكم"، وبالنسبة لتعدد الزوجات، لا أرى أن الإسلام يتركها رخصة مفتوحة وإنما مقيدة بشروط تجعل التعدد صعبا بل تكاد تجعله مستحيلا، والدليل على ذلك ما نراه عمليا أمامنا ومؤداه أن ظاهرة تعدد الزوجات تتلاشى تدريجيا فى المجتمع المصري". سأل سارتر عن إسرائيل، وقال: "هناك مجموعات فى إسرائيل خصوصا من اليسار يتفهمون قضية الشعب الفلسطيني"، فرد عبدالناصر: الموضوع ليس مشكلة تفهم، وإنما يتلخص فى مشكلتين: الأولي، الهجرة لإسرائيل، وباستمرار الهجرة لن تتسع إسرائيل للقادمين إليها وستلجأ للتوسع، وهنا يؤدى إلى الحرب، والمشكلة الثانية أنه إذا كان هناك من يتفهم مشكلة الشعب الفلسطينى كما تقول من اليسار الإسرائيلي، فلا أظن أن لديهم ما هو أكثر من الألفاظ والتعاطف بها، لأن أهم حقوق الشعب الفلسطينى هى حق العودة، فإذا عادوا فسيصبحون أغلبية، وعندئذ تذوب فكرة دولة إسرائيل. وسأل سارتر عن القضية الرئيسية التى تشغله أكثر من غيرها وهى "الشباب"، فأجاب عبدالناصر:"العالم كله يحاول إخراج الشباب من السياسة ويحاولون إلهاءهم بأنواع من الرقص الجديد، ويحاولون توجيه اهتمامهم إلى الرياضة، وأنا أرى ذلك خطرا كبيرا، القضية التى أتمنى أن أركز عليها هى أن يشعر الشباب أن السياسة هى عملية صنع المستقبل". ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2016-10-22
استقل رئيس الوزراء الإسرائيلى «بن جوريون» طائرة فرنسية من مطار صغير قرب تل أبيب، متوجهًا إلى باريس تحت جنح الظلام فى مثل هذا اليوم «22 أكتوبر 1956». تمت الزيارة فى سياق الترتيبات السرية التى كان يتم بحثها فى باريس ولندن للعدوان على مصر بسبب قرار جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس يوم 26 يوليو 1956، وكان لإسرائيل دور رئيسى فى هذه الترتيبات، ووفقًا لمحمد حسنين هيكل فى كتابه «ملفات السويس» فإن «بن جوريون» اصطحب فى رحلته إلى باريس كل من «موشى ديان» و«شيمون بيريز» و«موردخاى أون» مدير مكتبه، ونزلوا سرًا فى مطار «فيلا كوبلاى» قرب «سيفر»، ومساء نفس اليوم عقد «بن جوريون» ووفده أول اجتماع مع الجانب الفرنسى الذى ضم «جى موليه» رئيس الوزراء، و«كريستان بينو» وزير الخارجية، و«برجيس مانورى» وزير الدفاع الذى طلب فى بداية الاجتماع من «بن جوريون» تقييمًا للموقف فى الشرق الأوسط. طبقًا لمذكرات «ديان» و«بيريز» الذى ينقل عنهما «هيكل» وقائع الاجتماع، فإن «بن جوريون» بدأ بشرح عام للموقف فى الشرق الأوسط وعن العداء العربى لإسرائيل، وعن روح الحرب العربية، التى أثارها جمال عبدالناصر وأشعلها بدعوته إلى القومية، ثم أشار إلى صفقة السلاح السرية مع الاتحاد السوفيتى «27 سبتمبر 1955»، وإلى غارات الفدائيين فى عمق إسرائيل وتحكم مصر فى الممرات المائية للمنطقة، وانتهى إلى القول بأن ذلك يضع إسرائيل أمام موقف بالغ الخطورة، ويحتم عليها المبادرة إلى العمل قبل أن يستوعب الجيش المصرى سلاحه الجديد، ثم أوضح أن إسرائيل كانت على استعداد للعمل وحدها إذا اقتضى الأمر، ولكن تقديرها كان أنها سوف تتعرض لخسائر فادحة إذا أقدمت على ذلك، وكانت مستعدة لهذه الخسائر تدفعها ضريبة تقيها خطر التدمير الكامل إذا ما اتمت مصر استعدادها ومن حسن الحظ أن إسرائيل وجدت الآن حليفا قويا هو فرنسا. عرض «بن جوريون» خطته ووفقًا لمذكرات «بيريز» فإنه قال: «لدى خطة بشأن الشرق الأوسط، وقد تبدو لكم خيالية، إذا استطعنا ضرب ناصر ووضعنا القناة تحت إشراف دولى وتمكنت إسرائيل من السيطرة على مشارف إيلات «منطقة طابا» وتم تجريد سيناء من السلاح فإن الموازين كلها سوف تنقلب فى الشرق الأوسط عن طريق إسرائيل ولبنان، ويتحقق كسب للغرب بأسره بما فى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية ويتم وقف التوغل السوفيتى فى هذا الجزء من العالم، ويستعيد الإنجليز نفوذهم فى العراق ويضمنون مواردهم البترولية». واصل «بن جوريون» كلامه: «إن ناصر يزداد قوة والسوفيت يعززون نفوذهم فى المنطقة ولعلنا نستطيع فى النهاية إقناع الولايات المتحدة بتأييد عمل مشترك، أما فيما يتعلق بالمشاركة البريطانية، فإن أى تأخير بعد الآن ربما كان مميتًا، وإنى أعرف «إيدن» رئيس وزراء بريطانيا، شخصيًا وأنا أثق مطلق الثقة من أنه متحمس للعمل المشترك وليست لديه أهداف مزدوجة، ولكن موقفه المحلى آخذ فى التدهور». مما هو لافت فى الاجتماع ومثير للسخرية حديث «بن جوريون» عما أسماه بـ«الاعتبارات الأخلاقية للحرب»، وتكمن المفارقة هنا فى أنه يبحث كيفية شن عدوان على مصر دون وجه حق، وفى نفس الوقت يتحدث عن «الأخلاق»، ولكن من وجهة نظره، فحسب «هيكل» نقلًا عن «مذكرات ديان وبيريز» تحدث «بن جوريون» عن مخاوفه من أن يبعث الاتحاد السوفيتى من إرسال آلاف المتطوعين إلى الشرق الأوسط فى حال نشوب الحرب، وبدأ يثير نقطة لم تخطر على البال، فقال: «إنى أريد أن أطرح الاعتبارات الأخلاقية هنا، فالخطة العسكرية، التى رأيتها لا تدخل فى الحساب وجهة النظر الأخلاقية، وإذا بدأت إسرائيل الحرب فسوف تدفع بأنها دولة معتدية والعالم لا يحب العدوان، ونحن لا نستطيع مواجهته بمفردنا، ولذلك فلابد أن تدخلوا معنا فى نفس التوقيت حتى لا ينصب اللوم علينا وحدنا، نحن نقترح القيام بعمل تعاونى، وإذا وافقتم فسوف نبدأ غدا إذا أردتم، وفى الوقت الذى نتحمل فيه العبء البرى فإن عليكم أن تتحملوا أنتم والبريطانيون مسؤولية الجو». اختتم «بن جوريون» كلامه: «دعونا نضع خطة ثلاثية يوقع الإنجليز عليها وننطلق لتنفيذها الأسبوع المقبل وسوف نتمكن من الانتهاء منها بسرعة ويعود جنودكم إلى ديارهم قبل عيد الميلاد». ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2020-05-14
أخرج الرئيس السادات ورقة من بين أوراقه، قال إنها خطاب وصله من فتاة قبطية صغيرة، وراح يقرأ منه: يا أبى، إننى أشعر أنك غاضب، وأنا أقدم روحى فداء لك، وأتمنى لواستطعت أن أضيف بكل سنوات ما تبقى من عمرى إلى عمرك لكى تعيش دائما لنا. طوى السادات هذا الخطاب وناوله إلى رئيس مجلس الشعب «البرلمان» الدكتور صوفى أبو طالب، ليحتفظ به المجلس كوثيقة ثم أضاف: حينما قرأت هذا الخطاب من ابنتى القبطية غيرت رأيى، وقررت العدول عما كنت أنتويه. ذكر السادات قصة الفتاة أثناء إلقاء خطابه أمام مجلس الشعب يوم 14 مايو مثل هذا اليوم عام 1981، فى ذكرى ما كان يسميها بـ«ثورة التصحيح»، وهى المناسبة التى شهدت صراعا على السلطة بينه وبين كبار المسؤولين والوزراء وقيادات الاتحاد الاشتراكى ممن عملوا بجوار جمال عبد الناصر، وانتهت بالقبض عليه وإيداعهم السجن، وشن فى هذا الخطاب هجوما كاسحا ضد البابا شنودة، بابا الكنيسة الأرثوذكسية، وكانت مصر تشهد وقتئذ تصاعدا فى الفتنة الطائفية، بفضل تصاعد وانتشار جماعة الإرهاب ممثلة فى «الإخوان» و«الجماعة الإسلامية»، و«تنظيم الجهاد»، وكانت جميعها ترفع شعار «تطبيق الشريعة الإسلامية»، مما دفع البابا شنودة إلى إلقاء خطاب غاضب يوم 26 مارس 1981 عارض فيه أن تكون الشريعة الإسلامية أساسا لقوانين تطبق على غير المسلمين، وأبدى مخاوفه من أن «الدين يوشك أن يحل محل الوطنية»، طبقا لمحمد حسنين هيكل فى كتابه «خريف الغضب»، مضيفا، أن البابا أعلن أن صلوات عيد القيامة لهذه السنة لن تقام كنوع من الاحتجاج على إهمال ما تقدم به الأقباط من طلبات، وعوضا عن حضور قداسات الجمعة الحزينة، قرر البابا أنه سيذهب ومعه الأساقفة إلى أحد الأديرة فى الصحراء يصلون من أجل الخلاص مما يعانونه من ضغط ،وأصدر أمره إلى كل رجال الكنيسة بألا يتقبلوا التهانى بعيد القيامة من أى مسؤول رسمى تبعث به الدولة لتهنئة الأقباط بهذا العيد، كما جرى التقليد من قبل. قرر السادات أن يدخل فى مواجهة مع البابا، ففتح النار عليه فى خطابه بمجلس الشعب، وقال حسب نص الخطاب، إنه لديه معلومات عن المطامع السياسية للبابا شنودة، فهو يريد أن يكون زعيما سياسيا للأقباط فى مصر، ولا يريد أن يكتفى برئاسته الدينية لهم»، ثم أضاف: عندى تقارير بأن البابا يعمل من أجل إنشاء دولة للأقباط فى صعيد مصر تكون عاصمتها أسيوط، والبابا يجب أن يعلم أننى رئيس مسلم لدولة مسلمة، وتساءل: لقد طلب تصريحا بـ25 كنيسة فى السنة، وأعطيته تصريحا بخمسين، فماذا يريد؟. وانتقل من الهجوم على البابا إلى ما يمكن اعتباره هجوما على الأقباط عموما بقوله: إن هناك أدلة على أن الفلسطينيين الذين يحاربون فى لبنان قد أسروا ثلاثة من الأقباط الذين يحاربون فى صفوف المليشيات المارونية فى لبنان، وكان لهذا الاتهام تحديدا أبعاده الخطيرة، حيث كانت الحرب الأهلية فى لبنان على أشدها، وكانت المليشيات المسيحية المارونية متهمة بالعمالة لإسرائيل، وارتكابها لمجازر ضد الفلسطينيين فى لبنان . وصل السادات إلى تهديده قائلا: إنه كان على وشك اتخاذ إجراء عنيف فى الموضوع لولا أن خطابا وصله من فتاة قبطية صغيرة تلتمس فيه عطفه وتناشد صبره، وأخرج ورقة من ملف أمامه قال أنها الخطاب وراح يقرأ منه، ثم قال فى نهايته، أنه غير رأيه بعد أن قرأ هذا الخطاب، ووفقا لـ«هيكل»، فإن السادات بعد خطابه ذهب إلى استراحة الرئيس فى مبنى مجلس الشعب، وأقبل عليه بعض مساعديه وأنصاره، وكان الفضول يتملكهم لكى يعرفوا ما هو الإجراء الذى كان ينوى اتخاذه ضد البابا شنودة ثم عدل عنه بسبب الخطاب الذى جاءه من «ابنته القبطية»، وكان رده: كان قرارى أن أطرده «يقصد البابا»، وتمتم أحدهم: ولكن ذلك غير ممكن يا سيادة الرئيس لأنه ليس هناك قانون يعطى رئيس الدولة هذه السلطة، وكان رد السادات: لم أكن أنوى طرده بقرار منى، كان الشعب هو الذى سيقرر ذلك عن طريق الاستفتاء على هذا الموضوع. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2016-12-28
كان وزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر يفكر فيما سمعه من الرئيس السادات فى اجتماعهما فى «قصر الطاهرة» بالقاهرة يوم 7 نوفمبر 1973. كانت زيارة كيسنجر هى الأولى له لمصر، وكانت بعد أيام من وقف إطلاق النار على جبهات القتال بين مصر وسوريا ضد إسرائيل فى حرب «6 أكتوبر 1973» التى شهدت قراراً عربياً بحظر تصدير البترول إلى أمريكا والدول الغربية المؤيدة لإسرائيل، ووفقاً لمحمد حسنين هيكل فى كتابه «أكتوبر 1973 - السلاح والسياسة»، فإن بحث قرار الحظر كان من أهم القضايا التى أثيرت فى لقاء كيسنجر والسادات، وقال كيسنجر فيه: «الموضوع الذى يجب أن تراجعوا أنفسكم فيه جدياً هو حظر البترول، فالولايات المتحدة لن تقبل اقتصادياً أو سياسياً أو أدبياً أن يحدث تمييز ضدها، خصوصاً بشأن مادة حيوية مثل البترول، وإذا استمر الحظر على أمريكا فإن الشعب الأمريكى سوف ينسى الحرب وأطرافها، سواء فى ذلك العرب وإسرائيل، وسوف يتذكر فقط طوابير الرافضين أمام محطات البنزين، وساعتها سوف ينصب غضبه كله عليكم، عليكم أن تفهموا أن حظر البترول يسبب لنا «وجعاً» لكنه جرح ينزف». وأوضح «كيسنجر» بكلمات لا تخلو من تهديد: «هناك أصوات كثيرة تطالبنا باحتلال منابع البترول أو بعضها - أبوظبى مثلاً - بالقوة ووزارة الدفاع أعدت خططاً بالفعل لمثل هذه الطوارئ، وحتى الآن فأنا أتخذ موقف المعارضة من هذه الخطط، لكنه ستجىء لحظة أضطر فيها إلى رفع الفيتو الذى أضعه حتى الآن على إمكانية العمل العسكرى، إن احتكار الطاقة لن يظل معكم لزمن طويل، وفيما بين خمس وعشر سنوات فإننا سوف نتوصل إلى بدائل أخرى للبترول، والأفضل لكم ألا تستغلوا وضعكم الاحتكارى الراهن بدون نظر للمستقبل». أثار «كيسنجر» القضية فى زيارة «7 نوفمبر»، وبعث خطاباً بخصوصها إلى السادات يوم «28 ديسمبر 1973» فى مثل هذا اليوم، ويأتى «هيكل» بنصه فى كتاب «حرب الخليج وأوهام القوة والنصر»: «عزيزى الرئيس: أنك تتذكر أننا فى اجتماعنا الأخير ناقشنا كل جوانب الموقف بما فى ذلك ضرورة رفع الحظر البترولى على الولايات المتحدة، وحينما تحدثنا فى هذا الشأن فإننى منعت نفسى من أن أسألكم مباشرة، وبشكل قاطع أن تقوموا بالعمل على رفع الحظر، وقد فضلت أن أبدأ أولا بمناقشة تفاصيل مسألة فك الاشتباك بين مصر وإسرائيل، ولقد فعلت ذلك الآن أثناء زيارتى للقدس، وسوف أقابل ديان فى الأسبوع القادم لمزيد من المناقشات حول هذا الموضوع، ولهذا فأنا أسمح لنفسى أن أعود الآن لأناقش معك موضوع البترول، إننى أقول لك بمنتهى الصراحة إن استمرار الحظر على الولايات المتحدة يدعونى إلى التساؤل عما إذا كان فى استطاعتى أن أقوم بالدور الذى يمكن أن أقوم به فى المسائل التى ناقشناها أنا وأنت باستفاضة، وأعتقد أنه فى مصلحتنا المشتركة أن نبدأ سويا السير على الخط السياسى الجديد الذى ناقشناه معا فى اجتماعنا، وأنا على استعداد لذلك، ولكنى لا أستطيع طالما أن الحظر قائم يمس بالمصالح الجوهرية للسياسة الأمريكية وبهيبة الرئيس نيكسون». فى نفس اليوم تلقى السادات خطاباً من نيكسون، قال فيه: «يا عزيزى الرئيس إنه ما لم يرفع الحظر، وما لم ترفع القيود الموضوعة على إنتاج البترول فلن يكون فى وسعى عمل شىء». رد السادات على كيسنجر ونيكسون، وفى رده على نيكسون قال: «بذلت كل جهد فى استطاعتى لرفع هذا التمييز ضد الولايات المتحدة، واتصلت بالملك فيصل كما اتصلت بالبحرين وأبوظبى وقطر وكلهم وافقوا، كما وافقت الكويت وإن كانوا يأملون أن تتمكنوا أثناء حديثكم المنتظر إلى الكونجرس من الإشارة إلى أن الولايات المتحدة ملتزمة بالتطبيق الكامل لقرارات مجلس الأمن، وهم فى الكويت يريدون ذلك لأن هناك جالية كبيرة من الفلسطينيين تعيش فيها، وسوف أبعث بمسؤول خاص إلى الجزائر، ولا أتوقع أن يقفوا فى طريق رفع الحظر، وأثق أن وزراء البترول العرب الذين سيجتمعون فى طرابلس يوم 14 فبراير 1974 سيعطون التأييد الرسمى لقرار رفع الحظر، وسيتقدم وزير البترول المصرى بمشروع الاقتراح رسمياً فى هذا الاجتماع»، وهذا ما حدث. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2022-04-16
انطلقت حركة التحرير الوطنى الفلسطينى «فتح» فى 1 يناير 1965، بقيادة ياسر عرفات، الذى لم يكن معروفا بهذا الاسم، وإنما باسمه الحركى، أبوعمار، وفى 16 إبريل، مثل هذا اليوم، 1968، قررت الحركة رفع السرية عن اسمه الحقيقى، حسبما تذكر «الأهرام»، فى 17 إبريل 1968. تقول «الأهرام» فى تقريرها بالصفحة الأولى، إن قيادة حركة التحرير الفلسطينى، أعلنت أمس 16 إبريل 1968، أنها اختارت ياسر عرفات متحدثا رسميا باسم الحركة، وممثلا لها على كل المستويات الرسمية والشعبية والتنظيمية والمالية والإعلامية، تضيف: اعتبرت الدوائر العربية هذا الإعلان بمثابة قرار من الحركة، التى تعرف باسم منظمة «فتح» بالخروج إلى دائرة الضوء، وكشف اسم زعيمها الذى لم يكن معروفا من قبل إلا باسمه الحركى «أبوعمار» مثل بقية قادة المنظمة، التى عملت منذ 1965، فى نطاق من السرية والكتمان الشديدين. تقدم «الأهرام» نبذة مختصرة عن «عرفات» قائلة، إنه أنشأ منظمة فتح فى أوائل 1965، وأنشأ جناحها العسكرى المعروف باسم قوات العاصفة، التى قاد عملياتها بنفسه داخل الأراضى المغتصبة، كما سبق له أن اشترك فى معركة «القنال» عام 1956، ضمن قوات المقاومة الشعبية، وهو من أبناء مدينة القدس، وحصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة القاهرة ثم تلقى تدريبه فيما بعد عسكريا فى الكلية الحربية المصرية، تضيف «الأهرام»: قائد أكبر منظمات المقاومة العربية أعزب فى الثامنة والثلاثين من عمره، يؤثر العمل على الكلام، ويبتعد عن دائرة الضوء كلما أمكنه ذلك، وهو فى حركة دائمة يتنقل بسرعة خاطفة بين مركزه فى الجبهة وبين بعض العواصم العربية. تنقل الأهرام تصريحات له فور الإعلان عن اسمه قال فيها، إن كشف اسمه لا يستهدف إصدار التصريحات، لأن المعركة تحتاج إلى العمل والدم. جاءت هذه الخطوة بعد شهور قليلة من أول لقاء بين جمال عبدالناصر بمنزله بمنشية البكرى، وقادة «فتح» الثلاث، «ياسر عرفات، وصلاح خلف، وفاروق قدومى» فى أكتوبر 1967، وفقا لمحمد حسنين هيكل، الذى حاضر اللقاء، وكان مهندسه، يذكر فى الجزء الثالث من كتابه «المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل - سلام الأوهام»: وعد الرئيس جمال عبدالناصر قادة حركة فتح الفلسطينية بتقديم كل المساعدات الممكنة فى مقابل مطلب واحد وهو «أن تنطلق ولو رصاصة واحدة كل يوم فى الأرض المحتلة، بحيث يسمع صوتها، ويذيع خبرها، ويكون من ذلك رمزا لوجود مقاومة فلسطينية فى الأرض المحتلة». يتذكر صلاح خلف «أبوإياد» فى مذكراته «فلسطينى بلا هوية»: «بعد أن أصغى عبدالناصر إلينا باهتمام كبير، فضت هذه المباحثات التى دامت أكثر من 5 ساعات إلى نتائج ملموسة، فقد عبر لنا بأنه سيقدم الأسلحة ويؤمن تدريب الفدائيين، ثم أضاف أنه ليس لدى مصر الوسائل لتزويدنا بمعونة مالية، وأوصانا بأن نعمد إلى الملك فيصل «ملك السعودية» فى هذا الموضوع». حدث ذلك قبل أن يتم الكشف عن اسم ياسر عرفات، وبعد الكشف عنه، ضمه عبدالناصر إلى الوفد المرافق له فى زيارة موسكو، 4 يوليو 1968. كان الفريق أول محمد فوزى، وزير الحربية ضمن هذا الوفد، ويؤكد فى مذكراته حرب الثلاث سنوات 1967-1970: «صاحب الوفد المصرى، ياسر عرفات الذى قدمه الرئيس عبدالناصر إلى القيادة السوفيتية لأول مرة»، ويذكر محمود رياض وزير الخارجية، فى الجزء الأول من مذكراته «البحث عن السلام.. والصراع فى الشرق الأوسط»: «فى تلك الزيارة، اصطحب عبدالناصر، ياسر عرفات، وقدمه إلى القادة السوفيت لأول مرة، الذين وعدوه بمساندته وتقديم العون له»، يؤكد هيكل فى كتابه «المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل»: كان ضروريا فى هذه المرحلة تقديم منظمة التحرير الفلسطينية إلى المجتمع الدولى، لكى تكتسب شرعية قبول الرأى العام العالمى، وكان لا بد أن تمارس هذه العملية بطريقة محسوبة، وجرى إلحاق «عرفات» بالوفد المصرى، تحت وصف «مستشار للوفد» بجواز سفر مصرى لمهمة باسم «عبدالفتاح إبراهيم»، وكان الهدف من الاسم المستعار، ألا تنتبه إسرائيل إلى عملية إقامة اتصال بين منظمة التحرير والاتحاد السوفيتى وقيادته. غير أن «يفجينى بريماكوف»، مراسل جريدة البرافدا السوفيتية فى القاهرة وقتئذ، ورئيس الوزراء الروسى فيما بعد، يذكر فى مذكراته «الكواليس السرية للشرق الأوسط» ترجمة «نبيل رشوان»: اعتبر عرفات عضوا فى الوفد المصرى بجواز سفر دبلوماسى باسم «محسن أمين»، وقدمه ناصر للقادة السوفيت بوضعه الحقيقى. استجابت القيادة السوفيتية لطلب عبدالناصر بتقديم المساعدات لعرفات. يؤكد هيكل أن قيمتها وصلت إلى نصف مليون روبل، وشملت أسلحة منها، مدافع مضادة للطائرات، وأكد السفير السوفيتى فينوجرادوف لهيكل، أنه لولا تدخل عبدالناصر لما فكرت القيادة السوفيتية فى التعامل مع عرفات وزملائه، يؤكد الفريق فوزى، أن صفقة هذه الأسلحة قُدرت بنصف المليون دولار. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال: