طبرستان
طَبَرِستَان أو بِلَادِ الطَبَرِ هو إقليم عرفه العرب والفرس والترك باسمه منذ القرون القديمة، وهو يَقع في شمال دولة إيران وفي جنوب غرب دولة تركمانستان...
الشروق
2025-03-13
اكتمل الوحي الإلهي بقول الله -تعالى- في سورة المائدة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، وذلك يوم عرفة في حجة الوداع للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ليكون الإسلام دينًا مكتمل الأركان، مستندًا إلى كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-. وبعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، حمل العلماء على عاتقهم مسؤولية فهم الدين واستنباط الأحكام، فكان الاجتهاد بابًا واسعًا أثرى الأمة بعلوم شتى، وعلى مدار أكثر من ألف عام ظهر تراث إسلامي زاخر بالكتب في التفسير، والحديث، والسيرة، والفقه، وغيرها من العلوم الشرعية. وفي هذه السلسلة، نطوف معًا بين رفوف "المكتبة الإسلامية"، نستكشف في كل حلقة كتابًا أثرى الفكر الإسلامي، ونتأمل معانيه وأثره في مسيرة العلم والدين. الحلقة الثالثة عشرة.. من هو الإمام الطبري؟ هو محمد بن جرير بن يزيد بن خالد بن كثير أبو جعفر الطبري، وُلد في بغداد سنة 224هـ وتوفي سنة 310هـ. كان عالمًا فذًا، واسع الرواية، بصيرًا بالنقل والترجيح بين الروايات، وله باع طويل في تاريخ الرجال وأخبار الأمم، وفقًا لما ورد في كتاب "مباحث في علوم القرآن". رحلته في طلب العلم منذ صغره، كان الإمام الطبري محبًا للعلم وشغوفًا به، فلم يكتفِ بالبقاء في موطنه، بل بدأ رحلته العلمية في طلب العلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة، متنقلًا بين الأقاليم والبلدان، باحثًا عن المعرفة. بدأ رحلته من بلاد فارس، حيث انتقل بين مدن طبرستان، ثم الري وما جاورها، ليتلقى العلوم على يد علمائها في الحديث، واللغة، والتاريخ، والتفسير. وقد أشار الإمام الطبري بنفسه إلى سعيه الحثيث في طلب العلم، قائلًا: "كنا نكتب عند محمد بن حميد الرازي، فيخرج إلينا في الليل مرات، ويسأل عما كتبناه ويقرؤه علينا. وكنا نمضي إلى أحمد بن حماد الدولابي، وكان في قرية من قرى الري بينها وبين الري قطعة، ثم نعدو كالمجانين حتى نصير إلى ابن حميد فنلحق مجلسه". بعد أن استوفى علمه في فارس، طمح الإمام الطبري إلى الأخذ عن الإمام أحمد بن حنبل، فتوجه إلى بغداد، التي كانت آنذاك حاضرة العلم وموطن العلماء، إلا أن أحمد بن حنبل توفي قبل وصوله إليها. لكن ذلك لم يثنِ عزيمته، فأقام في بغداد وأخذ عن كبار شيوخها علوم الفقه والحديث، مستكملًا بذلك رحلته العلمية الغنية، التي جعلت منه إمامًا في التفسير، والحديث، والفقه، والتاريخ، وفقًا لمعجم الأدباء للحموي. ورعه وزهده عُرف الإمام الطبري بورعه وزهده في الدنيا، فكان شديد التوقي والحذر مما ينافي التدين والورع. كان عفيفًا، أبيّ النفس، عزيز الهمة، فلم يسعَ وراء الدنيا ولم يتكالب على مناصبها. اعتمد في معيشته على حصته من مزرعة ورثها عن والده في طبرستان، بل كان يبيع ثيابه أحيانًا ليتقوت بثمنها، ومع ذلك لم يمد يده إلى أحد، ولم يقبل عطايا الحكام، وفقًا لما نشرته مجلة الأزهر الشريف. دفعه ورعه وإباؤه إلى رفض تولي القضاء، كما رفض جوائز الأمراء وهدايا الوزراء، معتبرًا أن ذلك قد يُخل باستقلالية العالم ومكانته. يقول النووي عنه: "أجمعت الأمة على أنه لم يُصنَّف مثل تفسير الطبري". أما ابن تيمية، فيرى أن تفسير الطبري هو "أصح التفاسير التي بين أيدي الناس". تفسير الطبري.. مرجع علمي للتفسير بالمأثور يُعد تفسير الطبري، المعروف باسم "جامع البيان عن تأويل آي القرآن"، أحد أعظم وأقدم التفاسير الإسلامية، حيث يُعتبر المرجع الأهم في التفسير بالمأثور. وضع الإمام الطبري منهجًا فريدًا جعله أساسًا لكل التفاسير التي جاءت بعده، حيث اعتمد على تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالسنة، ثم بأقوال الصحابة والتابعين، مع تحليل لغوي دقيق، والرجوع إلى القراءات المختلفة، وفقًا لما ورد في كتاب "البرهان في علوم القرآن". كان الطبري يحتكم كثيرًا في تفسيره عند الترجيح والاختيار إلى المعروف من كلام العرب، معتمدًا على أشعارهم، وراجعًا إلى مذاهبهم النحوية واللغوية، ليصبح كتابه مرجعًا أساسيًا في تفسير القرآن عبر العصور. اقرأ أيضا: المكتبة الإسلامية (12).. الفقه الأكبر أسس العقيدة كما شرحها الإمام أبو حنيفة ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2023-07-04
وقعت فى سنة 255 هجرية العديد من الأحداث المهمة منها موت الخليفة العباسي المعتز، وموت المفكر الإسلامى الجاحظ، فما الذي يقوله التراث الإسلامي؟ يقول كتاب البداية والنهاية للحافظ بن كثير، تحت عنوان "ثم دخلت سنة خمس وخمسين ومائتين": فيها كانت وقعة بين مفلح وبين الحسن بن زيد الطالبي، فهزمه مفلح ودخل آمل طبرستان، وحرق منازل الحسن بن زيد، ثم سار وراءه إلى الديلم. وفيها كانت محاربة شديدة بين يعقوب بن الليث وبين علي بن الحسين بن قريش بن شبل، فبعث علي بن الحسين رجلا من جهته يقال له: طوق بن المغلس، فصابره أكثر من شهر ثم ظفر يعقوب بطوق فأسره فأسر وجوه أصحابه، ثم سار إلى علي بن الحسين هذا فأسره وأخذ بلاده - وهي كرمان - فأضافها إلى ما بيده من مملكة خراسان سجستان، ثم بعث يعقوب بن الليث بهدية سنية إلى المعتز: دواب وبازات وثياب فاخرة. وفيها ولى الخليفة سليمان بن عبد الله بن طاهر نيابة بغداد والسواد في ربيع الأول منها. وفيها أخذ صالح بن وصيف أحمد بن إسرائيل كاتب المعتز، والحسن بن مخلد كاتب قبيحة أم المعتز، وأبا نوح عيسى بن إبراهيم، وكانوا قد تمالؤوا على أكل بيت المال، وكانوا دواوين وغيرهم، فضربهم وأخذ خطوطهم بأموال جزيلة يحملونها، وذلك بغير رضى من المعتز في الباطن، واحتيط على أموالهم وحواصلهم وضياعهم وسموا الكتاب الخونة، وولى الخليفة عن قهر غيرهم. وفي رجب منها ظهر عيسى بن جعفر، وعلي بن زيد الحسنيان بالكوفة، وقتلا بها عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى واستفحل أمرهما بها. موت الخليفة المعتز بن المتوكل ولثلاث بقين من رجب من هذه السنة خلع الخليفة المعتز بالله، ولليلتين مضتا من شعبان أظهر موته. وكان سبب خلعه: أن الجند اجتمعوا فطلبوا منه أرزاقهم فلم يكن عنده ما يعطيهم، فاجتمع الأتراك على خلعه فأرسلوا إليه ليخرج إليهم، فاعتذر بأنه قد شرب دواء وأن عنده ضعفا، ولكن ليدخل إلي بعضكم. فدخل إليه بعض الأمراء فتناولوه بالدبابيس يضربونه وجروا برجله، وأخرجوه وعليه قميص مخرق ملطخ بالدم، فأقاموه في وسط دار الخلافة في حر شديد حتى جعل يراوح بين رجليه من شدة الحر، وجعل بعضهم يلطمه وهو يبكي ويقول له الضارب: اخلعها والناس مجتمعون، ثم أدخلوه حجرة مضيقا عليه فيها. وما زالوا عليه بأنواع العذاب حتى خلع نفسه من الخلافة وولى بعده المهتدي بالله كما سيأتي. ثم سلموه إلى من يسومه سوء العذاب بأنواع المثلات، ومنع من الطعام والشراب ثلاثة أيام، حتى جعل يطلب شربة من ماء البئر فلم يسق، ثم أدخلوه سربا فيه جص جير فدسوه فيه فأصبح ميتا، فاستلوه من الجص سليم الجسد، وأشهدوا عليه جماعة من الأعيان أنه مات وليس به أثر، وكان ذلك في اليوم الثاني من شعبان من هذه السنة، وكان يوم السبت، وصلى عليه المهتدي بالله، ودفن مع أخيه المنتصر إلى جانب قصر الصوامع، عن أربع وعشرين سنة. وكانت خلافته أربع سنين وستة أشهر وثلاثة وعشرين يوما. وكان طويلا جسيما وسيما، أقنى الأنف، مدور الوجه، حسن الضحك، أبيض أسود الشعر مجعدة، كثيف اللحية، حسن العينين، ضيق الحاجبين، أحمر الوجه، وقد أثنى عليه الإمام أحمد في جودة ذهنه، وحسن فهمه وأدبه، حين دخل عليه في حياة أبيه المتوكل. وروى الخطيب عن علي بن حرب قال: دخلت على المعتز فما رأيت خليفة أحسن وجها منه، فلما رأيته سجدت فقال: يا شيخ تسجد لغير الله؟ فقلت: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل، ثنا بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة، عن أبيه، عن جده أن رسول الله ﷺ كان إذا رأى ما يفرح به أو بشر بما يسره سجد شكرا لله عز وجل. وذكر ابن عساكر: أن المعتز لما حذق القرآن في حياة أبيه المتوكل، اجتمع أبوه والأمراء لذلك وكذلك الكبراء والرؤساء بسر من رأى، واختلفوا لذلك أياما عديدة، وجرت أحوال عظيمة. ولما جلس وهو صبي على المنبر وسلم على أبيه بالخلافة وخطب الناس، نثرت الجواهر والذهب والدراهم على الخواص والعوام بدار الخلافة، وكان قيمة ما نثر من الجواهر يساوي مائة ألف دينار، ومثلها ذهبا، وألف ألف درهم غير ما كان من خلع وأسمطة وأقمشة مما يفوت الحصر، وكان وقتا مشهودا لم يكن سرورا بدار الخلافة أبهج منه ولا أحسن. وخلع الخليفة على أم ولده المعتز قبيحة خلعا سنية، وأعطاها وأجزل لها العطاء، وكذلك خلع على مؤدب ولده وهو محمد بن عمران، أعطاه من الجوهر والذهب والفضة والقماش شيئا كثيرا جدا، والله سبحانه وتعالى أعلم. خلافة المهتدي بالله أبي محمد عبد الله محمد بن الواثق بن المعتصم بن هارون، كانت بيعته يوم الأربعاء لليلة بقيت من رجب من هذه السنة، بعد خلع المعتز نفسه بين يديه وإشهاده عليه بأنه عاجز عن القيام بها، وأنه قد رغب إلى من يقوم بأعبائها. وهو محمد بن الواثق بالله، ثم مد يده فبايعه قبل الناس كلهم، ثم بايعه الخاصة ثم كانت بيعة العامة على المنبر، وكتب على المعتز كتابا أشهد فيه بالخلع والعجز والمبايعة للمهتدي. وفي آخر رجب وقعت في بغداد فتنة هائلة، وثبت فيها العامة على نائبها سليمان بن عبد الله بن طاهر، ودعوا إلى بيعة أحمد بن المتوكل أخي المعتز، وذلك لعدم علم أهل بغداد بما وقع بسامرا من بيعة المهتدي، وقتل من أهل بغداد وغرق منهم خلق كثير، ثم لما بلغهم بيعة المهتدي سكنوا - وإنما بلغتهم في سابع شعبان - فاستقرت الأمور واستقر المهتدي في الخلافة. وفي رمضان من هذه السنة ظهر عند قبيحة أم المعتز أموال عظيمة، وجواهر نفيسة. كان من جملة ذلك ما يقارب ألفي ألف دينار، ومن الزمرد الذي لم ير مثله مقدار مكوك، ومن الحب الكبار مكوك، وكيلجة يا قوت أحمر مما لم ير مثله أيضا. وقد كان الأمراء طلبوا من ابنها المعتز خمسين ألف دينار تصرف في أرزاقهم، وضمنوا له أن يقتلوا صالح بن وصيف، فلم يكن عنده من ذلك شيء، فطلب من أمه قبيحة هذه - قبحها الله - فامتنعت أن تقرضه ذلك، فأظهرت الفقر والشح، وأنه لا شيء عندها. ثم لما قتل ابنها وكان ما كان، ظهر عندها من الأموال ما ذكرنا. وكان عندها من الذهب والفضة والآنية شيء كثير، وقد كان لها من الغلات في كل سنة ما يعدل عشرة آلاف ألف دينار، وقد كانت قبل ذلك مختفية عند صالح بن وصيف عدو ولدها، ثم تزوجت به وكانت تدعو عليه تقول: اللهم اخز صالح بن وصيف كما هتك ستري، وقتل ولدي، وبدد شملي، وأخذ مالي، وغربني عن بلدي، وركب الفاحشة مني. ثم استقرت الخلافة باسم المهتدي بالله. وكانت بحمد الله خلافة صالحة. قال يوما للأمراء: إني ليست لي أم لها من الغلات ما يقاوم عشرة آلاف ألف دينار، ولست أريد إلا القوت فقط، لا أريد فضلا على ذلك إلا لإخوتي، فإنهم مستهم الحاجة. وفي يوم الخميس لثلاث بقين من رمضان، أمر صالح بن وصيف بضرب أحمد بن إسرائيل الذي كان وزيرا، وأبي نوح عيسى بن إبراهيم الذي كان نصرانيا فأظهر الإسلام، وكان كاتب قبيحة فضرب كل واحد منهما خمسمائة سوط بعد استخلاص أموالهما، ثم طيف بهما على بغلين منكسين فماتا وهما كذلك، ولم يكن ذلك عن رضى المهتدي ولكنه ضعيف لا يقدر على الإنكار على صالح بن وصيف في بادئ الآمر. وفي رمضان في هذه السنة وقعت فتنة ببغداد أيضا، بين محمد بن أوس ومن تبعه من الشاكرية والجند وغيرهم، وبين العامة والرعاع، فاجتمع من العامة نحو مائة ألف وكان بين الناس قتال بالنبال والرماح والسوط، فقتل خلق كثير ثم انهزم محمد بن أوس وأصحابه، فنهبت العامة ما وجدوا من أمواله، وهو ما يعادل ألفي ألف أو نحو ذلك. ثم اتفق الحال على إخراج محمد بن أوس من بغداد إلى أين أراد. فخرج منها خائفا طريدا، وذلك لأنه لم يكن عند الناس مرضي السيرة بل كان جبارا عنيدا، وشيطانا مريدا، وفاسقا شديدا، وأمر الخليفة بأن ينفي القيان والمغنون من سامرا، وأمر بقتل السباع والنمور التي في دار السلطان، وقتل الكلاب المعدة للصيد أيضا. وأمر بإبطال الملاهي ورد المظالم، وأن يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وجلس للعامة. وكانت ولايته في الدنيا كلها من أرض الشام وغيرها مفترقة. ثم استدعى الخليفة موسى بن بغا الكبير إلى حضرته، ليتقوى به على من عنده من الأتراك ولتجتمع كلمة الخلافة، فاعتذر إليه من استدعائه بما هو فيه من الجهاد في تلك البلاد. وفيها توفي: الجاحظ المتكلم المعتزلي ومن أجل كتبه: كتاب الحيوان، وكتاب البيان والتبيين، قال ابن خلكان: وهما أحسن مصنفاته، وقد أطال ترجمته بحكايات ذكرها عنه. وذكر أنه أصابه الفالج في آخر عمره، وحكى أنه قال: أنا من جانبي الأيسر مفلوج لو قرض بالمقاريض ما علمت، وجانبي الأيمن منقرس لو مرت به ذبابة لآلمتني، وبي حصاة، وأشد ما على ست وتسعون سنة. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2023-07-14
توالت الأحداث فى عهد الخليفة المعتمد على الله، وكثرت الصراعات فى هذه السنوات، ومات من الأعيان أشخاص لهم مكانة، ومنهم الإمام مسلم صاحب الصحيح، فما الذي يقوله التراث؟ يقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ بن كثير تحت عنوان "سنة إحدى وستين ومائتين": فيها انصرف الحسن بن زيد من بلاد الديلم إلى طبرستان وأحرق مدينة شالوس، لممالأتهم يعقوب بن الليث عليه. وفيها قتل مساور الخارجي يحيى بن حفص الذي كان يلي طريق خراسان في جمادى الآخرة، فشخص إليه مسرور البلخي، ثم تبعه أبو أحمد بن المتوكل فهرب مساور فلم يلحق. وفيها كانت وقعة بين ابن واصل الذي تغلب على فارس وبين عبد الرحمن بن مفلح، فكسره ابن واصل وأسره، وقتل طاشتمر واصطلم الجيش الذين كانوا معه فلم يفلت منهم إلا اليسير، ثم سار ابن واصل إلى واسط يريد حرب موسى بن بغا، فرجع موسى إلى نائب الخليفة وسأل أن يعفى من ولاية بلاد المشرق لما بها من الفتن، فعزل عنها وولاها الخليفة إلى أخيه أبي أحمد. وفيها سار أبو الساج إلى حرب الزنج فاقتتلوا قتالا شديدا، وغلبتهم الزنج، ودخلوا الأهواز فقتلوا خلقا من أهلها وأحرقوا منازل كثيرة، ثم صرف أبو الساج عن نيابة الأهواز وخربها الزنج وولى الخليفة ذلك إبراهيم بن سيما. وفيها تجهز مسرور البلخي في جيش لقتال الزنج. وفيها ولى الخليفة نصر بن أحمد بن أسد الساماني ما وراء نهر بلخ وكتب إليه بذلك في شهر رمضان. وفي شوال قصد يعقوب بن الليث حرب ابن واصل فالتقيا في ذي القعدة، فهزمه يعقوب وأخذ عسكره وأسر رجاله وطائفة من حرمه، وأخذ من أمواله ما قيمته أربعون ألف ألف درهم. وقتل من كان يمالئه وينصره من أهل تلك البلاد. وأصلح الله به تلك الناحية. ولاثنتي عشرة ليلة خلت من شوال، ولى المعتمد على الله ولده جعفرا العهد من بعده، وسماه المفوض إلى الله وولاه المغرب، وضم إليه موسى بن بغا ولاية إفريقية ومصر والشام والجزيرة والموصل وأرمينية وطريق خراسان وغير ذلك، وجعل الأمر من بعد ولده لأبي أحمد المتوكل ولقبه الموفق بالله وولاه المشرق، وضم إليه مسرور البلخي وولاه المشرق وضم إليه مسرور البلخي وولاه بغداد والسواد والكوفة وطريق مكة والمدينة واليمن وكسكر وكوردجلة والأهواز وفارس وأصبهان والكرخ والدينور والرى وزنجان والسند، وكتب بذلك مكاتبات وقرئت بالآفاق، وعلق منها نسخة بالكعبة. وفيها حج بالناس الفضل بن إسحاق. وفيها توفي من الأعيان: أحمد بن سليمان الرهاوي. وأحمد بن عبد الله العجلي. والحسن بن أبي الشوارب بمكة. وداود بن سليمان الجعفري. وشعيب بن أيوب. و عبد الله بن الواثق أخو المهتدي بالله. وأبو شعيب السوسي. وأبو زيد البسطامي أحد أئمة الصوفية. وعلي بن إشكاب وأخوه أبو محمد، ومسلم بن الحجاج صاحب الصحيح. ذكر شيء من ترجمة مسلم بن الحجاج النيسابوري هو مسلم أبو الحسين القشيري النيسابوري، أحد الأئمة من حفاظ الحديث صاحب الصحيح الذي هو تلو صحيح البخاري عند أكثر العلماء، وذهبت المغاربة وأبو علي النيسابوري من المشارقة إلى تفضيل صحيح مسلم على صحيح البخاري، فإن أرادوا تقديمه عليه في كونه ليس فيه شيء من التعليقات إلا القليل، وأنه يسوق الأحاديث بتمامها في موضع واحد، ولا يقطعها كتقطيع البخاري لها في الأبواب، فهذا القدر لا يوازي قوة أسانيد البخاري واختياره في الصحيح لها ما أورده في جامعه معاصرة الراوي لشيخه وسماعه منه، وفي الجملة فإن مسلما لم يشترط في كتابه الشرط الثاني كما هو مقرر في علوم الحديث، وقد بسطت ذلك في أول شرح البخاري. والمقصود أن مسلما دخل إلى العراق والحجاز والشام ومصر وسمع من جماعة كثيرين قد ذكرهم شيخنا الحافظ المزي في تهذيبه مرتبين على حروف المعجم. وروى عنه جماعة كثيرون منهم: الترمذي في جامعه حديثا واحدا وهو حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «احصوا هلال شعبان لرمضان». وصالح بن محمد حرره. وعبد الرحمن بن أبي حاتم. وابن خزيمة، وابن صاعد، وأبو عوانة الأسفراييني. وقال الخطيب: أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا أحمد بن نعيم الضبي، أخبرنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم، سمعت أحمد بن سلمة يقول: رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما. وأخبرني ابن يعقوب، أنا محمد بن نعيم، سمعت الحسين بن محمد الماسرخسي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت مسلما بن الحجاج يقول: صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة. وروى الخطيب قائلا: حدثني أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن علي السودرجاني - بأصبهان - سمعت محمد بن إسحاق بن منده سمعت أبا علي الحسين بن علي النيسابوري يقول: ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم بن الحجاج في علم الحديث. وقد ذكر مسلم عند إسحاق بن راهويه فقال بالعجمية ما معناه: أي رجل كان هذا؟ وقال إسحاق بن منصور لمسلم: لن نعدم الخير ما أبقاك الله للمسلمين. وقد أثنى عليه جماعة من العلماء من أهل الحديث وغيرهم. وقال أبو عبد الله محمد بن يعقوب الأخرم: قل ما يفوت البخاري ومسلما ما يثبت في الحديث. وروى الخطيب عن أبي عمر محمد بن حمدان الحيري قال: سألت أبا العباس أحمد بن سعيد بن عقدة الحافظ عن البخاري ومسلم أيهما أعلم؟ فقال: كان البخاري عالما ومسلم عالما، فكررت ذلك عليه مرارا وهو يرد علي هذا الجواب ثم قال: يا أبا عمرو قد يقع للبخاري الغلط في أهل الشام، وذلك أنه أخذ كتبهم فنظر فيها فربما ذكر الواحد منهم بكنيته ويذكره في موضع آخر باسمه ويتوهم أنهما اثنان، وأما مسلم فقل ما يقع له الغلط لأنه كتب المقاطيع والمراسيل. قال الخطيب: إنما قفا مسلم طريق البخاري ونظر في علمه وحذا حذوه. ولما ورد البخاري نيسابور في آخر أمره لازمه مسلم وأدام الاختلاف إليه. وقد حدثني عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي قال: سمعت أبا الحسن الدارقطني يقول: لولا البخاري ما ذهب مسلم ولا جاء. قال الخطيب: وأخبرني أبو بكر المنكدر، ثنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثني أبو نصر بن محمد الزراد، سمعت أبا حامد أحمد بن حمدان القصار، سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري فقبل بين عينيه وقال: دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله، حدثك محمد بن سلام، ثنا مخلد بن يزيد الحراني، حدثنا ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن سهيل، عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ في كفارة المجلس فما علته؟ فقال البخاري: هذا حديث مليح ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث، إلا أنه معلول، ثنا به موسى بن إسماعيل، ثنا وهيب عن سهيل، عن عوز بن عبد الله قوله. قال البخاري: وهذا أولى فإنه لا يعرف لموسى بن عقبة سماع من سهيل. قلت: وقد أفردت لهذا الحديث جزءا على حدة، وأوردت فيه طرقه وألفاظه ومتنه وعلله. قال الخطيب: وقد كان مسلم يناضل عن البخاري. ثم ذكر ما وقع بين البخاري ومحمد بن يحيى الذهلي في مسألة اللفظ بالقرآن في نيسابور، وكيف نودى على البخارى بسبب ذلك بنيسابور، وأن الذهلي قال يوما لأهل مجلسه وفيهم مسلم بن الحجاج: ألا من كان يقول بقول البخاري في مسألة اللفظ بالقرآن فليعتزل مجلسنا. فنهض مسلم من فوره إلى منزله، وجمع ما كان سمعه من الذهلي جميعه وأرسله إليه، وترك الرواية عن الذهلي بالكلية، فلم يرو عنه شيئا لا في صحيحه ولا في غيره، واستحكمت الوحشة بينهما. هذا ولم يترك البخاري محمد بن يحيى الذهلي بل روى عنه في صحيحه وغيره وعذره رحمه الله. وقد ذكر الخطيب سبب موت مسلم رحمه الله: أنه عقد له مجلس للمذاكرة فسئل يوما عن حديث، فلم يعرفه فانصرف إلى منزله فأوقد السراج وقال لأهله: لا يدخل أحد الليلة علي، وقد أهديت له سلة من تمر فهي عنده يأكل تمرة ويكشف عن حديث ثم يأكل أخرى ويكشف عن آخر، فلم يزل ذلك دأبه حتى أصبح، وقد أكل تلك السلة وهو لا يشعر. فحصل له بسبب ذلك ثقل ومرض من ذلك حتى كانت وفاته عشية يوم الأحد، ودفن يوم الاثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين بنيسابور، وكان مولده في السنة التي توفي فيها الشافعي، وهي سنة أربع ومائتين، فكان عمره سبعا وخمسين سنة رحمه الله تعالى. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2023-08-10
وقعت فى سنة 272 هجرية العديد من الأحداث المهمة فى الدولة الإسلامية الممتدة فى ربوع البلاد فى الشرق وحتى بلاد الأندلس فى العرب، فما الذي يقوله التراث الإسلامي؟ يقول كتاب البداية والنهاية للحافظ بن كثير تحت عنوان "ثم دخلت سنة ثنتين وسبعين ومائتين": في جمادى الأول منها سار نائب قزوين وهو ارلزنكيس في أربعة آلاف مقاتل إلى محمد بن زيد العلوي صاحب طبرستان بعد أخيه الحسين بن زيد، وهو بالري في جيش عظيم من الديلم وغيرهم، فاقتتلوا قتالا شديدا فهزمه ارلزنكيس وغنم ما في معسكره، وقتل من أصحابه ستة آلاف، ودخل الري فأخذها وصادر أهلها في مائة ألف دينار، وفرق عماله في نواحي الري. وفيها: وقع بين أبي العباس بن الموفق وبين صاحب ثغر طرسوس وهو يازمان الخادم، فثار أهل طرسوس على أبي العباس فأخرجوه عنهم فرجع إلى بغداد. وفيها: دخل حمدان بن حمدون وهارون الشاري مدينة الموصل، وصلى بهم الشاري في جامعها الأعظم. وفيها: عاثت بنو شيبان في أرض الموصل فسادا. وفيها: تحركت بقية الزنج في أرض البصرة، ونادوا: يا انكلاي يا منصور. وانكلاي هو ابن صاحب الزنج، وسليمان بن جامع، وأبان بن علي المهبلي، وجماعة من وجوههم كانوا في جيش الموفق فبعث إليهم فقتلوا، وحملت رؤسهم إليه، وصلبت أبدانهم ببغداد، وسكنت شرورهم. وفيها: صلح أمر المدينة النبوية وتراجع الناس إليها. وفيها: جرت حروب كثيرة ببلاد الأندلس، وأخذت الروم من المسلمين بالأندلس بلدين عظيمين، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وفيها: قدم صاعد بن مخلد الكاتب من فارس إلى واسط، فأمر الموفق القواد أن يتلقوه فدخل في أبهة عظيمة، ولكن ظهر منه تيه وعجب شديد، فأمر الموفق عما قريب بالقبض عليه وعلى أهله وأمواله، واستكتب مكانه أبا الصقر إسماعيل بن بلبل. وحج بالناس فيها هارون بن محمد بن إسحاق المتقدم منذ دهر. وفيها توفي من الأعيان: إبراهيم بن الوليد بن الحسحاس. وأحمد بن عبد الجبار بن محمد بن عطارد العطاردي التميمي، راوي السيرة عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق بن يسار وغير ذلك. وأبو عتبة الحجازي. وسليمان بن سيف. وسليمان بن وهب الوزير في حبس الموفق. وشعبة بن بكار يروى عن أبي عاصم النبيل. ومحمد بن صالح بن عبد الرحمن الأنماطي، ويلقب بمكحلة، وهو من تلاميذ يحيى بن معين. ومحمد بن عبدالوهاب الفراء. ومحمد بن عبيد المنادي. ومحمد بن عوف الحمصي. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2023-07-21
تواصلت الحروب الداخلية والخارجية فى الدولة العباسية فى سنة 266 هجريا، فبجانب حرب الزنج والخروجات على الخلافة وقعت حرب بين الروم والمسلمين، حرب بحرية، حيث التقى الأسطولان، فما الذى يقوله التراث الإسلامى؟ يقول كتاب البداية والنهاية تحت عنوان "ثم دخلت سنة ست وستين ومائتين".. في صفر منها تغلب إساتكين على بلد الري، وأخرج عاملها منها ثم مضى إلى قزوين فصالحه أهلها فدخلها، وأخذ منها أموالا جزيلة، ثم عاد إلى الري فمانعه أهلها عن الدخوال إليها فقهرهم ودخلها. وفيها: غارت سرية من الروم على ناحية ديار ربيعة، فقتلوا وسبوا ومثلوا وأخذوا نحوا من مائتين وخمسين أسيرا، فنفر إليهم أهل نصيبين وأهل الموصل، فهربت منهم الروم ورجعوا إلى بلادهم. وفيها: ولى عمرو بن الليث شرطة بغداد وسامرا لعبيد الله بن طاهر، وبعث إليه أبو أحمد بالخلعة وخلع عليه عمرو بن الليث أيضا، وأهدى إليه عمودين من ذهب، وذلك مضافا إلى ما كان يليه أخوه من البلدان. وفيها: سار اغرتمش إلى قتال علي بن أبان المهلبي بتستر، فأخذ من كان في السجن من أصحاب علي بن أبان المهلبي من الأمراء فقتلهم عن آخرهم، ثم سار إلى علي بن أبان فاقتتلا قتالا شديدا في مرات عديدة، وكان آخرها لعلي بن أبان المهلبي، قتل خلقا كثيرا من أصحاب اغرتمش وأسر بعضهم فقتلهم أيضا، وبعث برؤوسهم إلى صاحب الزنج فنصبت رؤوسهم على باب مدينته قبحه الله. وفيها: وثب أهل حمص على عاملهم عيسى الكرخي فقتلوه في شوال منها. وفيها: دعا الحسن بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن حسين الأصغر العقيلي أهل طبرستان إلى نفسه، وأظهر لهم أن الحسن بن زيد أسر ولم يبق من يقوم بهذا الأمر غيره، فبايعوه. فلما بلغ ذلك الحسين بن زيد قصده فقاتله فقتله، ونهب أمواله وأموال من اتبعه، وأحرق دورهم. وفيها: وقعت فتنة بالمدينة ونواحيها بين الجعفرية والعلوية، وتغلب عليها رجل من أهل البيت من سلالة الحسن بن زيد الذي تغلب على طبرستان، وجرت شرور كثيرة هنالك بسبب قتل الجعفرية والعلوية يطول ذكرها. وفيها: وثبت طائفة من الأعراب على كسوة الكعبة فانتهبوها، وسار بعضهم إلى صاحب الزنج وأصاب الحجيج منهم شدة وبلاء شديد وأمور كريهة. وفيها: أغارت الروم أيضا على ديار ربيعة. وفيها: دخل أصحاب صاحب الزنج إلى رامهرمز فافتتحوها بعد قتال طويل. وفيها: دخل ابن أبي الساج مكة، فقاتله المخزومي فقهره ابن أبي الساج، وحرق داره واستباح ماله، وذلك يوم التروية في هذه السنة. ثم جعلت إمرة الحرمين إلى ابن أبي الساج من جهة الخليفة. وحج بالناس فيها هارون بن محمد المتقدم ذكره قبلها. وفيها: عمل محمد بن عبد الرحمن الداخل إلى بلاد المغرب - وهو خليفة بلاد الأندلس وبلاد المغرب - مراكب في نهر قرطبة ليدخل بها إلى البحر المحيط، ولتسير الجيوش في أطرافه إلى بعض البلاد ليقاتلوهم، فلما دخلت المراكب البحر المحيط تكسرت وتقطعت، ولم ينج من أهلها إلا اليسير بل غرق أكثرهم. وفيها: التقى أسطول المسلمين وأسطول الروم ببلاد صقلية، فاقتتلوا فقتل من المسلمين خلق كثير، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وفيها: حارب لؤلؤ غلام ابن طولون لموسى بن أتامش، فكسره لؤلؤ وأسره وبعث به إلى مولاه أحمد بن طولون، وهو إذ ذاك نائب الشام ومصر وإفريقية من جهة الخليفة، ثم اقتتل لؤلؤ هذا وطائفة من الروم فقتل من الروم خلقا كثيرا. قال ابن الأثير: وفيها اشتد الحال، وضاق الناس ذرعا بكثرة الهياج والفتن، وتغلب القواد والأجناد على كثير من البلاد بسبب ضعف منصب الخلافة واشتغال أخيه أبي أحمد بقتال الزنج. وفيها: اشتد الحر في تشرين الثاني جدا، ثم قوي به البرد حتى جمد الماء. وفيها توفي من الأعيان: إبراهيم بن رومة. وصالح بن الإمام أحمد بن حنبل قاضي أصبهان. ومحمد بن شجاع البلخي أحد عباد الجهمية. ومحمد بن عبد الملك الدقيقي. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
2023-08-22
تمر اليوم الذكرى 986، على رحيل الفيلسوف الطبيب، العالم الشهير ابن سينا، إذ رحل فى 21 يونيو عام 1037، عن عمر ناهز 57 عاما، عرف باسم الشيخ الرئيس وسماه الغربيون بأمير الأطباء وأبو الطب الحديث فى العصور الوسطى، وقد ألّف 200 كتابا فى مواضيع مختلفة، العديد منها يركّز على الفلسفة والطب. ويعد ابن سينا من أول من كتب عن الطبّ فى العالم. وكانت حياة وسيرة الفيلسوف الشهير مليئة بالأحداث والكواليس، مما جعل الكثير من الروائيين، يسعون لبحث عن أبعاد أخرى، واستلهموا منها لأعمال روائية، حيث صدر عن ابن سيناء عدة روايات، من أبرزها: ابن سيناء أو الطريق إلى أصفهان في روايته "ابن سينا أو الطريق إلى أصفهان" للروائى الفرنسي جيلبرت سينويه اعتمد الكاتب فى كتابة روايته على قرابة العشرين صفحة تركهم لنا أبو عبيد الجوزجانى عن مأساة حياة ابن سينا، فى أن جعل الجوزجانى هو راوى الرواية، فهو التلميذ والتابع والرفيق لنحو 25 عامًا. وصف لنا أبو عبيد الجوزجانى ما تعرض له صاحبه فى مستقره وترحاله، من ظلم من الملوك والأمراء وسطوتهم وملاحقته فى كل مدينة يستقر فيها، ورافقه فى قصور الأمراء وفى دروب الصحراء، ومن بغداد إلى طبرستان، ولمس تعب النفس والجسد فى حياة مأساوية تغرى بكتابتها بكل ما فيها من تقلبات وتفاصيل وقدر يتعارض مع ما يريده الإنسان. فردقان وفى روايته "فردقان" للأديب الكبير يوسف زيدان، تقدم صورة كاملة عن حياة العلامة ابن سينا، "أعماله، أفكاره، فلسفته، ومشاعره الداخلية، وانعكاسها على كتاباته"، كما تتناول العصر الذى عاش فيه، والحكام الذين عاصرهم، وتتطرق بالتفصيل إلى فترة اعتقاله بداخل قلعة "فردقان" وكيف أثرت هذه الفترة وانعكست على شخصيته وتفاصيل حياته، وكذلك كتاباته أيضًا. يبين حرمان ابن سينا من السعادة الدائمة التى تتوق نفسه إليها خارج إطار العلاقات الجنسية التى لم يُحرَم منها. الرئيس الرواية ترصد التحولات الاجتماعية والسياسية في الشخصية العربية من الناحية التاريخية، وذلك من خلال شخصية “ابن سينا”، وهى للكاتب محمد العدوي، وكتب مقدمتها الأديب والطبيب محمد المخزنجي ليحتفي بالكاتب في أول أعماله الأدبية. تأتي الرواية من عمق الماضي الطهراني والقاهري في رحلة لتعقب سيرة ابن سينا، ثم الحاضر في القاهرة وفلسطين وطهران ثانية؛ حيث تمر الرواية بزمنين؛ زمن الكاتب وزمن المكتوب عنه، متجاوزًا أوهام الحدود الجغرافية والمذهبية واللغوية، ومؤكدًا على معنى الأمة في عناصر الوحدة التي تجزأت، حتى أنك تسمع صوت الشيخ محمد صديق المنشاوي يتلو القرآن في طهران. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الوطن
2016-01-07
تعايش اليمنيون مذهبياً فيما بينهم عبر قرون طويلة، رغم الاحتكاكات المذهبية التى كانت تحدث من حين لآخر، وكانت تظهر خاصة بين النخبة السياسية ذات المرجعيات المذهبية التى كانت توظف المذهبية لمصالحها السياسية. استمر ذلك لعقود طويلة، حتى برزت «ظاهرة الحوثى» فى نهاية القرن الماضى التى تحولت إلى حركة سياسية عسكرية، وبدأ المشهد اليمنى يتغير وبرزت ملامح هذا الصراع بين المذهب الزيدى (السنى) وبين الحوثيين الشيعة والذين كانوا يتحدثون دائماً عن ظلمهم وتصنيفهم كعملاء لإيران، وأن هدفهم الانقلاب على السلطة فى البلاد والعودة بها إلى عصر الإمامة والدخول تحت الهيمنة الإيرانية. الصراع المذهبى فى اليمن أدى إلى خلق حالة من الصراع على السلطة، وخلق ثقافة وقناعة ومشروع طائفى أشد خطراً، وراهنت القوة السياسية على استخدام هذه الورقة المذهبية لتحقيق مكاسب خاصة بها، وظهرت الميليشيات والمقاومة الشعبية والترويج لفكرة الصراع المذهبى والعمل على تفتيت البلاد بإشاعة الفوضى فى ظل ضعف وغياب الدولة. الصراع على السلطة حمل صبغة مذهبية فى اليمن، منذ أن فرض الإمام الهادى بن حسين الرسى حكمه على اليمن عام 284 هجرية، واستطاع «الهادى» أن يجعل نظرية حصر الإمامة فى «البطنين»، نسل الحسن والحسين، جزءاً من عقيدة الهادوية، وجعلها واجباً شرعياً وواقعاً فرضه على مخالفيه بحد السيف. دخل «الهادى» فى حروب ومعارك مع العديد من القبائل المعارضة لوجوده، وراح ضحيتها الآلاف، وكان الإمام الهادى يقطع أعناق الخارجين عليه، ويهدم مزارعهم ومنازلهم، واستعان بجنود من طبرستان، شمال إيران اليوم، فى معظم حروبه، وخلال أربعة عشر عاماً، مدة حكمه، أحدث دماراً هائلاً فى كل ربوع البلاد ولم يسلم من شره أحد. حديثاً، وبعد أن اندلعت ثورة 48 الدستورية عام 1948، وقتل الإمام يحيى على أثرها، جاء ابنه أحمد الذى استطاع بذكائه وحنكته الالتفاف على ثوار 48 وفتك بهم، وبعد حروب دامية استطاع أن ينتزع الحكم من الهادى عبدالله بن أحمد الوزير الذى كان قد أعلن نفسه إماماً بعد مقتل الإمام يحيى. لكن الوضع لم يتغير كثيراً، فقد سقطت الإمامة لكن لم تسقط الفكرة، فتقبلت البلاد فى حكم الجمهوريين من «السلال» إلى «الإريانى» إلى «الحمدى» إلى «الغشمى» حتى جاء على عبدالله صالح الذى حول اليمن إلى جمهورية إمامية بقالب ديمقراطى شكلى، حملت تناقضات سياسية وصراعات وحروباً مختلفة، بنى من خلالها مملكته الخاصة التى حرص على توريثها لنجله أحمد لولا قيام ثورة 2011 التى أجهضت كل أحلامه وطموحاته الإمامية، لذلك عمد إلى جلب أحقاد السلالة عبر طوفان ميليشيات الحوثى والحرس الجمهورى التى اجتاحت صنعاء ودمرت الدولة فى الوقت الراهن. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال: