حجة الوداع
حجة الوداع هي أول وآخر حجة حجها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة، وخطب فيها خطبة الوداع التي تضمنت قيمًا دينية وأخلاقية...
الشروق
Very Negative2025-06-13
أكد الدكتور محمود الهواري، الأمين المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية، أن حرمة الدماء في مقدمة ما شدد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي قضية ملحة تستدعي منا وقفة تأمل عميقة، خاصة في ظل ما نراه من سفك للدماء، سواء على الصعيد العالمي أو المحلي. وأضاف: " بينما يشار إلى زماننا بأنه زمان الحضارة والحقوق، نشهد تراجعًا مريبًا نحو شريعة الغابة، حيث يسفك القوي دماء الضعيف، وتُسرق مقدرات الشعوب، وتُحرم من حقها في تقرير مصيرها، ويُقضى على إنسانيتها، وما يحدث لشعب غزة شاهد على هذه الصورة المأساوية القبيحة، ومما يدعو إلى الأسى والقلق هو تفشي العنف وسفك الدماء داخل مجتمعنا، وتنامي حوادث القتل لأتفه الأسباب، حيث نُفجع يوميًا بأخبار مقتل الأبرياء". جاء ذلك خلال خطبة الجمعة اليوم في الجامع الأزهر بعنوان: "حجة الوداع.. دروس وعبر"، إذ تساءل خلالها عما حل ببلادنا التي طالما عرفناها بلادًا للعلم والحكمة والطيبة؟ هذه البلاد التي أنجبت كبار العلماء والمشايخ والمفكرين، أمثال الشيخ حسونة النواوي والشيخ المراغي والشيخ محمد سيد طنطاوي، وكبار القراء كعائلة المنشاوي والشيخ عبد الباسط عبد الصمد، وأعلام الأدباء والكتاب كعباس محمود العقاد ومصطفى لطفي المنفلوطي، لماذا استبدلنا الرحمة بالقسوة؟، وتغلبت العادات البالية على أحكام الإسلام وأخلاقه السمحة؟وقال الدكتور محمود الهواري، إنه في مثل هذه الأيام المباركة، منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، وقف نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- خطيبًا في جموع المسلمين في "حجة الوداع"، تلك الحجة التي أودع فيها النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- جل وصاياه وأهمها، مدركًا أنها قد تكون اللقاء الجماهيري الأخير، فلم تكن هذه الحجة مجرد أداء لفريضة دينية، بل كانت بمثابة وثيقة حقوق إنسانية عالمية، أرست مبادئ خالدة في حماية الدماء والأموال والأعراض. وأوضح الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذه الحجة خطب في الحجيج ثلاث خطب عظيمة: الأولى يوم عرفة، والثانية يوم النحر بمنى، والثالثة في أوسط أيام التشريق بمنى، وشهدت هذه الخطب معجزة نبوية تجلت في قدرة مائة وأربعة وأربعين ألف مسلم على سماع كلماته -صلى الله عليه وسلم- بوضوح تام، في زمن لم تكن فيه مكبرات صوتية أو إذاعات داخلية، مضيفا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد استثمر هذا التجمع العظيم لإعلان حقوق الإنسان التي ما زالت البشرية المعاصرة تتغنى بها، وقد جاءت توجيهاته -صلى الله عليه وسلم- رسالة حضارية للبشرية جمعاء، تنادي بحرمات ثلاث أساسية لا غنى عنها في صيانة كرامة الإنسان: حرمة الدماء، وحرمة الأموال، وحرمة الأعراض، "فإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا". وأشار خطيب الجامع الأزهر، إلى أن الدين الإسلامي قد أمرنا بالسلام العالمي، ولم يقتصر على السلام المحلي فحسب، فالبخاري رحمه الله بوَّب في صحيحه "بابٌ: إفشاء السلام من الإسلام"، فكيف يعجز بعضنا عن بذل السلام لقريبه أو لجاره، بينما الإسلام يأمر ببذله للعالم كله؟، في حين أن أحكام الإسلام تدور حول كليات خمس تصونها، أهمها حفظ النفس وحفظ حقوقها، وعلى رأس هذه الحقوق يأتي حق الحياة، فالله -سبحانه وتعالى- هو الذي وهب الإنسان الحياة، فكيف يستبيح إنسان لنفسه أن يسلبها من آخر لمعنى فاسد، أو لغضب جامح، أو لعادات متوارثة؟، إن القتل كبيرة عظيمة في الإسلام. وبين أن المولى -سبحانه وتعالى- شدد العقاب على قاتل النفس بغير حق، قال تعالى: "وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا"، ويقول أيضا: "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا"، فالقتل ليس بالأمر الهين، بل هو من أعظم الذنوب، لأنه يعارض مراد الحق تعالى ففي الحديث الشريف: "لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا". ولفت الانتباه إلى أن أبرز أسباب الخصومات وحوادث القتل في مجتمعاتنا هي العصبية للقبيلة أو العائلة، والغضب لأدنى شيء، أو هذه المعاني الفاسدة والعادات المتوارثة التي تملأ نفوس الشباب، مما يؤدي إلى القتل لأدنى خلاف ، والتي قد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم منها بقوله: "ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية"، لأن قتل نفس واحدة كقتل الناس جميعًا، وإحياء نفس واحدة بالعفو والتسامح وحسن إدراك الأمور وعدم محاسبة الأبرياء بذنب غيرهم كإحياء الناس جميعًا، قال تعالى: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا". ووجه خطيب الجامع الأزهر، سؤالا إلى هؤلاء الذين يحتكمون إلى عادات الجاهلية؛ للفصل في منازعاتهم، تاركين تعاليم الشريعة الإسلامية، وقانون الدولة، بأي ذنب يقتل إنسان؟، وإلى متى سنحافظ على إرث الجاهلية بيننا؟ وإلى متى سيظل الغضب حجابًا دون الرحمة؟، مذكرا إياهم بحاجة مجتمعنا اليوم إلى استلهام دروس حجة الوداع، والعمل بوصايا نبينا الكريم، وأن نغرس في نفوس أبنائنا قيم الرحمة والتسامح والسلام، وصيانة حرمة الدماء، ليعود لمجتمعاتنا أمنها وطمأنينتها. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
مصراوي
Very Negative2025-06-13
كتب - محمود مصطفى أبوطالب: ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور محمود الهواري، الأمين المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية، ودار موضوعها حول "حجة الوداع.. دروس وعبر". وقال الهواري، إنه في مثل هذه الأيام المباركة، منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، وقف نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- خطيبًا في جموع المسلمين في "حجة الوداع"، تلك الحجة التي أودع فيها النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- جل وصاياه وأهمها، مدركًا أنها قد تكون اللقاء الجماهيري الأخير، فلم تكن هذه الحجة مجرد أداء لفريضة دينية، بل كانت بمثابة وثيقة حقوق إنسانية عالمية، أرست مبادئ خالدة في حماية الدماء والأموال والأعراض. وأوضح الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذه الحجة خطب في الحجيج ثلاث خطب عظيمة: الأولى يوم عرفة، والثانية يوم النحر بمنى، والثالثة في أوسط أيام التشريق بمنى، وشهدت هذه الخطب معجزة نبوية تجلت في قدرة مائة وأربعة وأربعين ألف مسلم على سماع كلماته -صلى الله عليه وسلم- بوضوح تام، في زمن لم تكن فيه مكبرات صوتية أو إذاعات داخلية، مضيفا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد استثمر هذا التجمع العظيم لإعلان حقوق الإنسان التي ما زالت البشرية المعاصرة تتغنى بها، وقد جاءت توجيهاته -صلى الله عليه وسلم- رسالة حضارية للبشرية جمعاء، تنادي بحرمات ثلاث أساسية لا غنى عنها في صيانة كرامة الإنسان: حرمة الدماء، وحرمة الأموال، وحرمة الأعراض، "فإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا". وبين خطيب الجامع الأزهر، أن حرمة الدماء في مقدمة ما شدد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي قضية ملحة تستدعي منا وقفة تأمل عميقة، خاصة في ظل ما نراه من سفك للدماء، سواء على الصعيد العالمي أو المحلي، فبينما يشار إلى زماننا بأنه زمان الحضارة والحقوق، نشهد تراجعًا مريبًا نحو شريعة الغابة، حيث يسفك القوي دماء الضعيف، وتُسرق مقدرات الشعوب، وتُحرم من حقها في تقرير مصيرها، ويُقضى على إنسانيتها، وما يحدث لشعب غزة شاهد على هذه الصورة المأساوية القبيحة، مضيفا أن مما يدعو إلى الأسى والقلق هو تفشي العنف وسفك الدماء داخل مجتمعنا، وتنامي حوادث القتل لأتفه الأسباب، حيث نُفجع يوميًا بأخبار مقتل الأبرياء، ماذا حل ببلادنا التي طالما عرفناها بلادًا للعلم والحكمة والطيبة؟ هذه البلاد التي أنجبت كبار العلماء والمشايخ والمفكرين، أمثال الشيخ حسونة النواوي والشيخ المراغي والشيخ محمد سيد طنطاوي، وكبار القراء كعائلة المنشاوي والشيخ عبد الباسط عبد الصمد، وأعلام الأدباء والكتاب كعباس محمود العقاد ومصطفى لطفي المنفلوطي، لماذا استبدلنا الرحمة بالقسوة؟، وتغلبت العادات البالية على أحكام الإسلام وأخلاقه السمحة؟ وأشار خطيب الجامع الأزهر، إلى أن الدين الإسلامي قد أمرنا بالسلام العالمي، ولم يقتصر على السلام المحلي فحسب، فالبخاري رحمه الله بوَّب في صحيحه "بابٌ: إفشاء السلام من الإسلام"، فكيف يعجز بعضنا عن بذل السلام لقريبه أو لجاره، بينما الإسلام يأمر ببذله للعالم كله؟، في حين أن أحكام الإسلام تدور حول كليات خمس تصونها، أهمها حفظ النفس وحفظ حقوقها، وعلى رأس هذه الحقوق يأتي حق الحياة، فالله -سبحانه وتعالى- هو الذي وهب الإنسان الحياة، فكيف يستبيح إنسان لنفسه أن يسلبها من آخر لمعنى فاسد، أو لغضب جامح، أو لعادات متوارثة؟، إن القتل كبيرة عظيمة في الإسلام، ولقد شدد المولى -سبحانه وتعالى- العقاب على قاتل النفس بغير حق، قال تعالى: "وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا"، ويقول أيضا: "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا و… اقرأ أيضا: ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
مصراوي
Very Negative2025-06-05
كتب-محمد قادوس: ورد سؤال إلى لجنة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، من سائل يقول، ما حكم توكيل كبار السن والمرضى والنساء غَيْرَهم في رمي الجمرات عنهم؟ أجاب على ذلك الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية السابق، موضحا الرأي الشرعي في تلك المسألة. وقال المفتي السابق، من المقرر شرعًا أنَّ الأصل في العبادات البدنية أنه لا تجوز فيها النيابة، إلا ما استثناه الشرع الشريف، ومن ذلك الحج؛ فهو قابلٌ للنيابة عن الغير إذا كان صاحب عذر، فعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: "أنَّ امرأةً قالت: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ" أخرجه الشيخان. وأضاف علام، في بيان فتواه عبر بوابة دار الإفتاء المصرية: إذا كان الحج في عمومه يقبل الإنابة فكذلك واجباته، وفي هذا المعنى يقول إمام الحرمين الجويني في "نهاية المطلب في دراية المذهب" (4/ 327، ط. دار المنهاج): [ومن المقاصد أن الناسك لو عجز عن الرمي بنفسه، فله أن ينيب غيرَه مناب نفسه؛ فإن الاستنابة إذا جرت في أصل الحج، فجريانها في أبعاض المناسك غيرُ ممتنع] اهـ. والأصل أن الحاج هو الذي يباشر الرمي بنفسه ما دام قادرًا عليه بحيث لو تركه بدون عذر لزمته الفدية، إلا أنه يجوز له عند وجود عذرٍ أنْ يُنيب غيره فيه، ولا فدية عليه حينئذٍ عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، خلافًا للمالكية الذين ذهبوا إلى وجوب الدم على العاجز لعدم مباشرة الرمي بنفسه، وغاية جواز الإنابة هي سقوط الإثم عن العاجز، والدم دم جبران لترك النسك وهو الرمي بالنفس، فإن عجز عنه صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، فإن لم يصم الثلاثة في الحج صام العشرة إذا رجع، إن شاء وصلَ الثلاثة بسبعة أو لم يصل. قال العلَّامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 137): [سواء رمى بنفسه أو بغيره عند عجزه عن الرمي بنفسه كالمريض الذي لا يستطيع الرمي فوضع الحصى في كفه فرمى بها أو رمى عنه غيره؛ لأنَّ أفعال الحج تجري فيها النيابة كالطواف والوقوف بعرفة ومزدلفة] اهـ. وقال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (3/ 280، ط. دار الغرب الإسلامي): [الأعمال البدنية لا تدخلها النيابة؛ لكن لما قال بعض السلف يرمى عنه فعل ذلك استحبابًا ووجب الدم لترك النسك، ويرمي عنه من قد رمى عن نفسه] اهـ. وقال الإمام أبو بكر ابن يونس التميمي المالكي في "الجامع لمسائل المدونة" (5/ 599، ط. دار الفكر): [وكل هدي وجب على من تعدى ميقاته، أو تمتع، أو قرن، أو أفسد حجه، أو فاته الحج، أو ترك الرمي، أو النزول بالمزدلفة، أو نذر مشيًا فعجز عنه، أو ترك شيئًا من الحج فجبره بالدم، فله إذا لم يجد هديًا صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع... فإن لم يصم الثلاثة الأيام حتى مضت أيام التشريق صام بعد ذلك إن شاء وصل الثلاثة بسبعة أو لم يصل] اهـ. وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 427، ط. مكتبة القاهرة): [إذا كان الرجل مريضًا أو محبوسًا أو له عذر، جاز أن يستنيب من يرمي عنه] اهـ. اقرأ أيضًا: ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
Neutral2025-06-05
توافد حجاج بيت الله الحرام، في وقفة عيد الأضحى المبارك، إلى جبل عرفات، للوقوف على صعيده الطاهر وأداء الركن الأعظم من فريضة الحج، وسط أجواء روحانية يملؤها الخشوع والدعاء، بعدما قدموا ملبين من شتى بقاع الأرض استجابة لنداء الحق. ويتميز جبل عرفات ببعض المعالم البارزة، والتي نتعرف عليها في السطور التالية: • مسجد نَمِرة: - منبر خطبة عرفات يُعد مسجد نَمِرة أحد أبرز المعالم في مشعر عرفات، حيث يصلي فيه مئات الآلاف من حجاج بيت الله الحرام صلاتي الظهر والعصر يوم عرفة جمعًا وقصرًا، اقتداءً بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ويقع المسجد غرب عرفات، ويمتد جزء منه إلى وادي عرنة، الذي نهى النبي عن الوقوف فيه، قائلًا في خطبته الشهيرة: "وقفتُ هاهنا، وعرفة كلها موقف، إلا بطن عرنة". بُني المسجد في الموضع الذي خطب فيه الرسول خلال حجة الوداع، وكان ذلك في منتصف القرن الثاني الهجري، في أول عهد الدولة العباسية. ومنذ ذلك الحين، أصبح موقعًا مركزيًا تُلقى فيه خطبة يوم عرفة، وتُقام فيه الصلاة الجامعة التي تشهدها الأمة الإسلامية في كل موسم حج. - ما سر التسمية؟ تعددت أسماء المسجد عبر القرون، فقد عُرف باسم مسجد النبي إبراهيم، ومسجد عرفة، ومسجد عرنة. أما اسم “نَمِرة” فيُعتقد أنه مشتق من قرية كانت تقع خارج حدود عرفات، أقام فيها النبي قبل أن يتوجه إلى بطن الوادي ليؤدي الصلاة والخطبة. - معمار وروحانية يستوعب المسجد قرابة 350 ألف مصلٍ، ويضم ست مآذن يبلغ ارتفاع كل منها 60 مترًا، بالإضافة إلى ثلاث قباب وعشرة مداخل رئيسية تحتوي على 64 بابًا. كما يضم غرفة مخصصة للإذاعة الخارجية، تنقل خطبة يوم عرفة والصلاة مباشرة عبر الأقمار الصناعية إلى العالم الإسلامي. وتُصدح منارات المسجد كل عام في هذا اليوم العظيم بالأذان لصلاة الظهر والعصر جمع تقديم، لتتردد أصداء الوقفة الكبرى من عرفات إلى العالم أجمع، حاملةً نداء الإيمان في أحد أقدس مواسم العبادة. • جبل الرحمة: - تلة الدعاء وشاهد خطبة الوداع في عرفات في قلب مشعر عرفات، تقف تلة صغيرة تُعرف بـ"جبل الرحمة"، بطولٍ يقارب 300 متر، مكوّنة من حجارة سوداء ضخمة، أصبحت مع مرور الزمن أحد أبرز معالم الحج، ومقصدًا سنويًا لجموع الحجاج يوم التاسع من ذي الحجة، طلبًا للرحمة والمغفرة في هذا اليوم المشهود. ورغم رمزيته الدينية والتاريخية، فإن الوقوف على جبل الرحمة ليس من واجبات الحج، إذ يصح الوقوف في أي موضع داخل حدود عرفات، إلا أن الإقبال عليه لا ينقطع، لما له من ارتباط وجداني وروحاني في ذاكرة المسلمين، حتى سُمي أيضًا بـ"جبل الدعاء". - أسماء ومكانة يحمل الجبل أسماء أخرى في المدونات التاريخية، منها جبل إلال، وجبل التوبة، والنابت، والقرين. وقد شهد الجبل وقوف النبي محمد عليه، حيث ألقى خطبته الخالدة في حجة الوداع، في السنة العاشرة للهجرة. وتذكر بعض الروايات أن عنده نزل قول الله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" (المائدة: 3). ويرتفع جبل الرحمة حوالي 65 متراً عن الأرض المحيطة، وتقدَّر مساحته المحيطة بـ640 مترًا. ويعلوه شاخص أبيض يبلغ ارتفاعه 7 أمتار، تحيط به ساحة حجرية منخفضة بارتفاع 57 سنتيمترًا. ومن الجهة الجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية، تقع بقايا "عين زبيدة"، بينما يُرى أسفله مسجد الصخرات الذي يحمل ذاكرة المكان. ولتيسير صعود الحجاج إلى قمته، أنشأت السلطات السعودية درجًا مكونًا من 90 درجة، يتيح للحجاج الوصول بسهولة إلى أعلى الجبل رغم الازدحام الكثيف. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
اليوم السابع
Very Negative2025-06-04
مع بداية الأيام المشهودة من شهر ذي الحجة، يطل على المسلمين يوم التروية، أحد أعظم أيام ، والذي يمثل أولى محطات ضيوف الرحمن في رحلتهم الإيمانية. يصادف يوم التروية الثامن من ذي الحجة، ويُعد من الأيام المباركة التي تسبق يوم عرفة، ويبدأ فيه الحجاج التوجه إلى مشعر منى، اقتداءً بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، استعدادًا للوقوف بعرفة في اليوم التالي. سُمّي هذا اليوم بيوم التروية لأن الحجاج في السابق كانوا يتزودون فيه بالماء قبل انطلاقهم إلى عرفات، حيث لم تكن مصادر المياه متوفرة هناك كما هو الحال اليوم. فكانوا يرتوون ويتزودون بما يكفيهم من الماء والطعام تحسبًا لمشقة الطريق، ومن هنا جاء الاسم الذي بقي شاهدًا على عراقة هذه الشعيرة وتاريخها. يقضي الحاج هذا اليوم في منى، حيث يُستحب له الإكثار من الذكر والتلبية والصلاة، مع المبيت هناك حتى طلوع فجر يوم التاسع من ذي الحجة. ويُعد يوم التروية سنة مؤكدة عن الرسول الكريم، وقد واظب عليها في حجة الوداع، لما فيها من تهذيب للنفس وتصفية للقلوب قبيل يوم عرفة، الذي يمثل ذروة شعائر الحج. ويحمل يوم التروية فضلًا عظيمًا، إذ يُهيئ القلوب لمرحلة الخشوع والتقرب من الله، ويتيح للحاج فرصة للتأمل في المعاني السامية لمناسكه. كما أنه يرمز إلى الاستعداد النفسي والروحي للوقوف على صعيد عرفات، حيث يغفر الله الذنوب ويتنزل برحماته. ولا يقتصر فضل هذا اليوم على الحجاج فقط، بل يُستحب للمسلمين في كل مكان الإكثار من الأعمال الصالحة والدعاء، في أيام هي من أحب الأيام إلى الله. فالتروية ليس مجرد محطة زمانية، بل لحظة إيمانية عميقة تُمهد للقلب طريقه نحو عرفات، حيث يكتمل المقصد وتُرفع الأكف رجاءً وقربًا من الله. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
Very Negative2025-05-21
يقترب موسم الحج ومعه تزداد تساؤلات الناس حول الاستطاعة والقدرة على أداء مناسك الحج، وحكم الوكالة في الحج حال عدم القدرة الصحّية على أدائه. ونعرض في هذا التقرير بعض من التساؤلات التي وردت إلى دار الإفتاء، والحكم الشرعي فيها. نشرت دار الإفتاء المصرية، على موقعها الرسمي، أنه إذا كان المسلم غير قادر على أداء الحج بنفسه يجوز له أن يستأجر من يحج عنه، كما يجوز للمسلم القادر أن يحج عن أقاربه المتوفين أو المرضى العاجزين عن الحج بأنفسهم ويسميهم الفقهاء بـ"المعضوبين"، حال إذا كان المؤدي للفريضة قد حج عن نفسه. واستدلت الدار، بما رواه الشيخان البخاري ومسلم من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: "جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَت: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَل يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ». - العجز عن أداء فريضة الحج وأضاف الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، مفتي الديار المصرية الأسبق، أنه يتحقق العجز بالموت أو بالحبس أو المنع أو المرض الذي لا يرجى زواله كالزمانة، والفالج، والعمى، والعرج، والهرم الذي لا يقدر صاحبه على الاستمساك، وعدم أمن الطريق، وعدم المحرم بالنسبة للمرأة إذا استمرت هذه الآفات إلى الموت. وتابع د. علي جمعة، أنه من تحقق فيه العجز عن أداء فريضة الحج بما تم ذكره، فإنه يجب عليه أن يُنِيبَ من يَحُجَّ عنه عند الجماهير من العلماء إذا كان عنده مالٌ يكفي أن يعطيه لمن يحج عنه مدة سفره، بشرط أن يكون فائضًا عن ديونه وعن مؤنة من يعولهم، أو عن طريق متطوعٍ بالحج عنه بلا أجرةٍ إنْ تيسَّر له ذلك، ولا يُشتَرَط حينئذٍ وجود المال عند المعضوب، ويشترط لذلك أن يكون من يحج عنه قد حجَّ عن نفسه أولًا. - حكم الحج عن المريض في حال حياته وورد إلى دار الإفتاء، سؤال حول إمكانية الشخص أن يؤدي الحج نيابة عن عمه البالغ من العمر 80 عامًا والذي يعاني من عدة أمراض: القلب، وحساسية في الصدر، والكلى، والذي أوصاه بتأدية فريضة الحج عنه بعد مماته، فهل يجوز أن يؤديها وهو على قيد الحياة -في حياة عينه-؟. وقالت الإفتاء، إنه لا مانع من الحج عن المريض إذا كان لا يستطيع أن يؤدي الحج بنفسه ويوكل من ينوب عنه، لكن لابد أن يكون من جرى توكيله حج عن نفسه قبل ذلك. وسأل آخر: "زوجتي مريضة بآلام حادة في العمود الفقري -بعض الفقرات متآكلة تمامًا، وبعضها متحرك من مكانه- ولا تقوى على الحركة، وأمنيتها أداء فريضة الحج، فهل يجوز أن أحجَّ عنها؟ علمًا بأنني سبق لي أداء الفريضة. وردت الإفتاء، أنه إن كانت الزوجة قادرة -رغم مرضها الذي وصف- على الوصول وأداء المناسك ولو محمولة لزمها الذهابُ والحج بنفسها، وإلا فيجوز للزوج أن يحج عن زوجته بشرط أن يكون قد حج عن نفسه من قبل. - حكم الحج عن المريض الذي لا يثبت على وسائل الانتقال وقال آخر، إن أمه حاولت الحج أكثر من مرة ولم يحالفها التوفيق، وقد حجّ عن نفسه ثم حجّ عن أمه من مالها وهي على قيد الحياة، ولكنها كانت وقتها تبلغ من العمر ٦٨عامًّا ولا تتحكم في البول ويأتيها دوار من ركوب السيارة.. فهل حجته عن أمه صحيحة؟ وأجابت الإفتاء، أن حجته صحيحة؛ لأن الشخص الذي لا يثبت على الراحلة يسمى في الفقه الإسلامي "المعضوب"، فالحج -ومثله العمرة- عن الغير يكون إما عن الميت وإما عن المعضوب. - حكم طواف المريض حاملا القسطرة وقال الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية السابق، إن حامل القسطرة البولية يُحكم بطهارته، ويجوز له الطواف بالبيت، ولا حرج عليه في ذلك، وطوافه صحيح مجزئ، بل يؤدي بطهارته هذه ما شاء من العبادات، ما لم ينتقض وضوؤه بسبب آخر. - حكم الطواف على الكرسي المتحرك وردت دار الإفتاء المصرية، على هذا السؤال بأنه مِن المقرَّر أنَّ الطواف بالبيت مطلوبٌ شرعًا لمَن أحرَمَ بالحجِّ مطلقًا؛ قال تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29]. وبينت أن الأصل أن يكون المتنسِّك ماشيًا على قدميه في الطواف إلا لعُذر، ويدلُّ على ذلك: ما جاء عن السَّيدة أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: شكوتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أني أشتكي قال: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ» متفق عليه. وأضافت أن الطواف على الكرسي المُتحرك لا حرج فيه لعُذر كالمرض ونحوه؛ لأنَّ الكرسي المتحرك -في حقيقته-هو جهازٌ يوفِّر التنقل بالعجلاتِ ودعم الجلوس لشخص يُعاني مِن صعوبة في المشي أو التحرك. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
مصراوي
Very Negative2025-05-15
كتب- محمد قادوس: قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء، إن المشككين في السنة النبوية يفتقدون إلى أدنى درجات الفهم التاريخي والمنهجي، مؤكدًا أن توثيق السنة تم بمنهجية لا تقل دقة عن توثيق القرآن الكريم نفسه. وأضاف جمعة، خلال حلقة بودكاست "مع نور الدين"، المذاع على قاة الناس، أن عدد الصحابة الذين رأوا النبي ﷺ ورافقوه في حجة الوداع بلغ 114 ألف صحابي، لكن 9500 فقط هم من تم توثيق أسمائهم في كتب التاريخ والحديث، وهو ما يعادل تقريبًا 8 إلى 9% فقط من العدد الإجمالي. وتابع: "من بين هؤلاء الـ9500، نجد أن الذين رووا أحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام عددهم 1720 صحابيًا، أي ما يعادل 1.5% فقط من مجموع الصحابة، وهو ما يظهر أن الأغلبية الساحقة من الصحابة لم تروِ عن النبي، إما لأنهم لم يسمعوا الحديث من أوله، أو لأنهم وجدوا من يكفيهم الرواية عنه، أو لأنهم كانوا مجاهدين في سبيل الله ولم يتفرغوا لنقل العلم". وأوضح عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف: هذا لا ينتقص من قيمة السنة بل يعززها، لأن هؤلاء الذين رووا الأحاديث كانوا قلة مختارة، تم التثبت من روايتهم ومروياتهم بدقة متناهية، حتى ظهرت علوم الرواية والجرح والتعديل والمصطلح، ووصل عددها إلى 21 علمًا وضعتها الأمة لحفظ السنة. وشدد على أن "السنة محفوظة بحفظ الله كما حُفظ القرآن، لأن قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، لا ينطبق فقط على القرآن، بل على كل ما يدخل تحت مسمى (الذكر)، ومنها السنة النبوية التي جاءت لتبيّن للناس ما نُزّل إليهم. وتابع: الطعن في السنة هو طعن في الذكر، والطعن في الذكر هو طعن في وعد الله، وهذا ضلال مبين، السنة محفوظة، مروية، موثقة، ومن يشكك فيها فعقله بحاجة إلى مراجعة. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-03-28
اكتمل الوحي الإلهي بقول الله -تعالى- في سورة المائدة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، وذلك يوم عرفة في حجة الوداع للنبي محمد -صل الله عليه وسلم-؛ ليكون الإسلام دينًا مكتمل الأركان، مستندًا إلى كتاب الله وسنة نبيه -صل الله عليه وسلم-. وبعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، حمل العلماء على عاتقهم مسئولية فهم الدين واستنباط الأحكام، فكان الاجتهاد بابًا واسعًا أثرى الأمة بعلوم شتى، وعلى مدار أكثر من 1000 عام ظهر تراث إسلامي زاخر بالكتب في التفسير، والحديث، والسيرة، والفقه، وغيرها من العلوم الشرعية. وفي هذه السلسلة، نطوف معًا بين رفوف "المكتبة الإسلامية"، نستكشف في كل حلقة كتابًا أثرى الفكر الإسلامي، ونتأمل معانيه وأثره في مسيرة العلم والدين. الحلقة الثامنة والعشرون.. محمد حسين هيكل.. بين الفكر والسياسة محمد حسين هيكل هو واحد من أبرز المفكرين والأدباء في مصر والعالم العربي، جمع بين الأدب والصحافة والتاريخ والسياسة، وكان من أوائل من قدموا السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي بأسلوب يجمع بين التحليل العميق والسرد الشائق، كما أنه صاحب أول رواية عربية حديثة باعتراف النقاد، مما جعله رائدًا في مجال الأدب العربي الحديث. وُلد هيكل عام 1888 بمحافظة الدقهلية في أسرة ميسورة الحال، التحق في صغره بالكتَّاب، ثم انتقل إلى مدرسة الجمالية الابتدائية، وأكمل تعليمه في مدرسة الخديوية الثانوية. في عام 1909، التحق بمدرسة الحقوق المصرية، وبعد تخرجه، سافر إلى فرنسا ليحصل على درجة الدكتوراه في القانون، ما منحه رؤية أكثر عمقًا للفكر والثقافة الغربية. عاد إلى مصر عام 1912، وبدأ العمل في الصحافة، حيث أصبح أحد أبرز الصحافيين حتى عام 1917، وبعد ذلك، انتقل إلى التدريس الجامعي لكنه لم يجد نفسه في العمل الأكاديمي، فتركه عام 1922، وقرر التفرغ للسياسة والصحافة. انضم إلى حزب الأحرار الدستوريين، وكان عضوًا بارزًا في إدارته، ثم أصبح رئيسًا للحزب فيما بعد، كما تولى رئاسة تحرير جريدة "السياسة"، التي كانت صوت الحزب ومنبرًا للأفكار الإصلاحية. -تجربة في منزل الوحي حين قرر المفكر محمد حسين هيكل شد الرحال إلى الحجاز عام 1930، لم تكن رحلته مجرد زيارة عابرة، بل كانت تجربة غيرت نظرته إلى الإسلام، وأثرت بعمق في فكره وأدبه، ومن رحم هذه الرحلة، ولد كتابه الشهير "في منزل الوحي"، الذي لم يكن مجرد تأريخ للسيرة النبوية، بل تأمل شخصي عميق، امتزج فيه الانبهار الروحي بالتحليل العقلاني، في رؤية حديثة قلما نجد لها مثيلًا في كتب السيرة. -بين مكة والمدينة: مشاهد من أرض النبوة يبدأ هيكل رحلته من مكة، حيث يرسم لنا صورة نابضة للحياة في المدينة المقدسة، ما بين أسواقها، وشوارعها، والمسجد الحرام الذي تجذب إليه القلوب من كل فج، حيث تتلاقى الإنسانية على صعيد واحد، لكنه لا يكتفي بوصف المكان، بل يغوص في تجربة الحج، متأملًا مشاعر السكينة والرهبة التي تملأ النفوس عند رؤية الكعبة والطواف حولها. ثم ينتقل إلى المدينة المنورة، حيث كان المشهد مختلف تمامًا، فهنا الهدوء والسكينة تظلل المكان، وعند زيارته للمسجد النبوي، تتجلى لديه معاني النبوة، ويشعر أن هذا المكان لا يزال يحتفظ بعبق الرسالة التي انطلقت منه قبل أكثر من 1300 عام، وهناك، يقف عند قبر النبي محمد، لا كمجرد زائر، بل كمفكر يتأمل في أثر هذا الرجل الذي غير مجرى التاريخ. -قراءة جديدة للسيرة النبوية ما يميز "في منزل الوحي" أنه لم يعالج السيرة النبوية بطريقة تقليدية، بل نظر إليها من زاوية حديثة، تجمع بين المنهج العقلي والرؤية الوجدانية، لم يكتفِ بسرد الأحداث، بل سعى إلى فهم الظروف الاجتماعية والسياسية التي أحاطت بالدعوة الإسلامية، وكيف استطاع النبي محمد بشخصيته الفريدة، أن يحدث هذا التغيير العميق في جزيرة العرب. لقد كان هيكل متأثرًا بالثقافة الغربية بحكم دراسته في فرنسا، لكنه وجد في رحلته هذه إجابة على تساؤلات ظلت تراوده طويلًا، فخرج بكتاب لا يخاطب فقط القارئ المسلم، بل يخاطب أيضًا العقل الباحث عن الفهم العميق بعيدًا عن الأساليب الوعظية التقليدية. -لماذا يبقى في منزل الوحي كتابًا مهمًا؟ بعد مرور أكثر من 90 عامًا على صدوره، لا يزال هذا الكتاب نموذجًا مميزًا في كتابة السيرة بأسلوب حديث يجمع بين الأدب والتأمل والتوثيق، إنه ليس مجرد كتاب عن السيرة، بل هو رحلة وجدانية وعقلية يعيشها القارئ، فيتعرف إلى مكة والمدينة كما رآهما هيكل، ويتأمل في السيرة النبوية بمنظور مختلف. وغدا نلتقي مع كتاب جديد من المكتبة الإسلامية.. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-03-24
اكتمل الوحي الإلهي بقول الله -تعالى- في سورة المائدة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، وذلك يوم عرفة في حجة الوداع للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ليكون الإسلام دينًا مكتمل الأركان، مستندًا إلى كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-. وبعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، حمل العلماء على عاتقهم مسئولية فهم الدين واستنباط الأحكام، فكان الاجتهاد بابًا واسعًا أثرى الأمة بعلوم شتى، وعلى مدار أكثر من ألف عام ظهر تراث إسلامي زاخر بالكتب في التفسير، والحديث، والسيرة، والفقه، وغيرها من العلوم الشرعية. وفي هذه السلسلة، نطوف معًا بين رفوف "المكتبة الإسلامية"، نستكشف في كل حلقة كتابًا أثرى الفكر الإسلامي، ونتأمل معانيه وأثره في مسيرة العلم والدين. الحلقة الرابعة والعشرون -الإمام الغزالي.. حجة الإسلام ومجدد عصره يُعد أبو حامد محمد بن محمد الغزالي أحد أعلام الفكر الإسلامي وأشهر علماء المسلمين، وُلد في مدينة طوس بإيران، ونشأ في بيئة علمية حيث بدأ رحلته في طلب العلم منذ صغره. بحسب المركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، فقد كان والده يعمل غزالًا للصوف، وعند وفاته أوصى به وبأخيه أحمد إلى صديق صوفي صالح، تكفل بتربيتهما وتعليمهما حتى نفد المال، فاضطرا إلى الالتحاق بالمدارس، حيث وفرت لهما المأوى والقوت، ومن هنا بدأت رحلته العلمية. -رحلته العلمية وبروزه كعالم فذ تلقى الغزالي علومه الأولى في طوس ثم انتقل إلى جرجان، ومنها إلى نيسابور حيث لازم إمام الحرمين أبا المعالي الجويني، ونهل من علومه حتى برع في الفقه والكلام والفلسفة والمنطق والتصوف، مما جعله من أبرز علماء عصره. ويذكر المركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أن الغزالي بعد وفاة أستاذه انتقل إلى بغداد، حيث تولى التدريس في المدرسة النظامية بطلب من الوزير السلجوقي نظام الملك، وذاع صيته حتى أصبح مقصدًا لطلاب العلم من جميع أنحاء العالم الإسلامي، لما امتاز به من حسن التصنيف، وقوة الحجة، وسعة العلم، وتمكنه من مختلف الفنون. -تحوله الفكري واعتزاله الناس رغم المكانة العلمية الرفيعة التي بلغها، مرّ الغزالي بمرحلة من التحول الفكري والروحي، حيث ترك التدريس والجاه، واعتزل الناس وانقطع للعبادة والتأمل، متنقلًا بين الشام ومكة والمدينة، حتى عاد إلى بغداد بعد سنوات من العزلة، ووفقًا لما جاء في المركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، فقد كانت هذه المرحلة نقطة تحول في حياته، حيث اتجه إلى نقد الفلسفة والبحث عن يقين إيماني عميق، مما جعله يُنتج أشهر أعماله الفكرية التي ناقشت قضايا الإيمان والعقيدة والتصوف. -إسهاماته الفكرية وتأثيره في الفكر الإسلامي كان الغزالي عالمًا موسوعيًا، له كتب في الفقه، وأصول الفقه، والفلسفة، والتصوف، وعلم الكلام، ومن أشهر كتبه "إحياء علوم الدين"، و"تهافت الفلاسفة"، و"المستصفى في أصول الفقه"، و"المنقذ من الضلال"، حيث استطاع أن يقدم مشروعًا فكريًا متكاملًا، يجمع بين العقل والنقل، ويعيد التوازن بين العلم والدين، ويؤكد المركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أن الغزالي كان أحد أكثر العلماء تأثيرًا في الفكر الإسلامي، حيث ساهمت كتاباته في إعادة تشكيل النظرة إلى الفقه والتصوف والفلسفة، مما جعله يُلقب بـ "حجة الإسلام". -وفاته وحسن خاتمته ظل الغزالي على سيرته في العلم والزهد والتصنيف حتى وافته المنية، حيث يروي المركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أن أخاه أحمد الغزالي قال: "لما كان يوم الاثنين وقت الصبح توضأ أخي أبو حامد وصلى، ثم قال: عليّ بالكفن، فأخذه وقبله ووضعه على عينيه، ثم قال: سمعًا وطاعة للدخول على الملك، ثم مدّ رجليه واستقبل القبلة وفاضت روحه قبل الإسفار". وتوفي الإمام الغزالي سنة 505هـ في طوس، وترك خلفه إرثًا علميًا ضخمًا لا يزال أثره حاضرًا في الفكر الإسلامي حتى اليوم. رأى الإمام الغزالي أن كثيرًا من المشتغلين بالعلم في زمانه اتجهوا إلى اكتساب الوظائف به، واشتغلوا بصورته عن تحقيق جوهره، ومنهم من اكتفى بظواهره وغفل عن أسراره ومقاصده، مما أدى إلى ضعف الأثر الروحي في حياة المسلمين. بحسب المركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أراد الغزالي أن يوقظ النفوس ويحيي روح العلم ويكشف لطائفه، فشمّر عن ساعد الجد وشرع في تأليف هذا الكتاب العظيم، الذي يعد من أعظم كتب التربية الروحية والتزكية الإسلامية، حيث سعى إلى تقديم رؤية متكاملة للمنهج الإسلامي، تجمع بين العلم والسلوك، وبين الظاهر والباطن، وبين الشريعة والحقيقة. ويتحدث الغزالي عن هدفه من تأليف الكتاب قائلًا: "فَأمَّا عِلْمُ طَريقِ الآخِرَة وما دَرَجَ عَلَيهِ السَّلفُ الصَّالِحُ ممَّا سَمَّاه اللهُ سُبحَانَه في كِتَابِه فِقْهًا وحِكْمَةً وعِلْمًا وضياءً ونورًا وهدايةً ورشدًا فقد أصبح من بين الخلق مطويًا، وصار نسيًا منسيًّا، ولما كان هذا ثلمًا في الدين ملمًّا، وخطبًا مُدلهمًّا، رأيت الاشتغال بتحرير هذا الكتاب مهمًّا؛ إحياءً لعلوم الدين، وكشفًا عن مناهج الأئمة المتقدمين، وإيضاحًا لمباهي العلوم النَّافعة عند التَّبيين والسَّلف الصالحين". ووفقًا لما أورده المركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، فإن هذا الكتاب جاء ليضع تصورًا شاملًا للمنهج الإسلامي، بحيث يكون أشبه بصورة مصغرة للإسلام، تبرز أبعاده المختلفة في العبادات، والمعاملات، والأخلاق، والروحانيات. يتميز "إحياء علوم الدين" بمنهجه الفريد الذي يجمع بين العقل والنقل، وبين الفقه والتصوف، وبين السلوك والمعرفة، وبحسب المركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، فقد بنى الغزالي كتابه على 4 أقسام رئيسية تعكس مختلف أبعاد الحياة الإسلامية، حيث خصص الربع الأول للعبادات، متناولًا ظاهر العبادات ومعانيها الروحية العميقة، وأهمية النية والخشوع في أدائها، أما الربع الثاني فخصصه للعادات، موضحًا ضوابط الحياة اليومية مثل آداب الطعام، والزواج، والعمل، والمعاشرة، وفقًا لمنهج الإسلام الأخلاقي، أما الربع الثالث فتناول المهلكات، حيث ركز على أمراض القلب مثل الحسد، والكبر، والرياء، والحرص، مبينًا خطورتها وطرق معالجتها. في حين أن الربع الرابع خصصه للمنجيات، حيث استعرض الصفات التي تقرب العبد من الله، مثل الصبر، والشكر، والتوكل، والخوف، والرجاء، والتوبة، موضحًا سبل اكتسابها. جاءت طريقة الغزالي في الكتابة جامعة بين التفسير العميق، والسرد المتسلسل، والاستدلال بالآيات والأحاديث، والاستشهاد بأقوال السلف الصالح. بحسب ما أورده المركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، فقد كان يبدأ كل باب بذكر الآيات المتعلقة بالموضوع، ثم يتبعها بالأحاديث والآثار، ثم يقدم تفسيرًا فقهيًا وروحيًا، يبرز من خلاله العلاقة بين ظاهر العبادة وحقيقتها الباطنة، كما يوضح دورها في تهذيب النفس وتقريب العبد من الله. حظي "إحياء علوم الدين" بانتشار واسع وقبول كبير بين العلماء، حتى قيل: "من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء"، وبحسب المركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، فإن هذا الكتاب أصبح أحد أهم المراجع في الفكر الإسلامي، خاصة في مجالات التصوف، والتربية الروحية، والأخلاق، حيث أثرى المكتبة الإسلامية برؤية متكاملة للإسلام تجمع بين العلم والعمل، وبين العقيدة والسلوك، ظل هذا الكتاب مرجعًا رئيسيًا في التصوف الإسلامي، وما زال أثره حاضرًا حتى يومنا هذا، ليبقى الإمام الغزالي أحد أبرز العلماء الذين قدموا رؤية شاملة للإصلاح الروحي والعلمي في الإسلام. وغدا نلتقي مع كتاب جديد من المكتبة الإسلامية.. اقرأ أيضا ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-03-24
اكتمل الوحي الإلهي، بقول الله -تعالى- في سورة المائدة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، في يوم عرفة من حجة الوداع؛ ليكون الإسلام دينًا مكتمل الأركان مستندًا إلى كتاب الله وسنة نبيه -صل الله عليه وسلم-.وبعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، حمل العلماء على عاتقهم مسئولية فهم الدين واستنباط الأحكام، فكان الاجتهاد بابًا واسعًا أثرى الأمة بعلوم شتى، وعلى مدار أكثر من 1000 عام ظهر تراث إسلامي زاخرا بالكتب في التفسير والحديث والسيرة والفقه وغيرها من العلوم الشرعية.وفي هذه السلسلة، نطوف معًا بين رفوف "المكتبة الإسلامية"، نستكشف في كل حلقة كتابًا أثرى الفكر الإسلامي، ونتأمل في معانيه وأثره في مسيرة العلم والدين. الحلقة الثالثة والعشرون.. - ملك العلماء يُعد أبوبكر بن مسعود بن أحمد الكاساني، المعروف بعلاء الدين الكاساني والمُلقب بـ"ملك العلماء"، أحد كبار فقهاء المذهب الحنفي في القرن السادس الهجري، وهو صاحب الكتاب الشهير "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع"، الذي يُعد من أهم المراجع الفقهية في الفقه الإسلامي.وتلقى علاء الدين الكاساني، العلم على يد علاء الدين السمرقندي، وتزوج ابنته فاطمة الفقيهة، التي كانت من العالمات البارزات في عصرها، وجعل "بدائع الصنائع" مهر زواجه بها، حتى قال فقهاء زمانه: "شرح تحفته وزوّجه ابنته".واشتهر الكاساني، بعمق علمه وسعة اطلاعه، وقدم إلى حلب رسولًا من صاحب الروم إلى السلطان نور الدين محمود زنكي، الذي ولاه تدريس المدرسة الحلاوية، وكان له حضور قوي في الجدل الفقهي، حتى قيل إنه في أحد مجالسه بدمشق لم يجد الفقهاء مسألة إلا ووجد لها رأيًا من آراء أصحاب أبي حنيفة؛ مما دل على غزارة علمه.وألف أيضًا كتاب "السلطان المبين في أصول الدين"، وعُرف بوجاهته وكرمه وشجاعته.وتوفي الكاساني، يوم الأحد 10 رجب سنة 587هـ في حلب، ودُفن داخل مقام إبراهيم الخليل خارج المدينة، وقد جاء في رواية أن روحه فاضت أثناء قراءته سورة إبراهيم عند قوله تعالى: "يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)"، فكان ذلك حسن خاتمته؛ ليبقى اسمه خالدًا في سجل الفقهاء العظام.ويُعد كتاب "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" للإمام علاء الدين الكاساني من أهم المراجع الفقهية في المذهب الحنفي، حيث جمع فيه مؤلفه بين التفصيل الدقيق للمسائل الفقهية والترتيب المنهجي الواضح؛ مما جعله من أكثر الكتب اعتمادًا في دراسة الفقه الحنفي.ووفقًا لما ذكره ابن عابدين في "رد المحتار"، فإن الكتاب يُعد من أوسع شروح الفقه الحنفي وأدقها ترتيبًا، حيث يعرض كل مسألة فقهية مع ذكر أدلتها من القرآن والسنة والإجماع والقياس، مع بيان أوجه الاختلاف بين الفقهاء، مما يجعله أحد أبرز كتب الفقه المقارن داخل المذهب الحنفي. - منهج الكتاب وأسلوبه اعتمد الكاساني في "بدائع الصنائع" على أسلوب التحليل والترجيح، حيث يعرض آراء أئمة الحنفية مثل أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني وزفر، ثم يناقش أدلتهم موضحًا الراجح من المرجوح، مستعينًا بالأدلة الشرعية.وحسبما جاء في "الهداية" للمرغيناني، فإن الكاساني لم يكن مجرد ناقل للمذهب، بل كان ناقدًا للأدلة، قادرًا على الترجيح بينها بأسلوب علمي رصين، كما قارن بين الفقه الحنفي والمذاهب الأخرى، خاصة المالكي والشافعي والحنبلي، مما منح الكتاب قيمة كبيرة في الفقه المقارن.وجاء في "بدائع الصنائع"، أن المؤلف اعتمد ترتيبًا فقهيًا دقيقًا، حيث بدأ بأبواب العبادات مثل الطهارة والصلاة والصيام والزكاة والحج، ثم انتقل إلى المعاملات المالية مثل البيع والإجارة والرهن والشركات، ثم تناول الأحوال الشخصية مثل النكاح والطلاق والمواريث، ثم تعمق في القضاء والحدود والجنايات؛ مما جعله موسوعة فقهية متكاملة تغطي جميع جوانب الحياة الإسلامية. - أهمية بدائع الصنائع في الفقه الحنفي ورد في "نصب الراية" للزيلعي، أن كتاب "بدائع الصنائع" كان أحد المراجع الأساسية التي اعتمدها الفقهاء والمفتون والقضاة على مدار القرون، نظرًا لدقته في عرض الأحكام وترجيحاته الفقهية القوية، حتى قيل عنه إنه أفضل شرح معتمد في الفقه الحنفي بعد كتاب "الهداية".وقال ابن بدران في "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد"، إن بدائع الصنائع كان مرجعًا رئيسيًا في المحاكم الشرعية التي تعتمد الفقه الحنفي في إصدار الأحكام، خاصة في بلاد المشرق الإسلامي، مثل الدولة العثمانية والهند وأفغانستان وبعض دول العالم العربي. - أثر الكتاب في الفقه الإسلامي لم يقتصر أثر "بدائع الصنائع" على المذهب الحنفي فحسب، بل أصبح مرجعًا هامًا للباحثين في الفقه المقارن، حيث يعرض أدلة كل مذهب بموضوعية؛ مما يساعد على فهم الفروق الفقهية بين المذاهب الإسلامية المختلفة.وأورد محمد أبو زهرة في "تاريخ المذاهب الإسلامية"، أن الكتاب يمثل نموذجًا علميًا لاستقراء الأدلة الفقهية وتحليلها وفق أصول الفقه الحنفي؛ مما جعله مصدرًا أساسيًا في الاجتهاد الفقهي الحديث، حيث يستفيد منه الفقهاء عند إصدار الفتاوى المعاصرة، خاصة في مجالات المعاملات المالية والأنكحة والقضاء. اقرأ أيضا: ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-03-22
اكتمل الوحي الإلهي بقول الله -تعالى- في سورة المائدة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، وذلك يوم عرفة في حجة الوداع للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ليكون الإسلام دينًا مكتمل الأركان، مستندًا إلى كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-. وبعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، حمل العلماء على عاتقهم مسئولية فهم الدين واستنباط الأحكام، فكان الاجتهاد بابًا واسعًا أثرى الأمة بعلوم شتى، وعلى مدار أكثر من ألف عام ظهر تراث إسلامي زاخر بالكتب في التفسير، والحديث، والسيرة، والفقه، وغيرها من العلوم الشرعية. وفي هذه السلسلة، نطوف معًا بين رفوف "المكتبة الإسلامية"، نستكشف في كل حلقة كتابًا أثرى الفكر الإسلامي، ونتأمل معانيه وأثره في مسيرة العلم والدين. الحلقة الثانية والعشرون.. -ابن قدامة.. الإمام الفقيه والمحدث الزاهد أبو محمد موفق الدين عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، المعروف باسم ابن قدامة المقدسي، هو أحد أبرز فقهاء الإسلام في القرن السادس الهجري، حيث وُلد عام 541هـ في قرية جماعيل الواقعة في جبل نابلس بفلسطين، نشأ في بيئة علمية، فحفظ القرآن الكريم، وتلقى الحديث والفقه عن والده، كما تتلمذ على يد مجموعة من كبار علماء عصره، منهم أبو المكارم ابن هلال وأبو المعالي بن صابر. رحل إلى دمشق حيث تعمق في علوم الدين، ثم شد الرحال إلى بغداد برفقة ابن خالته الحافظ عبدالغني المقدسي، وهناك نهل من علوم فقهائها وعلمائها قبل أن يعود إلى دمشق، حيث أصبح من أعلام المذهب الحنبلي وأحد أعمدته الفقهية الكبرى. تميّز ابن قدامة بسعة علمه وعمق فهمه، وكان بارعًا في الفقه والحديث، متمكنًا من الفتوى، كما كان مناظرًا قويًّا في المسائل الفقهية والعقائدية، إلى جانب ما عُرف عنه من الزهد والورع والتواضع وحسن الأخلاق، فقد كان كثير التلاوة للقرآن، مواظبًا على الصيام والقيام. أشاد به كبار العلماء، فقال عنه ابن تيمية: "ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من ابن قدامة"، ووصفه ابن الحاجب بقوله: "كان إمام الأئمة ومفتي الأمة، اختصه الله بالفضل الوافر والخاطر العاطر والعلم الكامل، طنت بذكره الأمصار وضنت بمثله الأعصار، قد أخذ بمجامع الحقائق النقلية والعقلية، فأما الحديث فهو سابق فرسانه، وأما الفقه فهو فارس ميدانه، وأعرف الناس بالفتيا، وله المصنفات الغزيرة". يُعد ابن قدامة المقدسي من العلماء الذين تركوا بصمة واضحة في الفقه الإسلامي، ومن أبرز مؤلفاته "المغني"، الذي يعد من أهم كتب الفقه المقارن، حيث جمع فيه آراء المذاهب المختلفة، مع بيان أدلتها والترجيح بينها بأسلوب علمي دقيق. توفي عام 620 هـ بدمشق، تاركًا إرثًا علميًا أثرى المكتبة الإسلامية لعصور متتالية. -المغني.. جامع فقه المذاهب يُعد كتاب "المغني" للإمام ابن قدامة المقدسي من أعظم كتب الفقه الإسلامي، حيث جمع بين أحكام الفقه الحنبلي والمقارنة بين آراء المذاهب الأربعة، مستندًا إلى الأدلة الشرعية من القرآن والسنة والإجماع والقياس، وذكر الحاجي خليفة في "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" أن "المغني" يمثل أوسع كتب الفقه الحنبلي وأحد أهم المراجع الفقهية الإسلامية، حيث عرض المسائل الخلافية بأسلوب علمي دقيق، مما جعله من أكثر الكتب اعتمادًا لدى الفقهاء والقضاة والمفتين. اعتمد ابن قدامة في كتابه منهجًا متوازنًا يجمع بين الفقه النقلي والفقه العقلي، حيث يبدأ بعرض حكم المسألة الفقهية وفقًا للمذهب الحنبلي، ثم يورد آراء المذاهب الأخرى مستعرضًا أدلتها الشرعية مع مناقشتها وترجيح الأقوى منها. -دقة النقل وتثبت الاستدلال وأشار الذهبي في "سير أعلام النبلاء" إلى أن ابن قدامة كان دقيقًا في النقل، متثبتًا في الاستدلال، غير متعصب لمذهبه، بل يسعى لبيان الحق بدليله، مما جعل كتابه مرجعًا لا غنى عنه لدارسي الفقه الإسلامي، وأحد أعظم الكتب التي جمعت بين الفقه النقلي والاستدلال العقلي. -المغني.. المرجع الشامل والمكانة الرفيعة حظي كتاب "المغني" بمكانة رفيعة بين العلماء، حيث لم يقتصر أثره على الفقه الحنبلي بل أصبح مرجعًا فقهيًا شاملًا يُرجع إليه في مختلف المذاهب، فقد أورد ابن بدران في "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" أن "المغني" كان أحد الكتب الأساسية التي اعتمدها القضاة والمفتون في إصدار الأحكام الفقهية، نظرًا لما يتمتع به من سعة استيعاب للمذاهب المختلفة ودقة في عرض الأدلة، مما جعله أحد أعمدة الفقه الإسلامي التي بقيت مؤثرة لعصور متتالية. ورغم مرور قرون على تأليفه، لا يزال "المغني" مرجعًا أساسيًا في الفقه الإسلامي، حيث تعتمده المجامع الفقهية الحديثة في استنباط الأحكام وإصدار الفتاوى، كما أنه يُدرّس في الجامعات الإسلامية ويُستشهد به في الأبحاث الفقهية، وذكر محمد أبو زهرة في "تاريخ المذاهب الإسلامية" أن "المغني" يمثل حلقة وصل بين الفقه التقليدي والاجتهاد المعاصر، حيث يمكن الاستفادة من منهجه في دراسة القضايا المستجدة، مما جعله من أهم المراجع الفقهية التي لا غنى عنها للمتخصصين في الفقه الإسلامي. يتكون "المغني" من 12 مجلدًا، يبدأ فيها ابن قدامة بكتاب الطهارة وينتهي بكتاب الفرائض متبعًا ترتيب كتب الفقه التقليدية، ويتميز بأسلوبه السلس، حيث يعرض المسائل بوضوح، ويورد الأدلة الشرعية ثم يناقشها بعقلانية، وأورد الزبيدي في "تاج العروس" أن ابن قدامة لم يكن مجرد ناقل للمذاهب، بل كان ناقدًا للأدلة، قادرًا على الترجيح، مما جعله من أبرز الفقهاء في علم الفقه المقارن، حيث تمكن بأسلوبه العلمي الرصين من تقديم مرجع فقهي شامل يجمع بين الأصالة والتجديد. يبقى "المغني" أحد أبرز الكتب الفقهية التي أثرت في الفكر الإسلامي، حيث جمع بين دقة النقل وسعة الاستدلال والبعد عن التعصب، مما جعله مرجعًا أساسيًا لطلاب العلم والباحثين في الفقه الإسلامي، وقال ابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة"، إن ابن قدامة بلغ بكتابه مرتبة لا يكاد يدانيها أحد في الفقه الحنبلي، بل في الفقه الإسلامي كله، مما جعله نموذجًا للموسوعة الفقهية الشاملة التي يستفيد منها الفقهاء والمجتهدون عبر العصور. وغدا نلتقي مع كتاب جديد من المكتبة الإسلامية.. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-03-21
اكتمل الوحي الإلهي بقول الله -تعالى- في سورة المائدة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، وذلك يوم عرفة في حجة الوداع للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ليكون الإسلام دينًا مكتمل الأركان، مستندًا إلى كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-. وبعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، حمل العلماء على عاتقهم مسؤولية فهم الدين واستنباط الأحكام، فكان الاجتهاد بابًا واسعًا أثرى الأمة بعلوم شتى. وعلى مدار أكثر من ألف عام، ظهر تراث إسلامي زاخر بالكتب في التفسير، والحديث، والسيرة، والفقه، وغيرها من العلوم الشرعية. وفي هذه السلسلة، نطوف معًا بين رفوف "المكتبة الإسلامية"، نستكشف في كل حلقة كتابًا أثرى الفكر الإسلامي، ونتأمل معانيه وأثره في مسيرة العلم والدين. الحلقة الحادية والعشرون.. ابن الصلاح.. إمام الحديث وصاحب المقدمة الإمام ابن الصلاح هو أحد كبار علماء الإسلام في القرن السابع الهجري، وُلد عام 577هـ في بلدة شرخان، إحدى مناطق أربيل بالعراق حاليًّا. وفقًا لما جاء في موقع الأزهر للفتوى الإلكترونية، فقد نشأ في بيئة علمية ونهل من علوم والده، قبل أن يتنقل بين عدد من الحواضر العلمية الكبرى مثل الموصل، وبغداد، ونيسابور، وحلب، ودمشق، وخراسان، حيث تتلمذ على يد مجموعة من كبار العلماء، وعلى رأسهم أبو جعفر عبيد الله بن أحمد البغدادي المعروف بابن السمين، وهو أقدم شيوخه. حسبما ذكر كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان (3/243)، فقد كان ابن الصلاح أحد فضلاء عصره، متميزًا في علم التفسير والحديث والفقه وأسماء الرجال وعلوم الحديث واللغة، وكانت فتاويه تتسم بالدقة والسداد، مما جعله من العلماء الذين انتفع بهم أهل زمانه. وقد نبغ في عدد من العلوم الإسلامية، مما أهَّله لتولي التدريس في عدد من المدارس الكبرى في العالم الإسلامي، مثل المدرسة الناصرية بالقدس، والرواحية بحلب، ودار الحديث بدمشق، حيث تتلمذ على يديه عدد كبير من العلماء. كما يقول كتاب "سير أعلام النبلاء" للذهبي، فقد كان ابن الصلاح عالمًا واسع الاطلاع، له إسهامات بارزة في علم الحديث، ومن أشهر مؤلفاته "مقدمة ابن الصلاح"، التي أصبحت حجر الأساس في دراسة علوم الحديث. ظل ابن الصلاح مرجعًا في الفقه والحديث حتى وفاته في 25 ربيع الآخر سنة 643هـ بدمشق، حيث فقد العالم الإسلامي أحد أعمدته العلمية الكبرى. قراءة في مضمون الكتاب بدأ المؤلف كتابه ببيان بعض المصطلحات المتعلقة بالفتوى، مثل الإفتاء والمفتي والاجتهاد، حيث نقل أقوال السابقين فيها، ثم وضح خطورة الفتيا وضرورة تثبت المفتي من فتواه مع سعة علمه وتمكنه في فنه. كما استعرض دلائل ورع كبار المفتين عند حديثهم في الفتيا، وحذر من نسبة الأقوال لغير قائليها أو وصف الأمور بغير حقيقتها. كما عرض شروط المفتي اللازمة لقبول فتواه، والتي تشمل الأمانة والعلم والنزاهة عن أسباب الفسق ومسقطات المروءة، ثم قسَّم المفتين إلى قسمين: الأول هو المستقل، وهو الذي يستقل بإدراك الأحكام الشرعية من مصادرها المعتبرة دون تقليد لفقيه بعينه، بشرط أن يكون جامعًا لشروط الاجتهاد ومتمكنًا من أدواته. أما القسم الثاني، فهو المفتي غير المستقل، وهو المنتسب إلى أحد أئمة المذاهب المتبوعة. فصَّل المؤلف الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها المفتي، ومنها ألا يعجل بالإجابة قبل استيفاء السؤال، وأن يكون رفيقًا بصاحب الفتوى، صبورًا عليه، محتسبًا للأجر، وألا يفتي في حال تغير خلقه أو انشغال قلبه. كما حذر من التساهل في بحث المسائل والتسرع في إصدار الأحكام قبل استيفائها حقها من النظر والفكر. وأكد على ضرورة ألا يكتفي المفتي بعرض الآراء دون ترجيح أحدها، وأن يوضح الجواب بأسلوب يزيل الإشكال. كما شدد على أهمية احترام قواعد فقه الخلاف، ومراعاة ما استقر عليه أهل المصر من الآراء الفقهية المعتبرة، وأوصى باستحباب مشاورة أهل الفتوى والرأي قبل إصدار الحكم. كما أورد المؤلف آدابًا ينبغي على المستفتي التحلي بها، ومنها أن يسأل العلماء المشهود لهم بالتمكن في علوم الشرع، والورع، والأمانة، والفطانة، وفهم الواقع ومتطلباته، وأن يحترم المفتي عند مخاطبته وسؤاله. وإن أراد معرفة دليل الفتوى وحجتها، فله أن يسأل عنها في مجلس آخر. ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-03-20
اكتمل الوحي الإلهي بقول الله -تعالى- في سورة المائدة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، وذلك يوم عرفة في حجة الوداع للنبي محمد -صل الله عليه وسلم-؛ ليكون الإسلام دينًا مكتمل الأركان، مستندًا إلى كتاب الله وسنة نبيه -صل الله عليه وسلم-. وبعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، حمل العلماء على عاتقهم مسئولية فهم الدين واستنباط الأحكام، فكان الاجتهاد بابًا واسعًا أثرى الأمة بعلوم شتى، وعلى مدار أكثر من 1000 عام ظهر تراث إسلامي زاخر بالكتب في التفسير، والحديث، والسيرة، والفقه، وغيرها من العلوم الشرعية. وفي هذه السلسلة، نطوف معًا بين رفوف "المكتبة الإسلامية"، نستكشف في كل حلقة كتابًا أثرى الفكر الإسلامي، ونتأمل معانيه وأثره في مسيرة العلم والدين. الحلقة العشرون.. الإمام بن كثير.. المفسر الفقيه ومؤرخ السيرة الإسلامية وفقًا لما ذكره المركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، فإن الإمام ابن كثير هو عماد الدِّين أبوالفداء إسماعيل بن عُمَر بن كثِير القُرَشي البُصرَوي الدمشقي الشافعي، وُلد سنة 700 هـ وقيل 701هـ، بقرية مجيدل جنوب شرق سوريا (درعا حاليًّا)، ونشأ في بيت علم، حيث كان والده شهاب الدين أبوحفص عمر بن كثير خطيب القرية، لكن توفي والده وهو في الثالثة من عمره، فتولَّاه شقيقه الأكبر الفقيه العالم كمال الدين عبدالوهاب، وكان لرعايته أثر في نشأته العلمية، حيث أتم حفظ القرآن الكريم وهو ابن 11 عامًا، وتعلم القراءات والتفسير. وقد أورد الإمام ابن كثير، عن أخيه في كتابه البداية والنهاية، قائلًا: "وقد كان لنا شقيقًا، وبنا رفيقًا شفيقًا.. فاشتغلت على يديه في العلم فيسر الله تعالى منه ما يسر، وسهل منه ما تعسر". وانتقل مع أخيه إلى دمشق، التي كانت مركزًا علميًا هامًا في العالم الإسلامي آنذاك، حيث استقر بجوار المدرسة النورية، وتلقى العلم على يد كبار العلماء والمشايخ مثل أبي القاسم ابن عساكر، والآمدي، وابن قاضي شهبة، وبرهان الدين الفزاري، والحافظ أبوالحجاج المزي الذي أعجب به وزوَّجه ابنته زينب. ووفقًا لما أورده المركز، فقد كان ابن كثير واسع الصدر، وحسن الخلق، ومتميزًا في علوم وفنون متعددة، ومجتهدًا في طلب العلم والتحصيل. وذكر المركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن الإمام ابن كثير كان له العديد من المؤلفات البارزة، أبرزها كتابه الشهير «البداية والنهاية»، وهو موسوعة تاريخية شاملة، و«التكميل في الجرح والتعديل ومعرفة الثقاة والضعفاء والمجاهيل» في علم الحديث، و«الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث»، و«السيرة النبوية»، و«جامع السنن والمسانيد»، بالإضافة إلى «طبقات الشافعية» الذي تناول تراجم علماء المذهب الشافعي. كما أشرف على عدة مدارس علمية، منها دار الحديث الأشرفية، والمدرسة الصالحية، والمدرسة النجيبية، والمدرسة التنكزية، والمدرسة النورية الكبرى، وعمل بالإفتاء، حتى وصفه شيخه الذهبي بـ"الإمام المفتي". وفي أواخر حياته، كُفَّ بصره، ثم توفي يوم الخميس السادس والعشرين من شعبان سنة 774 هـ، الموافق 1373م، عن عمر ناهز 74 عامًا، قضاها في طلب العلم والتدريس والإفتاء والتأليف، ودُفن بمقبرة الصوفية في دمشق. تفسير ابن كثير.. منارة التفسير بالمأثور تفسير ابن كثير هو أحد أشهر التفاسير الإسلامية، حيث يعتمد على تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالسنة، ثم بأقوال الصحابة والتابعين. ووفقًا لما ورد في الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، فإن ابن كثير تميز بدقته في نقل الروايات وتحقيقه للأسانيد؛ مما جعله مرجعًا موثوقًا. وبحسب ما ذكره الذهبي في "سير أعلام النبلاء"، لم يقتصر ابن كثير على جمع الروايات، بل كان ناقدًا لها، ومحققًا للأحاديث، ورافضًا للإسرائيليات والمرويات الضعيفة. كما جاء في "الدرر الكامنة" لابن حجر، فقد تصدى ابن كثير للتأويلات الفلسفية والباطنية، خصوصًا تلك التي تبناها المعتزلة والجهمية. ووفقا لكتاب "تاج العروس" للزبيدي، فإن تفسير ابن كثير انتشر على نطاق واسع، وتُرجم إلى عدة لغات، وظل أحد المراجع الأساسية في فهم القرآن الكريم؛ نظرًا لمنهجه العلمي وأسلوبه الواضح. اقرأ أيضا ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-03-19
اكتمل الوحي الإلهي بقول الله -تعالى- في سورة المائدة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، وذلك يوم عرفة في حجة الوداع للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ليكون الإسلام دينًا مكتمل الأركان، مستندًا إلى كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-. وبعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، حمل العلماء على عاتقهم مسئولية فهم الدين واستنباط الأحكام، فكان الاجتهاد بابًا واسعًا أثرى الأمة بعلوم شتى، وعلى مدار أكثر من ألف عام ظهر تراث إسلامي زاخر بالكتب في التفسير، والحديث، والسيرة، والفقه، وغيرها من العلوم الشرعية. وفي هذه السلسلة، نطوف معًا بين رفوف "المكتبة الإسلامية"، نستكشف في كل حلقة كتابًا أثرى الفكر الإسلامي، ونتأمل معانيه وأثره في مسيرة العلم والدين. الحلقة التاسعة عشر.. -الإمام أحمد بن حنبل.. شيخ الإسلام وإمام أهل السنة والجماعة يعد الإمام أحمد بن حنبل أحد أعمدة الفقه الإسلامي وأحد الأئمة الأربعة الذين قامت على اجتهاداتهم مدارس فقهية امتدت عبر العصور. وكان مثالًا للعالم الرباني الذي جمع بين الحديث والفقه، وبين الورع والثبات، وبين الاجتهاد العلمي والصبر على الابتلاء، عاش في زمن اشتد فيه الصراع بين الاتجاهات الكلامية المختلفة، فكان صلبًا في موقفه، قويًا في حجته، متواضعًا في سلوكه، زاهدًا في الدنيا، محبًا للعلم وأهله. ويظل اسمه مرتبطًا بالحديث النبوي وبمحنته الشهيرة في فتنة خلق القرآن، التي جعلت منه رمزًا للصمود أمام الضغوط السياسية والفكرية. بحسب ما جاء في كتاب "سير أعلام النبلاء" للإمام شمس الدين الذهبي، فقد وُلد أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني في ربيع الأول سنة 164 هـ - 780 م في بغداد، التي كانت آنذاك عاصمة العلم والعلماء، نشأ في بيئة متواضعة، حيث تُوفي والده وهو طفل، فتولت والدته تربيته، وكانت ذات أثر بالغ في نشأته العلمية والروحية. بدأ في طلب العلم منذ صغره، فحفظ القرآن الكريم، وتلقى علوم اللغة العربية والحديث والفقه على أيدي كبار العلماء في بغداد، ثم اتسعت مداركه فرحل في طلب العلم إلى الحجاز، واليمن، والشام، وخراسان، فكان ينتقي الشيوخ بعناية ويتحرى الدقة في النقل والرواية. يُعرف الإمام أحمد بأنه كان إمام أهل الحديث في زمانه، حيث جمع بين الرواية والدراية، ولم يكن مجرد ناقل للأحاديث، بل كان ناقدًا لها مميزًا بين صحيحها وضعيفها، متبعًا منهجًا دقيقًا في تصحيح الأخبار وتوثيق الأسانيد. كان شديد التمسك بالنصوص، مما جعله أقرب إلى المدرسة الأثرية التي تقدم الحديث على الرأي والقياس، وهو ما ميز المذهب الحنبلي لاحقًا، حيث غلب عليه التمسك بالنصوص الشرعية، وعدم التوسع في الاجتهاد العقلي إلا في أضيق الحدود. -رحلاته في طلب العلم وتأثره بشيوخه كان الإمام أحمد نموذجًا للعالم الذي يضحي براحته في سبيل العلم، فقد رحل إلى مكة والمدينة والبصرة والكوفة واليمن والشام، باحثًا عن الحديث، مستفسرًا عن دقائقه، مميزًا بين رواياته، من أبرز شيوخه الإمام الشافعي، الذي تأثر به كثيرًا، حتى قيل إنه كان أشد الناس حبًا وتقديرًا له. كما أخذ عن يحيى بن سعيد القطان، وعبدالرزاق الصنعاني، وسفيان بن عيينة، وعبدالله بن المبارك، وغيرهم من أعلام الحديث والفقه. وبلغ من دقته في النقل أنه كان يرفض التحديث عن أي شيخ إلا بعد أن يتثبت من عدالته وحفظه، وكان يراجع الأحاديث مرارًا قبل أن يدونها، حتى خرج بموسوعته العظيمة "المسند"، التي تعد من أضخم كتب الحديث، حيث ضمت أكثر من 27 ألف حديث مرتبة وفق أسماء الصحابة، وقال عنه ابن تيمية في منهاج السنة: "شرط أحمد في المسند أنه لا يروي عن المعروفين بالكذب عندهم"، مما يدل على دقة اختياره للأحاديث ومكانة كتابه بين كتب السنة. -الإمام أحمد وفتنة خلق القرآن يعد موقف الإمام أحمد في فتنة خلق القرآن من أعظم مواقف الثبات في التاريخ الإسلامي، ففي زمن الخليفة المأمون، فرضت الدولة العباسية عقيدة القول بخلق القرآن، وهي فكرة نشأت في بيئة المعتزلة، وتم فرضها بقوة السلطة، حيث تعرض العلماء للاضطهاد والإجبار على الإقرار بها، لكن الإمام أحمد رفض الخضوع لهذه العقيدة، ورأى أنها بدعة منكرة لا أصل لها في الكتاب والسنة، مما عرضه للسجن والجلد والتعذيب. وبحسب ما أورده ابن كثير في كتاب "البداية والنهاية"، فإن الإمام أحمد تعرض للضرب بالسياط حتى كاد يموت، لكنه ظل ثابتًا على موقفه، حتى تغيرت الأحوال في عهد الخليفة المتوكل، الذي رفع المحنة عن العلماء، وأعاد للإمام أحمد مكانته بين الناس. ومنذ ذلك الحين، أصبح الإمام أحمد رمزًا للصمود على الحق، وعدم الانقياد للسلطة في الأمور الدينية، وهو ما جعله محبوبًا بين عامة المسلمين، وعلماء الأمة على مر العصور. -مسند الإمام أحمد.. أضخم موسوعة حديثية يعد مسند الإمام أحمد بن حنبل من أعظم كتب الحديث النبوي، حيث جمع فيه الإمام أحمد ما يزيد عن 27 ألف حديث نبوي، ليكون مرجعًا شاملًا لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتبة وفق أسماء الصحابة الذين رووها، ويتميز الكتاب بكونه أكبر كتب السنة حجمًا، وأكثرها شمولًا، حيث يضم الأحاديث الصحيحة والحسنة والضعيفة مع التزام الإمام أحمد بعدم الرواية عن الكذابين. وظل المسند مرجعًا أساسيًا للمحدثين والفقهاء عبر العصور، حيث اعتمد عليه كبار العلماء في دراسة الحديث واستنباط الأحكام الفقهية. -منهج الإمام أحمد في تأليف المسند كان الإمام أحمد دقيقًا في جمع الحديث وروايته، فقد اعتمد في مسنده على الرواية عن الثقات، ورفض الرواية عن من عُرفوا بالكذب. كما كان حريصًا على جمع أكبر عدد من الأحاديث دون الاقتصار على الصحيح فقط، وذلك حتى يكون الكتاب مرجعًا شاملًا للحديث النبوي، يمكن للعلماء والفقهاء الرجوع إليه عند الحاجة. ورتّب الأحاديث وفق أسماء الصحابة، وليس وفق الموضوعات الفقهية، مما يجعله من كتب المسانيد، التي تتيح للقارئ دراسة الأحاديث بحسب رواة الحديث من الصحابة. -آراء العلماء في مسند الإمام وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة أن الإمام أحمد في المسند لم يروِ عن المعروفين بالكذب، وإن كان به بعض الأحاديث الضعيفة، مضيفا أن ابن الإمام أحمد والقطيعي أدخلا زيادات، تضمّن بعضها أحاديث موضوعة، مما جعل البعض يظن خطأً أنها من رواية الإمام أحمد. كما ألف الحافظ ابن حجر كتاب "القول المسدد في الذب عن المسند"، حيث أثبت عدم وجود أحاديث موضوعة في المسند، وبيّن أن معظمها جياد، وأنه لا يمكن القطع بوضع أي حديث فيه، إلا نادرًا، مع احتمال قوي لدفع ذلك. أما السيوطي فقد ذكر في خطبة الجامع الكبير أن كل ما في مسند أحمد مقبول، لأن الضعيف فيه قريب من درجة الحسن. وغدا نلتقي مع كتاب جديد من المكتبة الإسلامية.. اقرأ أيضا ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-03-18
اكتمل الوحي الإلهي، بقول الله -تعالى- في سورة المائدة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، وذلك يوم عرفة في حجة الوداع للنبي محمد -صل الله عليه وسلم-؛ ليكون الإسلام دينًا مكتمل الأركان، مستندًا إلى كتاب الله وسنة نبيه -صل الله عليه وسلم-.وبعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، حمل العلماء على عاتقهم مسئولية فهم الدين واستنباط الأحكام، فكان الاجتهاد بابًا واسعًا أثرى الأمة بعلوم شتى، وعلى مدار أكثر من 1000 عام ظهر تراث إسلامي زاخر بالكتب في التفسير، والحديث، والسيرة، والفقه، وغيرها من العلوم الشرعية.وفي هذه السلسلة، نطوف معًا بين رفوف "المكتبة الإسلامية"، نستكشف في كل حلقة كتابًا أثرى الفكر الإسلامي، ونتأمل معانيه وأثره في مسيرة العلم والدين.الحلقة الثامنة عشر.. العز بن عبد السلام.. سلطان العلماء وفقيه المقاصد بحسب ما أورده مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية، فإن الإمام أبومحمد عز الدين عبدالعزيز بن عبدالسَّلام بن أبي القاسم بن حسن السُّلَمي كان دمشقي المولد والنشأة، ومصري الإقامة والمرقد، وشافعي المذهب والتدريس، وهو أحد علماء الإسلام الأعلام، الملقب بـ"العز"، و"عز الدين"، و"سلطان العلماء".ووُلد العز بن عبدالسلام عام 577 هـ في مدينة دمشق، ونشأ في أسرة فقيرة، ولم يتهيأ له طلب العلم صغيرًا، لكنه حين بدأه تفوق على أقرانه، حتى صار عَلَمَ الزمان.ودرس على يد أكابر علماء عصره في دمشق، ثم رحل إلى بغداد، فتتلمذ على كبار علمائها، حتى نبغ في علوم العقيدة، والتفسير، وعلوم القرآن، والحديث، والفقه وأصوله، والسيرة النبوية، والنحو، والبلاغة، والتصوف.وتولى القضاء والإفتاء والتدريس، وخطب في الجامع الأموي، ودرّس في زاوية الغزالي، وكان من أبرز تلاميذه شيخ الإسلام ابن دقيق العيد، الذي لقّبه بـ"سلطان العلماء".وأجمع العلماء، على رجاحة عقله، وعلو همته، وقوة حجته، وسعة علمه، وجودة حفظه، وبراعة تصانيفه. كما عُرف بمواقفه الجريئة في إحقاق الحق، وإنكار المنكر، إلى جانب زهده وعفته وتواضعه. ما أبرز ما تضمنه مقاصد الصوم؟ بحسب ما قاله العز بن عبدالسلام، فإن الصيام يحقق مقاصد عظيمة تتجلى في تهذيب النفس وتعزيز التقوى، إذ يربي في الإنسان ملكة التحكم في الشهوات وضبط الغرائز؛ مما يجعله أكثر التزامًا بسلوكيات الخير والتقوى، مستلهمًا ذلك من قوله تعالى: "لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة: 183).ورأى أن الصيام يعمّق لدى الصائم الإحساس بمعاناة الفقراء، فيشعر بجوعهم وعطشهم فيرق قلبه لهم، ويحثه ذلك على العطاء والبذل؛ مما يعزز التكافل الاجتماعي ويقوي أواصر الرحمة بين أفراد المجتمع.ويعدّ الصيام، مدرسةً في الصبر والإرادة، حيث يدرب الإنسان على تحمل الجوع والعطش، مما ينعكس على قدرته في مواجهة تحديات الحياة بقوة وثبات، كما أن له بعدًا صحيًا، فهو ليس مجرد طهارة معنوية، بل يحقق كذلك تطهيرًا للجسد، إذ يمنح الجهاز الهضمي راحة، ويسهم في إزالة السموم؛ مما يجعله عبادة تجمع بين الفائدة الروحية والجسدية في آنٍ واحد.أما من الناحية الإيمانية، فإن الصيام يتميز بكونه عبادة خالصة بين العبد وربه، لا يطلع عليها أحد إلا الله، ولذلك فهو مظهر من مظاهر الإخلاص الصادق، حيث يتخلى الصائم عن شهواته سرًّا وعلانية، ابتغاء مرضاة الله؛ مما يجعله تجربة روحانية فريدة في حياة المسلم.وختم المؤلف، حديثه عن فضل الصوم في سائر الأيام، رمضان وغير رمضان، كصيام 6 أيام من شوال، وصيام 3 أيام من كل شهر، وصيام الاثنين والخميس.. ونحو ذلك.وبين أن الصوم يقي صاحبه من عذاب النار، وأن النبي كان يُكثرُ منه دون أن يستكمل صيام شهر إلا رمضان؛ مُشيرًا إلى الأيام التي نهت الشريعة عن صيامها كيوم عيد الفطر، وعيد الأضحى، وأيام التشريق الثلاثة، وفقا للأزهر الشريف.مكانة الكتاب وأثره حظي "مقاصد الصوم" بتقدير العلماء، واعتُبر من أهم الدراسات المقاصدية حول الصيام، حيث امتاز بأسلوبه التحليلي العميق، وابتعاده عن السرد الفقهي التقليدي.وقال عنه الإمام القرافي في الفروق: "كان العز بن عبدالسلام أعلم الناس بمقاصد الشريعة، وكتبه تشهد له بذلك".وأثنى عليه ابن دقيق العيد، معتبرًا أن مؤلفاته أظهرت بُعدًا جديدًا في فهم التشريع الإسلامي.وغدا نلتقي مع كتاب ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-03-15
اكتمل الوحي الإلهي، بقول الله -تعالى- في سورة المائدة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، في يوم عرفة من حجة الوداع؛ ليكون الإسلام دينًا مكتمل الأركان مستندًا إلى كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-. وبعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، حمل العلماء على عاتقهم مسئولية فهم الدين واستنباط الأحكام، فكان الاجتهاد بابًا واسعًا أثرى الأمة بعلوم شتى، وعلى مدار أكثر من 1000 عام ظهر تراث إسلامي زاخرا بالكتب في التفسير والحديث والسيرة والفقه وغيرها من العلوم الشرعية. وفي هذه السلسلة، نطوف معًا بين رفوف "المكتبة الإسلامية"، نستكشف في كل حلقة كتابًا أثرى الفكر الإسلامي، ونتأمل في معانيه وأثره في مسيرة العلم والدين. الحلقة الخامسة عشر.. يُعتبر علم الفقه الإسلامي أحد أعمدة المعرفة الإسلامية، ومرّ عبر التاريخ بمراحل من الاجتهاد والتطوير، ما أدى إلى ظهور المدارس الفقهية الكبرى، وكان لكل عالم منهجه الخاص في استنباط الأحكام الشرعية، فمنهم من اعتمد على القياس والاستحسان والمصلحة المرسلة، ومنهم من رفض ذلك واكتفى بالنصوص الشرعية فقط، كما فعل الإمام ابن حزم الأندلسي في كتابه "المحلى بالآثار"، الذي يُعَدّ من أعظم كتب الفقه المقارن المبني على النصوص الشرعية. -من هو الإمام ابن حزم؟ وفقًا لما ورد في "وفيات الأعيان" لـ ابن خلكان، فإن علي بن أحمد بن سعيد ابن حزم الظاهري، وُلد سنة 384هـ في الأندلس، ونشأ في بيت علم وفقه، حيث كان والده وزيرًا في الدولة الأموية بالأندلس، تلقى علومه الأولى على يد كبار الفقهاء، لكنه رفض المناهج الفقهية التقليدية، واتجه إلى مدرسة أهل الظاهر، التي تعتمد على الأخذ بظاهر النصوص الشرعية دون اللجوء إلى التأويل أو القياس. -منهجه في المحلى بحسب ما ورد في "تاريخ الفقه الإسلامي" للزركشي، فإن ابن حزم في "المحلى" التزم بمنهج صارم يقوم على: الاعتماد على القرآن والسنة الصحيحة كمصدرين أساسيين للتشريع، ورفض القياس والاستحسان والمصالح المرسلة، معتبرًا أن هذه الوسائل تفتح الباب للاجتهادات البشرية التي قد تتعارض مع النصوص الشرعية، والالتزام بالإجماع الصريح فقط، مع رفض أي نوع من الإجماع الظني. -موضوعات الكتاب يغطي المحلى جميع أبواب الفقه الإسلامي، من الطهارة والصلاة والصيام، إلى المعاملات والنكاح والحدود. وفي كل مسألة، يعرض ابن حزم رأيه الفقهي بناءً على الأدلة من الكتاب والسنة، ثم ينقد المذاهب الأخرى نقدًا حادًا، خاصة المالكية والشافعية والحنفية. -أهمية الكتاب وتأثيره على الرغم من أسلوب ابن حزم الجدلي، فإن "المحلى" يُعتبر كنزًا فقهيًا لا غنى عنه للباحثين في أصول الفقه الإسلامي، حيث قال الشوكاني في "البدر الطالع": "لا يُستغنى عن المحلى لمن أراد معرفة قوة الأدلة وضعفها"، كما أن ابن تيمية في "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" أشار إلى أن ابن حزم كان من أكثر العلماء تمسكًا بالدليل، وإن كان متشددًا في رفض الآراء الأخرى. وغدا نلتقي مع كتاب جديد من المكتبة الإسلامية.. اقرأ أيضا: ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-03-14
اكتمل الوحي الإلهي، بقول الله -تعالى- في سورة المائدة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، في يوم عرفة من حجة الوداع؛ ليكون الإسلام دينًا مكتمل الأركان مستندًا إلى كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-. وبعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، حمل العلماء على عاتقهم مسئولية فهم الدين واستنباط الأحكام، فكان الاجتهاد بابًا واسعًا أثرى الأمة بعلوم شتى، وعلى مدار أكثر من 1000 عام ظهر تراث إسلامي زاخرا بالكتب في التفسير والحديث والسيرة والفقه وغيرها من العلوم الشرعية. وفي هذه السلسلة، نطوف معًا بين رفوف "المكتبة الإسلامية"، نستكشف في كل حلقة كتابًا أثرى الفكر الإسلامي، ونتأمل في معانيه وأثره في مسيرة العلم والدين. الحلقة الرابعة عشر.. لا تخل كتب الحديث من نصوص قد تبدو للوهلة الأولى متعارضة أو تحتاج إلى تفسير أعمق، وهو ما دفع العلماء إلى وضع قواعد لفهمها وتأويلها بما يتوافق مع منهج أهل السنة، وكان من أبرز من تصدى لهذه المهمة الإمام أبو جعفر الطحاوي في كتابه "شرح مشكل الآثار"، الذي يُعد من أهم المراجع في تفسير الأحاديث المشكلة ودفع التعارض الظاهري بينها. -من هو الإمام الطحاوي؟ هو أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، وُلد سنة 239هـ في مصر، ونشأ في بيئة علمية تأثر فيها بمدرسة الإمام أبي حنيفة النعمان، درس على يد علماء الحديث والفقه في عصره، وكان واسع الاطلاع على المذاهب الفقهية المختلفة، واشتهر بكتبه التي رسخت الفقه الحنفي، ومنها "شرح معاني الآثار" و"شرح مشكل الآثار"، كما أشار إليه ابن خلكان في وفيات الأعيان. -منهجه في شرح مشكل الآثار وفقًا لما ورد في "طبقات الفقهاء"، وضع الطحاوي منهجًا علميًا دقيقًا في كتابه، حيث جمع الأحاديث التي قد تبدو متعارضة، ثم شرحها على ضوء قواعد علم الحديث وأصول الفقه، مستعينًا بفهم الصحابة والتابعين، كما اعتمد على التفسير اللغوي والسياقي، موضحًا كيف تتكامل النصوص النبوية دون تعارض حقيقي. وأثنى العلماء على هذا الكتاب، حيث قال ابن حجر العسقلاني في "الدرر الكامنة": "هو من أجلّ ما صُنِّف في حل مشكلات الحديث، حيث كشف الطحاوي عن وجوه الجمع بين النصوص بطريقة علمية رصينة". وغدًا نلتقي مع كتاب جديد من المكتبة الإسلامية.. اقرأ أيضاالمكتبة الإسلامية (13).. جامع البيان للطبري: حجر الأساس في تفسير القرآن https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=13032025&id=a3014d21-77ee-41ef-85cf-cbb980628334 ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-03-13
اكتمل الوحي الإلهي بقول الله -تعالى- في سورة المائدة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، وذلك يوم عرفة في حجة الوداع للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ليكون الإسلام دينًا مكتمل الأركان، مستندًا إلى كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-. وبعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، حمل العلماء على عاتقهم مسؤولية فهم الدين واستنباط الأحكام، فكان الاجتهاد بابًا واسعًا أثرى الأمة بعلوم شتى، وعلى مدار أكثر من ألف عام ظهر تراث إسلامي زاخر بالكتب في التفسير، والحديث، والسيرة، والفقه، وغيرها من العلوم الشرعية. وفي هذه السلسلة، نطوف معًا بين رفوف "المكتبة الإسلامية"، نستكشف في كل حلقة كتابًا أثرى الفكر الإسلامي، ونتأمل معانيه وأثره في مسيرة العلم والدين. الحلقة الثالثة عشرة.. من هو الإمام الطبري؟ هو محمد بن جرير بن يزيد بن خالد بن كثير أبو جعفر الطبري، وُلد في بغداد سنة 224هـ وتوفي سنة 310هـ. كان عالمًا فذًا، واسع الرواية، بصيرًا بالنقل والترجيح بين الروايات، وله باع طويل في تاريخ الرجال وأخبار الأمم، وفقًا لما ورد في كتاب "مباحث في علوم القرآن". رحلته في طلب العلم منذ صغره، كان الإمام الطبري محبًا للعلم وشغوفًا به، فلم يكتفِ بالبقاء في موطنه، بل بدأ رحلته العلمية في طلب العلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة، متنقلًا بين الأقاليم والبلدان، باحثًا عن المعرفة. بدأ رحلته من بلاد فارس، حيث انتقل بين مدن طبرستان، ثم الري وما جاورها، ليتلقى العلوم على يد علمائها في الحديث، واللغة، والتاريخ، والتفسير. وقد أشار الإمام الطبري بنفسه إلى سعيه الحثيث في طلب العلم، قائلًا: "كنا نكتب عند محمد بن حميد الرازي، فيخرج إلينا في الليل مرات، ويسأل عما كتبناه ويقرؤه علينا. وكنا نمضي إلى أحمد بن حماد الدولابي، وكان في قرية من قرى الري بينها وبين الري قطعة، ثم نعدو كالمجانين حتى نصير إلى ابن حميد فنلحق مجلسه". بعد أن استوفى علمه في فارس، طمح الإمام الطبري إلى الأخذ عن الإمام أحمد بن حنبل، فتوجه إلى بغداد، التي كانت آنذاك حاضرة العلم وموطن العلماء، إلا أن أحمد بن حنبل توفي قبل وصوله إليها. لكن ذلك لم يثنِ عزيمته، فأقام في بغداد وأخذ عن كبار شيوخها علوم الفقه والحديث، مستكملًا بذلك رحلته العلمية الغنية، التي جعلت منه إمامًا في التفسير، والحديث، والفقه، والتاريخ، وفقًا لمعجم الأدباء للحموي. ورعه وزهده عُرف الإمام الطبري بورعه وزهده في الدنيا، فكان شديد التوقي والحذر مما ينافي التدين والورع. كان عفيفًا، أبيّ النفس، عزيز الهمة، فلم يسعَ وراء الدنيا ولم يتكالب على مناصبها. اعتمد في معيشته على حصته من مزرعة ورثها عن والده في طبرستان، بل كان يبيع ثيابه أحيانًا ليتقوت بثمنها، ومع ذلك لم يمد يده إلى أحد، ولم يقبل عطايا الحكام، وفقًا لما نشرته مجلة الأزهر الشريف. دفعه ورعه وإباؤه إلى رفض تولي القضاء، كما رفض جوائز الأمراء وهدايا الوزراء، معتبرًا أن ذلك قد يُخل باستقلالية العالم ومكانته. يقول النووي عنه: "أجمعت الأمة على أنه لم يُصنَّف مثل تفسير الطبري". أما ابن تيمية، فيرى أن تفسير الطبري هو "أصح التفاسير التي بين أيدي الناس". تفسير الطبري.. مرجع علمي للتفسير بالمأثور يُعد تفسير الطبري، المعروف باسم "جامع البيان عن تأويل آي القرآن"، أحد أعظم وأقدم التفاسير الإسلامية، حيث يُعتبر المرجع الأهم في التفسير بالمأثور. وضع الإمام الطبري منهجًا فريدًا جعله أساسًا لكل التفاسير التي جاءت بعده، حيث اعتمد على تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالسنة، ثم بأقوال الصحابة والتابعين، مع تحليل لغوي دقيق، والرجوع إلى القراءات المختلفة، وفقًا لما ورد في كتاب "البرهان في علوم القرآن". كان الطبري يحتكم كثيرًا في تفسيره عند الترجيح والاختيار إلى المعروف من كلام العرب، معتمدًا على أشعارهم، وراجعًا إلى مذاهبهم النحوية واللغوية، ليصبح كتابه مرجعًا أساسيًا في تفسير القرآن عبر العصور. اقرأ أيضا: المكتبة الإسلامية (12).. الفقه الأكبر أسس العقيدة كما شرحها الإمام أبو حنيفة ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-03-12
اكتمل الوحي الإلهي، بقول الله تعالى في سورة المائدة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، في يوم عرفة من حجة الوداع؛ ليكون الإسلام دينًا مكتمل الأركان مستندًا إلى كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم. وبعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، حمل العلماء على عاتقهم مسئولية فهم الدين واستنباط الأحكام، فكان الاجتهاد بابًا واسعًا أثرى الأمة بعلوم شتى، وعلى مدار أكثر من 1000 عام ظهر تراث إسلامي زاخرا بالكتب في التفسير والحديث والسيرة والفقه وغيرها من العلوم الشرعية. وفي هذه السلسلة، نطوف معًا بين رفوف "المكتبة الإسلامية"، نستكشف في كل حلقة كتابًا أثرى الفكر الإسلامي، ونتأمل في معانيه وأثره في مسيرة العلم والدين. الحلقة الثانية عشر.. عندما يُذكر الإمام أبو حنيفة، يتبادر إلى الأذهان دوره كمؤسس المذهب الحنفي وأحد أعظم الفقهاء في الإسلام، لكن كثيرون لا يعلمون أن له إسهامًا عظيمًا في علم العقيدة أيضًا، يتجلى ذلك في كتابه "الفقه الأكبر"، الذي يُعد أقدم نص مكتوب في العقيدة الإسلامية على منهج أهل السنة والجماعة، حيث أسس فيه لمنظومة فكرية متماسكة تجمع بين النقل والعقل في فهم أصول الإيمان. - من هو الإمام أبو حنيفة؟ هو النعمان بن ثابت بن زوطى التيمي الكوفي مولى بني تيم بن ثعلب، وقيل أن سبب تكنيته بـ أبي حنيفة ملازمته للدواة المسماة حنيفة بلغة العراق ولاجتهاده في طلب العلم، فأبو حنيفة كنية وليست اسماً. ولد أبو حنيفة رضي الله عنه في الكوفة سنة 80 للهجرة على رواية الأكثرين، ونشأ وتربى بها وعاش أكثر حياته فيها متعلماً ومعلماً. ومن أهم وأفضل ابتكارات الإمام أبي حنيفة أنه كان يعرض المسائل الفقهية على العلماء من تلاميذه في حلقة الدرس، ليدلي كل بدلوه، ويذكر ما يرى لرأيه من حجة، ثم يعقِب هو على آرائهم بما يدفعها بالنقل أو الرأي، ويصوِب صواب أهل الصواب، ويؤيده بما عنده من أدلةٍ، ولربما انقضت أيام قبل تقرير مسألة ما. يقول الموفق المكي في مناقب أبي حنيفة أنه وضع مذهبه شورى بينهم، لم يستبد فيه بنفسه دونهم اجتهاداً منه في الدين، ومبالغة في النصيحة لله ولرسوله والمؤمنين، فكان يلقي مسألة وراء أخرى، يقلِبها ويسمع ما عندهم، ويقول ما عنده، وربما ناظرهم شهراً أو أكثر من ذلك في المسألة الواحدة، حتى يستقر أحد الأقوال فيها، ثم يثبتها القاضي أبو يوسف في الأصول، حتى أثبت الأصول كلها. قال ابن العماد في "شذرات الذهب" عن الإمام أبي حنيفة: "وكان من أذكياء بني آدم، جمع الفقه والعبادة، والورع والسخاء، وكان لا يقبل جوائز الدولة، بل ينفق ويؤثر من كسبه، له دار كبيرة لعمل الخز وعنده صنَّاع وأجراء رحمه الله تعالى". كان الإمام أبو حنيفة يعمل بالتجارة بصدق وأمانة واستمر في ذلك أكثر حياته فاكتسب خبرة في العرف والعادات والمعاملات وطرق الناس في البيع والشراء، وأفادته التجارة في الفقه. اتصف أبو حنيفة التاجر بصفات تجعله مثلاً كاملاً للتاجر الصدوق، كما كان هو في الذروة بين العلماء، فقد كان ثري النفس عظيم الأمانة شديداً على نفسه في كل ما يتصل بها، وكان سمحاً قد وقاه الله شح نفسه، وكان عظيم العبادة يصوم النهار ويقوم الليل، فكان لهذه الصفات أثرها في معاملاته التجارية، حتى كان غريباً بين التجار، وحتى شبهه كثيرون في تجارته بأبي بكر الصديق. وتوفي الإمام بالعراق سنة 150 هجرية، وبني بجوار قبره مسجد سمي بمسجد الإمام الأعظم الذي هو أحد ألقاب أبي حنيفة النعمان، ولا يزال المسجد الجامع شاخصا إلى يومنا هذا وتسمى المنطقة التي بجواره منطقة الأعظمية وهي تسمية مشتقة من لقب الإمام الأعظم، وهي من أعرق أحياء بغداد. -الفقة الأكبر.. المنهج الوسطي لأهل السنة والجماعة يُعد "الفقه الأكبر" أحد أقدم وأهم الكتب في علم العقيدة الإسلامية، وهو من تأليف الإمام أبي حنيفة النعمان، يتناول الكتاب القضايا الأساسية المتعلقة بالتوحيد، الإيمان والقدر والنبوة والمعاد، واضعًا بذلك منهجًا واضحًا لأهل السنة والجماعة في العقيدة، بعيدًا عن الغلو والتأويل الفاسد. وفقًا لما ورد في "حاشية رد المحتار" لـ ابن عابدين، فإن مصطلح "الفقه" في زمن الإمام أبي حنيفة كان يُطلق على فهم الدين عمومًا، وليس فقط على الأحكام العملية، ولأن العقيدة هي أصل الفقه وأساس الدين، أطلق الإمام على هذا الكتاب "الفقه الأكبر"، تمييزًا له عن الفقه المتعلق بالفروع، الذي أصبح يُعرف لاحقًا بـ"الفقه الأصغر". - ماذا يتضمن الكتاب؟ يُعد "الفقه الأكبر" أول محاولة مبكرة لتأصيل علم العقيدة الإسلامية، وناقش فيه الإمام أبو حنيفة عدة قضايا أساسية، منها ما أكد الإمام أن الله موجود بلا كيف، ولا يُشبه خلقه، وهو على العرش بصفاته لا بذاته. وكما جاء بكتاب "تبصرة الأدلة" للإمام النسفي، فقد رفض أبو حنيفة التشبيه والتجسيم، كما رفض التأويل الباطني الذي عُرف لاحقًا عند المعتزلة. أقرّ أبو حنيفة بأن الأنبياء معصومون في تبليغ الوحي، وأن المعجزات حق. وكما ذكر الإمام البيهقي في كتابه "الاعتقاد والهداية"، فإن أبي حنيفة كان حريصًا على إثبات النبوات ودفع الشبهات عنها، خصوصًا من قبل المعتزلة الذين كانوا يميلون إلى تفسير المعجزات تفسيرًا عقليًا محضًا. اقرأ أيضا ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال:
الشروق
2025-03-11
اكتمل الوحي الإلهي، بقول الله -تعالى- في سورة المائدة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، في يوم عرفة من حجة الوداع للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ليكون الإسلام دينًا مكتمل الأركان مستندًا إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وبعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، حمل العلماء على عاتقهم مسئولية فهم الدين واستنباط الأحكام، فكان الاجتهاد بابًا واسعًا أثرى الأمة بعلوم شتى، وعلى مدار أكثر من 1000 عام ظهر تراث إسلامي زاخرا بالكتب في التفسير والحديث والسيرة والفقه وغيرها من العلوم الشرعية. وفي هذه السلسلة، نطوف معًا بين رفوف "المكتبة الإسلامية"، نستكشف في كل حلقة كتابًا أثرى الفكر الإسلامي، ونتأمل في معانيه وأثره في مسيرة العلم والدين. الحلقة الحادية عشر.. تحتل مقاصد الشريعة الإسلامية مكانة محورية في فهم الأحكام الشرعية، حيث تساعد على استيعاب روح التشريع الإسلامي وأهدافه الكبرى، ومن أبرز العلماء الذين أسسوا لهذا العلم الإمام الشاطبي، وذلك من خلال كتابه الفريد "الموافقات"، الذي يعد من أهم المراجع في الفقه الإسلامي وأصوله. -من هو الإمام الشاطبي؟ هو الإمام إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي، المكنّى بأبي إسـحق الشاطبي، نسبة إلى شاطبة، وهي إحدى مدن غرناطة ببلاد الأندلس، حيث وُلد في القرن الثامن الهجري. ونشأ الشاطبي في مدينة غرناطة، وتلقى العلم فيها منذ صغر، ولم يُنقل عنه أنه خرج منها لطلب العلم، بل لازمها طيلة حياته حتى توفي. برع في علوم العربية وعلوم الشريعة، مما مكّنه من استكشاف أسرارها، وإبراز مقاصدها، وضبط قواعدها، وربط فروعها بأصولها، بحسب دراسة عنه نشرتها جامعة الأزهر في غزة. وكان الإمام الشاطبي من ألمع علماء عصره في الأندلس، حيث تبوأ مكانة علمية مرموقة، ونال تقدير العلماء، ومن أقوالهم فيه: قال تلميذه أبو عبدالله محمد بن محمد بن علي المجاري الأندلسي: "الشيخ الإمام العلامة الشهير نسيج وحده وفريد عصره." كما قال الإمام ابن مرزوق الحفيد: "الشيخ الأستاذ الفقيه الإمام المحقق العلامة الصالح". وقال أحمد بابا السوداني في ترجمته للإمام: "الإمام العلامة، المحقق، القدوة، الحافظ، الجليل، والمجتهد، كان أصوليًا، مفسرًا، فقيهًا، محدثًا، لغويًا، بيانيًا، نظارًا، ثبتًا، ورعًا، صالحًا، زاهدًا، سنيًا، إمامًا، مطلقًا، بحاثًا، مدققًا، جدليًا، وبارعًا في العلوم، من أفراد العلماء المحققين الأثبات وأكابر الأئمة المتفننين الثقات". -لماذا ألف الشاطبي الموافقات؟ رأى الإمام الشاطبي أن كثيرًا من الفقهاء اقتصروا على ظواهر النصوص دون الالتفات إلى مقاصد التشريع، فوضع كتاب "الموافقات" ليؤكد أن الأحكام الإسلامية تهدف إلى تحقيق مصالح العباد، وأن الشريعة ليست مجرد نصوص جامدة، بل لها روح ومقصد يجب فهمه. - ماذا تضمن الكتاب؟ ومن بين ما قاله الإمام الشاطبي في كتابه: "ليس كل ما يُعلم مما هو حقٌّ يُطلب نشره وإن كان من علم الشريعة، ومما يفيد علماً بالأحكام، بل ذلك ينقسم، فمنه ما هو مطلوب النشر وهو غالب علم الشريعة، ومنه ما لا يطلب نشره بإطلاق، أو لا يطلب نشره بالنسبة إلى حال أو وقت أو شخص.. وقد أخبر مالك عن نفسه أن عنده أحاديث وعِلما ما تكلم فيها ولا حَدث بها، وكان يكره الكلام فيما ليس تحته عَمل وأخبر عمن تقدمه أنهم كانوا يكرهون". وتطرق أيضا كيفية تأدب العباد إذا قصدوا باب رب الأرباب بالتضرع والدعاء، فقد بين مساق القرآن آدابا استقرئت منه، وإن لم ينص عليها بالعبارة، فقد أغنت إشارة التقرير عن التصريح بالتعبير، فأنت ترى أن نداء الله للعباد لم يأت في القرآن في الغالب إلا بـ"يا" المشيرة إلى بعد المنادي لأن صاحب النداء منزه عن مداناة العباد، موصوف بالتعالي عنهم والاستغناء، فإذا قرر نداء العباد للرب أتى بأمور تستدعي قرب الإجابة: منها: إسقاط حرف النداء المشير إلى قرب المنادى، وأنه حاضر مع المنادي غير غافل عنه، فدل على استشعار الراغب هذا المعنى، إذ لم يأت في الغالب إلا في "ربنا لا تؤاخذنا" و"ربنا تقبل منا" في سورة البقرة. وغدا نلتقي مع كتاب جديد من المكتبة الإسلامية.. اقرأ أيضا ...قراءة المزيد
الكلمات المفتاحية المذكورة في المقال: